مثقفو العرب على أبواب «نوبل».. الانتظار المر

هل اكتفت الجائزة عربيا بنجيب محفوظ؟

علاء الجابري، علياء الداية، ديانا رحيل، أحمد اللاوندي
علاء الجابري، علياء الداية، ديانا رحيل، أحمد اللاوندي
TT

مثقفو العرب على أبواب «نوبل».. الانتظار المر

علاء الجابري، علياء الداية، ديانا رحيل، أحمد اللاوندي
علاء الجابري، علياء الداية، ديانا رحيل، أحمد اللاوندي

يبدو اليوم أن عددًا من الأدباء العرب يترقبون كل عام جائزة «نوبل» ثم لا تأتي، وتدور أحاديث همسًا وعلنًا أن هذا الأديب أو ذاك يتصرف بما يرضي توجهات القائمين على «نوبل» مثل أن يكون مهادنًا يتملق ثقافة ضد أخرى، أو أن يهاجم ثقافته وتراثه ويمتدح غيرها على سبيل: «التفتوا إلي»، أو يكون متناقضًا ما بين كتاباته وما هو عليه في أرض الواقع. وهذا يفضي إلى تساؤل آخر: هل اكتفت جائزة «نوبل» من بين العرب بالأديب نجيب محفوظ منذ عام 1988 ثم غيرت مسارها بعيدًا عن الوطن العربي؟ هل يعقل أن أحدًا من الأدباء العرب البارزين لم يستطع أن يلفت أنظارهم مرة أخرى إلى العرب؟ لندع الأكاديميين والأدباء الذين التقينا بهم يقيّمون هذا الموقف ويجيبون عن هذه التساؤلات، ولكن قبل ذلك أذكر بمقولة أحد أبرز الذين رفضوا هذه الجائزة، الكاتب الآيرلندي الساخر برناردشو الذي قال عن الجائزة: «جائزة (نوبل) تشبه طوق النجاة الذي يتم إلقاؤه لأحد الأشخاص بعد أن يكون قد وصل إلى الشاطئ».
* بيع المبادئ القومية
الأكاديمي الناقد الدكتور علاء الجابري، من مصر، يرى أن هناك شغفًا من الأدباء العرب تجاه «نوبل»، ويقول: «بعضهم يريد (نوبل) بأي ثمن، وفي سبيل ذلك بذل بعضهم ماء وجه قوميته وعروبته تارة أو ثوابت مجتمعه تارة أخرى لينتظر كل عام مكافأته. وهؤلاء تجد بعضهم يبيع دم إخوانه منتظرا عطايا السلطان، حيث يتحكم فيهم سيف السلطان وذهب الجوائز، بمعنى أنه شخص غير سوي إنسانيا، وفي أي سياق لا يأتي بخير فليست (نوبل) وحدها التي سال لها لعابه. وبعضهم يظن أن مجرد الإغراق في المحلية، كما فعل محفوظ، سيجعله يستحق الجائزة». ويضيف الجابري: «والحق أن صدق محفوظ وصبره وتجدد إبداعه لا مثيل له. والغريب أن بعضهم تبرأ من الظن بكون أولاد حارتنا وإغارتها على بعض ثوابت الأديان طبقا لبعض وجهات النظر كانت سببا في منح (نوبل) لمحفوظ، ثم تراه يعمل بعكس ذلك في مغازلة للجائزة من جهة، وبيع لمبادئه من جهة أخرى».
لا تخلو فكرة الدكتور الجابري من الميل لنظرية المؤامرة التقليدية فيقول: «لنتفق بداية على أن الجائزة، أي جائزة، ليست دليلا على اتفاق على المبدع أو العمل الفني، فما يحكمها هو توجهات لجنة التحكيم التي يتغير حكمها بين فترة وأخرى وتشكيل وآخر، وليس أدل على ذلك من فوز البلاروسية بجائزة (نوبل) وهي المغمورة عند كثيرين، والتي ينظر لها أغلب النقاد بكون أعمالها أشبه بعمل محررة صحافية». ويكمل: «وربما لم تكن (نوبل) حاضرة في أذهان أغلبية المبدعين العرب قبل نجيب محفوظ، ولعل سعيهم لها وحلمهم بها ليثبتوا لأنفسهم أنهم ليسوا أقل من محفوظ بدرجة أكبر من استحقاقهم لها، وفي سبيل ذلك بذل بعضهم ماء وجه قوميته وعروبته تارة، أو ثوابت مجتمعه تارة أخرى لينتظر كل عام مكافأته. بالطبع يوجد مستحقون لـ(نوبل) على الأقل قياسا لبعض الفائزين من غير العرب، وهو ما يحدث مع جنسيات أخرى غير أن الأمور لا تسير بهذه الآلية. ونحن ننسى أن ترجمة أعمال محفوظ منذ زمن قد طرحته بقوة، ونحن قوم لا نجيد تسويق أعمالنا بالشكل المناسب».
* حالة احتفالية طقسية
الأكاديمية والقاصة الدكتورة علياء الداية من سوريا تستبعد أن تكون جائزة «نوبل» للأدب اكتفت بنجيب محفوظ بوصفه. وتستدرك بقولها: «لكن من الملحوظ تحول هذه الجائزة مع الزمن وفي عصرنا هذا إلى حالة احتفالية طقسية، تثير تنبه القراء إلى الحضور الإعلامي للأدب والكتابة واستمرار أهميتهما في حياة الناس. مع أن الفروع العلمية لجائزة (نوبل) صارت تنافس الجائزة الأدبية في استقطاب الاهتمام حتى لدى المشتغلين بالأدب». وتضيف علياء الداية: «من الطبيعي أن لكل كاتب معجبين يقدّرون إبداعه الذي يترك أثرًا في حياتهم ونفوسهم، وهذه هي الجائزة الحقيقية، (نوبل) ليست نهاية المطاف. وكل ما يحتويه أدب الكاتب من نزعات منفتحة أو انتقاد أو أفكار للتصالح أو دهشة تجاه العرب أو الغرب، هو سمة من سمات العمل الأدبي، وبقدر ما تكون أصيلة وصادقة فهي تعبير عن المعاناة وآفاق الحياة أو الموت، أما إن كانت مخصصة لاستمالة الجائزة فهي تطفو على السطح ولا أثر لها».
* ليحلموا ولكن لا يتنازلون
أما الأكاديمية الناقدة الدكتورة ديانا رحيّل من الأردن فتقول إنّ «حلم الفوز بجائزة (نوبل) للآداب يراود كثيرا من الأدباء والشعراء العرب، وهذا حقهم، ولا أنكر أنها تتويج لمسيرة كاتب أو شاعر واعتراف بكفاءة إبداعه، لكن لا يحق لهم أن يَقصُروا إبداعهم على ما يحاكي الغرب ويجد أصداء عندهم للفت الانتباه.. شخصيًا لا أؤمن بأن الجائزة اكتفت بالأديب نجيب محفوظ، ربما لا يوجد كاتب عربي أقنع القائمين على الجائزة به، رغم إبداعه، لكن لا بد من أسباب حالت دون فوز كاتب عربي غير نجيب محفوظ بالجائزة». وتفسر الحالة بقولها: «صحيح أن المبدعين كثر في وطننا العربي، لكن الكاتب الذي يكتب لنيل جائزة ما سيبتعد عن وطنه وأمته وهمومه، فنجيب محفوظ الفائز بالجائزة سنة 1988 لم يكتب لأي جائزة، وعبّرت كتاباته عنه وعن بيئته وحارته، فكانت (نوبل) تقديرا لإبداعه. وعلى سبيل المثال لا الحصر، عبر آندريتش الفائز سنة 1961 عن مدينته وقريته والنهر. جائزة (نوبل) تريد مَن يعبر عن أمته وليس مَن يغازلها ويكتب استجداءً، فالاهتمام يكون بالكاتب الذي يشكل قيمة في مجتمعه وليس ذلك المنسلخ عنه».
وتتابع: «عندما نجد أن كاتبا عربيا واحدا فقط حاز على هذه الجائزة يجعلنا نرى بوجود أسباب أخرى تتحكم بالجائزة، ولو جزئيا، مثل الموقف السياسي للكاتب، فلا يعقل أن البلاد العربية لم تنجب مبدعا سوى نجيب محفوظ، مع اعترافي المطلق بإبداعه. وأيضا لا يجب أن نغفل أهمية الترجمة، فهي تلعب دورا مهما في الموضوع، لأن انتشار العمل الأدبي باللغات الأجنبية يلفت إليه الأنظار، ويضع كاتبه في دائرة الضوء.
وتختتم ديانا رحيّل رؤيتها للموضوع بقولها: «قد يتأثر بعض الكتاب بالحضارات الغربية فيلجأ أحدهم لفضح المجتمع العربي، والتركيز على قضايا تخدم الغرب، وقد يتجرأ آخر ويخوض بالمعتقدات الإسلامية مستغلا موقف الغرب من الإسلام والمسلمين، ومستغلا أيضا إلصاق تهمة الإرهاب به، ساعيا في قرارة نفسه للشهرة في المجتمعات الغربية وبالتالي التركيز على أعماله، وهؤلاء يشكلون خطرا حقيقيا على الوعي الثقافي، لأنهم على أتم الاستعداد لتبني أي موقف يعادي العرب، ويتصدى للهجوم على الدين والثقافة العربية بالمجمل، مغازلا بموقفه هذا الجوائز العالمية وعلى رأسها جائزة (نوبل)».
* مجرد مرشحين حتى الآن
الشاعر أحمد اللاوندي، من مصر، ينظر إلى الموضوع من زاويته التاريخية وصولاً إلى الحاضر فيقول: «في عام 1988 حصل الكاتب المصري نجيب محفوظ على جائزة (نوبل) في الآداب، ومنذ ذلك العام فإن المحافل الثقافية الدولية تغفل الإبداع والمبدعين العرب، فلم يحصل أي كاتب أو مبدع عربي على هذه الجائزة بعد محفوظ، وكثيرا ما رشح الشاعر السوري أدونيس، والكاتبة الجزائرية آسيا جبار، والكاتب الصومالي نور الدين فرح وغيرهم للجائزة، لكن كل هؤلاء ما زالوا مجرد مرشحين فقط».
وأضاف: «وأنا هنا أريد أن آخذ أدونيس مثالا، فرغم أنه من الشعراء العرب الكبار، وأنه قد ساهم بشكل كبير في إيصال الحداثة الغربية إلى الشرق، وأنه نقل كثيرا من المفاهيم النقدية الغربية إلينا، فإنه لم يستطع إدخال ثقافتنا اليومية كوننا شرقيين إلى كتاباته، على عكس نجيب محفوظ الذي قدم الحياة اليومية المصرية بكل تفاصيلها في كتاباته، فأخرجها من المحلية للعالمية.. فاستحق (نوبل) عن جدارة».
ويضيف: «أشعر أن أدونيس قد شغل بـ(نوبل) كثيرا فصار شاعرا غربيا وكاتبا غربيا ومثقفا غربيا، ومن وجهة نظري كنت أتمنى أن يحصل الشاعر الفلسطيني محمود درويش على الجائزة قبل وفاته، فهو أحق من أدونيس الذي ما زال مرشحا وسيظل».
ويرى الشاعر أحمد اللاوندي أن كل من فاز بـ(نوبل) يستحقها؛ لأنه قد تفوق علينا إبداعيا، نحن العرب، وعلينا أن نعترف بذلك، لكن كل عام يخرج علينا من يقول إن «كتابات من فاز بـ(نوبل) تافهة، ولا ترقى لنيل الجائزة»، وهذا هراء بالطبع، والحقيقة أن كتابات من فاز بالجائزة لم تترجم إلى العربية، ولو كانت مترجمة من قبل لتغيرت أقوالنا بالتأكيد.
ويؤيد أحمد اللاوندي فكرة أن بعض الأدباء والكتاب العرب ما زالوا يغازلون «نوبل» بكتابات وسلوكيات معينة، مثل الحديث عن الغرب بدهشة، والتصالح مع الآخر، وانتقاد الشخصية العربية بأطروحات منفتحة جدا على كل المستويات كي يستميلوا القائمين على «نوبل»، ومع ذلك لم يفلحوا.. لماذا؟ لأن الوصول للعالمية يحتاج من الكاتب ومن المبدع أن ينقل واقع بلاده بكل إشكالياته وتفاصيله، مهما كانت دقيقة وصغيرة، وهذا ما فعله نجيب محفوظ، ولم يفعله أحد من المبدعين والكتاب العرب حتى الآن.
* أين تلعب السياسة؟
قال الدكتور مصلح النجار، أستاذ الأدب الحديث في الجامعة الهاشمية في الأردن: «من الصعب أن نحكم بأنّ جائزة (نوبل) قد اكتفت من الوطن العربي بنجيب محفوظ، فلا يغلق حصول أديب على الجائزة الباب أمام ثقافة حاضرة في الحضارة الإنسانيّة مثل الثقافة العربية. وقد يشعر كثير من المثقّفين العرب أنّ هذه الجائزة تتأثّر بعوامل سياسيّة، كما تتأثر بالمركزيّات، وموقف الأدباء منها. وقد تردّدت مجموعة من الأسماء أشيع أنّها تمّ ترشيحها لـ(نوبل) في الآداب، ورأيت بعض الاحتجاجات، ومراسلات بين إدارة الجائزة وبعض المثقفين العرب حول بعض هذه الترشيحات. لكن ما أؤمن به أن أدونيس الذي أشيع ترشيحه مثلا، رغم سرّيّة الترشيحات، يستحقّ (نوبل) للآداب، لما يتّسم به من حضور، وتأثير في الأدب العربي والثقافة العربية، زيادة على اتّسام أدبه بالعالمية، عن جدارة، رغم كل ما ثار حوله من لغط. وقائمة الأسماء ليست قصيرة بين أدباء العربية، مثل صنع الله إبراهيم، وإبراهيم عبد المجيد، وبهاء طاهر. أو مثل محمود درويش حين كان حيّا، ومثله عبد السلام العجيلي، ورضوى عاشور، وتوفيق الحكيم. وربّما كان المراقبون في سياق الثقافة العربية يفسّرون بعض سلوكيات ومواقف أدباء معيّنين على أنها من باب الرياء سعيا إلى (نوبل)، ومحاولة لإظهار حسن النيات، وهي الملاحظة التي أسرف بعض النقاد في شرحها حول نجيب محفوظ، وأدبه، ومواقفه، وهو الكلام الذي قيل مثله عن توفيق الحكيم. وأنا أؤمن أن كثيرا من المواقف والمضمونات التي تنطوي عليها أعمال الأدباء ليست بريئة، لكنّ الملاحظة تصبح جديرة بالتوقف عندها حين ندرك أنّ عددا غير قليل من الأدباء كانوا يضعون المطامع بالجوائز العالمية نصب أعينهم وهم يصوغون إبداعاتهم، وبذلك نتج من هذا الطمع أو الطموح تأثير طال عددا غير قليل من الأدباء والأعمال الأدبية، مما قد يكون مؤثرا في الفكر الأدبي للمرحلة التي امتدت لعقود حتى يومنا هذا».



إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.