«مقاومة التغيير» في المدارس: دروس وتقنيات للمواجهة

المعارضة تحدث نتيجة نقص المعرفة.. والقادة بحاجة إلى تقدير المقاومين

TT

«مقاومة التغيير» في المدارس: دروس وتقنيات للمواجهة

حتّى أكثر الإصلاحات التربوية فعاليّة يمكنها أن تواجه بعض المقاومة للتغير، ويشير مصطلح «مقاومة» أو «معارضة» التغيير إلى أي سلوك يهدف إلى تعزيز الحفاظ على وضع راهن في مواجهة الضغوط المراد منها تغييره. والكثير من الأبحاث التي تتناول التغيير تعرّف «المقاومة» كعنصر حاسم من ردود الفعل تجاهه. فالتغيير قد يشعر الإنسان بالتهديد والاضطراب إلا أنه ضروري لتحقيق النمو والتطوير.
تحدث «المقاومة» عندما يكون هناك نقص في المعرفة والمعلومات والمهارات والقدرات الإدارية. وتركز «المقاومة السلوكية» على العاطفة وتُستمد من ردود فعل وتصورات الأفراد والجماعات داخل المنظمة المعنيّة. ومهما كانت جذورها، فيمكن لـ«المقاومة» أن توقف، أو تعطل أو حتى تمنع تنفيذ التغيير. وعلى الرغم من ذلك كلّه، فـ«المقاومة» ليست دائما سمة سلبية للتغيير. فالقادة والمديرون بحاجة إلى تقدير «المقاومين» وذلك لسببين اثنين: الأول أنّ المقاومين يملكون أفكارا قد يغيب عنها المصلحون، وخصوصا عند معالجة مشكلات غير مألوفة مسبقا، والثاني أنّ المقاومين هم عنصر حاسم في سياسة تطبيق التغيير.
فـ«المقاومة» يمكن أن تكون بنّاءة، وذلك من خلال التعرّف على الأمور التي تسير بشكل خاطئ خلال عمليّة التغيير، فهي مصدر إيجابي وفعال للتشخيص البناء. كما يمكن أن تكون «المقاومة» مصدرا هاما للحصول على تغذية راجعة بناءة ولتنبيه فريق الإصلاح إلى القضايا التي يجب معالجتها أو التعديلات التي ينبغي إدخالها على الابتكار لجعله مستداما ولإحداث إصلاح حقيقي. ومن الواضح أنّ الخوف والقلق وعدم الراحة التي تأتي جنبا إلى جنب مع «المقاومة» هي إشارات مهمة للدلالة على حدوث خطأ ما، والذي يتطلب ضرورة إجراء التحسين.
وهنا يأتي دور مديري الإصلاح الذين يجدر بهم فهم كيفية معالجة هذه السلبية العاطفية المدركة من أجل المضي قدما في عملية التغيير. والحقيقة أنّ الجوانب الإيجابية للمقاومة توازن المشكلات التي تصاحبها.
وكأي مؤسسة أخرى، يمكن للمدارس أن تواجه مقاومة سلبية أو إيجابية إزاء التغيير، ولكن ما الذي يسبب المقاومة في المدارس خاصة على صعيد الإدارة؟
قد تتعرّض المدارس لعوامل خارجية تسهم في مقاومة المديرين للتغيير، مثل إدخال هيكلة عمل جديدة وأساليب تقييم ومساءلة، ووضع ميزانيات محددة، إضافة إلى البيروقراطية التي تعوق العمل.
وإلى جانب العوامل الخارجية، يعرّف توماس سيرجيوفاني (Thomas J. Sergiovanni) ما يسمّيه «المايندسكيب» (mindscapes) أو «الصور الذهنية»، كعناصر داخلية تؤثر على مقاومة التغيير، إذ يرى أنّ الصور الذهنية أو المايندسكيب تؤثر على ما نراه وما نؤمن به وما نقوم به أو ننفذه.
وبالنسبة لمديري المدارس، فيمكن للصور الذهنية الداخلية والضغوطات الخارجية على حد سواء أن تولّد مشاعر القلق، وفقدان السيطرة وعدم التمكين، وانعدام الأمن، والغضب والإحباط. هذه المشاعر قد تؤدي بدورها إلى مقاومتهم للتغيير ورفضهم له. كما يمكن لعوامل المقاومة الخارجية أو الداخلية أن تتجلّى بطرق وسلوكيات مختلفة، مثل انعدام الثقة والاعتقاد بأن التغيير غير ضروري أو غير ممكن، والاستشعار بتهديدات اقتصادية وبارتفاع تكلفة الإصلاح، والخوف من الفشل الشخصي، وفقدان المكانة والقوة والتهديد للقيم والأفكار والاستياء من التدخل.
إذن، تتعدد أسباب «مقاومة» التغيير داخل المدارس على صعيد الإدارة، ويمكن تلخيصها على الشكل التالي:
أولا: الخوف من المجهول وعدم التيقن من أهداف التغيير والإصلاح.
ثانيا: عدم توفر المعلومات الكافية عن الإصلاح، فمديرو المدارس بحاجة إلى معرفة فوائد التغيير وكيف سيتم إدخاله وتطبيقه في المدرسة.
ثالثا: استشعار المدير بتهديد مركزه، فالمديرون يحتاجون إلى مهارات جديدة للتعامل والتأقلم مع التغيير، وفي حال لم يتوفّر التدريب والدعم فلا بدّ لهم من مقاومته خوفا على مكانتهم داخل هرميّة المدرسة.
رابعا: إحساس المدير بتهديد سلطته، إذ يمكن أن تقلل بعض التغييرات من تأثير المدير داخل المدرسة، وبالتالي ستتم مقاومتها من قبل المتضرر.
خامسا: الخوف من الفشل، فقد يخشى مديرو المدارس تجريب ابتكارات جديدة لأنهم غير متأكدين من نتائجها.
باختصار، يرى داريل كونور (Daryl Conner) في كتابه «الريادة على حافة الفوضى» Leading at the Edge of Chaos عام 1998، أنّ مقاومة التغيير هي رد فعل قائم على العاطفة والانفعالات، وأنّ بعض أسبابها يمكن أن يندرج تحت الأسباب الشخصية مثل عدم الثقة بالنفس والصراعات الداخلية، والبعض الآخر تحت المستوى التنظيمي، مثل الصراع على السلطة والتهديد للقيم والاقتصاد.
وبناء على كل ما تقدّم، يجدر بنا أن نتساءل: كيف يمكن تقليص أسباب «مقاومة» التغيير وتجنب الألم والتوتر والغموض التي ترافق إدارة هذه المقاومة من قبل الإدارة وقادة الإصلاح؟
الحقيقة أنّ مديري المدارس يحتاجون إلى فهم عملية التغيير من أجل قيادة وإدارة جهودها وتحسين فعاليتها، لذلك يجب أن يتعلّم هؤلاء كيفية التغلب على الحواجز الموجودة خلال عملية التغيير المعقّدة. علاوة على ذلك، فمن المهم التعرّف على الأفراد الذين يمكن أن يعارضوا عملية التغيير أو ييسروها، وذلك من أجل حسن اختيار قادة التغيير والأفراد المعنيين بتوجيه الإجراءات السياسية والتنظيمية خلال التنفيذ. كما يجدر على قادة التنظيم فهم الإجراءات السياسية وتوزيع السلطة، وبالتالي تحديد المؤيدين والمعارضين المحتملين.
وختاما، نذكر بعض النصائح من أجل تسهيل عملية إدارة مقاومة التغيير في المدارس:
1 - يحتاج مديرو المدارس إلى التواصل والتشاور مع معلميهم، حيث يجب إعطاء المعلمين فرصة للمشاركة في كل جوانب عملية التغيير وأن يُعطوا فرصة لتقديم التغذية الراجعة.
2 - ينبغي على مديري المدارس تسهيل العمل الجماعي، وينبغي عليهم توفير البيئة المناسبة والموارد لتمكين الموظفين من المشاركة.
3 - جزء كبير من إدارة التغيير يكمن في مرحلة ما بعد بدء التنفيذ، إذ إن تقديم المكافآت وتقدير جهود الموظفين يساهمان في الحفاظ على زخمهم، كما يساعدان في جعل التغيير مستداما.
* مدير قسم الأبحاث في مؤتمر القمّة العالمي للابتكار في التعليم (وايز)
* خاص بـ«الشرق الأوسط» بالاتفاق مع «وايز»



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.