طموح سلام «الرئاسي» يكبحه الوضع السياسي القائم

مروان حمادة (الشرق الأوسط)
مروان حمادة (الشرق الأوسط)
TT

طموح سلام «الرئاسي» يكبحه الوضع السياسي القائم

مروان حمادة (الشرق الأوسط)
مروان حمادة (الشرق الأوسط)

> في الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة، جرى التداول مجدداً في اسم الدكتور نواف سلام، وجاء ذلك ضمن طرح يقضي بتشكيل لائحة مرشحين في بيروت تحت شعار «التغيير»، ولا سيما بعد قرار رئيس «تيار المستقبل»، الرئيس سعد الحريري، تجميد عمله السياسي والعزوف عن خوض الانتخابات، لكن المحاولة لم تنجح.

منذ ذلك الحين غاب اسم سلام، ليعود مجدداً إلى الواجهة بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون عام 2022 ودخول لبنان في مرحلة فراغ مستعصية.

عودة كانت عبر طرح فرنسي تمثّل بمعادلة باتت تعرف بـ«فرنجية - سلام» (أي تسمية رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية - الذي هو مرشح «حزب الله» وحلفائه - لرئاسة الجمهورية مقابل تسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة).

إلا أن هذا الطرح لم يجد طريقه إلى النجاح نتيجة رفضه من قبل المعارضة في لبنان، وحتى من قبل الذين كانوا داعمين لسلام في مرحلة سابقة. وهذا ما أبلغته مصادر مطلعة على المباحثات الرئاسية لـ«الشرق الأوسط»، موضحة «لو قبلت المعارضة بهذه المعادلة لكان (حزب الله) وحلفاؤه مشوا بها، ليس محبة بسلام، بل لكونهم بذلك حققوا ما يريدونه بإيصال مرشحهم للرئاسة الذي تستمر ولايته 6 سنوات... ليعودوا بعد فترة قصيرة للإطاحة برئيس الحكومة أو التخلص منه ولنا معهم تجارب في ذلك».

سليمان فرنجية (رويترز)

في تلك المرحلة، اتهم سلام بانتمائه إلى فريق «14 آذار» المناوئ لـ«حزب الله»، وتحديداً عبر مرشح الحزب للرئاسة سليمان فرنجية. وهو ما استدعى رداً منه، إذ قال: «إن كنت لا أسعى للتنصل من مواقفي السابقة التي أعتز بها، فإن كل من يعرف سيرتي الشخصية، أو اطلع على أي من مقالاتي العديدة أو كتبي المنشورة يستغرب بأن يصنّفني الوزير سليمان فرنجية أنني على يمين 14 آذار». وفي هذا السياق ذكر سلام أن هذا الاصطفاف في لبنان لم يعد موجوداً، وأكد من جهة أخرى أن «المناصب مهما علت، لم ولا تغريني لكي أساوم على مبادئي أو مواقفي المعروفة. وبناءً عليه فإن (الثنائية)، التي وحدها تعنيني وألتزم بها، كانت ولا تزال ضرورة التلازم بين الإصلاح المالي والاقتصادي من جهة... والإصلاح السياسي من جهة أخرى بوصفه شرطاً أساسياً لقيام دولة حديثة قادرة وعادلة من أجل إنقاذ لبنان».

من جانب آخر، في حين يعد معظم الأفرقاء اللبنانيين اليوم أن المبادرة الفرنسية التي طرحت معادلة فرنجية - سلام سقطت، مع كل المستجدات الداخلية والخارجية والحديث عن تسوية شاملة، لا يزال البعض يرى أن هذا الطرح ممكن، لا سيما مع تمسكّ فريق «حزب الله» بمرشحه.

إلا أن النائب الحالي والوزير السابق مروان حمادة يرى «أن نجاح هذه المعادلة غير ممكن»، لأسباب مرتبطة بشخصية سلام الذي ينصحه أصدقاؤه دائماً بالبقاء «تحت قوس المحكمة» أفضل من أن يغوص في زواريب السياسة اللبنانية.

سعد الحريري (آ ف ب)

ويرى حمادة أن تولّي سلام هذا المنصب في ظل الوضع القائم «يجب أن يكون مع رئيس للجمهورية يشبه شخصيته ولبنان الذي يريده... وأيضاً عبر حل جذري يؤمن بوحدة لبنان وعروبته ونظام ديمقراطي وحريات عامة، وليس بهيمنة أطراف على أخرى».

هذا «الحل الجذري» الذي يشير إليه حمادة، لطالما كان تطرق إليه سلام في كتاباته ومؤلفاته ومحاضراته، ومنها كتابه «لبنان بين الأمس والغد»، حيث شدد فيه على أن «الجمهورية الثالثة» في لبنان، يفترض أن «تقوم على مبدأ المواطنة الجامعة وسيادة القانون، وعلى دولة مدنية ترتكز على قيم العدالة والمساواة والحرية واستقلالية القضاء، بدلاً من الطائفية والمحاصصة».

وفي القسم الأول المخصص للإصلاحات المطلوبة، يشرح سلام كيف أن الطائفية تجذّرت بفعل الحرب الأهلية عام 1975. واستفحل الأمر بعد «اتفاق الطائف» عام 1989، لا بسبب الاتفاق نفسه، بل بسبب سوء التطبيق أو تعمد تجاهل أحكام كان يمكنها أن تصحّح الاختلالات، إضافة إلى ضرورة سد الثغرات التي يعاني منها، ومع تأييده تطبيق «اللامركزية الإدارية الموسعة» فهو يضع شرطاً بألا تنحو صوب الفيدرالية.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،