عام 2024.. طموحات استكشاف الفضاء

6 بعثات تنطلق نحو أطراف الكون

رسم تصويري لسفينة فضائية ضمن برنامج «أرتميس» (شاترستوك)
رسم تصويري لسفينة فضائية ضمن برنامج «أرتميس» (شاترستوك)
TT
20

عام 2024.. طموحات استكشاف الفضاء

رسم تصويري لسفينة فضائية ضمن برنامج «أرتميس» (شاترستوك)
رسم تصويري لسفينة فضائية ضمن برنامج «أرتميس» (شاترستوك)

أظهرت سنة 2023 أهميّة كبيرة في مجال البعثات الفضائية بعد عودة بعثة «أوزيريس - ريكس» لوكالة الطيران والفضاء الأميركية «ناسا»، حاملة عيّنة من كويكب، وبانطلاق بعثة «شاندرايان - 3» الهندية لاستكشاف قطب القمر الجنوبي.

بعثات القمر والمريخ

ويبدو أنّنا على موعد مع سنة أخرى «حماسية» على صعيد الاستكشاف الفضائي، إذ تشمل خطّة «أرتميس» ومبادرة الخدمات التجارية للحمولة القمرية التي وضعتها «ناسا»، إرسال عدّة بعثات جديدة إلى القمر.

ومن المقرّر أن يشهد النصف الثاني من العام عدّة إطلاقات بارزة، كبعثة استكشاف الأقمار المريخية في سبتمبر (أيلول)، وبعثتَي «أوروبا كليبر» و«هيرا» في أكتوبر (تشرين الأول)، و«أرتميس 2» و«فايبر» إلى القمر في نوفمبر (تشرين الثاني)، إذا سارت الأمور وفقاً للخطط الموضوعة.

6 بعثات فضائية

وبوصفي عالمة متخصصة في الكواكب، سأعرّفكم أهمّ ستّ بعثات فضائية في 2024.

1. «أوروبا كليبر» Europa Clipper. تعتزم «ناسا» إطلاق بعثة «أوروبا كليبر» التي ستستكشف «أوروبا»، أحد أكبر أقمار المشتري، الذي يصغر قمر الأرض بقليل، ويتميّز بسطحٍ جليدي يغطّي محيطاً من المياه المالحة. ويتوقّع العلماء احتواء هذا المحيط على ضعفَي كمية المياه المتوفرة في محيطات الأرض مجتمعة.

ومع إرسال «أوروبا كليبر»، يسعى العلماء للتحقيق فيما إذا كان محيط «أوروبا» مكاناً ملائماً للحياة خارج الأرض.

تخطّط البعثة لتنفيذ هذه المهمّة بالدوران عبر «أوروبا» لأكثر من 50 مرّة لدراسة قشرته الجليدية، وجيولوجيا سطحه، ومحيطه تحت السطح، بالإضافة للبحث عن احتمال وجود سخانات.

ستغيّر هذه البعثة التصورات بالنسبة للعلماء الذين يأملون فهم عالم المحيطات.

تبدأ نافذة الإطلاق -أي الفترة الزمنية التي سيحصل خلالها الإطلاق وستصل خلالها البعثة إلى طريقها المقرّر- في 10 أكتوبر 2024 وتُقفل بعد 21 يوماً. ومن المزمع أن تُقلع «أوروبا كليبر» على متن صاروخ فالكون تابع لـ«سبيس إكس»، وأن تصل إلى نظام المشتري في 2030.

رواد الفضاء قد يؤسسون لوجود طويل الامد على القمر (شاترستوك)
رواد الفضاء قد يؤسسون لوجود طويل الامد على القمر (شاترستوك)

وجود طويل الأمد على القمر

2. إطلاق «أرتميس 2» Artemis II. وضعت وكالة «ناسا» برنامج «أرتميس» للعودة إلى القمر عبر إرسال بعثات بشرية لأوّل مرّة منذ عام 1972، على أن تضمّ هذه البعثات أوّل امرأة وأوّل شخص من أصحاب البشرة الملوّنة. ويشمل «أرتميس» أيضاً خططاً لوجود طويل الأمد ومستدام في الفضاء، يهدف إلى تحضير الوكالة لإرسال بعثات مأهولة لاحقاً إلى نقاط أبعد، كالمريخ.

وتُعدّ بعثة «أرتميس 2» الخطوة المأهولة الأولى في هذه الخطّة، على أن تشهد إرسال أربعة روّاد فضاء في بعثة مدّتها 10 أيّام.

تعتمد هذه البعثة على نتائج بعثة «أرتميس 1» التي أرسلت كبسولة غير مأهولة إلى مدار القمر في أواخر 2022.

وستحمل «أرتميس 2» روّاد الفضاء إلى المدار المحيط بالقمر قبل العودة بهم إلى الأرض. من المزمع أن تنطلق البعثة في نوفمبر 2024، ولكن قد تؤجّل إلى 2025، بناءً على جهوزية المعدّات كالبذّات الفضائية ومخزون الأكسجين.

3. «فايبر» VIPER للبحث عن المياه على القمر. «فايبر» هو روبوت بحجم عربة الغولف ستستخدمه «ناسا» لاستكشاف قطب القمر الجنوبي في أواخر 2024.

كان من المقرّر إرسال هذا الروبوت إلى وجهته في 2023، ولكنّ الوكالة عادت وأجّلت البعثة لاستكمال المزيد من الاختبارات على نظام سفينة الهبوط، الذي طوّرته شركة «أستروبوتيك» الخاصّة في إطار مبادرة الخدمات التجارية للحمولة القمرية.

صُممت هذه البعثة الآلية للبحث عن المواد المتطايرة، وهي عبارة عن جزيئات سهلة التبخّر، كالمياه وثاني أكسيد الكربون، في درجة حرارة القمر. وقد توفّر هذه المواد موارد للاستكشافات البشرية المستقبلية على القمر.

وخلال رحلة المائة يوم، سيتزوّد «فايبر» بطاقته من بطاريات، وأنابيب حرارية، ومشعّات تتيح له الصمود في كلّ الأوضاع، من الحرّ المتطرّف خلال النهار القمري -إذ يمكن أن تصل درجة الحرارة إلى 107 مئوية- إلى مناطق القمر الشديدة البرودة والظلّ، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى -240 درجة مئوية.

يشير برنامج البعثة إلى أنّ إطلاق «فايبر» مقرّر في نوفمبر 2024.

مهمّتان قمريتان منخفضتا التكلفة

4. بعثتا «تريل بلايزر» Lunar Trailblazer و«برايم - 1» PRIME – 1 القمريتان. استثمرت «ناسا» أخيراً في مجموعة من البعثات الكوكبية الصغيرة غير المكلفة التي تحمل اسم «سيمبل إكس». تخفّض هذه البعثات تكلفتها من خلال مرافقة إطلاقات أخرى بأسلوب يشبه مشاركة العربات في التنقّل البرّي، أو كحمولة ثانوية.

تحمل إحدى هذه البعثات اسم «تريل بلايزر». وكـ«فايبر»، تستهدف هذه البعثة البحث عن المياه على القمر.

ولكن الفارق أنّ «فايبر» ستهبط على سطح القمر وتستكشف منطقة محدّدة بالقرب من قطبه الجنوبي، في حين أنّ «تريل بلايزر» ستدور حول القمر لقياس درجة حرارة السطح وتحديد مواقع وجود جزيئات المياه.

تفيد التقارير الحالية بأنّ «تريل بلايزر» ستصبح جاهزة في بداية 2024.

ولكن لأنّ إطلاقها سيكون على شكل حمولة ثانوية، سيتوقّف توقيتها على جهوزية إطلاق الحمولة الأولية، أي بعثة «برايم - 1»، المزمع إطلاقها في منتصف 2024.

ستحفر «برايم - 1» طريقها إلى داخل القمر وستكون بمثابة اختبار للاختراق الذي سينفّذه «فايبر»، إلّا أنّ موعد إطلاقها يتوقّف على الإطلاقات التي ستسبقها.

كانت بعثة سابقة من مبادرة الخدمات التجارية للحمولة القمرية مقرّرة بالتنسيق مع شريك الهبوط نفسه، قد تأجّلت إلى فبراير (شباط) 2024، ما يرجّح مزيداً من التأخير في إطلاق «برايم - 1» و«تريل بلايزر».

مهمات يابانية وأوروبية

5. بعثة استكشاف الأقمار المريخية من «جاكسا» JAXA’s Martian Moon eXploration mission. بينما يتوقّع قمر الأرض استقبال عدّة «زائرين» -صغاراً وكباراً، وروبوتات، وبعثات مأهولة- خلال عام 2024، ينتظر قمرا المرّيخ، «فوبوس» و«ديموس»، زائراً أيضاً. إذ تعتزم وكالة استكشاف الفضاء الياباني (جاكسا) إطلاق بعثة آلية (لا تزال حالياً قيد التطوير) باسم «استكشاف القمر المريخي» (MMX)، في سبتمبر (أيلول) 2024.

هدف البعثة الأساسي هو تحديد أصل أقمار المريخ لأنّ العلماء لا يزالون غير متأكدين ما إذا كان «فوبوس» و«ديموس» كويكبين سابقين جذبهما المريخ إلى مداره بقوّة جاذبيته، أو تشكيلاً من الحطام الذي يدور في مدار المريخ.

ومن المخطّط له أن تُمضي السفينة ثلاث سنوات حول المريخ لتنفيذ إجراءات علمية لمراقبة «فوبوس» و«ديموس». ومن المزمع أنّ تهبط MMX أيضاً على سطح «فوبوس» لجمع عيّنة قبل العودة إلى الأرض.

قد تشهد 2024 إطلاق سفينة من «أسترو فورج» الأميركية العاملة بمجال تنقيب الكويكبات في بعثة تستهدف كويكباً صخرياً بالقرب من مدار الأرض (أرشيفية)
قد تشهد 2024 إطلاق سفينة من «أسترو فورج» الأميركية العاملة بمجال تنقيب الكويكبات في بعثة تستهدف كويكباً صخرياً بالقرب من مدار الأرض (أرشيفية)

6. بعثة «هيرا» Hera التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية. صُممت «هيرا»، البعثة التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، للعودة إلى نظام كويكبي «ديمورفوس» و«ديديموس» الذي زارته بعثة «دارت» التابعة لـ«ناسا» عام 2022.

لم تكتفِ «دارت» بزيارة هذين الكويكبين فحسب، بل ارتطمت بأحدهما لاختبار تقنية دفاعية كوكبية اسمها «التأثير الحركي» -اصطدمت البعثة بـ«ديمورفوس» بقوّة ونجحت فعلاً في تغيير مداره.

قد تلعب هذه التقنية، التي تضرب شيئاً ما بجسمٍ بهدف تغيير مساره، دوراً بالغ الأهمية في حال واجهت البشرية خطر ارتطام جسمٍ ما بالأرض وأرادت إعادة توجيهه.

من المزمع أن تنطلق «هيرا» في أكتوبر 2024، لتصل إلى الكويكبين في 2026، إذ ستدرس خصائصهما الفيزيائية.

* أستاذة مساعدة في علوم الأرض والغلاف الجوي والكواكب في جامعة بيردو، مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

المريخ كما لم نعرفه... أمطار وثلوج غيَّرت وجه الكوكب الأحمر

يوميات الشرق تضاريس تختلف جذرياً عن المشهد القاحل (ناسا)

المريخ كما لم نعرفه... أمطار وثلوج غيَّرت وجه الكوكب الأحمر

كوكب المريخ ربما شهد، في حقبة سحيقة، مناخاً دافئاً ورطباً نسبياً، ساعد على تساقط الأمطار والثلوج وجريان الأنهر...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رواد الفضاء تشين دونغ وتشين تشونغروي ووانغ جيه يلتقون بالصحافة قبل مهمة الفضاء «شنتشو - 20» المقبلة (رويترز)

​الصين تعلن عن أفراد طاقم جديد سيُرسَل إلى الفضاء غداً

أعلنت الصين الأربعاء عن الطاقم الذي سيتوجّه إلى محطة تيانغونغ الفضائية هذا الأسبوع

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق الكوكب يفقد كميات معدن ومواد ضخمة من سطحه بسبب درجات الحرارة المرتفعة (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)

اكتشاف كوكب بحجم عطارد يتفكك بسرعة هائلة

أعلن علماء الفلك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة، عن رصد كوكب يبعد نحو 140 سنة ضوئية عن الأرض، ويعاني من عملية تفكك سريعة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
علوم لقطة تُظهر محطة الفضاء الدولية (رويترز)

ساعتان ذريتان إلى محطة الفضاء الدولية الاثنين لاختبار نظرية النسبية

أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية، الاثنين، بنجاح، مجموعة تضم ساعتين ذريتين إلى محطة الفضاء الدولية بهدف قياس الوقت بدقة عالية جداً واختبار نظرية النسبية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق لقطة تُظهر محطة الفضاء الدولية (رويترز)

لاختبار نظرية النسبية... ساعتان ذريتان تنطلقان إلى محطة الفضاء الدولية

تتويجاً لأكثر من 30 عاماً من العمل، تطلق وكالة الفضاء الأوروبية، الاثنين، مجموعةً تضم ساعتين ذريتين إلى محطة الفضاء الدولية بهدف قياس الوقت بدقة عالية جداً.

«الشرق الأوسط» (باريس)

هل سيؤدي تغير المناخ إلى ازدهار صناعي في القطب الشمالي؟

شكل تصوّري للشحن في القطب الشمالي
شكل تصوّري للشحن في القطب الشمالي
TT
20

هل سيؤدي تغير المناخ إلى ازدهار صناعي في القطب الشمالي؟

شكل تصوّري للشحن في القطب الشمالي
شكل تصوّري للشحن في القطب الشمالي

يُحدث تغير المناخ تحولاً في المشهد المتجمد للقطب الشمالي بمعدلات مذهلة. ورغم ما يُلحقه من دمار بالحياة البرية والمجتمعات التي تعيش هناك، فإن الحكومات والشركات تُدرك وجود فرصة سانحة، كما كتبت مادلين كاف (*).

ثروة قطبية

تتمتع المنطقة بثروة من الموارد، بما في ذلك احتياطيات غير مستغلة من الوقود الأحفوري ومعادن أساسية ضرورية. وقد تنافست دول القطب الشمالي على السيطرة على هذه الموارد لعقود، وبعض عمليات الاستغلال - وبخاصة استخراج الوقود الأحفوري في القطب الشمالي الروسي - جارية بالفعل.

وبحلول نهاية العقد، قد يصبح المحيط المتجمد الشمالي خالياً من الجليد خلال فصل الصيف؛ ما يسمح للسفن بالسفر مباشرة فوق القطب الشمالي لأول مرة. هذا الذوبان السريع يجعل المنطقة أكثر سهولة من أي وقت مضى؛ ما يُغذي توقعات النمو الصناعي السريع في القطب الشمالي. منذ توليه منصبه في يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب صراحةً رغبته في الاستيلاء على غرينلاند، وهي إقليم دنماركي، بالإضافة إلى كندا. لكن هل سيُحدث تغير المناخ طفرة صناعية حقيقية في القطب الشمالي؟

مصالح مادية

* النفط والغاز. لا شك أن المنطقة تزخر بموارد قيّمة، بما في ذلك نحو 90 مليار برميل من النفط ونحو 30 في المائة من احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي غير المكتشفة، وفقاً لتقييم أجرته هيئة المسح الجيولوجي الأميركية عام 2012.

* المعادن الأرضية النادرة. كما تتوافر المعادن الأرضية النادرة بكثرة. ويُعتقد أن غرينلاند وحدها تمتلك احتياطيات كافية من معادن مثل النيوديميوم والديسبروسيوم، التي تُستخدم في تصنيع توربينات الرياح والمركبات الكهربائية، لتلبية ربع الطلب العالمي المستقبلي على الأقل. كما أنها تفخر بوجود كميات كبيرة من الكوبالت والنحاس والغرافيت والنيكل.

ويتزايد الطلب على هذه المواد بسرعة في جميع أنحاء العالم مع تسارع وتيرة التحول في مجال الطاقة. تُهيمن الصين الآن على سلاسل التوريد العالمية، بينما تتسابق مناطق أخرى - أبرزها أوروبا - لتأمين إمدادات بديلة.

غرينلاند فخورة بثرواتها

تقول آن ميريلد من جامعة ألبورغ في الدنمارك: «هناك اهتمام متزايد من (شركات التعدين متعددة الجنسيات) باستكشاف ورسم خرائط الرواسب في القطب الشمالي؛ نظراً للحاجة إلى مواد خام بالغة الأهمية في أوروبا».

قضت ميريلد طفولتها في غرينلاند ولا يزال لديها عائلة تعيش هناك. وتقول إن اهتمام الولايات المتحدة قد «صدم» السكان، لكنه عزز أيضاً عزمهم على تطوير موارد الجزيرة لدعم قضيتها من أجل الاستقلال. وتضيف: «سكان غرينلاند شعب فخور جداً. إن تطوير مواردنا هو إحدى الطرق لتعزيز اقتصادنا، وتمهيد الطريق للمضي قدماً».

لكن على الرغم من الضجيج، فإن صناعة التعدين الفعلية في غرينلاند ضئيلة. ولا يوجد في الجزيرة سوى منجمَين نشطين، وبينما أصدرت نحو 100 ترخيص تعدين، معظمها للاستكشاف، فإن الأمر سيستغرق سنوات عدّة قبل أي انتقال إلى المشروعات التجارية.

الوصول إلى ثروات القطب

هذه ليست قضية جديدة؛ يعرف الجيولوجيون منذ عقود الثروات الكامنة في القطب الشمالي. لكن المشكلة تكمن في الوصول إليها.

يغطي الجليد البحري الكثيف معظم مساحة القطب الشمالي، ويغطيه معظم أيام السنة. ولكن على الرغم من أن هذا الغطاء الجليدي آخذ في التناقص والتراجع، فإن التنقيب عن النفط والغاز في المياه المفتوحة وحفر الآبار لا يزال مسعًى باهظ التكلفة وخطيراً للغاية، ولا يعدّ مبرراً إلا إذا كان سعر النفط مرتفعاً بما يكفي. وتجدر الإشارة إلى أن استخراج الوقود الأحفوري البري أكثر تكلفة في القطب الشمالي، حيث تزيد تكلفته بنسبة 50 في المائة إلى 100 في المائة بألاسكا عنه في تكساس، على سبيل المثال.

حساسية بيئية

هناك أيضاً مخاطر تتعلق بالسمعة والمال في حال حدوث أي مشكلة. تقول ميريلد: «بيئة القطب الشمالي قاسية، لكنها في الوقت نفسه معرَّضة للخطر؛ إنها هشة. النباتات والحيوانات حساسة، وتستغرق إعادة بنائها وقتاً طويلاً في حال تضررها».

على سبيل المثال، تحذر شركات النفط الغربية من العمل في منطقة حساسة بيئياً كهذه، حيث قد تكون الأخطاء مكلفة. في عام 1989، اصطدمت ناقلة النفط «إكسون فالديز»، المملوكة لشركة «إكسون» للشحن، بشعاب مرجانية قبالة سواحل ألاسكا؛ ما أدى إلى تسرب ما يقرب من 23 مليون لتر من النفط إلى المحيط في غضون ساعات قليلة. وتسببت تلك الكارثة في نفوق آلاف الطيور البحرية، وثعالب الماء، والنسور الصلعاء، والحيتان القاتلة، وغيرها من الحيوانات البرية، وتدمير الموائل البحرية لمئات الكيلومترات، ولا تزال آثارها واضحة حتى بعد عقود. واضطرت «إكسون» إلى إنفاق نحو 202 مليار دولار على تنظيف التسرب ودفع مليار دولار إضافية تعويضات.

وبالنسبة لعمليات التنقيب عن المعادن المهمة، التي تعني في المقام الأول التعدين البري، اضطرت الشركات تاريخياً إلى التعامل مع قشور جليدية ضخمة أو تربة جليدية دائمة. وغالباً ما تكون البنية التحتية المحلية، مثل الطرق والموانئ، شحيحة، والقوى العاملة المتاحة محدودة.

ذوبان الجليد

يُخفف الذوبان السريع بعض هذه المشاكل، لكنه يُنشئ أيضاً مشاكل جديدة. إذ يُحسّن ذوبان التربة الصقيعية إمكانية الوصول إلى المواد الحيوية، لكنه يُزعزع استقرار البنية التحتية القائمة ويزيد من خطر الكوارث البيئية.

في عام 2020، انهار خزان وقود في محطة طاقة روسية تُشغّلها شركة تابعة لشركة المعادن العملاقة «نوريلسك نيكل»؛ ما أدى إلى غمر الأنهار المحلية بما يصل إلى 21 ألف طن من زيت الديزل. وقد أُلقي باللوم جزئياً على التسرب، الذي تسبب في أضرار بيئية بقيمة 1.5 مليار دولار، على انهيار أساسات الخزان بسبب ذوبان التربة الصقيعية.

يقول فيليب أندروز - سبيد من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة: «سيُصعّب ذوبان التربة الصقيعية الحياة بشكل كبير». ويشير إلى أن بناء بنية تحتية جديدة - مثل المنازل والمباني التشغيلية والطرق القادرة على تحمل ذوبان الجليد - أكثر تكلفة بكثير.

في الوقت نفسه، في غرينلاند، حيث تُركّز الولايات المتحدة اهتمامها، كشف ذوبان الأنهار الجليدية عن آلاف الكيلومترات من سواحل جديدة. لكن هذه الأرض الجديدة هشة، وعرضة للانهيارات الأرضية التي قد تُسبب موجات تسونامي هائلة.

يقول فيليب شتاينبرغ من جامعة دورهام بالمملكة المتحدة: «إذا كانت لديك بنية تحتية على الأرض، للتعدين أو الحفر أو البناء مثلاً، فربما تُفضل وجود تربة صقيعية، حيث يُمكنك التنبؤ بمدى استقرار الأرض، بدلاً من التوجه إلى سطح أكثر دفئاً يذوب في نصف الوقت». ويضيف: «لا يُمثل تغير المناخ دائماً، على الأقل، النعمة الاقتصادية لاستخراج المعادن في القطب الشمالي كما يُصوَّر».

رأي السكان الأصليين

يمكن لمجتمعات السكان الأصليين في القطب الشمالي أيضاً أن يكون لها رأي في مدى نشاط التعدين. غالباً ما تُبدي هذه المجتمعات معارضة شديدة لمقترحات التطوير؛ خوفاً من أن تُلحق الأنشطة الصناعية الجديدة الضرر بالبيئة المحلية وتقطع مسارات هجرتهم التقليدية.

في عام 2023، حددت شركة التعدين السويدية «LKAB» رواسب ضخمة من خام الحديد والفوسفور في القطب الشمالي السويدي، التي تقول إنها قد تُلبي 18 في المائة من احتياجات أوروبا من المعادن النادرة، لكن شعب السامي الأصلي يُعارض تطوير المنجم.

ويتوقع أندروز - سبيد أن مثل هذه الاشتباكات ستعيق الصناعة في أجزاء من القطب الشمالي؛ ما يحد من دور المنطقة في تعزيز الإمدادات العالمية من المعادن الأساسية اللازمة للتحول في مجال الطاقة. ويضيف: «سواءً كنا ننظر إلى كندا أو شمال أوروبا، فإن السكان الأصليين في القطب الشمالي سيُبطئون الأمور، على أقل تقدير».

تغير المناخ - نقمة اقتصادية؟

لا يُمثل تغير المناخ دائماً النعمة الاقتصادية لاستخراج المعادن في القطب الشمالي كما يُصوَّر.

بالنظر إلى المخاطر المادية والبيئية والاجتماعية لتطوير الأنشطة الصناعية في القطب الشمالي مجتمعةً، فإن هذه المخاطر ستُثني الكثير من الشركات، على الرغم من الذوبان السريع للجليد في المنطقة.

يقول شتاينبرغ: «لن تكون المنطقة بيئة تشغيلية سهلة للتعدين، والحفر، وحتى الشحن». ويضيف: «ستمضي المشروعات قدماً، لكنها لن تُحدث فرقاً كبيراً، باستثناء حالة أو حالتين صغيرتين. سيتجلى الفرق الكبير في أجزاء أخرى من العالم، حيث تكون ممارسة الأعمال التجارية على نطاق واسع أرخص وأسهل».

ازدهار الشحن في القطب الشمالي

مع تراجع الجليد البحري في القطب الشمالي، تُفتح طرق شحن جديدة؛ ما يسمح بنقل البضائع والسلع إلى المنطقة وعبرها وخارجها.

تشير البيانات التي جمعتها منظمة حماية البيئة البحرية في القطب الشمالي (PAME)، وهي جزء من المجلس الدولي للقطب الشمالي، إلى أن عدد السفن الفريدة التي تدخل القطب الشمالي قد ارتفع بنسبة 37 في المائة بين عامي 2013 و2024. وتُعدّ قوارب الصيد أكثر أنواع السفن شيوعاً في القطب الشمالي، ولكن هناك زيادةً كبيرة في عدد ناقلات النفط الخام وناقلات الغاز وسفن الرحلات البحرية وناقلات البضائع السائبة، وفقاً للبيانات.

وتشير منظمة «PAME» إلى أن ارتفاع عدد السفن التي تنقل البضائع والوقود الأحفوري يؤكد زيادة النشاط الصناعي في القطب الشمالي، حيث زادت المسافة التي تقطعها ناقلات البضائع السائبة بنسبة 205 في المائة بالسنوات الـ13 الماضية.

وتشير آن ميريلد من جامعة ألبورغ في الدنمارك إلى أن تغير المناخ يُسهّل «نقل المواد من منطقة القطب الشمالي وإليها». لكن ربما يكون ظهور طرق تجارية جديدة عبر القارات، مثل الممر عبر القطب الشمالي، هو ما يضع القطب الشمالي على خريطة أنشطة الشحن العالمية.

* مجلة «نيو ساينتست»، خدمات «تريبيون ميديا»

حقائق

90

مليار برميل من النفط يُحتمَل وجودها في القطب الشمالي

حقائق

30 %

نسبة احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي غير المكتشفة التي يُحتمَل وجودها في القطب الشمالي