قلق في الأحزاب الإسرائيلية من رسائل الجمهور في الانتخابات البلدية

مشاركة ضعيفة في التصويت لدى الليبراليين وتدفق هائل لليمين

إسرائيلية تدلي بصوتها في الانتخابات البلدية قي القدس (أ.ف.ب)
إسرائيلية تدلي بصوتها في الانتخابات البلدية قي القدس (أ.ف.ب)
TT

قلق في الأحزاب الإسرائيلية من رسائل الجمهور في الانتخابات البلدية

إسرائيلية تدلي بصوتها في الانتخابات البلدية قي القدس (أ.ف.ب)
إسرائيلية تدلي بصوتها في الانتخابات البلدية قي القدس (أ.ف.ب)

بعد الانتهاء من فرز غالبية الأصوات، يوم الخميس، في الانتخابات البلدية التي جرت في إسرائيل، أشار الخبراء السياسيون إلى وجود قلق شديد لدى قادة الأحزاب الذين أعربوا عن خشيتهم من أن تكون النتائج بمثابة مؤشر لما يتوقع أن يحصل في الانتخابات العامة للكنيست (البرلمان)، التي يفترض أن يتم تبكيرها لتقام في موعد ما خلال السنة الحالية. ومن أهم المعطيات، التي يمكن أن تكون مخيفة للأحزاب الطامحة لتغيير حكومة بنيامين نتنياهو، هي نوعية ونسبة المشاركة من جهة، والضربات التي وجهها الجمهور لهذه الأحزاب من جهة ثانية.

فقد جاءت نسبة التصويت أدنى من نسبة التصويت في الانتخابات المحلية السابقة (من 56 في المائة في سنة 2018 إلى نسبة 49 في المائة هذه المرة)، مع العلم أنه بحسب القانون يعد يوم الانتخابات البلدية يوم عطلة رسمية مدفوعة الأجر. وحتى في الجيش حرصوا على وضع صناديق اقتراع للجنود، حتى في قطاع غزة. ومن مجموع 400 ألف جندي في الخدمة، شارك في التصويت 120 ألفاً.

انخفاض نسبة التصويت في الانتخابات البلدية في القدس (أ.ف.ب)

انخفاض نسبة التصويت

والمشكلة هي أن هذا الانخفاض في نسبة التصويت لا يوضح كل الحقيقة، فعندما يقال 49 في المائة فالمقصود هو حساب المعدل، لكن في البلدات التي يعيش فيها اليهود المتدينون (الحريديم)، بلغت نسبة التصويت 80 – 85 في المائة. وفي المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وكذلك البلدات التي يعيش فيها تيار الصهيونية الدينية الذي يقوده الوزيران المتطرفان بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، بلغت النسبة 75 في المائة بالمعدل. وفي البلدات العربية جاءت النسبة عالية كالعادة في الانتخابات البلدية إذ تعدت 80 في المائة، لكن في الناصرة وأم الفحم هبطت إلى 52 في المائة.

وقد جاءت نسبة التصويت المنخفضة، بالأساس في البلدات الليبرالية، مثل تل أبيب 42 في المائة، وحيفا 32 في المائة، وأحد الأسباب يعود إلى الحرب. لكن السبب الأساسي يعود لشيء آخر، فاليسار ما زال متقاعساً ويميل إلى الجلوس في البيت أو الخروج للاستجمام وعدم المشاركة. ولذلك فإن المشاركة المتدنية تقلق الأحزاب الليبرالية، خصوصاً «ييش عتيد»، بقيادة يائير لبيد، و «المعسكر الرسمي» برئاسة بيني غانتس، وحزبي العمل وميرتس اليساريين، وتحالف الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة مع الحركة العربية للتغيير (أيمن عودة وأحمد الطيبي).

فهذه الأحزاب لم تنجح في تجنيد غير عادي للمعركة، يتلاءم ومقتضيات المرحلة، التي تحتاج لانتفاضة في التفكير والعمل والنشاط، خصوصاً أن الأحزاب الإسرائيلية اليمينية تعد فوز مرشحيها برئاسة أو عضوية بلديات ومجالس محلية في الانتخابات، سيشكل قاعدة ميدانية للانتخابات العامة المقبلة، لأن البلديات ذات صلاحيات كبيرة وتعد أحد أكبر مواقع التشغيل والوظائف وفيها مجال هائل للمحسوبيات والفساد.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إ.ب.أ)

حزب الليكود

ويتبين أن الليكود برئاسة نتنياهو، كان أكثر حزب فعال في الانتخابات المحلية، وحيثما لم يكن له تمثيل قام بدعم قوائم أخرى وحرص على دعم أكثر من قائمة في بعض البلدات، وفاز مرشحوه برئاسة ست بلديات وبعضوية 33 مجلساً بلدياً ومحلياً. وخسر رئاسة خمس بلديات.

ونظر حزب «ييش عتيد» إلى الانتخابات في تل أبيب على أنها معركته المركزية، لكن مرشحته لرئاسة البلدية، الوزيرة السابقة أورنا بربيباي، وهي جنرال برتبة لواء في جيش الاحتياط، خسرت هذه المعركة لصالح رئيس البلدية، رون خولدائي، وهو عميد في جيش الاحتياط، الذي يتولى المنصب منذ أكثر من 25 عاماً ويشارك في المعارك الشعبية لإسقاط حكومة نتنياهو. ورغم ذلك ارتفع تمثيل هذا الحزب في المجلس البلدي من عضو إلى 3 أعضاء، وخسر مرشح «ييش عتيد» رئاسة بلدية عراد، لكن تمثيل هذا الحزب ارتفع في عشرة مجالس بلدية ومحلية.

وخاضت كتلة غانتس الانتخابات البلدية لأول مرة هذه السنة، وتركز ذلك بالأساس في عضوية مجالس بلدية، وفي بعض المدن كان ذلك من خلال تحالفات مع «ييش عتيد». وينتظر مرشحا الكتلة لرئاسة بلديتي هرتسيليا وكفار سابا النتائج النهائية بعد فرز المغلفات المزدوجة لتصويت الجنود، فيما فازت مرشحة الكتلة برئاسة المجلس الإقليمي «عيمق يزراعيل». وحصلت الكتلة على أكبر عدد من أعضاء المجالس البلدية في مدن رعنانا والخضيرة وحولون.

أقارب الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى «حماس» أثناء مسيرة للمطالبة بإطلاق سراحهم (أ.ف.ب)

حركة الاحتجاج ضد نتنياهو

ومن أهم نتائج هذه الانتخابات، هو أن حركة الاحتجاج ضد خطة حكومة نتنياهو لإضعاف جهاز القضاء والانقلاب على منظومة الحكم، خاضت هذه الانتخابات بقوائم خاصة بها وتحمل اسمها وتمكنت من إدخال مرشحيها إلى 26 مجلساً بلدياً ومحلياً، ومن فوز مرشحيها برئاسة ثلاث بلديات، هي بنيامينا وزِخرون يعقوب ورعنانا.

ولكن بالمقابل فإن حزب «عوتسما يهوديت» اليميني المتطرف برئاسة بن غفير الذي خاض الانتخابات المحلية لأول مرة، تمكن من انتخاب مرشحين عنه لعضوية 14 سلطة محلية، بينهم عضوان في مجلس بلدية القدس و3 أعضاء في مجلس بلدية العفولة، كما دعم هذا الحزب الفائزين برئاسة 6 بلديات ومستوطنات.

وأظهرت نتائج الانتخابات أن الأحزاب الحريدية سيطرت على العديد من المدن والبلدات، من خلال الفوز برئاسة البلدية أو العضوية في المجلس البلدي، وبينها مدن أو بلدات لا تسكنها أغلبية حريدية. وفي القدس، حصلت الأحزاب الحريدية – «ديغل هتوراة، شاس، أغودات يسرائيل، الجناح الأورشاليمي» – على 16 مقعداً من بين 30 مقعداً في المجلس البلدي. كذلك حصلت قائمة «موحدون» الحريدية – القومية المتطرفة على مقعدين، وحزب «نوعام» العنصري على مقعد واحد، ما يعني فوز هذه الأحزاب بأغلبية مطلقة. وقد تتغير هذه النتائج قليلاً بعد انتهاء عملية فرز المغلفات المزدوجة التي يصوت من خلالها الجنود. لكنها كانت كافية لإثارة القلق لدى بقايا الليبراليين واليساريين في المدينة.

وفاز المرشح المدعوم من الأحزاب الحريدية الثلاثة برئاسة بلدية أشدود، وحصلت هذه الأحزاب على تأييد 38 في المائة من الناخبين. كذلك فاز المرشح الذي دعمته هذه الأحزاب الحريدية برئاسة بلدية طبرية، كما فاز مرشح حزب شاس برئاسة بلدية صفد، وكذلك في عراد. وسيستمر حكم الحريديين في المدن الحريدية، مثل بني براك وإلعاد وربما في بيت شيمش التي ستعاد فيها انتخابات الرئاسة.

الخلاصة أن نسبة التصويت كانت منخفضة والأحزاب كلها ربحت في بعض الأماكن وخسرت في أماكن أخرى، لكن نسبة الربح الأكبر جاءت لدى المتدينين ولدى اليمين المتطرف.


مقالات ذات صلة

تقرير: أميركا وحلفاؤها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار غزة

المشرق العربي منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تقرير: أميركا وحلفاؤها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار غزة

ذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء، نقلاً عن مصادر مطلعة، اليوم الاثنين، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية جندي إسرائيلي ينبطح أرضاً لدى سماعه دوي صفارات الإنذار بغلاف غزة في أكتوبر 2023 (أ.ب) play-circle

نتنياهو يدفع لتحقيق منزوع الصلاحيات حول هجوم «7 أكتوبر»

صادقت لجنة وزارية إسرائيلية على مشروع قانون قدمه حزب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتشكيل لجنة تحقيق في هجوم «7 أكتوبر» (تشرين الأول).

«الشرق الأوسط» (تل أبيب - غزة )
المشرق العربي فلسطيني يحمل جثمان رضيع توفي بسبب البرد القارس في خان يونس جنوب غزة (رويترز)

إسرائيل تُحرّك الخط الأصفر في جباليا لتعميق سيطرتها شمال غزة

تواصل القوات الإسرائيلية تعميق سيطرتها داخل قطاع غزة عبر إحكام قبضتها على العديد من المناطق، إذ توغلت آلياتها العسكرية بشكل مفاجئ في مخيم جباليا شمال القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

نتنياهو يواصل الاعتراض على تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في 7 أكتوبر

يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفض فتح تحقيق مستقل في الهجمات غير المسبوقة التي شنتها حركة «حماس» وغيرها من المسلحين في إسرائيل قبل عامين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

«حرب على الأمومة»... كيف أصبحت النساء الحوامل والأطفال أهدافاً في النزاعات؟

كشف تحقيق جديد عن مستوى غير مسبوق من العنف يطول النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة، في ظل النزاعات المشتعلة حول العالم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

نتنياهو: نعلم بالتدريبات الإيرانية الأخيرة

TT

نتنياهو: نعلم بالتدريبات الإيرانية الأخيرة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدسفي القدس (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدسفي القدس (إ.ب.أ)

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاثنين، ‌إن تل أبيب على ​علم ‌بأن إيران تجري «تدريبات» في الآونة الأخيرة.

وأضاف نتنياهو، وفقاً لوكالة «رويترز»، ‌أن ‍أنشطة طهران النووية ستخضع للنقاش مع الرئيس الأميركي دونالد ​ترمب خلال زيارته في وقت لاحق من هذا الشهر.

و أضاف نتنياهو في بيان مشترك مع نظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس «نحن نراقب الوضع ونتخذ الاستعدادات اللازمة. أود أن أوضح لإيران أن أي عمل ضد إسرائيل سيقابل برد قاس للغاية»، بحسب صحيفة«يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في موقعها الإلكتروني (واي نت).

ولم يدل نتنياهو بمزيد من المعلومات عن إشارته إلى التدريبات الإيرانية.

تأتي تصريحات نتنياهو في سياق تصاعد التحذيرات الأميركية – الإسرائيلية من عودة إيران إلى إعادة بناء قدراتها الصاروخية والنووية، بعد الحرب التي اندلعت بين الطرفين في يونيو (حزيران) الماضي.

ويتزايد القلق في إسرائيل، من أن التحركات الصاروخية الإيرانية الأخيرة قد لا تكون مجرد تدريبات اعتيادية، بل جزءاً من جهود أوسع لإعادة بناء الترسانة الباليستية التي تضررت خلال الحرب.

ونقل موقع «أكسيوس» عن مسؤولين إسرائيليين أمس، أن هامش تحمل المخاطر بات أقل من السابق، في ظل تجربة الهجوم الذي نفذته حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وما أعقبه من حرب متعددة الجبهات.

ورغم أن التقديرات الاستخباراتية لا تشير إلى هجوم إيراني وشيك، فإن المخاوف تتركز على احتمال سوء تقدير متبادل قد يقود إلى مواجهة غير مقصودة.

وتقول تقديرات أمنية غربية إن الضربات التي استهدفت منشآت إيرانية حساسة خلال تلك الحرب لم تُنه التهديد بالكامل، بل دفعت طهران، وفق هذه التقديرات، إلى السعي لإعادة ترميم قدراتها بأساليب أكثر تحصيناً.

وقال قائد الجيش الإيراني، أمير حاتمي أن القوات المسلحة تراقب «بدقة» تحركات خصومها، وستتعامل «بحزم» مع أي أعمال عدائية.

تباينت وسائل إعلام رسمية في إيران بشأن تقارير عن بدء اختبار صاروخي في عدة محافظات من البلاد، في وقت تتصاعد فيه التوترات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ويتواصل الخلاف مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري»، عن مشاهدات ميدانية وتقارير واردة من مواطنين وقوع اختبار صاروخي في نقاط مختلفة من إيران.

وفي وقت لاحق، نفى حساب التلفزيون الرسمي في بيان مقتضب على «تلغرام» إجراء أي مناورات صاروخية.


نتنياهو: إسرائيل وافقت على تعزيز التعاون الدفاعي مع اليونان وقبرص

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إ.ب.أ)
TT

نتنياهو: إسرائيل وافقت على تعزيز التعاون الدفاعي مع اليونان وقبرص

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إ.ب.أ)

​قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الاثنين، إن إسرائيل وافقت على ‌تعزيز ‌التعاون الأمني ​​مع ‌اليونان ⁠وقبرص.

وجاءت ​تعليقات ‌نتنياهو خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ⁠ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي ‌نيكوس ‍خريستودوليديس في ‍القدس.

وقال نتنياهو أيضاً ‍إن الدول الثلاث تعتزم المضي قدماً ​في مشروع الممر الاقتصادي بين الهند ⁠والشرق الأوسط وأوروبا، وهو مبادرة لربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط بحراً وبراً.


مخاوف أميركية - إسرائيلية من إعادة بناء القدرات الإيرانية

TT

مخاوف أميركية - إسرائيلية من إعادة بناء القدرات الإيرانية

صورة نشرها وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر على منصة «إكس» من محادثاته مع السيناتور ليندسي غراهام
صورة نشرها وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر على منصة «إكس» من محادثاته مع السيناتور ليندسي غراهام

تتصاعد التحذيرات الأميركية والإسرائيلية من عودة إيران إلى بناء قدراتها الصاروخية والنووية، في وقت تشير فيه تقديرات أمنية إلى أن الضربات التي استهدفت منشآت إيرانية خلال حرب يونيو (حزيران) لم تنه التهديد بالكامل.

وبينما تؤكد واشنطن أن طهران «لم تستوعب الرسالة كاملة» بعد قصف منشأة فوردو، تتحدث تل أبيب عن نافذة زمنية تضيق، وخيارات عسكرية تعود إلى الطاولة، وسط مخاوف من سوء تقدير قد يقود إلى مواجهة جديدة غير مقصودة.

وقال السفير الأميركي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، إن إيران «لم تستوعب الرسالة كاملة» عقب القصف الأميركي لمنشأتها النووية بواسطة قاذفات الشبح «بي 2» خلال الحرب الإسرائيلية - الإيرانية في يونيو، وذلك وسط تقارير تشير إلى محاولات طهران إعادة ترميم قدراتها النووية والصاروخية.

وأضاف هاكابي، في مقابلة أُجريت على هامش مؤتمر لمعهد دراسات الأمن القومي، أنه «لا يعتقد أن إيران أخذت الرئيس الأميركي دونالد ترمب على محمل الجد إلى أن جاءت الليلة التي توجهت فيها قاذفات الشبح إلى فوردو»، وفق ما أوردت وسائل إعلام إسرائيلية.

ورداً على سؤال بشأن التقارير المتداولة حول مساعي طهران لإعادة ترميم المنشأة، قال: «آمل أنهم فهموا الرسالة، لكن يبدو أنهم لم يفهموها كاملة؛ لأنهم يحاولون إعادة تشكيل الموقع وإيجاد طرق جديدة لتعميق التحصينات وجعلها أكثر أمناً».

حركة المرور أمام جدارية دعائية تصور رأساً حربياً لصاروخ إيراني يحمل شعاراً بالفارسية يقول: «سقط الصاروخ بين العفاریت» في أحد شوارع طهران يوليو الماضي (إ.ب.أ)

وتعرب الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عن قلق متزايد إزاء تقدم برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، متهمين طهران بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما مع وقوع إسرائيل ضمن مدى هذه الصواريخ.

وحسب شبكة «إن بي سي» الأميركية، يتخوف مسؤولون أميركيون بصورة متزايدة من توسع البرنامج الصاروخي الإيراني، ونقلت الشبكة عن مصادر لم تسمّها، السبت، أن مسؤولين يستعدون لإطلاع الرئيس الأميركي على «الخيارات المتاحة» للتعامل مع هذا التهديد، بما في ذلك سيناريوهات عسكرية محتملة.

ومن المقرر أن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرئيس الأميركي دونالد ترمب في 29 ديسمبر (كانون الأول) في ميامي، حيث يعتزم، وفق مصادر إسرائيلية، بحث مساعي إيران لإعادة بناء قدراتها الصاروخية الباليستية، إضافة إلى احتمال توجيه ضربة أخرى لإيران في عام 2026. وكانت قناة «إن بي سي نيوز» قد كشفت سابقاً عن نية نتنياهو عرض هذا الملف على ترمب، في إطار ما تصفه إسرائيل بأنه تهديد آخذ في التصاعد.

وعند سؤاله عما إذا كانت الولايات المتحدة قد تمنح الضوء الأخضر لهجوم إسرائيلي جديد على إيران في حال رأت إسرائيل أن ذلك ضروري، أجاب هاكابي: «كل ما يمكنني فعله هو التذكير بما قاله الرئيس ترمب مراراً، وهو أن إيران لن يُسمح لها بتخصيب اليورانيوم أبداً، ولن تمتلك سلاحاً نووياً». وأضاف أن استئناف إيران لقدراتها في مجال الصواريخ الباليستية والبرنامج النووي لا يشكل تهديداً لإسرائيل والولايات المتحدة فحسب، بل «يمثل تهديداً حقيقياً لأوروبا بأكملها»، متابعاً بنبرة حادة أن الأوروبيين «إن لم يفهموا ذلك، فهم أكثر غباءً مما أعتقد أحياناً»، مع الإشارة إلى أن أوروبا أعادت تفعيل عقوبات «سناب باك» ضد إيران.

واشنطن على الخط

وفي السياق ذاته، قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إنه «يؤيد شن هجوم على إيران»، محذّراً من أن مساعي طهران لإعادة بناء قدراتها الصاروخية الباليستية باتت تشكل تهديداً لا يقل خطورة عن برنامجها النووي.

وجاءت تصريحات غراهام خلال زيارة يجريها حالياً إلى إسرائيل، التقى خلالها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومسؤولين كباراً في الجيش الإسرائيلي، من بينهم رئيس شعبة العمليات ووزير الأمن يسرائيل كاتس. وقال غراهام في مقابلة مع محطة «آي 24 نيوز» الإسرائيلية إن إيران «تحاول استعادة قدرتها على تخصيب اليورانيوم»، معتبراً أن ذلك، إلى جانب تطوير الصواريخ الباليستية، يمثل «تهديداً حقيقياً لإسرائيل».

وأضاف السيناتور الجمهوري أن «أي شيء يضعف إسرائيل يضعف الولايات المتحدة أيضاً»، داعياً إلى استهداف القدرات الصاروخية الإيرانية في أي ضربة مقبلة. وفي مقابلة منفصلة مع صحيفة «جيروزاليم بوست»، قال غراهام إن الصواريخ الباليستية الإيرانية قد «تغرق القبة الحديدية»، مؤكداً أنه «لا يمكن السماح لإيران بإنتاجها». وأوضح أنه لا يؤيد غزواً أميركياً لإيران، لكنه يدعم «توجيه ضربة عسكرية» في حال ظهرت مؤشرات على استئناف البرنامج النووي أو برنامج الصواريخ.

قلق إسرائيلي متصاعد

بالتوازي، أفاد تقرير لموقع «أكسيوس» بأن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا إدارة ترمب، خلال عطلة نهاية الأسبوع، أن التحركات الصاروخية الإيرانية الأخيرة تثير قلقاً متزايداً، رغم أن المعلومات الاستخباراتية المتوافرة لا تظهر حتى الآن سوى تحركات قوات داخل إيران.

أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية تتصدى للصواريخ الإيرانية فوق تل أبيب (أ.ب)

وأشار التقرير إلى أن هامش تحمل المخاطر لدى الجيش الإسرائيلي بات أدنى بكثير مما كان عليه في السابق، بعد تداعيات هجوم حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ونقل «أكسيوس» عن مصدر إسرائيلي قوله إن «احتمالات الهجوم الإيراني تقل عن 50 في المائة، لكن لا أحد مستعد لتحمّل المخاطرة والاكتفاء بالقول إنها مجرد مناورة». في المقابل، أكد مصدر أميركي أن الاستخبارات الأميركية لا تملك حالياً مؤشرات على هجوم إيراني وشيك.

ونبّهت مصادر إسرائيلية وأميركية إلى أن سوء تقدير متبادل قد يقود إلى حرب غير مقصودة، إذا اعتقد كل طرف أن الآخر يستعد للهجوم وسعى إلى استباقه. وفي هذا السياق، أجرى رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، الفريق أول إيال زامير، اتصالاً مع قائد القيادة المركزية الأميركية، الأدميرال براد كوبر، أبلغه خلاله بقلق إسرائيل من المناورة الصاروخية التي بدأها «الحرس الثوري».

وأشار زامير إلى أن تحركات الصواريخ الإيرانية وخطوات تشغيلية أخرى قد تكون غطاءً لهجوم مفاجئ، داعياً إلى تنسيق دفاعي وثيق بين القوات الأميركية والإسرائيلية.

تلميحات بحرب جديدة

وترافق القلق الاستخباراتي مع تصعيد في الخطاب العلني. وحذر زامير، خلال مراسم تسليم مهام رئيس مديرية التخطيط في الجيش الإسرائيلي في تل أبيب، من أن الجيش سيضرب أعداء إسرائيل «حيثما يتطلب الأمر، على الجبهات القريبة والبعيدة على حد سواء»، في تلميح واضح إلى احتمال استهداف إيران مجدداً.

وقال زامير إن «في صميم أطول وأعقد حرب في تاريخ إسرائيل تقف الحملة ضد إيران»، معتبراً أن طهران هي التي «مولت وسلّحت حلقة الخنق حول إسرائيل»، في إشارة إلى الحرب متعددة الجبهات التي اندلعت منذ أكتوبر 2023.

تهديد مُلح

وترى الاستخبارات الإسرائيلية مؤشرات مبكرة على استئناف إيران بناء قدراتها الصاروخية بزخم متسارع مقارنة بفترة ما بعد حرب الأيام الاثني عشر في يونيو. وتشير تقديرات إسرائيلية إلى أن إيران خرجت من تلك الحرب وهي تمتلك نحو 1500 صاروخ، مقارنة بنحو 3000 صاروخ قبلها، إضافة إلى 200 منصة إطلاق من أصل 400 كانت بحوزتها.

وتؤكد المصادر أن طهران بدأت بالفعل خطوات لإعادة بناء قواتها الصاروخية، لكنها لم تعد بعد إلى مستويات ما قبل الحرب. ولا ترى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ولا جهاز «الموساد» أن وتيرة هذه الخطوات تفرض تحركاً عسكرياً عاجلاً خلال الشهرين أو الثلاثة المقبلة، إلا أنها قد تتحول إلى مسألة أكثر إلحاحاً لاحقاً هذا العام.

طفل يجلس فوق رأس حربي لصاروخ باليستي في المعرض الدائم التابع لـ«الحرس الثوري» بضواحي طهران نوفمبر الماضي (أ.ب)

وفي هذا الإطار، يتركز القلق الإسرائيلي بشكل متزايد على الصواريخ الباليستية بوصفها تهديداً أكثر إلحاحاً من البرنامج النووي نفسه، رغم وصف إسرائيل العلني للنووي الإيراني بأنه تهديد وجودي؛ إذ يرى مسؤولون إسرائيليون أن الصواريخ تمثل الخطر الفوري الأكبر، خصوصاً بعد التجربة الأخيرة التي لم تتمكن فيها الدفاعات الإسرائيلية من اعتراض جميع الهجمات.