سيكون الجناح اللبناني في المعرض العالمي الستين للفن المعاصر - بينالي البندقية، لهذه السنة، بمثابة احتفال بالتراث، وتحية للمرأة اللبنانية، من خلال تجهيز «رقصة من حكايتها» للفنانة منيرة الصلح، الذي يربط الحاضر بالأسطورة، والخيال بالواقع. وسيتمكّن عمل الصلح، وبتعاونها مع القيّمة الفنية ندى غندور والقيمة الفنية المساعدة دينا بزري، من تمثيل لبنان في هذا الحدث الدولي الفني، متخذاً مكاناً له في مركز الصدارة، في قلب الآرسنالي في البندقیة، حيث النقطة المحوریة للفنون المعاصرة التي تحظى باھتمامٍ وتركیزٍ واسعَین خلال البینالي.
وعُقد مؤتمر صحافي في «المتحف الوطني»، في بيروت، بحضور وزير السياحة وليد نصار، والكاتب روني ألفا ممثلاً لوزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، وعدد من الشخصيات الثقافية، وذلك للتعريف بما سيكون عليه الجناح اللبناني الذي سيمتد على مساحة 180 متراً مربعاً.
التجهيز المركّب
يتألّف التجهيز الفني المتعدّد الوسائط الذي يحمل عنوان «رقصة من حكايتها»، من 41 عملاً، مكوّنة من رسومات ولوحات ومنحوتات وتطريز وفيديو.
من خلال إعادة تأمّل أسطورة اختطاف «أوروپا»، تعيدُ الفنانة النّظر في التطلعات والتحديات التي تواجهها النساء في يومنا الحالي. على القماش كما على الورق والشاشة، تجمع عمليتها الإبداعية بين السَّرد المجازي والنَّهج الوثائقي والاستملاك والتحويل، من خلال تمثيلات تتّسمُ بالواقعية والشّعريّة والمُعاصَرة.
يتمحور تجهيز «رقصة من حكايتها» حول قاربٍ يدعونا إلى رحلة رمزية للانعتاق والمساواة بين الجنسين. غير أن هيكل القارب غير المكتمل يشيرُ إلى أن هذه الرحلة لم تكتمل تماماً. يستقرُّ تجهيز منيرة الصُّلح في مسارٍ تنظمه علاقات القوى. وفي وسط المعرض، نرى القارب في منتصف الطريق بين الأعمال التصويرية والرسومات التي تدعو إلى التشكيك في المعايير الجنسانية وإلى النضال من أجل المساواة من جهة، ومن جهةٍ أخرى الأقنعة التي تجسّدُ القوى المحافظة في المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، تأخذُ الأجسام التي نراها في مساحة المعرض أدواراً في الفيلم (12 دقيقة) المعروض على شراع القارب.
تشكّلُ رسومات منيرة الصُّلح إطاراً لفكرة مركزية قامت بتطويرها في مجموعةٍ من اللوحات التي تتحدى الأيقونية التقليدية. تتبنّى الفنانة استراتيجيّة تعتمد على التّبديل والتّحويل والتَّمسيخ. في العمل، نرى عديداً من الشّخوص النموذجيّة للثقافة والأسطورة الفينيقيّة تسكنُ، وبطريقةٍ فظّةٍ ومفاجئة ومهرّجة، عالماً يقع في الوسط بين الرّمز والواقع. لا ترتبطُ زمانيّة عمل «رقصة من حكايتها» بالأسطورة فقط، بل هي زمانية الفنّانة في حوارها مع المشاهد هنا والآن.
تفكيك الأسطورة
تعبّرُ القصة القديمة، التي نَظَمها وفَرَضَها رجال، عن الرّغبة في السيطرة على المرأة وإخضاعها. تذكّرنا رحلة «أوروپا» إلى جزيرة «كريت»، بداهةً، بغنائم الحرب التي أخذها الكريتيون من الفينيقيين. على مرّ القرون، خصوصاً في الرَّسم الغربي، تتطوّر تصويرات الأسطورة من فعل الاختطاف إلى حالةٍ من الموافقة والرّضى. ولكن لطالما كانت وجهة النّظر الذكوريّة هي الحاضرة والمعروضة. أمّا هنا، فتختار الفنانة إنشاء علاقة مساواة بين الجنسين وإعادة قراءة للأسطورة من خلال استبصار ووجهة نظر امرأةٍ حرّةٍ مستقلةٍ اليوم. تسعى الصُّلح إلى زعزعة توازن القوى بين الإله المسيطر والأميرة الخاضعة. هنا، تتعاون الأميرة «أوروپا» مع «زوس» وتتلاعب به. إنها هي التي تحمله وتمشي به على الماء، وهي التي تجعله يدور في الهواء بقدميها كالبالون. في بحثها، تسعى الفنانة إلى تفكيك الصور النمطية إلى أقصى الحدود، وذلك من خلال عكس الأدوار والأجناس، من بينها تحويل كلب «هرقل» إلى كلبةٍ أنثى.
خلال المؤتمر الصحافي، رأى ممثل وزير الثقافة اللبناني، الإعلامي روني ألفا، أن «عمل الصلح المتعدد الأبعاد يحاكي الأسطورة والواقع، التاريخ والحداثة»، واصفاً إياه بأنه «رحلة نضال تحرري يتحدى المجتمع الذكوري بغوايته وسط سينوغرافيا تحمل الزائر إلى الشاطئ اللازوردي في صور».
وشرحت المفوضة العامّة والقيّمة الفنية على الجناح اللبناني، ندى غندور، أن «المعرض هذه السنة يلقي الضوء على القضايا والتحديات التي تواجهها المرأة، سنة 2024». أما الجناح فيبدو صرحاً «يمجّد الانعتاق والحرية والتضامن والمساواة بين الجنسين».
وضع تصميم السينوغرافيا المهندس المعماري كريم بكداش دون أي تأهيلٍ أو تقسيم لمساحته، ممّا يسمح بالانغماس الكامل للجمهور داخل المعرض. يسهم في ذلك أيضاً التدرّج نحو أفق لا نهائي مطلي باللون الأزرق المُرَمَّد، وهو لون بحر مدينة صور وسمائها. هذا بالإضافة إلى عوّامةٍ خشبيّةٍ طويلةٍ ومتعرّجة تعبرُ الجناح من الطَّرَفِ إلى الطَّرف الآخر، وتربط اليابسة بالبحر. يتمُّ اللقاء بين الزائرين والأعمال الفنية طوال رحلتهم داخل الجناح.
تتولى «الجمعية اللبنانية للفنون البصرية»، برعاية وزارة الثقافة اللبنانية، تنظيم المشاركة اللبنانية في «بينالي البندقية»، حيث يمتد العرض من 20 أبريل (نيسان) إلى 24 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبلين.
ومنيرة الصلح (مواليد بيروت في عام 1978) فنانة مفاهيمية، لها أسلوب يتسم بالدعابة والمرح، وتتمحور أعمالها حول قضايا الجندر والسياسة، ودور الفن في المجتمع العربي. وتستخدم في أعمالها الفنية الفيديو، والرسم، والتطريز، والفوتوغراف، والأداء، ونشر المجلات.
وتهتم الصلح في أعمالها بالقضايا النسوية، والهجرة القسرية الناشئة عن الحروب وعواقبها، بأسلوب يقوم على السخرية والتأمل الذاتي. كما تبحث في طرق رواية القصص بطريقة مفعمة بالحدس ومخاطبة الجسد الأنثوي.
درست المسرح والرسم والموسيقى في الجامعة اللبنانية في بيروت (1997 - 2001)، والفنون الجميلة في أكاديمية جيريت ريتفيلد في أمستردام (2003 - 2006). كانت أيضاً باحثة مقيمة في كلية الفنون الجميلة الحكومية، بأمستردام (2007 - 2008).
قدمت الصلح معارض فردية في معهد شيكاغو للفنون (2018)، ومتحف بالدوحة (2018)، والفن جميل بدبي (2017)، ومتحف بابلو بيكاسو الوطني - الحرب والسلام في فالوريس بفرنسا، ومتحف فان أبي في آيندهوفن، وعرضت في عديد من عواصم العالم، وحصلت على عديد من الجوائز الدولية.