الخلاف على التمديد لعون يفتح باب البحث عن قائد بالوكالة للجيش اللبناني

بري لتمديد ولاية القائد «من دون تردد»... والتعيين من صلاحيات الحكومة

الرئيس نبيه بري في صورة أرشيفية مستقبِلاً قائد الجيش العماد جوزيف عون (موقع البرلمان اللبناني)
الرئيس نبيه بري في صورة أرشيفية مستقبِلاً قائد الجيش العماد جوزيف عون (موقع البرلمان اللبناني)
TT

الخلاف على التمديد لعون يفتح باب البحث عن قائد بالوكالة للجيش اللبناني

الرئيس نبيه بري في صورة أرشيفية مستقبِلاً قائد الجيش العماد جوزيف عون (موقع البرلمان اللبناني)
الرئيس نبيه بري في صورة أرشيفية مستقبِلاً قائد الجيش العماد جوزيف عون (موقع البرلمان اللبناني)

ينام السياسيون اللبنانيون على شيء، ويصحون على نقيضه، في ملف تمديد مهام قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي يفترض أن يحال على التقاعد في النصف الأول من يناير (كانون الثاني) المقبل، وسط انقسام لافت في مقاربة ملف تمديد ولايته دستورياً وسياسياً وإجرائياً، بما قد يطيح بالعملية برمتها وينقل الأطراف المعنية إلى «لملمة الأضرار» عبر تعيين قائد للجيش بالوكالة، تنتهي ولايته مع بداية ولاية الرئيس الجديد للبلاد وانتهاء الفراغ الرئاسي المستمر منذ أكثر من عام.

ويؤكد رئيس البرلمان نبيه بري لـ«الشرق الأوسط»، أنه يسير في موضوع تمديد ولاية عون «من دون تردد». ويعيد بري ترداد «ما يقوله دائماً من أن الحكومة هي صاحبة الحق في هذا الموضوع». ويقول: «واجب الحكومة حل المسألة، سواء عبر تعيين قائد للجيش أو تأجيل تسريح القائد الحالي، لكن إذا تقاعست فالبرلمان سيقوم بواجباته لمنع الفراغ في هذا المنصب الحساس». وأضاف: «لن أؤخر دقيقة واحدة، وعليهم هم (الحكومة) المسارعة للقيام بواجباتهم».

وشدد بري على أن جلسة البرلمان قائمة في موعدها غداً الخميس، نافياً بشدة علمه بقرار «القوات» مقاطعة الجلسة. وعن تحديده موعد الجلسة البرلمانية قبل جلسة الحكومة، أوضح بري أن التمديد يسبقه 17 بنداً، والجلسة قد تستمر أياماً، ما سيعطي الحكومة الفرصة الكاملة.

من جهة أخرى، عدَّ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، في مؤتمر صحافي، أن «التمديد لقائد الجيش حال غير طبيعية وشاذة وإهانة لكل ضابط مؤهل ومستحق». وأشار إلى أن «الشخص المعني (قائد الجيش) خان الأمانة، وأصبح عنواناً لقلة الوفاء، فهو يخالف قانون الدفاع الوطني، ويتعدى على صلاحيات الوزير، ويخالف بشكل واضح ووقح وعلني قانون المحاسبة العمومية، ويتباهى ويفاخر بمخالفة القانون»، وقال: «العماد جوزيف عون لا يستحقّ أن يمدد له. وبرأينا، فهو خان الأمانة. كما أنه عنوان لقلة الوفاء».

وفي الأيام العادية، يفترض بمجلس الوزراء أن يكون قد اختار تعيين قائد جديد للجيش من بين ضباط المؤسسة العسكرية، باعتباره أمراً طبيعياً، لكن هذه الآلية يعترضها غياب رئيس الجمهورية الذي جرت العادة أن يكون هو من يختار القائد الجديد للجيش، ويترجم هذه الرغبة مجلس الوزراء. أما إذا عجز المجلس لأي سبب كان، يفترض بالآلية المتبعة أن تنيط صلاحيات قائد الجيش برئيس الأركان، لكن هذا المنصب شاغر أيضاً بخروج اللواء أمين العرم إلى التقاعد أيضاً، ما يعني عملياً غياب القيادة الشرعية للجيش الذي يحرص الجميع على استقراره، في ظل وضع أمني غير مستقر، وتهديدات الحرب مع إسرائيل.

قائد الجيش الحالي اختاره الرئيس السابق ميشال عون في مستهل ولايته منذ سبع سنوات، وقد فضله عون على عدد من الضباط الكبار الذين طرحت أسماؤهم. حينها أخرج عون اسم اللواء جوزيف عون وطرحه على الطاولة، معرباً عن ثقة كبيرة به «هو الذي حارب معه خلال قيادته للجيش في الثمانينات من القرن الماضي». لكن دخول عون القائد إلى مقر قيادة الجيش كان بداية التباعد مع عون الرئيس في قصر بعبدا، وبقي التعايش قائماً بينهما حتى نهاية ولاية عون من دون انتخاب بديل له في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، وما زاد الطين بلة أن اسم العماد عون بات مطروحاً بقوة لخلافة العماد ميشال عون في رئاسة الجمهورية، وهو ما جعله عدواً مباشراً لرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي جاهر بانتقاد قائد الجيش، رافضاً انتخابه رئيساً ورافضاً تمديد مهامه لإنهاء حظوظه الرئاسية بالكامل، فانتهت الأمور إلى مأزق كبير.

ووفق المعطيات الراهنة، يفترض أن يتم تمديد ولاية قائد الجيش عبر قرار في مجلس الوزراء، وهو ما قد يجعله معرضاً للطعن بقانونيته أمام المجلس الدستوري لأنه لن يترافق مع توقيع وزير الدفاع موريس سليم المحسوب على النائب باسيل. أو أن يتم الإقرار في جلسة برلمانية تمدد سن التقاعد لعون سنة واحدة وفق صيغة فضفاضة تحاول تجنب الطعن، علماً بأن القوى السياسية قادرة على تعطيل اجتماعات المجلس الدستوري بتغييب النصاب عنه كما حصل في أكثر مناسبة سابقة. وفي هذا الإطار، سيكون لبنان على موعد مع تاريخين، أولهما الخميس بجلسة مقررة للبرلمان، وضع تمديد ولاية عون فيها في البند رقم 17، ما قد يقلص حظوظ انعقاد الجلسة بسبب مقاطعة القوى المسيحية لجلسات البرلمان رفضاً لـ«التشريع في غياب رئيس الجمهورية»، كون «التيار الوطني الحر» المؤيد لباسيل لن يحضر، وكون «القوات اللبنانية» المؤيدة لتمديد ولاية عون تتجه وفق بعض المصادر إلى المقاطعة أيضاً احتجاجاً على ترتيب الاقتراح، وخوفاً من فقدان النصاب قبل الوصول إليه.

عملياً، يحظى العماد جوزيف عون بتأييد واسع لتمديد ولايته يقارب الـ90 صوتاً، وهو رقم يفوق نسبة ثلثي أصوات المجلس المطلوبة لتعديل الدستور وانتخابه رئيساً للجمهورية، ما قد يخلق حساسيات تمنع اندفاع رئيس البرلمان نبيه بري لإقرار التمديد في البرلمان، وقد تكون سبباً في جعله بنداً متأخراً، لأن بري بات يفضل قيام الحكومة بهذه الخطوة، فيما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يبدو أكثر تردداً في هذا المجال، ويحاول رمي المسؤولية على مجلس النواب.

وقد أبدت كل الكتل البرلمانية رأيها في موضوع التمديد، الذي يحظى علانية بدعم البطريرك الماروني بشارة الراعي، كما يحظى بموافقة كل القوى السياسية الممثلة في البرلمان، ما عدا «التيار الوطني الحر» المعارض صراحة، فيما يبقى موقف «حزب الله» اللغز الأكبر، خصوصاً أنه أبلغ كل من راجعه بأنه سيبلغ موقفه في خصوص التمديد ليلة الجلسة وليس قبل ذلك. وتكمن حساسية موقف «حزب الله» في معارضة حليفه المفترض جبران باسيل لأي شكل من أشكال تمديد ولاية قائد الجيش، وصولاً إلى قبوله بتعيين بديل له تحت عنوان «كل شيء إلا جوزيف عون».

وقالت مصادر لبنانية مطلعة على موقف «حزب الله» إن باسيل أبلغ قيادة الحزب صراحة أن ذهاب الحزب إلى تأييد تمديد ولاية عون هو «نقطة اللاعودة» في العلاقات بين الحليفين. وقالت إن باسيل أبلغ الحزب أن «كل ما سبق من مواقف (حزب الله) التي اختلف معها في كفة، والتمديد لقائد الجيش في كفة مقابلة». ويبدو أن صمت «حزب الله» في هذا الموضوع الذي يحظى أيضاً بتأييد دولي وإقليمي، قد زاد من الغموض المفروض، لكن مصدراً لبنانياً واسع الاطلاع أكد أن الأمور تتجه فعلياً إلى ذهاب قائد الجيش إلى منزله في العاشر من يناير المقبل، أي من دون تمديد ولايته، عاداً أن كل هذه الإرباكات تكاد تكون مقصودة، وتهدف إلى وضع الأمور في وضعية يصبح معها تمديد الولاية أمراً شبه مستحيل، وتحفز للذهاب نحو الخيارات الأخرى، من بينها تعيين قائد للجيش بالوكالة من بين كبار الضباط الموارنة في المؤسسة العسكرية، وبهذا يكون الجميع قد حاذر تعيين قائد للجيش بغياب رئيس الجمهورية.

وتقول المصادر: «في كل لحظة تتغير المواقف. بداية تم الاتفاق على تمديد ولاية القائد في مجلس الوزراء، ليصحو الجميع على قذف المسؤولية في اتجاه البرلمان الذي قبل رئيسه بالمسؤولية ودعا الى جلسة تعقد الخميس، قبل أن يتراجع، مفضلاً إعطاء الأولوية مجدداً للحكومة التي يقترض أن تجتمع الجمعة».

ويضيف المصدر: «حالياً، يبدو أكثر السيناريوهات يسير في اتجاه تعيين قائد بالوكالة، ومن كبار ضباط المؤسسة، ومن بينهم مدير جهاز المخابرات العميد أنطوان قهوجي، أو قائد منطقة جنوب الليطاني العميد مارون القبياتي المعروف بقربه من النائب باسيل، وهو ما يضعه في دائرة عدم القبول عند أطراف سياسية مناوئة لباسيل».



جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.