كارثة إنسانية في تعز.. 830 طفلاً سقطوا بين قتيل وجريح وإصابة 3400 بحمى الضنك القاتلة

تحسن ملحوظ في المدن المحررة من الانقلابيين.. وتدهور بالغ حيث يسيطرون

طفلة يمنية تملأ زجاجة من الماء شمال صنعاء الواقعة تحت سيطرة الانقلاب الحوثي (غيتي)
طفلة يمنية تملأ زجاجة من الماء شمال صنعاء الواقعة تحت سيطرة الانقلاب الحوثي (غيتي)
TT

كارثة إنسانية في تعز.. 830 طفلاً سقطوا بين قتيل وجريح وإصابة 3400 بحمى الضنك القاتلة

طفلة يمنية تملأ زجاجة من الماء شمال صنعاء الواقعة تحت سيطرة الانقلاب الحوثي (غيتي)
طفلة يمنية تملأ زجاجة من الماء شمال صنعاء الواقعة تحت سيطرة الانقلاب الحوثي (غيتي)

كشف تقرير حديث عن تحسن إيجابي في المدن التي تم تحريرها من الميليشيات الحوثية وقوات صالح خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، مقابل تصاعد الأوضاع المعيشية في المدن التي لا تزال تحت سيطرتهم.
ونشر مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أحدث تقاريره وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، وتضمن تحذيرا من تفاقم الحالة الإنسانية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها اليمن بسبب استمرار الحروب، وأوضح أن هناك زيادة في أسعار المواد الأساسية وانعدام تام للمشتقات النفطية واتساع رقعة السوق السوداء في ظل تزايد لأعداد الفقراء بما يتجاوز 81 في المائة.
وأوضح التقرير أن انخفاضا إيجابيا شمل أسعار المواد الأساسية في كل من محافظة عدن وحضرموت ومأرب، حيث شهدت محافظة عدن انخفاض أسعار المواد الأساسية بنسبة 23.87 في المائة تلتها محافظة حضرموت بمتوسط انخفاض 6.33 في المائة ثم محافظة مأرب بمتوسط انخفاض بلغ 1.43 في المائة وذلك مقارنة مع الفترة ذاتها من شهر أغسطس (آب) الماضي، كما رصد التقرير تطورا إيجابيا في توفر المواد الأساسية (قمح – أرز – سكر – حليب – زيت الطبخ) في جميع المحافظات المستهدفة عدا محافظة مأرب التي رصد التقرير انخفاضا في توفر مادتي القمح وزيت الطبخ.
وأظهر التقرير ارتفاع مؤشرات الأسعار في المدن التي لا تزال تحت سيطرة الانقلابيين حيث رصد ارتفاعا تصاعديا لأسعار المواد الأساسية في كل من محافظة الحديدة بمتوسط ارتفاع 15.92 في المائة مقارنة مع الفترة ذاتها من الشهر الماضي تلتها محافظة تعز التي يفرض الانقلابيون عليها حصارا خانقا، حيث بلغ الارتفاع 15.32 في المائة مقارنة مع الفترة ذاتها من شهر أغسطس الماضي.
وأوضح التقرير أن انعدام الغاز المنزلي والبترول والديزل في الأسواق الرسمية في كل من محافظتي صنعاء والحديدة أدى إلى فتح أسواق سوداء جديدة، وبأسعار تضاعفت بشكل كبير ليصل نسبة ارتفاع مادة البترول أكثر من 300 في المائة، و360 في المائة للغاز المنزلي وما يقارب 300 في المائة لمادة الديزل مقارنة بالسعر الرسمي، أما سعر العملة المحلية فقد أشار التقرير إلى استمرار التراجع في سعر الريال اليمني مقابل الدولار والعملات الصعبة الأخرى، حيث تراجع سعر صرف الريال إلى 243 ريالا للدولار الواحد في السوق السوداء مقارنة بـ240 خلال أغسطس الماضي في ظل استمرار امتناع البنوك الحكومية من صرف الدولار واليورو مع توفر سيولة كبيرة للريال السعودي في السوق.
وفي محافظة تعز المحاصرة من قبل الميليشيات الانقلابية كشف تقرير حقوقي عن سقوط 830 طفلا بين قتيل وجريح بسبب الحرب التي تشنها ميليشيات الحوثي وصالح على المدينة منذ ما يقرب من سبعة أشهر، وأوضح التقرير الصادر عن مجلس تنسيق النقابات ومنظمات المجتمع المدني بتعز أن الحرب والحصار الذي تفرضه ميليشيات الحوثي وصالح على مدينة تعز، تسببا بإصابة 3400 طفل بمرض حمى الضنك القاتل.
وذكرت المحامية والناشطة إشراق المقطري في مؤتمر صحافي بمدرسة نعمة رسام في مدينة تعز، أن هذه الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت بحق الأطفال في تعز، تمت خلال الفترة من 15 مارس (آذار) –30 سبتمبر 2015. وتنوعت بين قتل وإصابة واختطاف وتشريد وحرمان من التعليم ومنع وصول العلاج والغذاء والماء إليهم، وأضافت: «الأرقام والإحصائيات التي أوردها التقرير تؤكد أن (194) طفلا يمنيا قتلوا على يد جماعة الحوثي المسلحة والقوات الموالية للرئيس السابق بمدينة تعز، بينهم (104) ذكور و(51) إناث، مشيرة إلى أن مسلحي الحوثي والقوات الموالية للرئيس السابق استخدموا الأحياء السكانية دروعًا بشرية هربا من ضربات قوات التحالف العربي الجوية، ولفتت إلى أنه بلغ عدد الأطفال الذين قتلوا برصاص قناصة ميليشيات الحوثي (38) طفلاً بينهم (33) ذكور و(5) إناث طبقًا للتقارير الطبية الصادرة عن المستشفيات التي أسعفوا إليها».
وطبقًا للمقطري فإن تقارير طبية تشير إلى أن ثلاث طفلات بينهن طفلتان من أسرة واحدة توفين نتيجة الخوف والفزع الذي أثارته منصات صواريخ الكاتيوشا ومدافع الهاوزر القريبة من مقرات سكنهن في منطقة الحوبان شرق مدينة تعز، وأشار التقرير إلى رصد (635) حالة إصابة تعرض لها أطفال في مدينة تعز بينهم (405) أطفال أصيبوا جراء القصف المتعمد للأحياء السكنية من قبل جماعة الحوثي المسلحة والقوات الموالية للرئيس السابق، وتحدث التقرير عن احتلال جماعة الحوثي وقوات صالح للمنازل والمدارس والمرافق الخدمية والمنشآت الحيوية وتحويلها إلى ثكنات عسكرية، فضلا عن تخزين كميات هائلة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة بداخلها.
وتطرق التقرير إلى الانتهاكات النفسية والمعنوية التي يعاني منها أطفال تعز بسبب هذه الحرب، حيث قال: «يعيش الأطفال في محافظة تعز وضعًا نفسيًا صعبًا نتيجة أعمال العنف المفرط ونتيجة لأعمال القتل والجرائم المشهودة حيث لا يمر يوم دون أن يكون هناك قتل أو دمار وكل ذلك أمام أطفال محافظة تعز». وأضاف: «هناك أطفال فقدوا أسرهم بالكامل، وهناك ما لا يقل عن 10 آلاف طفل فقدوا والديهم في الحرب، فيما أكثر من 2000 طفل فقدوا أقارب لهم، ودمرت منازلهم، ورصد التقرير آلاف الأطفال المصابين بإعاقات دائمة، منهم من بترت أطرافهم أو أصيبوا بتشوهات جسدية جعلتهم يعيشون وضعًا نفسيًا صعبًا وكل هذه الانتهاكات والأعمال ترتقي إلى جسيمة بحق الطفولة في تعز».
وعن الانتهاكات التي مورست بحق التعليم بمحافظة تعز، فقد سجل التقرير انتهاك (156) مؤسسة تعليمية منها (59) مدرسة تأثرت بالحرب وتعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي منها (15) مدرسة أهلية و(62) مدرسة استخدمت كمراكز لإيواء النازحين و(35) مدرسة ومؤسسة استخدمت لأعمال عسكرية، وأفاد التقرير أن الحرب تسببت في تشريد ونزوح أكثر من ثلاثمائة ألف طالب وطالبة من المدارس وحرم أكثر من خمسين منهم من امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية.
وتابع التقرير أن القصف اليومي من قبل الميليشيات الحوثية وقوات صالح، على المستشفيات العامة والخاصة وفي مقدمتها مستشفيات الثورة والجمهوري والصفوة والروضة واليمن الدولي وابن سيناء، زادت الأمور سوءا ولم يعد لدى الأطفال مكان يذهبون إليه للعلاج. ونقل التقرير عن رئيس قسم التغذية بمستشفى الأمومة والطفولة (السويدي) الذي حولته الميليشيات لثكنة عسكرية بعد حصاره وقصفه، قوله: إن المستشفى كان يستقبل قبل 15 يوليو (تموز) 2015، عندما طرد بقية الطاقم وأخرج الأطفال: قرابة 500 طفل يوميا طفل في قسم الإسعاف والمختبرات والباطنية والتحصين والتغذية.
وشدد التقرير على ضرورة فتح تحقيق عاجل وشفاف في تلك الانتهاكات وعدم ترك مرتكبيها لما له من نتائج كارثية على المجتمع، داعيًا كافة الأطراف إلى تجنيب الأطفال والمدنيين ويلات الحروب وعدم إقحامهم في أي نزاعات مسلحة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».