أحمد طيباوي: لا أحب أن تتحول رواياتي إلى جلسة تعذيب للقارئ

الكاتب الجزائري يرى أن الجوائز لا تصنع مبدعاً

أحمد طيباوي: لا أحب أن تتحول رواياتي إلى جلسة تعذيب للقارئ
TT

أحمد طيباوي: لا أحب أن تتحول رواياتي إلى جلسة تعذيب للقارئ

أحمد طيباوي: لا أحب أن تتحول رواياتي إلى جلسة تعذيب للقارئ

يتسم العالم الروائي للكاتب الجزائري أحمد طيباوي بالتنوع والتكثيف الشديد، وتطرح روايته «باب الوادي» الصادرة أخيراً قضايا ملحة على الساحة الجزائرية مثل قضية الهوية والتسامح مع الآخر. وكان قد صدر له من قبل «اختفاء السيد لا أحد»، «موت ناعم»، «مذكرات من وطن آخر». ورغم أنه حاز عدداً من الجوائز مثل «جائزة نجيب محفوظ للأدب» و«جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي»، فضلاً عن جائزة «رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب»، فإنه يرى أن الجوائز لا تصنع مبدعاً وأن ما يصمد أمام الزمن هو القيمة الفنية للعمل.

هنا حوار معه، حول روايته الجديدة وهموم الكتابة:

> في روايتك الصادرة أخيراً «باب الوادي»، يبدو سؤال «الهوية» مهيمناً من خلال رحلة (كمال) الباحث عن جذوره بين بلاده وفرنسا، كيف جاء تناولك لهذه القضية مختلفاً عن التجارب التي تنطلق من السؤال نفسه في السرد الجزائري؟

- لكل كاتب مقاربته لموضوعات قد تكون مشتركة بينه وبين روائيين آخرين، أو هذا ما أفترضه، بمعنى أنه يملك رؤيته الخاصة للحياة وللبشر، ولا بأس أن يكون هناك تقاطع في الرؤى. ما المختلف في مقاربتي لمسألة الهوية؟ لا أعلم تحديداً درجة الاختلاف، لا أحب أن أسقط في الادعاء، لكني انشغلت بوضع المسافات بيني وبين شخصيات روايتي «باب الوادي» على تناقضاتها الفكرية والاجتماعية الصارخة، وقد شكلت مزيجاً غير متجانس، كل ما جمعها هو روابط القرابة أو العاصمة كفضاء تعيش فيه. توخيت ذلك تجنباً لإصدار الأحكام، وطلباً للحياد الذي يتيح لي طرح كل شخصية من شخصياتي بما تمثله من فئة أو تيار طرحاً إنسانياً محضاً.

> إلى أي حد يمكن القول إن أزمة الهوية في الرواية تتجاوز المصير الفردي لتصبح قضية وطن في الجزائر؟

- ليس في الجزائر فقط، فضاؤنا العربي مأزوم في أغلب توجهاته الاجتماعية والثقافية. تظهر الأزمة عند بعض المراحل التاريخية وتتراجع للخلف بعد ذلك، وبطبيعة الحال عند النخب وذوي الوعي أكثر من غيرهم من الفئات المطحونة في السعي للقمة العيش الكريم لها. من ناحية أدبية، مسألة الهوية مطروحة دوماً، كل ما هنالك أن كل كاتب يعالجها بحسب فهمه وتصوراته ولن يأتي بالجديد سوى في الطريقة الفنية التي طرحها بها.

> رغم أن رواية «باب الوادي» ليست رواية مكان، فإن اسمها مأخوذ من اسم أشهر حي شعبي في العاصمة الجزائرية، كيف ترى هذه المفارقة؟

- حاولت أن أختزل الجزائر كلها، اجتماعياً وسياسياً، تاريخاً وحاضراً، في حي باب الوادي. أحببت أن أستفيد من رمزية الحي واسمه ومكانته في المخيال الشعبي لدينا. من جهة التسمية كان باباً من أبواب الجزائر العاصمة يحاذي وادياً يصب في البحر، توسعت الجزائر العاصمة، وكبر الحيّ، ليصبح زمن الاستعمار الفرنسي معقلاً للأقدام السوداء، وهم الأوربيون الذين سكنوا في الجزائر أثناء الاحتلال الفرنسي، ومنه انطلقت منظمتهم الخاصة التي قامت بأعمال إرهابية لإفشال مفاوضات الاستقلال بين جبهة التحرير الوطني والسلطات الفرنسية. بعد الاستقلال صار الحيّ شعبياً بامتياز، وقد شهد أحداثاً كثيرة بداية «العشرية السوداء» في تسعينات القرن الماضي. باعتبار هذا كله، كان مناسباً جداً لرؤيتي في هذه الرواية أن يكون الحي هو الحيز الذي تتم فيه أغلب الأحداث. ولكن لن يجد القارئ حيّ باب الوادي حاضراً بالصورة التقليدية التي عودتنا عليها نصوص عربية وأجنبية، ليست رواية مكان بالمعنى التسجيلي ولم أستعن بوصف معالم باب الوادي والعاصمة إجمالاً من أجل تأثيث روايتي.

> إذن، كيف تتعامل مع حضور المكان في فضائك السردي عموماً؟

- كنت مهموماً بذلك في رواية سابقة لي، «مذكرات من وطن آخر» حيث كانت مدينة سطيف وأهم معالمها وأحيائها حاضرة بقوة بما استدعته حاجتي فيها لتقاطع بعض أبطالها مع جغرافية المكان وروحه. هناك روايات كثيرة كانت خلفيات المدن والأحياء حاضرة فيها بقوة، وارتبط عدد كبير من الروائيين الكبار عربياً وعالمياً بكتاباتهم عن المدن، وعن حياة الناس فيها طيلة الفترة الزمنية التي كانت محل اهتمام لديهم، والعلاقات الإنسانية، والعمران، وغير ذلك مما يتعلق بجعل المكان بطلاً حقيقياً في النص. هناك من يتحدث مؤخراً عندنا في الجزائر عن سرديات الصحراء. توظيف المكان يكون بحسب حاجة الكاتب، وهناك أيضاً جانب نفسي حول علاقته بالمكان، ربما حالة حنين أو انتقام أو استذكار أو حياد.

> المتتبع لأعمالك الروائية، يلحظ الميل للتكثيف الشديد والبعد عن الحشو والاستطراد، هل ثمة فلسفة ما وراء هذا، وكيف قاومت غواية الروايات المطولة التي اجتاحت السرد العربي وصارت بمثابة «موضة» في فترة سابقة؟

- ما يمكن للقارئ أن يستنتجه مباشرة، التفاصيل غير المهمة، الاستعراض اللغوي والمعرفي، الخطاب المباشر، الحوارات وكلام الإنشاء وغيرها، كلها زوائد أحرص بشدة على ألا أكتبها، أو التخلص منها عند مراجعة النص إذا حدث ووقعت في الإسهاب. أصبحت قراءة بعض الروايات تحتاج إلى صبر زائد من القارئ، ويحدث أن يضطر إلى أن يحذف فصولاً كاملة أو يقفز عدة صفحات ليصل إلى حيث يمكنه الاستمرار في القراءة. لا أحب أن تكون قراءة رواية لي عبارة عن جلسة تعذيب للقارئ. كُتبت عندنا الكثير من الروايات البدينة، ثم ماذا؟ العبرة بالأثر، الثرثرة لا تعني بالضرورة طول النفس السردي، كلام كثير ومعنى قليل، هذا هو الحال مع أغلب تلك الكتابات المتورمة للأسف. لا يمكننا أن نقول كل شيء في رواية واحدة دون أن يخلّ ذلك بالجانب الفني ودرجة التلقي التي نريدها لنصوصنا.

> حصلت على عدد من الجوائز منها «جائزة نجيب محفوظ للأدب» عن رواية «اختفاء السيد لا أحد» و«جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي» عن روايتك «موت ناعم»، كيف ترى علاقتك كقارئ ومؤلف، بأدب وتراث نجيب محفوظ والطيب صالح؟

- أنا سعيد بطبيعة الحال بأني حظيت بجائزتين تحملان اسمي ساردين عظيمين في أدبنا العربي الحديث بوزن نجيب محفوظ والطيب صالح، وأشعر في المقابل بالمسؤولية المعنوية لذلك الامتياز. بالنسبة لمنجز كليهما، فأنا أكثر اطلاعاً وتمثلاً لإرث نجيب محفوظ، مقارنة بتأثري بما كتبه الطيب صالح، من حيث الكم ومن جهة طبيعة الموضوعات والتيمات والشخصيات. لكل منهما بلا شك ما يمكننا أن نتعلم منه دائماً، أثريا المكتبة العربية بأعمال خالدة، من يمكنه أن ينسى ثلاثية نجيب محفوظ، وشخصياته مثل (عيسى) في «السمان والخريف» أو (صابر) بطله التائه والباحث عن أصل وجوده في رواية «الطريق»، وكذلك الحال بالنسبة للطيب صالح وأبطاله في روايتَي «موسم للهجرة للشمال» و«عرس الزين».

> كيف ترى مأزق تحول الجوائز الأدبية إلى «حكم قيمة» على الأدباء في الساحة الثقافية العربية وكأن من لم يحصد هذه الجائزة أو تلك يصبح مداناً على نحو ما؟

- مع الأسف، هذا هو الانطباع السائد. الجوائز ليست نهاية المطاف، إنها مجرد علامات، إشارات. وما يصمد حقاً أمام الزمن وتعاقب القراء من أجيال مختلفة باختلاف الذائقة والتأويلات هو النص والقيمة الفنية والإنسانية. الآداب والفنون ذاتية إلى أبعد حدّ، بالنسبة للكاتب وبالنسبة للمتلقي، وبقاء الرواية وتحقيقها لصدى بمرور الزمن هو المحك الحقيقي. الحصول على جائزة ليس علامة جودة أبدية للكاتب ولنصوصه إجمالاً. كما أن عدم الحصول عليها لا يعني أبداً حكماً نهائياً بمستوى الروايات غير المتوجة بجوائز. الرواية في امتحان، فحص حقيقي، فنياً وقيمياً، عند كل قارئ مختلف في كل مرة، يتمتع بحد من التراكم والاستقلالية. لا يمكنني أن أتخيل أن هناك إجماعاً حول رواية ما مهما كان من كتبها. الجوائز الأدبية لا تصنع أديباً أو مبدعاً.

> ماذا عن واقع الرواية الجزائرية حالياً... كيف ترى المشهد بأبعاده المختلفة؟

- هناك طفرة في عدد الإصدارات تحت اسم «الرواية»، والجدل بشأنها قائم، بين من يرى فيها ظاهرة صحية يمكن التعويل عليها والصبر لحين تنضج بعض الأقلام الشابة ويتحول الكم إلى كيف، وبين من يرى أنها موجة نجمت عن شبكات التواصل الاجتماعي وحب الظهور. وقع القادمون الجدد في فخ الاستسهال، وليس لديهم من الرصيد المعرفي ولا الصبر الكافي للخروج بنصوص تتوفر فيها الشروط الأساسية. من جهتي، لا أعرف ما قد تتمخض عنه الحالة في المستقبل، لا أستطيع التوقع، لكن أثرها الحالي سلبي، يتم التعمية على الكتابات الجادة، والكثرة تضع القارئ في حالة ارتباك... لا أحد لديه الوقت ولا الجهد لقراءة كل ما يصدر، ومن بعد ذلك يقوم بالفرز. دور الصحافة الثقافية تراجع كثيراً ومن يقومون بالنقد كذلك.

> هل الرواية الجزائرية بحاجة لفتح آفاق جديدة بعيداً عن المسارات التقليدية مثل وطأة حضور التاريخ وسؤال الهوية؟

- الموضوعات التي يعالجها الروائيون والروائيات في بلدي كثيرة، ولا تقتصر في الوقت الحاضر على التاريخ أو الهوية. كانت لدينا ما تسمى بـ«رواية الأزمة»، ويقصد بها تلك النصوص التي كتبت غداة «العشرية السوداء» والمأساة الوطنية، والآن هناك انفتاح أكبر على «ثيمات» محلية وإنسانية نشترك فيها مع مجتمعات أخرى، كما أن مقاربة الهوية والتاريخ روائياً لا تعني التكرار، طريقة المعالجة والرؤية قبل ذلك مختلفة عما كُتب من قبل.

> كيف ترى شكوى بعض الأدباء المغاربة من تهميش أعمالهم بسبب بعدهم الجغرافي عن مراكز الثقل في المشرق العربي؟

- التكنولوجيا الحديثة ألغت عوائق الجغرافيا والزمن، أظن أننا أكثر اطلاعاً على ما ينجز هنا وهناك، معارض الكتاب لعبت دوراً مهماً في السنوات الأخيرة، والتواصل خلال الفعاليات والتظاهرات الثقافية أفضل بكثير مما كان سائداً من قبل. صراحة لا أرى في الوقت الحاضر أي مشكلة يمكن أن تثير نقاشات غالباً ما تتخذ طابعاً «شوفينياً» بلا معنى، ولا يخدم أحداً في المغرب أو في المشرق العربيين.



العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي
TT

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي

في يومها العالمي الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، لا تبدو اللغة العربية في أفضل حالاتها، سواء من حيث الانتشار والتأثير أو الاهتمام داخل المؤسسات التعليمية. يكفي أن يُلقي أحدهم نظرة عابرة على لافتات المحال أو أسماء الأسواق التي تحاصر المواطن العربي أينما ولّى وجهه ليكتشف أن اللغات الأجنبية، لا سيما الإنجليزية، صار لها اليد الطولى. ويزداد المأزق حدةً حين تجد العائلات أصبحت تهتم بتعليم أبنائها اللغات الأجنبية وتهمل لغة الضاد التي تعاني بدورها من تراجع مروِّع في وسائل الإعلام ومنابر الكتابة ووسائط النشر والتعبير المختلفة.

في هذا التحقيق، يتحدث أكاديميون وأدباء حول واقع اللغة العربية في محاولة لتشخيص الأزمة بدقة بحثاً عن خريطة طريق لاستعادة رونقها وسط ما يواجهها من مخاطر.

سمير الفيل

عاميات مائعة

في البداية، يشير الناقد والأكاديمي البحريني د. حسن مدن إلى أنه من الجيد أن يكون للغة العربية يوم نحتفي بها فيه، فهي لغة عظيمة منحت بثرائها ومرونتها وطاقاتها الصوتية العالم شعراً عظيماً، كما منحته فلسفة وطباً ورياضيات وهندسة، واستوعبت في ثناياها أمماً وأقواماً عدة. ورأى مدن أن يوم اللغة العربية ليس مجرد يوم للاحتفاء بها، إنما هو، أيضاً، وربما أساساً، للتنبيه إلى المخاطر الكبيرة التي تواجهها، حيث تتهدد سلامة الكتابة والنطق بها مخاطر لا تُحصى، متسائلاً: ماذا بقي في أجهزة التلفزة الناطقة بالعربية من اللغة العربية السليمة، التي تُنتهَك قواعدها كل ساعة، وتحل محلها عاميات مائعة، حيث يتبارى المذيعات والمذيعون في التلذذ بمطِّ ألسنتهم وهم ينطقونها، فيما يختفي جيل أولئك المذيعين المفوهين ذوي التأسيس اللغوي السليم الذين كانت اللغة العربية تشنّف الأسماع من على ألسنتهم؟

د. حسن مدن

ويستدرك الأكاديمي البحريني موضحاً أنه ليس مطلوباً من الجميع أن يتحولوا إلى علماء أفذاذ على غرار سيبويه، فذلك مُحَال، خصوصاً أن الانشطار الذي أصاب اللغة العربية إلى فصحى ومجموعة لهجات عامية جعل من المستحيل أن تكون لغتنا العربية، بصرفها ونحوها لغة محادثة يومية، ولكن ثمة حدود دنيا من قواعد اللغة وطريقة كتابتها ونطقها يجب احترامها والحفاظ عليها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مخاطر تخريب اللغة.

ويلفت د. مدن إلى أنه فيما يتعلق بواقع اللغة في معاهد التعليم والدرس، نجد أنه من المؤسف أن معيار تفوق التلميذ أو الطالب الجامعي بات في إتقانه اللغة الإنجليزية لا العربية، وبات يفكر كل والدين حريصين على مستقبل أبنائهما في تعليمهم الإنجليزية، ومن النادر أن يتحدث أحدهم عن حاجة أبنائه إلى إتقان العربية. ويحذر د. مدن من مخاوف تواجه مستقبل لغة الضاد وإمكانية تعرضها لخطر يتهدد وجودها، لافتاً إلى أن هناك تقريراً أجنبياً يتحدث عن أن قرننا الحالي سيشهد ضمور وموت مائتي لغة من لغات شعوب العالم تحت سطوة العولمة الثقافية التي تتخذ من اللغة الإنجليزية «المؤمركة» وسيلة إيصال واتصال.

د. عيدي علي جمعة

حلول عملية

ويشير القاصّ والروائيّ المصريّ سمير الفيل إلى عدة حلول عملية للخروج من النفق المظلم الذي باتت تعيشه لغة الضاد، مشيراً إلى ضرورة الاهتمام بمعلمي اللغة العربية وأساتذتها في المدارس والجامعات، من حيث الرواتب وزيادة مساحات التدريب، بالإضافة إلى جعل اللغة العربية أساسية في كل المؤسسات التعليمية مهما كانت طبيعة المدرسة أو الجامعة. وهناك فكرة الحوافز التي كان معمولاً بها في حقبتَي السبعينات والثمانينات، فمن يدخل أقسام اللغة العربية من الحاصلين على 80 في المائة فأكثر، تُخصَّص لهم حوافز شهرية.

ويمضي «الفيل» في تقديم مزيد من المقترحات العملية مثل استحداث مسابقات دائمة في تقديم دراسات وبحوث مصغرة حول أعمال رموز الأدب العربي قديماً وحديثاً، فضلاً عن عدم السماح بوجود لافتات بلغة أجنبية، وتحسين شروط الالتحاق بكليات العربية المتخصصة مثل دار العلوم والكليات الموازية. ويضيف: «يمكنني القول إن اللغة العربية في وضع محرج غير أن الاهتمام بها يتضمن أيضاً تطوير المنهج الدراسي بتقديم كتابات كبار المبدعين والشعراء مثل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وأبي القاسم الشابي، وغيرهم في المنهج الدراسي بحيث يكون مناسباً للعصر، فلا يلهث للركض في مضمار بعيد عن العصرية، أو الحداثة بمعناها الإيجابي».

تدخل رسمي

ويطالب د. عايدي علي جمعة، أستاذ الأدب والنقد، بسرعة تدخل الحكومات والمؤسسات الرسمية وجهات الاختصاص ذات الصلة لوضع قوانين صارمة تحفظ للغة العربية حضورها مثل محو أي اسم أجنبي يُطلق على أي منشأة أو محل داخل هذه الدولة أو تلك، مع دراسة إمكانية عودة « الكتاتيب» بصورة عصرية لتعليم الطفل العربي مبادئ وأساسيات لغته بشكل تربوي جذاب يناسب العصر.

ويشدد على أن اللغة العربية واحدة من أقدم اللغات الحية، تختزن في داخلها تصورات مليارات البشر وعلومهم وآدابهم ورؤيتهم للعالم، وأهميتها مضاعفة، لكثرة المتحدثين بها في الحاضر، وكثرة المتحدثين بها في الماضي، فضلاً عن كثرة تراثها المكتوب، لكن من المؤسف تنكُّر كثير من أبنائها لها، فنرى الإقبال الشديد على تعلم لغات مختلفة غير العربية، فالأسر حريصة جداً على تعليم الأبناء في مدارس أجنبية، لأنهم يرون أن هذه اللغات هي البوابة التي يدخل منها هؤلاء الأبناء إلى الحضارة المعاصرة.

الأديب السوري الكردي، المقيم في بلجيكا، هوشنك أوسي، إنتاجه الأساسي في الشعر والرواية والقصة القصيرة باللغة العربية، فكيف يرى واقع تلك اللغة في يومها العالمي؟ طرحنا عليه السؤال، فأجاب موضحاً أن الحديث عن تردّي واقع اللغة العربيّة مبالَغ فيه، صحيح أنّ العالم العربي والبلدان العربيّة هي مناطق غير منتجة صناعياً، ولا تقدّم للعالم اختراقات وخدمات علميّة تسهم في الترويج للغة العربيّة والتسويق لها، كحال بلدان اللغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة، والصينيّة، إلاّ أن اللغة العربيّة لم تكتفِ بالمحافظة على نفسها وحسب، بل طوّرت نفسها لتنسجم ومقتضيات العصر وإيقاعه المتسارع.

ويلفت أوسي إلى نقطة مهمّة مفادها أن النهوض الاقتصادي في الصين وكوريا الجنوبيّة واليابان، لم يجعل من لغات هذه البلدان رائجة في العالم، ومنافسة للغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة. وفي ظنه أن أعداد الأجانب الذين يودّون تعلّم اللغة العربيّة، لا يقلّ عن الذين يودّون تعلّم اللغات الصينيّة واليابانيّة والكوريّة.