السعودية تسرّع اعتماد وسائل النقل الحديثة لخفض انبعاثات الكربون

خبراء لـ«الشرق الأوسط»: المملكة تقود حملة دولية لمجابهة تحديات تغير المناخ

تهدف المبادرة الخضراء إلى تحويل 30% من السيارات في الرياض إلى مركبات كهربائية بحلول عام 2030 (أ.ف.ب)
تهدف المبادرة الخضراء إلى تحويل 30% من السيارات في الرياض إلى مركبات كهربائية بحلول عام 2030 (أ.ف.ب)
TT

السعودية تسرّع اعتماد وسائل النقل الحديثة لخفض انبعاثات الكربون

تهدف المبادرة الخضراء إلى تحويل 30% من السيارات في الرياض إلى مركبات كهربائية بحلول عام 2030 (أ.ف.ب)
تهدف المبادرة الخضراء إلى تحويل 30% من السيارات في الرياض إلى مركبات كهربائية بحلول عام 2030 (أ.ف.ب)

تقود المملكة العربية السعودية تحولاً في قطاع النقل استجابةً لتحديات تغير المناخ المتصاعدة، بحيث تعد خططها في هذا القطاع جزءاً حيوياً من حملة المعركة لخفض انبعاثات الكربون العالمية بنسبة 4 في المائة من خلال البحث عن بدائل النقل الحديثة.

ويصف خبراء في قطاعي الطاقة والخدمات اللوجيستية الجهود السعودية في مواكبة التوجهات العالمية لتغير المناخ عبر خفض تأثير وسائل النقل التقليدية التي تعمل بالوقود بأنها رائدة، وأسهمت على مدى عقود في قيادة الجهود الدولية نحو تطوير صناعة الهيدروجين وإطلاق مشاريع بيئية كبيرة، وعلى رأسها مبادرتا «الشرق الأوسط الأخضر» و«السعودية الخضراء»، مشيرين إلى أن تحديات خفض استهلاك الوقود في النقل كبيرة جداً، وتحتاج إلى حلول متنوعة وبدائل تعود بالنفع على الاقتصاد العالمي ولا تضر باقتصادات الدول المنتجة والمصدرة للوقود الأحفوري.

ويشير مركز الملك عبد الله للدراسات والأبحاث البترولية في ورقة بحثية له إلى أن السياسات المستمرة لتحسين الكفاءة في هذا المجال قد تؤدي إلى خفض معدل النمو السنوي لانبعاثات وسائل النقل في المملكة من 7 إلى 3 في المائة بحلول عام 2030. ويتوقع أن تصل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من وسائل النقل في عام 2030 إلى 184 مليون طن في 2030.

وقال كبير مستشاري وزارة الطاقة السعودية سابقاً الدكتور محمد سرور الصبان، خلال حديثه إلى «الشرق الأوسط» إن قطاع النقل يمثل نسبة كبيرة من استهلاك النفط. كما أن النفط وبقية المصادر التقليدية تمثل نحو 80 في المائة من مجمل مزيج الطاقة العالمية. وبالتالي فإن التحديات كبيرة عالمياً في محاولة التحول عن مصادر الطاقة التقليدية، مضيفاً أن التحول في النقل نحو البدائل مثل السيارات الكهربائية جيد، «إلا أنه لا يمكن تعميم هذا البديل بشكل يؤثر أو يقضي على استخدام الوقود التقليدي أو النفط في قطاع النقل وبالذات في قطاعات النقل الجوي والبحري». ولفت إلى أن «الجهود لا بد أن تكون متنوعة، وأن تعود بالنفع على الاقتصاد العالمي والمناخ، وليس أن تقتصر على مواجهة تغير المناخ والإضرار باقتصادات الدول المنتجة والمصدرة للوقود الأحفوري والنفط».

وشرح الصبان أنه خلال ترؤسه وفد السعودية خلال السنوات الـ30 الماضية أثناء مفاوضات تأثير استهلاك النفط على تغير المناخ، كانت المملكة رائدة في مواجهة تغير المناخ، وقادت جهوداً جماعية ومتكاملة في تطوير مصادر الطاقة المتجددة وإزالة الكربون من النفط، وهي تعمل على خفض الانبعاثات عن طريق سحب الكربون من النفط والغاز.

وأضاف أن السعودية مستمرة في قيادة الجهود الدولية نحو تطوير صناعة الهيدروجين وإطلاق مشاريع بيئية كبيرة وعلى رأسها مشروع الشرق الأوسط الأخضر والرياض الخضراء، وكل هذه الجهود تصب في إطار حلول مواجهة التغيرات المناخية.

وأشار الصبان إلى أن بعض رغبات الغرب حول تغير المناخ مبالغ فيها، وتسعى إلى الحد من استهلاك العالم للنفط، لكن ذلك لن يحدث في قريبا حيث سيستمر استهلاك النفط عالمياً لعقود طويلة قادمة، و«رأينا كيف أن الوقود الأحفوري ما زال يمثل 80 في المائة من الاستهلاك الإجمالي للطاقة عالمياً».

مجالات مهمة للتحول

من جانبه، أشار خبير اللوجيستيات وسلاسل الإمداد حسن المؤمن خلال حديثه إلى «الشرق الأوسط» إلى أن التحول في قطاع النقل من أجل تقليل انبعاثات الكربون هو من أهم الإجراءات الضرورية للاستجابة لتحديات تغير المناخ.

وتستهدف الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجيستية خفض نسبة الانبعاثات الكربونية بنحو 25 في المائة، من خلال استخدام التقنيات الحديثة في النقل، والتوسع في شبكة الخطوط الحديدية التي تسهم في تقليل نسب استخدام المركبات والشاحنات التي تعد من أكبر العوامل التي تتسبب في تلوث البيئة.

وقال المؤمن إن المجالات الرئيسية للتحول في قطاع النقل تتمركز في التحول إلى وسائل النقل النظيفة، وتحسين كفاءة الطاقة في وسائل النقل، وإدارة الطلب على النقل، والتي ستكون من فوائدها تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتحسين جودة الهواء، والصحة العامة، بالإضافة إلى تعزيز الاقتصاد الأخضر.

كما أشار إلى أن التحول في قطاع النقل نحو السيارات الكهربائية يساهم في تحسين الهواء والصحة العامة. إذ تنتج السيارات الكهربائية كمية أقل من الملوثات مثل أكاسيد النيتروجين وأول أكسيد الكربون، نظراً لارتباط الهواء بمجموعة من المشاكل الصحية المسببة لأمراض القلب والأوعية الدموية. بالإضافة إلى مساهمة التحول في تحسين الاقتصاد المحلي وتقوده إلى خلق فرص اقتصادية كبيرة ومميزة في قطاعات جديدة، ومنها على سبيل المثال استثمار «صندوق الاستثمارات العامة» في شركة «لوسيد» للسيارات الكهربائية بنسبة 60 في المائة.

وأشار المؤمن إلى أن الفرص المتاحة والمستقبلية في تحول قطاع النقل بالسعودية بما يتوافق مع مشاريع التغير المناخي عديدة وكبيرة ومتنوعة ويمكن أن تشتمل على مشاريع واستثمارات ضخمة في تطوير وتحسين البنية التحتية، وتعزيز وسائل النقل العام بما يخلق فرصاً جديدة لتحسين خدمات النقل وزيادة الكفاءة البيئية والتحول نحو النقل الذكي عبر تشجيع تبني التكنولوجيا والابتكار في مجال النقل باستخدام البيانات لتحسين الكفاءة والتخطيط، وكذلك الاهتمام بتطبيق مبادئ الاستدامة في قطاع النقل، وفتح الأبواب للابتكارات البيئية والحلول التي تعزز التنمية المستدامة، لافتاً إلى أن قطاع النقل مهم جداً وسيصل حجمه عالمياً إلى نحو 10 تريليونات دولار بحلول 2050، كما يمثل في السعودية نحو 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتقوم الهيئة العامة للنقل في السعودية بجهود لرفع الوعي بأهمية ترشيد استهلاك الطاقة لقطاعات النقل المتعددة، وتشجيع مشاريع النقل الذكي القائمة على السيارات ذاتية القيادة والكهربائية، وذلك في سبيل دعم استخدام التقنية الحديثة بما يرفع الكفاءة البيئية ويقلل نسب التلوث.

مع الإشارة إلى أن المبادرة الخضراء تهدف إلى تحويل 30 في المائة من إجمالي المركبات في العاصمة إلى مركبات كهربائية بحلول عام 2030.


مقالات ذات صلة

بطاطا ضدَّ ارتفاع الحرارة

يوميات الشرق أملٌ ببطاطا صامدة (أدوب ستوك)

بطاطا ضدَّ ارتفاع الحرارة

يُطوِّر العلماء بطاطا من شأنها تحمُّل موجات الحرّ، وذلك لمساعدة المحاصيل على النمو في مستقبل يتأثّر بالتغيُّر المناخي.

«الشرق الأوسط» (إلينوي (الولايات المتحدة))
يوميات الشرق أشجار متجمدة في أوبر رايفنبرج بالقرب من فرنكفورت بألمانيا (أ.ب)

أوروبا تشهد عدداً أقل من الأيام شديدة البرد... ماذا يعني ذلك؟

دراسة أشارت إلى أن التغير المناخي تسبب بتسجيل فصول شتاء أكثر حرّاً في أوروبا تحديداً، مع ارتفاع عدد الأيام التي تكون فيها الحرارة أعلى من صفر درجة مئوية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
بيئة درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

صعوبة في تفسير الارتفاع القياسي في درجات الحرارة العالمية

يُعدّ الاحترار الذي يواجهه العالم منذ عقود بسبب غازات الدفيئة المنبعثة من الأنشطة البشرية مسألة معروفة، لكنّ درجات الحرارة العالمية التي حطّمت الأرقام القياسية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق ارتفاع درجة الحرارة ومستويات البحار يهدّد الطبيعة (غيتي)

التّغير المُناخي يُهدّد وجهات سياحية عالمية بحلول 2034

يُهدّد ارتفاع درجة الحرارة وتصاعد مستويات البحار والأحداث الجوية المتطرفة سكان تلك المناطق والبنية التحتية السياحية والجمال الطبيعي.

«الشرق الأوسط» (برلين)
عالم الاعمال «كوب 16» الرياض يقدم إرثاً داعماً لجهود مكافحة التصحر عالمياً

«كوب 16» الرياض يقدم إرثاً داعماً لجهود مكافحة التصحر عالمياً

شهد مؤتمر الأطراف الـ16 لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الرياض، إطلاق «أجندة عمل الرياض» لتقديم عمل دائم بشأن إعادة تأهيل الأراضي.


مصر لتطوير منظومة الطيران المدني

الرئيس المصري خلال اجتماع حكومي لتطوير منظومة الطيران المدني (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري خلال اجتماع حكومي لتطوير منظومة الطيران المدني (الرئاسة المصرية)
TT

مصر لتطوير منظومة الطيران المدني

الرئيس المصري خلال اجتماع حكومي لتطوير منظومة الطيران المدني (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري خلال اجتماع حكومي لتطوير منظومة الطيران المدني (الرئاسة المصرية)

تسعى مصر لتطوير منظومة «الطيران المدني» بشكل «متكامل»، بما يعزز استراتيجية خدمات وبرامج النقل الجوي للبلاد.

وبحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في اجتماع حكومي، مساء الأحد، «موقف تطوير منظومة الطيران المدني بجميع مكوناتها»، على مستوى «الملاحة الجوية وأسطول الطائرات والمطارات، وتنمية مهارات الكوادر البشرية»، وفق إفادة لـ«الرئاسة المصرية».

وتمتلك مصر 23 مطاراً، بالإضافة إلى مطار القاهرة الدولي؛ الأكبر والرئيسي في البلاد، وتستهدف الحكومة المصرية «زيادة القدرة الاستيعابية للمطارات من 66.2 مليون راكب، خلال العام الحالي، إلى 72.2 مليون راكب بحلول 2026-2027، وصولًا إلى مستهدف 109.2 مليون راكب سنوياً بنهاية 2030»، وفق وزارة الطيران المدني المصرية.

وأفاد بيان الرئاسة المصرية، الأحد، بأن الرئيس السيسي تابع «برنامج تطوير الطيران المصري، من خلال تحديث البنية التحتية للمطارات، وزيادة طواقمها الاستيعابية، وتحسين مستوى الخدمات المقدَّمة للركاب».

كما ناقش مع وزيرَي الإنتاج الحربي والطيران المدني ومسؤولين بالقوات المسلّحة، «سبل تحويل مصر إلى مركز لوجيستي عالمي، من خلال تطوير خدمات النقل الجوي».

ووجَّه الرئيس المصري بـ«استمرار العمل في تطوير منظومة الطيران بشكل متكامل؛ للاستفادة منها في خطط التنمية الاقتصادية»، داعياً إلى «ضرورة تحفيز مشاركة القطاع الخاص في تلك الجهود».

وتدرس الحكومة المصرية «إسناد إدارة وتشغيل المطارات المصرية للقطاع الخاص». وأشارت، في مارس (آذار) الماضي، إلى أن «القطاع الخاص، الأجدر في إدارة وتشغيل المشروعات والمرافق المختلفة، بما يُسهم في جذب مزيد من الاستثمارات، وتعظيم العائد الاقتصادي في مجال النقل الجوي».

وناقش رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، مطلع الشهر الحالي، مقترحاً من أحد التحالفات المصرية الفرنسية (حسن علام - مجموعة مطارات باريس)، للتعاون مع الحكومة المصرية في تشغيل وإدارة المطارات، وفق إفادة مجلس الوزراء المصري.

ويرى كبير طياري شركة مصر للطيران سابقاً، هاني جلال، أن «الحكومة المصرية تنفذ برنامجاً لتطوير منظومة النقل الجوي؛ سعياً إلى توسيع مشاركتها في الاقتصاد». وقال إن عملية التطوير «تشمل تنظيم اللوائح والتشريعات الخاصة بالطيران، وتطوير البنية التحتية والخدمات الجوية»، مشيراً إلى أن «عملية التطوير تستلزم التوسع في الخدمات المقدمة بالمطارات».

جلال أوضح، في تصريحات، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الهدف الأول من إجراءات التطوير رفع مستوى الأمان والتنظيم في النقل الجوي». وأشار إلى أن «الحكومة المصرية تسعى للتوسع في خدمات نقل البضائع بوصفها تُدر مكاسب كبيرة؛ كون حركة البضائع مستمرة طوال العام»، لافتاً إلى أن «تطوير أسطول الطائرات المصرية، ورفع الطاقة الاستيعابية للمطارات، سوف يسهمان في تعزيز حركة النقل الجوي، ورفع نسب السياحة الوافدة إلى البلاد».

وتستهدف الحكومة المصرية جذب 30 مليون سائح، بحلول عام 2028، ومضاعفة الطاقة الفندقية العاملة إلى 450-500 ألف غرفة في 2030، وفق وزارة السياحة المصرية.

وتوقّف هاني جلال مع زيارة رئيس منظمة الطيران المدني الدولي «إيكاو»، سالفاتوري شاكيتانو، للقاهرة، الأسبوع الماضي، مشيراً إلى أن «متابعة المنظمة الدولية لخطوات التحديث والتطوير خطوة مهمة تسهم في رفع تصنيف مصر في مجال النقل الجوي».

وافتتح رئيس منظمة الطيران المدني الدولي، والأمين العام للمنظمة، كارلوس سالاسار، المكتب الإقليمي للمنظمة في القاهرة، الأسبوع الماضي، وناقشا مع مصطفى مدبولي التعاون في مجالات «أمن وسلامة الطيران المدني»، وفق إفادة «مجلس الوزراء المصري».