تشديد التدابير الأمنية يحوّل حياة فلسطينيي القدس الشرقية إلى جحيم لا يطاق

كثرة الإغلاقات والحواجز عند مداخل الأحياء تعرقل قيام السكان بقضاء حاجاتهم اليومية

قوات إسرائيلية تعنف فلسطينيًا عند حاجز دمشق بالقدس الشرقية أمس (أ.ف.ب)
قوات إسرائيلية تعنف فلسطينيًا عند حاجز دمشق بالقدس الشرقية أمس (أ.ف.ب)
TT

تشديد التدابير الأمنية يحوّل حياة فلسطينيي القدس الشرقية إلى جحيم لا يطاق

قوات إسرائيلية تعنف فلسطينيًا عند حاجز دمشق بالقدس الشرقية أمس (أ.ف.ب)
قوات إسرائيلية تعنف فلسطينيًا عند حاجز دمشق بالقدس الشرقية أمس (أ.ف.ب)

بعد أن ركن الفلسطيني أبو عمرو سيارته السوداء عند مدخل حي جبل المكبر، وتوجه إلى مدرسة ابنه التي أصبحت تقع مباشرة بعد حاجز إسمنتي إسرائيلي جديد نصب في وسط الحي، وبسبب ذلك انفجر غاضبا منددا بـ«التمييز» و«العقاب الجماعي» المفروض على سكان القدس الشرقية المحتلة.
وللتعبير عن غضبه وشعوره بالإحباط وخيبة الأمل قال أبو عمرو (34 عامًا) لوكالة الصحافة الفرنسية: «لقد استغرق الطريق أكثر من 40 دقيقة للوصول إلى المدرسة، بدلا من أربع دقائق، وبسبب ذلك تأخرت على موعد لدى طبيب الأطفال.. لقد أصبحت كل هذه الإغلاقات والعقابات الجماعية تجسد تمييزا بحد ذاتها»، مضيفًا أن «القدس تدفع ثمنا باهظا في الوقت الحالي.. فهم (الإسرائيليون) يعتقدون أن القوة والمزيد من القوة سيجلب الخلاص، لكن المزيد من القوة سيؤدي في الواقع إلى مزيد من العنف».
واندلعت في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي أعمال عنف في القدس الشرقية والضفة الغربية بين الجانبين، ما لبثت أن امتدت إلى قطاع غزة، وقد نتج بعضها عن إقدام فلسطينيين محبطين من الوضع السياسي والمعيشي على طعن إسرائيليين، أو مهاجمتهم بوسائل أخرى، وفي كل مرة كان الإسرائيليون يردون بإطلاق النار والاعتقالات والقمع.
وفي محاولة لمنع تنفيذ هجمات في القدس، أقامت إسرائيل حواجز عند مداخل الأحياء الفلسطينية، وبدأت في بناء جدار إسمنتي من مكعبات ضخمة تفصل بين حي جبل المكبر، الذي يتحدر منه عدد من منفذي الهجمات على الإسرائيليين، وحي الاستيطان اليهودي أرمون هانتسيف. وكان مقررا أن يصل طول الجدار إلى 300 متر، لكن تم وقف العمل فيه بعد أيام من بدء وضع المكعبات الإسمنتية، وقد أوضحت السلطات الإسرائيلية وقتها أن الجدار سيكون مؤقتا وقابلا للنقل، وأنه يهدف فقط إلى منع إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على الحي الاستيطاني.
ويشعر الفلسطينيون بالغضب والإحباط من كثرة الحواجز، وقرب الجدار الذي كتب عليه باللغة العبرية «حاجز شرطة مؤقت»، تتوقف حافلة صغيرة وتنتظر ركابا لتقلهم إلى حاجز آخر عند مدخل الحي.
وحول هذا الوضع يقول سائق الحافلة طارق عويسات (24 عاما): «لقد انقسمت مؤخرا خدمة الحافلات في الحي، فأنا أقوم بنقل الركاب مسافة 500 متر إلى حاجز آخر، حيث تنتظرهم حافلة تقلهم إلى باب العمود»، ثم يقطع الفلسطينيون الحواجز سيرا على الأقدام.
ويضيف طارق بلغة غاضبة: «في العادة يحتاج الناس إلى 25 دقيقة للوصول من هنا إلى باب العمود (وسط المدينة)، لكن الآن مع الحواجز والتفتيش أصبحوا بحاجة إلى ساعة أو ساعة ونصف. لقد ازدادت حياتهم صعوبة وتعقيدا»، ثم يتساءل بحدة: «ماذا يعني الجدار سوى أنهم يريدون عزل المنطقة؟».
عند مدخل حي العيسوية المكتظ في القدس الشرقية المحتلة، يقف أفراد من حرس الحدود الإسرائيليين مدججين بالسلاح على حاجز، يفتشون سكان الحي الخارجين منه، ويطلبون منهم رفع قمصانهم وخلع أحذيتهم. كما يفتحون حقائب السيدات ويفتشونها بدقة قبل السماح لهن بالمرور. وعن هذا الوضع يقول الطالب الجامعي مؤمن رابي (19 عاما) لدى الانتهاء من تفتيشه بغضب، وهو ينتظر الحافلة التي ستقله إلى وسط المدينة: «أصبحنا نتأخر في كل يوم عن الجامعات وعن المدارس وعن كل شيء، هذا ظلم لكل سكان العيسوية».
ويعيش أكثر من 300 ألف فلسطيني في القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967، وضمتها إليها في خطوة لا يعترف بها المجتمع الدولي. كما يوجد نحو 200 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في الأحياء الاستيطانية المحيطة بالمدينة. فيما تعتبر إسرائيل إن القدس بشطريها هي عاصمتها «الأبدية والموحدة»، بينما يرغب الفلسطينيون بجعل القدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولتهم العتيدة.
وتضاف إلى الإجراءات الأمنية الجديدة، معاناة أخرى لا تقل وطئا وحدة بسبب الوضع الصعب الذي يعاني منه سكان القدس الشرقية في ظل الاحتلال الإسرائيلي. وبهذا الخصوص يقول أبو عمرو إن «البنية التحتية في القدس معدومة. فنحن ندفع كل الضرائب وكل المخالفات، ولكن لا يوجد أي اهتمام بنا في مجالات الصحة والتعليم. وحتى الأمان الوظيفي معدوم، كما أننا لا نملك أقل الحقوق المجتمعية».
ويؤكد هذا الوضع محمد أبو الحمص، مسؤول محلي في العيسوية، بقوله لوكالة الصحافة الفرنسية: «هذا جزء من العقاب الجماعي الذي تمارسه حكومة الاحتلال على الفلسطينيين. فقد وضعوا المكعبات من أجل تهدئة الأوضاع بحجة الأمن ولكنهم ينكلون بنا.. العيسوية موجودة قبل التلة الفرنسية، ولكنهم ينظفون الرصيف في المستوطنة ولا يفعلون شيئا في العيسوية».
ويقول خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية في القدس، إن «القدس الغربية تعيش في القرن 21 بينما تعيش القدس الشرقية في القرن 15»، مضيفا أن «هناك صدمة ثقافية عند الانتقال من القدس الشرقية إلى القدس الغربية، فكأنك تدخل إلى مكان آخر تماما».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.