خان بهادر شينواري، مواطن أفغاني، نزح مع عائلته التي تضم عشرة أفراد من بلدته شينوار، التابعة لولاية ننجرهار في شرق أفغانستان، بعدما غدت الحياة فيها مستحيلة. أما السبب فهو احتلال مقاتلي تنظيم داعش المتطرّف البلدة وإجبارهم الأهالي على النزوح من بيوتهم وتركها للمقاتلين الداعشيين الذين يحشدون القوى للمعركة المقبلة ضد الجيش الأفغاني وحركة طالبان.
شينواري (65 سنة) يقول إنه لم ير في حياته متشدّدين بمثل تطرّف «داعش» وغرابة وجوه مسلحيه. وأردف موضحا في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنهم: «عندما جاءوا إلى منطقة شينوار، المحاذية للحدود الباكستانية شرق البلاد، كانوا يقدّرون بالعشرات فقط، ولم تنتبه الحكومة إلى هذه الخطر. ولكن سرعان ما أصبح الرقم يزداد يوما بعد يوم، وأصبحوا الآن قوة كبيرة بعد أن سيطروا على بلدات مجاورة لمنطقة شينوار».
من ناحية ثانية، قال خان بهادر، الذي يسكن الآن في مدينة جلال آباد، عاصمة الإقليم، عن الأوضاع: «إن الحياة صعبة هنا، ولم تقدم الحكومة ولا الجهات الدولية الأخرى مساعدات للنازحين هربا من بطش (داعش) في شرق أفغانستان الذين يبلغ عددهم نحو ثمانين عائلة يمضون راهنا أوقاتا صعبة في مخيمات النزوح بجلال آباد». وبالفعل، أغلق مسلحو «داعش» المدارس وحوّلوها إلى مراكز تدريب لمقاتليهم، كما أجبروا الأهالي في بلدتي شينوار وأتشين التابعتين لولاية ننجرهار شرق البلاد على ترك منازلهم والسيطرة على ممتلكاتهم، كما خاضوا حربا ضروسا ضد مقاتلي طالبان في مناطق مجاورة، حيث لا سيطرة حكومية عليها، وأجبروا طالبان على الانسحاب من كثير من المناطق المحسوبة عليها، وترك المواقع لمقاتلي «داعش»، الظاهرة الجديدة، والذي بات يتسع ويتمدد على حساب طالبان في مناطق التوتر خصوصا شرق البلاد.
يقول أهالي مناطق الشرق الأفغاني التي تخضع لسيطرة «داعش» إن الأخير يقوم بحرق المنازل وقتل الأبرياء لمجرد انتمائهم للحكومة أو طالبان، كما يقوم مقاتلو التنظيم بخطف المواطنين والتجار ورجال الأعمال مقابل فدية مالية لتمويل عملياتهم القتالية.
ويقول النازحون الذين تركوا منازلهم خوفا من «داعش» إن غالبية أعضاء التنظيم في شرق أفغانستان هم مقاتلون سابقون في حركة طالبان، وإن أعضاء هذا التنظيم في ازدياد مستمر بسبب الأموال الكثيرة التي يمتلكها مقارنة مع حركة طالبان التي ضعفت اقتصاديا بعد هجوم الجيش الباكستاني على منطقة القبائل الباكستانية. ويبلغ الراتب الشهري الذي يحصل عليه المقاتل الداعشي نحو 400 إلى 500 دولار في شرق أفغانستان.
وبعد السيطرة الكاملة لـ«داعش» على عدة بلدات تابعة لمحافظة ننجرهار الشرقية، ارتفعت الأصوات الشعبية والسياسية منادية بضرورة التصدي لهذه الظاهرة قبل أن تكبر وتصبح غير قابلة للسيطرة على غرار جماعة طالبان. وعقدت المجالس القبلية اجتماعات موسعة تطالب الحكومة بضرورة إرسال قوات لطرد «داعش» من مناطقها، لكن الحكومة الأفغانية التي تقاتل في أكثر من جبهة مع طالبان تبدو عاجزة في التصدي لخطر «داعش» في المرحلة الحالية، وربما يتوقع حدوث مواجهات بين «داعش» وطالبان قريبا. لكن زعماء القبائل وقادة الميليشيات السابقين الذين حاربوا الروس في ثمانينات القرن الماضي، ثم واجهوا طالبان، باتوا يحشدون عناصرهم المحليين لمواجهة خطر «داعش» في مناطقهم، رغم حضور تنظيم الدولة الغريب على المجتمع الأفغاني.
عبد الظاهر قدير، النائب الأول لرئيس البرلمان الأفغاني ونجل عبد القدير، أحد قادة «المجاهدين الأوائل»، وهو ينتمي إلى ولاية ننجرهار، توجه إلى مسقط رأسه في الولاية، وهو يجمع المقاتلين ويرفع من معنوياتهم استعدادا لحرب مقبلة ضد «داعش». ويقول قدير إنه لن يعود إلى كابل إلا بعد القضاء على خطر طالبان في منطقة «شينوار واتشين»، ويطالب الحكومة بدعم الهيئات الشعبية وتوفير السلاح لها في حربهم ضد «داعش». وأعلن قدير عن تحالف جديد بين قادة الميليشيات الشعبية، أو من يطلق عليهم «أمراء الحرب السابقون»، في شرق أفغانستان من أجل التصدي للمخاطر التي يشكلها تنظيم داعش هناك.
لكن الحكومة المركزية التي تواجه أكثر من خطر تتخوف من تسليح ميليشيات محلية، والتي قد تتحول تدريجيا إلى خطر آخر يهدد كيان الدولة في ما بعد، وتصر الحكومة على أن تكون هذه التحركات الشعبية قابلة للسيطرة، وأن تكون ضمن القوات الرسمية المسلحة.
ومؤخرا، دعا عبد الرب رسول سياف، أحد أبرز قادة «المجاهدين» السابقين، جميع القادة المناهضين لطالبان لضرورة رص الصف وتوحيد الجهود وإيجاد جبهة موحدة لمواجهة طالبان و«داعش» ودعم الحكومة وقواتها المسلحة في حربها ضد المسلحين، خصوصا بعد سيطرة طالبان على ولاية قندوز، مع أنباء عن سعي طالبان لتكرار تجربة قندوز في ولايات أفغانية أخرى مثل ولاية غزني وسط البلاد وولايات أخرى في شمال شرقي البلاد. يقول حكمة الله طالقاني، وهو كاتب ومحلل سياسي، إن تشكيل جبهة جديدة للمسلحين خارج الدوائر الرسمية يعني أن البلد يتجه إلى تكرار تجربة التسعينات من القرن الماضي، عندما دخلت الأحزاب التابعة لـ«المجاهدين» العاصمة كابل واندلعت المعارك بينها، وكانت النتيجة الدمار والخراب الذي لحق بالعاصمة والسكان، مشيرا إلى أنه على الميليشيات المسلحة وغيرها التكاتف مع الحكومة ودعم القوات المسلحة التي تبلي بلاء حسنا في حربها ضد طالبان و«داعش»، بدل تشكيل ميليشيات خاصة بها.
غير أن عبد الجبار مجاهد، وهو من أمراء المقاتلين السابقين، يقول إن سلامة البلد في خطر بعد توسع المعارك وتمدد «داعش» إلى داخل أفغانستان، وإنه على الجميع، بمن فيهم «المجاهدون» السابقون، التهيؤ لمواجهة هذا الخطر بكل الوسائل، وإنه لم يعد هناك وقت للمناكفات السياسية، وإن الحرب باتت تقترب من العاصمة كابل، والجميع في خطر في هذه الظروف، ويجب على الجميع رفع السلاح والدفاع عن النظام الشرعي في كابل.
حضور «داعش» لم يعد منحصرا في ولاية ننجرهار شرق البلاد، فالمعلومات تشير إلى أن التنظيم يسعى للتوسع على حساب طالبان في مناطق التوتر، خصوصا في شمال وشمال شرقي البلاد، حيث تعد ولاية فارياب وولاية فراه الواقعتان في شمال شرقي البلاد من الولايات التي يمكن لـ«داعش» الانتشار فيها بسبب قربها لدول آسيا الوسطى، ووجود مقاتلين شيشانيين وأوزبك وطاجيك، إضافة إلى مقاتلين من تركستان الشرقية، ضمن تشكيلات «داعش»، وهذه الجماعات المنحدرة من دول آسيا الوسطى يسهل عليها التنقل بين ولايات أفغانية في شمال شرقي البلاد ودول آسيا الوسطى بسبب الحدود المترامية.
وأخيرا، شعرت روسيا وحلفاؤها في آسيا الوسطى بأن قرب خطر «داعش» قد يهدد مصالحها القومية انطلاقا من الأراضي الأفغانية، لذا اجتمع الرئيسان الروسي والطاجيكي مؤخرا في العاصمة الطاجيكية لدراسة الموقف والمساعدات العسكرية التي يمكن تقديمها للجانب الأفغاني لمحاربة «داعش» على الحدود. وأعرب الرئيسان الروسي والطاجيكي عن أنهما مستعدان لتقديم كل المساعدات العسكرية، كما عززت روسيا من قواتها المرابطة على الجانب الطاجيكي من الحدود بقوات إضافية وأسلحة متطورة للتصدي لخطر «داعش» في حال اقترابه من الحدود.
المعركة المقبلة معقدة وخطيرة على الساحة الأفغانية، فهي بين طالبان و«داعش» من جهة، وبين «داعش» والحكومة الأفغانية من جهة أخرى، كما أن طالبان تشن أقوى عملياتها القتالية ضد الحكومة منذ أن أطيح بها نهاية عام 2001، وكل التوقعات بأن المعركة المقبلة لن تبقى في الحدود الجغرافية الأفغانية، وأن ساحتها ستتوسع لتشمل دولا أخرى في المنطقة في حال لم يتم القضاء على جذورها في أفغانستان.