فرضت الأعمال النحتية نفسها على الدورة الـ17 من معرض «أجندة»، المُقام حالياً في قاعتي المعارض الشرقية والغربية بمركز المؤتمرات بمكتبة الإسكندرية، والمستمر حتى الاثنين 4 مارس (آذار) المقبل.
تميّزت المنحوتات بالتفاؤل والرشاقة والمرح، رغم تنوّع الخامات التي جاء بعضها بالنحاس، والخشب، وبعضها الآخر بالبرونز والحجر والخزف والطين حتى البوليستر. أما بقية أعمال المعرض، فتنوّعت بين التصوير الفوتوغرافي، والرسم والكولاج والحفر والطباعة، وقد غلب عليها تصوير شخوص تبحث عن الدفء وتفتقد للأمان، لكن هذا لم يمنع وجود لوحات تعبّر عن السعي إلى المرح، والرغبة في اللعب، والتوق إلى اكتشاف السعادة والحب. وهو ما ظهر في لوحة الفنانة فاطمة عادل التي رسمت طفلة ترقص بملابس زاهية، وكتبت في الخلفية سطراً من أغنية «يا حلو صبح» لمحمد قنديل: «مكتوب عليَّ أبص لفوق وأجيب لقلبي شوق على شوق».
يفسّر مدير إدارة المعارض والمقتنيات الفنية بمكتبة الإسكندرية، الدكتور جمال حسني، ظهور الأعمال النحتية بشكل لافت في الدورة الحالية بطبيعتها وطريقة عرضها المميّزة وسط القاعتين.
ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «عودة الفنانين للاهتمام بالنحت جاء نتيجة النهضة التي فعّلت تطوّره، بعدما مرّ بفترة تراجع مأساوية تنبّه إليها المسؤولون في وزارة الثقافة، فاستحدثوا (سمبوزيوم أسوان) و(صالون الشباب)، ما انعكس على مسار هذا الفن، ليشكل امتداداً لتاريخ طويل من النحت والنحاتين المصريين العظماء».
في هذا السياق، تُقدّم الفنانة سهير العدوي نحتاً على البرونز لسيدة بدينة تغنّي لنفسها، وهي تدقّ على طبلتها بارتياح اكتسبته على ما يبدو من إحساس بطمأنينة منزلية تستشعرها وهي مغمضة العينين، سارحةً مع كل نقرة بأصابعها على الإيقاع.
وفي منحوتة خزفية، يستعيد الفنان سامح بكر روح الفنون الرومانية واليونانية القديمة، فمُثّل وجهٌ لإنسان تكشّفت تجاعيده كثيراً من المعاناة، إذ يظهر بشارب وذقن مستدير، وعينين إحداهما أضيق من الأخرى، ترسل كل منهما رسائلها، وتعبّر عما تختزنه من أحزان.
أما الفنان عبد الرؤوف سلمان، فيذهب بعيداً إلى عبق الأعمال الفرعونية، ويستعيد روحها بعمل نحتي على الخشب، لشخص ذي هيئة وملابس فرعونية، يشبه ملوك مصر القديمة. وعلى خلاف زملائه، يقدّم الفنان أحمد عبد التواب عملاً نحتياً من البرونز لحصان على درجة عالية من الرشاقة والاعتداد بنفسه، وهو يرقص في مشهد يتفرّد به.
ويشهد المعرض تكريم الفنانَيْن الراحلَيْن أحمد السطوحي، وعز الدين نجيب، أما ضيوف الشرف فهم الفنانون عبد السلام عيد، وزينب سالم، وفتحي عفيفي لدورهم الكبير في الحركة الفنية المصرية.
ووفق حسني، فإنّ «الـ20 عاماً الماضية أظهرت جيلاً جديداً من التشكيليين الذين قدّموا أعمالاً مدهشة ضمن 152 فناناً وفنانة شاركوا في الدورة الحالية. وبالمصادفة البحتة، جاءت أعداد النحاتين أكثر من غيرهم، ولم يكن ثمة معيار سوى الجودة، نضعها في الحسبان ونحن نختار الأعمال».
وتفرض قاعتا العرض الالتزام بعدد معيّن، فهما محدودتان بمساحتهما التي لا تزيد على 600 متر. وفي المساحة المتاحة، وفق حسني، «نلتزم بمعايير عالية يجب أن تتوافر في الأعمال التي يقدّمها أصحابها، فتكون متكاملة الأبعاد والعناصر الفنية، وقد اخترناها من الإسكندرية، والقاهرة، والجيزة، والبحيرة، والفيوم، والشرقية، والأقصر، والغربية، والمنيا، ودمياط، وقنا».
ويشارك الفنان فتحي عفيفي في المعرض بمجموعة من لوحاته التي تعكس أسلوبه الفني، وتعبّر عن بداية الثيمة الفنية التي اشتغل عليها وعُرف بها في الوسط التشكيلي، وهي أوساط العمّال، والمصانع، والحارة الشعبية.
يقول لـ«الشرق الأوسط»: «نشأتُ في منطقة السيدة زينب بالقاهرة، ولعلّها سبب انحيازي للبسطاء الذين عبّرتُ عن أحوالهم الطبيعية كما هي، فقد كان الفنانون الكبار في حقبة الستينات يرسمون العمّال والفلاحين بأجسام ضخمة للتعبير عن رؤى ثورية معيّنة، أما أنا فرسمتهم طبيعيين».
وإذ ركّزت بعض أعماله على العمّال في طريقهم إلى دخول المصنع، تطرّقت أخرى إلى البيئة الشعبية. يعلّق: «ربما هذا ما جعل فناناً عظيماً مثل بيكار يُطلق عليَّ في مقال عن معرضي الثاني، (فنان البيئة). أراد حينها القول إنّ لوحاتي تستقي موضوعاتها من الناس وتفاصيل حياتهم».