«جمود إيجابي» في سوق العقارات اللبنانية ينتظر انفراجًا سياسيًا وأمنيًا

خبراء يؤكدون «مناعة القطاع» الذي يمتاز بصلابته وثقة المستثمرين به

العاصمة اللبنانية بيروت
العاصمة اللبنانية بيروت
TT

«جمود إيجابي» في سوق العقارات اللبنانية ينتظر انفراجًا سياسيًا وأمنيًا

العاصمة اللبنانية بيروت
العاصمة اللبنانية بيروت

على وقع الوضعين الأمني والسياسي، تتأرجح السوق العقارية في لبنان لتصل اليوم إلى مرحلة تتراوح بين «التباطؤ» و«الجمود الإيجابي»، وفق ما يصفه خبراء، مؤكدين على مناعة هذا القطاع انطلاقا من خبرة عشرات السنوات التي عاش لبنان خلالها أوضاعا أسوأ من التي يمرّ بها اليوم، ورغم ذلك عاد وانطلق بوتيرة طبيعية.
ويشير رجا مكارم، الخبير العقاري والمدير التنفيذي لشركة «رامكو» للاستثمارات العقارية، إلى أن السوق العقارية في لبنان تشهد عمليات بيع بأسعار مقبولة، لكنها بوتيرة ضعيفة. ويقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «في وقت كان من المتوقع انهيار هذا القطاع نتيجة كل الأوضاع التي مر ويمر بها لبنان، استطاعت السوق العقارية أن تصمد وتستمر بفضل القيّمين عليها الذين باتت لهم خبرة طويلة في التعامل مع مستجدات مثل هذه».
وأوضح مكارم أن «القطاع العقاري يرتبط بالأحداث السياسية منها والأمنية.. وأي انتكاسة تؤثّر سلبا عليه، كما أن أي تغيّر إيجابي ينعكس بسرعة فائقة إيجابا، وهو ما نتوقّعه اليوم بعد أي تغيرات سياسية قد تحدث في ملف رئاسة الجمهورية كما في عمل الحكومة»، مضيفا أن «كثيرا من الأشخاص العاديين والمتمولين ينتظرون تغيّر الظروف للإقبال على الشراء، علما بأن الطلب لم ينعدم في السنوات الأخيرة رغم كل الأوضاع الموجودة في لبنان، بل إنه تراجع، وهو أمر جيّد يعكس صلابة هذا القطاع لا سيما إذا ما قورن بأسواق عالمية أخرى، كما أنه يتمتع بثقة اللبناني به لقناعته أنه مهما حصل فإن الاستثمار في العقارات يبقى الأسهل ولن يكون خاسرا».
ولا ينفي مكارم أنّ الأزمة السورية التي بدأت في عام 2011 انعكست سلبا على السوق العقارية في لبنان، باستثناء القطاعين السكني والسياحي اللذين استفادا من السوريين المقتدرين من خلال الإقامة في الفنادق واستئجار المنازل في المناطق خارج العاصمة، بينما لم يُسجّل تحرك في بيع الأراضي والبيوت من قبل السوريين الذين إما كانوا قد اشتروا منازل قبل أكثر من 10 سنوات أو فضلوا الاستثمار في دول أخرى غير لبنان بعيدة إلى حد ما عن سوريا ووضعها الأمني. كذلك، يلفت مكارم إلى أنّه ومنذ عام 2006، وتحديدا بعد الحرب الإسرائيلية وما تلاها من تقلبات سياسية وأمنية، ظهر إحجام في الاستثمار الخليجي في لبنان، مضيفا: «لكن رغم ذلك نعتقد أنّه وبمجرد عودة حالة الاستقرار سيعود الخليجي إلى لبنان، لأنه سيكتشف أنّ نتائجه تبقى أفضل رغم علاته».
ويشير مكارم إلى أمر لافت هو أنّ «الحراك المدني» الذي انطلق قبل نحو شهرين ضدّ السلطة السياسية، ساهم في تحرّك السوق العقارية بما يعكس أنّه أعطى فسحة أمل بالمستقبل للمقيمين والمغتربين اللبنانيين.
من جهته، يشرح شربل قرقماز، نقيب خبراء التخمين العقاري في لبنان، واقع السوق العقارية، مقسّما المستثمرين الذين «يتحكمون» في السوق العقارية إلى ثلاث فئات: اللبناني المقيم، واللبناني المغترب، والخليجي.
ويوضح قرقماز في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الأول والثاني كان لهما اليد الطولى واستفادا من طفرة العقارات التي حصلت لمدة أربع سنوات وانتهت تقريبا في 2012، وأدّت إلى زيادة في الطلب والشراء، وبالتالي ارتفاع أسعار العقارات ما بين 300 و500 في المائة، وبالتالي من الطبيعي أن ينتقل اليوم إلى مرحلة من الجمود من المتوقع أن تنتهي في وقت قريب». أما في ما يتعلّق بالخليجيين، فيقول إن «الحرب في سوريا وما تلاها من أوضاع سياسية وأمنية في لبنان أدى إلى تراجع استثمارهم بنسبة نحو 60 في المائة».
ويرى قرقماز أنّ فترة الجمود هذه، رغم نتائجها السلبية المباشرة، فإنها قد تكون إيجابية لمن يعرف الاستفادة منها، على أساس أنّ النظام التملكي في لبنان صلب وآمن «يمرض ولا يموت»، وبالتالي فإن شراء العقارات في هذه المرحلة سيكون مربحا عند انتعاش السوق، رغم أننا نرى أن ارتفاع الأسعار لن يتجاوز 5 أو 10 في المائة.
ويصف القانون التملكي في لبنان بأنه «صارم» ومن أهم القوانين في المنطقة التي لا تسمح بالخسارة، وهذا ما ثبت للمستثمرين منذ عام 1975 حتى اليوم، رغم كل الحروب والأوضاع الأمنية والسياسية السيئة التي عاشها لبنان، فهو وإن أصيب بالجمود لفترة إلا أنه يعود لينطلق بقوة. وفي ما يتعلّق بسوق الشراء والبيع، يقول قرقماز إنّ «حركة السوق اليوم ترتكز على بيع الشقق الصغيرة، أي تلك التي لا تتعدى مساحتها مائتي متر مربع، وهي التي يلجأ إليها الموظفون من ذوي الدخل المحدود، والذين يستفيدون من القروض المصرفية في هذا القطاع، والتي تقدم بفوائد مدعومة»، علما بأن هذه الفئة هي التي تبقي القطاع العقاري محافظا على استقراره نوعا ما، وفق قرقماز. وفي حين لا يتجاوز بيع الشقق التي تتراوح مساحتها بين مائتي و250 مترا نسبة 20 في المائة من البيع، يمكن القول إن «سوق الشقق الكبيرة متوقّفة بشكل كامل».
أما بالنسبة إلى أسعار العقارات في العاصمة بيروت والمناطق، يؤكّد رجا مكارم، أن وسط بيروت يبقى الأغلى سعرا لتنخفض الأسعار قليلا في المناطق المحيطة، مضيفا: «كما كل العواصم، باتت بيروت تستقطب الطبقة الغنية، ومن الطبيعي أن يكون سكانها من المقتدرين ماديا»، مضيفا: «لكن هذا الأمر ليس سيئا دائما، إذ إنه في السنوات الأخيرة مع زيادة السكان والطلب على الشقق، وبالتالي ارتفاع الأسعار في بيروت، تحرّكت أسواق المناطق في الضواحي وأصبحت هناك حركة عمرانية ناشطة».
وأوضح مكارم أنه «بينما كان يمكن شراء سعر المتر الواحد في بيروت قبل عام 2006 بألف دولار أميركي، بات اليوم سعر المتر الواحد في الأحياء الفقيرة يتراوح بين 1500 وألفي دولار للمتر. وفي حين لا يقل سعر ما يعرف بـ«متر الهواء القابل للبناء» في المناطق الفقيرة عن 700 دولار، يبلغ في وسط بيروت ما بين 3 و5 آلاف دولار.
ويشير مكارم إلى أن السوق العقارية في لبنان بدأت تتكيّف مع الأوضاع الاقتصادية الجديدة، وأصبح التجار يعمدون إلى بناء الشقق الصغيرة بما يتناسب مع القدرات المادية للسواد الأعظم من الشعب اللبناني. وفي دراسة حديثة لشركة «رامكو» أظهرت أن أسعار الطوابق الأولى في مشاريع بيروت السكنية قيد الإنشاء تتراوح بين ألفي دولار أميركي و7 آلاف دولار للمتر المربع. وتتراوح الأسعار في معدلاتها في المناطق القريبة إلى الشاطئ في العاصمة، مثل عين المريسة حتى الرملة البيضاء مرورا بالمنارة والروشة، ما بين 4.583 و6.925 دولار للمتر المربع الواحد في الطوابق الأولى.
وقسمت الدراسة منطقة وسط بيروت إلى خمسة تجمعات جغرافية، حيث تتراوح معدلات أسعار الطوابق بين 6 و7 آلاف للمتر الواحد، مشيرة إلى انخفاض بسيط في الأسعار خلال الأشهر الأخيرة، لا سيما وأنه لا مشاريع جديدة قيد الإنشاء في منطقة خليج «سان جورج» المطلة على البحر.



تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».