معهد الدراسات الاستراتيجية: استهداف موسكو المعارضة المعتدلة «أسوأ سيناريو في سوريا»

إميل حكيم أكد لـ («الشرق الأوسط») أن الأسد خلق الظروف المواتية لصعود «داعش» وغيرها من المنظمات الإرهابية

في الاطار إميل حكيم خبير معهد  الدراسات الاستراتيجية
في الاطار إميل حكيم خبير معهد الدراسات الاستراتيجية
TT

معهد الدراسات الاستراتيجية: استهداف موسكو المعارضة المعتدلة «أسوأ سيناريو في سوريا»

في الاطار إميل حكيم خبير معهد  الدراسات الاستراتيجية
في الاطار إميل حكيم خبير معهد الدراسات الاستراتيجية

تحولت روسيا فجأة من دولة كانت تدعي تبنيها للحل السياسي للأزمة السورية، وترحب باستضافة اللقاءات بين المعارضة السورية والنظام إلى طرف متحيز للنظام في الحرب، وفجأة أيضًا شطبت روسيا المعارضة السورية والجيش السوري الحر من الوجود، وصار الصراع المسلح الدائر في سوريا بالنسبة إليها صراعا بين النظام السوري والإرهاب، وصارت تقصف قصفا مدمرا بسلاح طيرانها الشعب السوري برمته بذريعة محاربة «داعش». ولقد صار لـ«داعش» مدلول عندها أوسع من المدلول المتداول لدى الدول الغربية، حيث صار كل من يحمل السلاح ضد النظام السوري داعشيا. «الشرق الأوسط» أجرت حوارا مع د. إميل حكيم، أبرز خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية بلندن، الذي انفرد بأكثر من مقال عن «داعش» والوضع الاستراتيجي على الأرض في سوريا في التقرير السنوي الذي نشرته «الشرق الأوسط» منذ أسابيع قليلة. يقول حكيم: «استثمرت إيران كثيرا في بقاء نظام الرئيس الأسد، لكن هذا لا يعني أن إيران تقاتل في دمشق. وفي الواقع، تفضل إيران تطوير وتعزيز الحلفاء والوكلاء المحليين بدلا من التدخل المباشر المكلف. وقد أرسلت طهران مستشارين وأفرادا بدرجة عالية من التخصص لمساعدة قوات الأسد في التأقلم مع الحرب الدائرة».
وجاء الحوار على النحو التالي:
* ما التكوين الفعلي لتنظيم داعش من حيث الخلفية القومية والعرقية؟
- «داعش» عبارة عن مجموعة متنوعة للغاية، لديه عناصر عراقية وسورية قوية، بجانب 30 ألف مقاتل أجنبي (بينهم عرب وآسيويون وقوقاز وغربيون). ويعد هذا التنوع مصدر قوة وضعف في نفس الوقت. ويمتلك «داعش» استراتيجية اتصالات مجزأة للتجنيد والتعبئة: يخبر الجماهير المتنوعة بأشياء مختلفة.
* تفيد تقارير عدة بوجود علاقات وثيقة بين «داعش» وحكومة الرئيس الأسد تعود إلى عام 2012، فما تقييمك لذلك؟
- لا توجد أية علاقات وثيقة بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد وتنظيم داعش. ولم ينشئ الأسد تنظيم داعش، لكنه خلق الظروف المواتية لصعود التطرف ممثلا في «داعش» وغيرها من المنظمات الإرهابية في الداخل السوري،، من خلال إطلاق المتشددين، كذلك أساليب القمع الوحشي الذي اتخذته السلطات السورية بحق الانتفاضة، فقد ارتأى الأسد أن نمو التنظيمات المتطرفة يؤكد صحة روايته، ويعقد الأمور أمام المعارضين، ويضع عراقيل أمام الغرب. ومن الممكن أن تكون المخابرات السورية تسللت عبر «داعش».
ويتشارك «داعش» والأسد هدف تقويض المعارضة المعتدلة، وهذا يفسر التفاهم غير المعلن الذي حكم علاقاتهما لبضع سنوات، ويمنع قتال بعضهما لبعض بشكل مباشر. وقد تفكك هذا التفاهم الآن.
* ما الذي نعرفه عن الهياكل الإدارية والمالية والسياسية لـ«داعش»؟
- «داعش» هو تنظيم لا مركزي إلى حد كبير. وفي حين أن الشورى تجمع كبار قادته، إلا أن الأمراء الإقليميين مخولون بالحكم والتقدم على النحو الذي يرونه مناسبا.
* ما مدى صحة تقارير الانشقاقات في صفوف «داعش» بين «المواطنين» من أصل سوري وعراقي و«المهاجرين» من أراض أخرى؟
- تواردت التقارير حول وجود توتر بين صفوف «داعش». وباعتباره تنظيما متنوعا، هناك بالفعل فجوات ثقافية وتطلعات متفاوتة. ويمتلك المقاتلون العراقيون والسوريون دوافع مختلفة عن المقاتلين الغربيين، الذين لديهم رغبة قصوى في الحكم الإسلامي. وغالبا ما يشتكي أعضاء «داعش» العرب من معاملة المقاتلين الغربيين بشكل أفضل، بينما يشعر الجهاديون الغربيون في كثير من الأحيان بالتلاعب بهم من قبل المقاتلين العرب.
* ما حجم الوجود العسكري الإيراني في سوريا؟
- استثمرت إيران كثيرا في بقاء نظام الرئيس الأسد، لكن هذا لا يعني أن إيران تقاتل في دمشق. وفي الواقع، تفضل إيران تطوير وتعزيز الحلفاء والوكلاء المحليين بدلا من التدخل المباشر المكلف. وقد أرسلت طهران مستشارين وأفرادا بدرجة عالية من التخصص لمساعدة قوات الأسد في التأقلم مع التمرد. وتقول بعض المصادر إن ما يصل إلى 7000 عنصر إيراني في سوريا. وما لا يمكن إنكاره أن إيران فقدت عددا من كبار الضباط في سوريا.
* هل هناك آلية للتنسيق بين روسيا وإيران والنظام السوري؟
- مما لا شك فيه أن هناك تنسيقا على مستوى عالٍ بين الأطراف الثلاثة، لكننا لا نعرف حتى الآن الآليات بالتحديد.
* يكتنف الغموض العلاقات بين «داعش» وتركيا، هل يمكن أن تلقي بعض الضوء على ذلك؟
- بعد إدراك حدود قوتها الخاصة في 2011 – 2012، قدمت تركيا عملية حسابية محفوفة بالمخاطر بأن الحركات الإسلامية المتشددة التي تنمو في سوريا قد تضعف الأسد، ويمكن إدارتها والسيطرة عليها لاحقا. وأصبحت تركيا متراخية إزاء صعود الجهادية، التي ساهمت في الوضع الحالي.
* تزعم التقارير الاستخباراتية الغربية أن نظام الأسد ليس متحدا في مسألة قبول الرعاية الروسية والإيرانية. كيف تقيم التقارير عن وجود فصيل موال للغرب داخل النظام؟
- هناك بالتأكيد جدل داخل النظام حول الاستراتيجية المقبلة، لكن لا توجد أية دلائل على خلافات كبيرة بشأن التحالف مع إيران وروسيا، الذي يعد ضروريا لبقاء نظام الأسد. ولا أرى فصيلا مواليا للغرب هناك الآن، لكن أعضاء النظام الذين يرغبون في الحصول على الإذعان الغربي للنظام ما زالوا في السلطة.
* من وجهة نظرك ما أسوأ سيناريو لسوريا؟
- يستمر الوضع في التفاقم، لذلك من الصعب تحديد سيناريو واحد. لكن أحد هذه السيناريوهات سيكون: مواصلة روسيا ونظام الأسد في التركيز على مهاجمة المعارضة المعتدلة، بينما يغتنم «داعش» هذه الفرصة لمهاجمة نفس المعارضة، وانسحاب الغرب بقيادة الولايات المتحدة من الصراع.
* ماذا كانت أبرز النيات الروسية وراء لجوء موسكو إلى التدخل المباشر في سوريا؟ متى يمكن أن نتوقع بدءها في الهجوم البري؟
- تسعى روسيا أولاً وأخيرًا إلى تأمين بقاء الأسد. وقد خلصت من التقييمات التي أجرتها على مدار الربيع والصيف إلى أن الأسد يتهاوى بسرعة، لذا رغبت في وقف هذا التداعي وتعزيز قوته. وتدرك روسيا أنه حال سقوط الأسد فإنه لن يتبقى نظام حاكم داخل سوريا. وعليه، لن يبقى أمامها سوى التعامل مع مجموعة من لوردات الحرب العلويين وأذناب النظام السابق. وليس لدى موسكو استعداد أو قدرة للقيام بذلك. وباعتبارها قوة عالمية، ترغب روسيا في التعامل مع حكومة، مهما كانت ضعيفة، لأن وجود حكومة يضفي شرعية على مشاركة موسكو ويمكنها من الاستشهاد بالقانون الدولي، حتى وإن كان على نحو مراوغ، في إطار ألاعيبها السياسية.
ولا أعتقد أن روسيا ستبدأ عمليات برية خاصة بها. قد تنشر مستشارين إلى جانب قوات الأسد، لكن تبقى الميزة الكبرى التي تحملها معها روسيا كامنة في القدرات الاستخباراتية وقدرات المراقبة والاستطلاع، بجانب القوة الجوية. يذكر أن نقطة تفوق الأسد في السنوات الأخيرة على المعارضة تمثلت في القوة الجوية، لكنها لم تبلغ درجة كافية من التقدم تمكنها من توفير دعم تكتيكي للقوات على الأرض (وإنما كانت متقدمة بما يكفي لأن تدمر مدنًا وتقتل مدنيين وتحول كثير من أرجاء سوريا إلى جحيم). من المقرر أن تسد الطائرات والمروحيات الروسية هذه الفجوة، وتوفر الدعم للعمليات البرية لنظام الأسد ضد المسلحين الإسلاميين وغير الإسلاميين، وكذلك ضد «داعش» عند لحظة معينة.
في غضون شهور قليلة، سيتداعى التيار الرئيسي من المعارضة المسلحة الذي تحاربه روسيا وإيران والأسد، ما سيدفعه نحو الراديكالية، بينما سيبقى «داعش» قائمًا. وأعتقد أن روسيا حينها ستطرح خطة على الولايات المتحدة ودول أخرى تقضي ببقاء الأسد في السلطة وتقديم حد أدنى من التنازلات (بعض السلطات الإضافية لرئيس الوزراء، وعقد انتخابات تنطوي على إشكاليات جمة، والسماح للمعارضة «الصحية» فحسب بالانضمام إلى المشهد السياسي، وما إلى غير ذلك). في ذلك الوقت، ستقدم موسكو نفسها كقوة نبيلة وبناءة وستخبر العالم بأنه: «لقد أحضرنا الأسد، فمن تستطيعون إحضاره؟»، هذا الوضع لن يكون مقبولاً لدى المسلحين والمعارضة، لكن الأولى ستكون قد استنزفت وتحولت إلى الراديكالية، بينما الثانية ستكون منقسمة على نفسها. هذه هي خارطة الطريق الروسية، على الأقل كما أفهمها.
* كيف يمكن أن نرسم خطًا فاصلاً بين أين تبدأ المصالح الروسية وأين تنتهي المصالح الإيرانية؟ هل هناك أية نقاط اختلاف خفية؟
- على المدى القصير، ليس هناك خلاف استراتيجي بين روسيا وإيران، فكلاهما يتفق على الحاجة إلى ضمان بقاء الأسد، وحريص على ملء الفجوة التي خلقها تراجع الولايات المتحدة عبر خلق تحالفات جديدة في المنطقة. حتى الآن، يحالف هذه الاستراتيجية النجاح، وطالما أنها تنجح سيبقى في الإمكان تسوية الخلافات بين الدولتين. إلا أنه على المدى المتوسط ربما لا تتوافق الاستراتيجيات الروسية والإيرانية تمامًا.
من جانبها، تشعر إيران بالسعادة لعملها من خلال حلفاء ووكلاء داخل سوريا مثلما فعلت في دول أخرى. أما روسيا فتفضل دعم الحكومة وإعادة بناء قوتها العسكرية بمرور الوقت. وهنا تكمن المفارقة، فإيران اليوم قد تضمن مصالحها داخل سوريا من دون الأسد، بينما يتعذر على روسيا ذلك (رغم أن كليهما يفضل بوضوح بقاء الأسد - إننا هنا نتحدث عن خطط طارئة).
وقد تكون موسكو وطهران قد اتفقتا بالفعل على تقسيم العمل بينهما، من حيث المهام والمناطق. وسوف نعاين ذلك خلال الأسابيع المقبلة، لكن تبقى الحقيقة أن لكل منهما قدراته الخاصة وموارده التي يوجهها نحو القتال.
بمرور الوقت، ستنبع التوترات من الرغبة الروسية في إصلاح وكبح جماح الميليشيات المتنوعة التابعة للنظام، خصوصا قوات الدفاع الوطني. وقد استثمرت إيران بصورة هائلة في بناء بعض من هذه الميليشيات كسياسة تأمينية ضد سقوط نظام الأسد.
* بالنظر إلى عدم الفعل الأميركي، إلى أي مدى ستتحرك روسيا؟ هل ستقبل واشنطن تداعيات ظهور نظام إقليمي تهيمن عليه روسيا في الشرق الأدنى؟
- يتمثل هدف أوباما في عدم التورط على نحو يصعب الفكاك منه داخل سوريا، مهما كانت تكاليف ذلك بالنسبة للمصداقية والنفوذ الأميركيين. وبغض النظر عن مدى الحرج الذي يسببه له ذلك، فإن التصعيد الروسي يخدم على الأقل هذا الغرض، حيث يمكن لأوباما التوجه إلى الرأي العام والنخبة داخل أميركا وقول: «هل تودون حقًا المخاطرة بالتصعيد في مواجهة روسيا حول سوريا، حيث ليس هناك ما يمكن الفوز به بتكلفة معقولة؟».
من جهته، لا يبدي أوباما اهتماما بالحفاظ على النظام الأميركي المتداعي أو تصميم آخر جديد، وإنما وضع نصب عينيه مصالح أميركية أكثر ضيقًا، ويتفق معه في ذلك كثير من الأميركيين. يعتقد أوباما أن الولايات المتحدة لا يمكن ولا ينبغي أن تكون المصمم الرئيسي والضامن الأساسي لأمن الشرق الأوسط. وعليه فإنه مع تمترس الولايات المتحدة إقليميًا، تظهر فجوة أمام إيران، والآن تسارع روسيا لسدها ومحاولة إعادة تصميم التحالفات بالمنطقة. وقد تمنى هذه الجهود بالفشل وتأتي على حساب تكلفة باهظة لكلا البلدين (وهو الاعتقاد السائد داخل معسكر أوباما)، لكن على المدى القصير يبدو البلدان انتهازيين وبلا هوادة في مساعيهما وراء جني مكاسب.
* هل تعتقد أن واشنطن تأمل في - وتعمل من أجل - هزيمة إردوغان في تركيا، على أمل أن يضعف هذا من شوكة الإسلاميين؟
- ليست لدي أدنى فكرة، فأنا لست متخصصًا في الشأن التركي، لكن أشك في أن واشنطن تتدخل في الانتخابات التركية.
* هل بإمكان المعارضة السورية البقاء حال تعرضها لضربات جوية روسية بالتزامن مع هجوم إيراني بري، ولا مبالاة أميركية واضحة؟
- ستواجه المعارضة السورية المسلحة شهورًا عصيبة للغاية، ذلك أن اتحاد جهود طهران وموسكو و«حزب الله» والأسد من المحتمل أن يسفر عن انتكاسات حقيقية على الأرض. وعليه، وبالنظر إلى الشعور بأن الغرب قد تخلى عنهم، فإن المعارضة المسلحة من المحتمل أن تتحول إلى الراديكالية وترفض أي مسار سياسي، بل إن المعارضة السياسية، في ظل ما تعانيه من ضعف وانقسام، ستواجه معضلة: رفض الحوار برعاية روسية ورعاية الأمم المتحدة والظهور بمظهر الرافض للتعاون مع المجتمع الدولي أم قبوله ومواجهة غضب المسلحين ورفضهم.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.