30 لوحة لجبران عمرها أكثر من مائة عام في متحف الشارقة

من بينها لوحة {وجه أمرأة محجبة} و{موناليزا الحزينة}

وجه رجل بلحية  -  وجه امرأة بوشاح  -  بورتريه شخصي
وجه رجل بلحية - وجه امرأة بوشاح - بورتريه شخصي
TT

30 لوحة لجبران عمرها أكثر من مائة عام في متحف الشارقة

وجه رجل بلحية  -  وجه امرأة بوشاح  -  بورتريه شخصي
وجه رجل بلحية - وجه امرأة بوشاح - بورتريه شخصي

تحتضن إمارة الشارقة في متحفها معرض «البعد الإنساني في رسوم جبرانية»، لأعمال الفنان والأديب المعروف عالميًا جبران خليل جبران (1883 - 1931) في أكبر مجموعة من لوحاته ورسوماته، نحو 30 لوحة، ويعود عمرها لأكثر من مائة عام، تُعرض للمرة الأولى في الإمارات العربية المتحدة، افتتحه الشيخ خالد بن عبد الله بن سلطان القاسمي، رئيس دائرة الموانئ البحرية والجمارك في الشارقة، ويستمر المعرض من 7 أكتوبر (تشرين الأول) إلى 10 ديسمبر (كانون الأول) حيث أُقيم بالتعاون مع لجنة جبران الوطنية في لبنان، وحضر الافتتاح نخبة من المسؤولين والمثقفين، منهم جوزيف جعجع مدير متحف جبران، وطارق الشدياق، رئيس لجنة جبران الوطنية، ومنال عطايا، مدير عام إدارة متاحف الشارقة وغيرهم.
من المعروف أن لوحات جبران خليل جبران ورسوماته عُرضت في متاحف كثيرة في الكثير من عواصم العالم، من بلدته بشري في لبنان إلى أكاديمية تيلفير في جورجيا، وبوسطن وباريس. هذه التشكيلة من اللوحات المعروضة، وهي زيتية ومائية، مرسومة ببراعة باستخدام الفحم على الورق وقماش «الكانفس» بالإضافة إلى عرضِ مخطوطات ودفاتر تعود كتبها أثناء حياته بكل دأب ومثابرة. وتُظهر الأعمال مزيجًا من التأثيرات العربية والغربية في فن جبران ومن بينها تبرز لوحة مائية من عام 1916 بعنوان «وجه امرأة مُحجبة»، و«صورة شخصية» له مرسومة بالفحم من عام 1908، ولوحة «موناليزا الحزينة» 1910. تتنوّع الموضوعات الفنية التي عالجها، ولكنها جميعًا تحمل بصمة واحدة، روحانية اللوحة وصوفيتها وبعدها الإنساني. وهنا نجد ذلك التوليف الجدلي بين ما كتبه جبران وما رسمه، لأن الكلمة واللون، صادرتان عن روح واحدة، شهدت العذابات الأرضية، فلاذت إلى الروحانيات الغامضة.
يُعتبر معرض «البعد الإنساني في رسوم جبرانية» الأول من نوعه في الإمارات، وهو في حقيقة الأمر، جهد إماراتي ولبناني مشترك، ولولا هذا التعاون لما تمّ تحقيق هذا المعرض. منال عطايا، مدير عام إدارة متاحف الشارقة قالت لـ«الشرق الأوسط»: «نحن فخورون باستضافة هذا المعرض الرائع الذي يتيح للزوار فرصة استثنائية للتعرف على جانب فني هام لأحد أهم الفنانين والمفكرين في العالم العربي»، مضيفة: «ساهم تعاوننا مع لجنة جبران الوطنية في لبنان في افتتاح هذا المعرض المرموق والأول من نوعه في دولة الإمارات والذي يؤكد على الدور المتنامي لمتحف الشارقة للفنون كوجهة بارزة لاستضافة معرض على هذه الدرجة من الأهمية، كما يعزز اسم إمارة الشارقة كمركز للفن والثقافة والسياحة في المنطقة».
بدوره قال الدكتور طارق شدياق، رئيس لجنة جبران الوطنية: «أضحت إمارة الشارقة مركزًا ثقافيًا بالغ الأهمية لما تتمتع به من تراث غني ولكونها وجهة رئيسية تستضيف أهم المعارض الفنية التقليدية والمعاصرة في منطقة الشرق الأوسط والعالم على حد سواء، لهذا كان من الطبيعي أن يقع اختيارنا عليها من أجل استضافة معرض يعرّف الزائرين على أعمال واحد من أبرز الفنانين والأدباء».
رسم 526 لوحة
لا بد من سرد تاريخ الرسم في حياة جبران خليل جبران كما تشير المقالات والكتب أنه ترك 526 لوحة، ورثتها صديقته وزوجته ماري هاسكل، التي كانت تساعده وتموّله في المهجر، وخيرها بين الاحتفاظ بها أو إرسالها إلى بلدته ومسقط رأسه بشري كما ورد في مذكراتها التي نشرت بعد رحيله. وقد احتفظت ماري هاسكل بـ84 لوحة ورسمة، لتفتح متحفًا خاصًا حمل اسمه في متحف «تيل فير» في مدينة سافانا بولاية جورجيا الأميركية وأرسلت 442 لوحة ورسمًا إلى بلدته بشري إلا أن لوحاته في لبنان لم ترَ النور إلا في خريف 2003 أي في الذكرى العشرين بعد المائة لولادته. وكانت هي من ساهم في تفتحه الفكري والفني وقد أرسلته إلى باريس في 1908 لدراسة فن الرسم، حيث التحق بأكاديمية جوليان، وزار قصر فيرساي، ثم أعجب بلوحة «الموناليزا»، ليبدأ بعدها رحلة جديدة في فن الرسم وهي رسم المشاهير، وقراءة الأدباء الإنجليز والفرنسيين والألمان. وشارك في معرض «الربيع» بلوحة أطلق عليها «الخريف» نال عليها الميدالية الفضية، ثم عاد إلى بوسطن بعد مرور عامين ليتزوج من صديقته.
بورتريهات وكبار الرسامين
بدأ جبران خليل جبران هاويًا للرسم وأصبح محترفًا منذ عام 1911 إذ شهدت لوحاته رواجًا مميزًا، وبدأ عشاق الفن يقبلون على اقتنائها وشرائها ما دفعه إلى الانتقال إلى نيويورك، ولم يفارق الرسم حتى ساعة رحيله. وقد رسم بورتريهات المشاهير أمثال: ساره برناره، راسل لوفليان، ويونغ.
استخدم جبران خليل جبران الرسم بالرصاص والفحم وأقلام التلوين منذ عمر السادسة أو السابعة إلى حين انتقاله إلى الرسم بالزيت في سنوات النضج، ثم انتقل إلى استيحاء الطبيعة والوجود، وعناصرها المتلاحمة، وما يخفيه من أحاسيس وراء الخطوط والألوان والأشكال والأضواء وآلام الوجه والروح كما تشرحها اللوحات المعروضة. ويلاحظ النقاد أنه تأثر برؤى كبار الفنانين أمثال: رودان واوجين كارتيه وليوناردو دافنشي وبونيس دي شافال والفن اليوناني، منطلقًا نحو فضاءات صوفية وروحية، تطغى عليها عناصر اللون الداكن والغامق والمظلم أحيانًا.
بين الكلمة واللوحة
تكشف لنا اللوحات الثلاثون المعروضة حاليًا أن جبران الرسام يرتبط بجبران الكاتب بصورة جدلية، فقد كان يمزج بين كتابة المقالات التأملية الفلسفية ولوحاته ويعكف على رسم أغلفة الكتب والدواوين الشعرية وغيرها، وفي كل ذلك يسعى للتعبير عن ذات الفنان. وتحمل هذه اللوحات دلالات عميقة وتساؤلات وجودية عن الإنسانية والكينونة، معبّرًا عنها بالألوان والفرشاة على القماش بالرصاص والفحم والطبشور القرميدي والاكواريل، ومزيج من المواد اللونية والخصائص التشكيلية من أجل أن ينتج ألوانًا باهتة كئيبة وزاهية مبتهجة في آن واحد، وهي تعبيرات داخلية ونفسية تعجُ بها لوحاته صارخة تارة ومسترخية تارة أخرى.
يذهب نقاد الفن إلى أن الشكل الفني عند جبران خليل جبران يخرج عن أي مقاييس مدرسية كلاسيكية معينة، لكنها تربط بين المدارس الفنية جميعها دون انتقاء، تاركًا بصمات واضحة المعالم في عالم اللون، وذلك نابع من إصراره على تجسيد عالمه الداخلي من دون الانصياع لأي قوالب جاهزة، لذلك نجد ظهور الماورائيات والأساطير والملامح الإنسانية والهموم الفلسفية، كأنه الساحر الذي يسير بين الكلمات واللوحات بروح الكلمة والفرشاة، القلم واللون، والقماشة والورق، ولا يجد أي فرق بين هذه الأشياء. لذلك تتميز لوحاته ورسوماته بالتفاعل مع حياة الإنسان، ونبضاته، وعواطفه، وأحاسيسه.
أعمال كلاسيكية ساطعة بالحركة، وتصوير دقيق للإنسان المثالي بروحانيته العالية، ما بين العوالم المادية والروحية والطبيعية في أسلوب قائم على استخدام الخطوط العريضة، صامتة وغامضة، في ثنايا اللوحة. وبرع في تشكيل الألوان المائية وفرشها على اللوحة، بأصابع ماهرة، وذهنية نيّرة. وقد ترك بعد رحيله مجموعة واسعة من اللوحات والأعمال الأدبية التي تُعّد كنزًا قيمًا للأدب والفن يعكس أفكاره وتصوراته.



هل كان أبو العلاء المعري متشائماً حقاً؟

تمثال أبي العلاء المعري وهو من إنجاز  النحات السوري عاصم الباشا
تمثال أبي العلاء المعري وهو من إنجاز النحات السوري عاصم الباشا
TT

هل كان أبو العلاء المعري متشائماً حقاً؟

تمثال أبي العلاء المعري وهو من إنجاز  النحات السوري عاصم الباشا
تمثال أبي العلاء المعري وهو من إنجاز النحات السوري عاصم الباشا

غَيْرُ مُجْدٍ فِي مِلَّتِي وَاعْتِقَادِي

نَوْحُ بَاكٍ وَلَا تَرَنُّمُ شَادِ

وَشَبِيهٌ صَوْتُ النَّعِيِّ إِذَا قِيـ

ـسَ بِصَوْتِ الْبَشِيرِ فِي كُلِّ نَادِ

أَبَكَتْ تِلْكُمُ الْحَمَامَةُ أَمْ غَنَّـ

ـتْ عَلَى فَرْعِ غُصْنِهَا الْمَيَّادِ

صَاحِ هَذِي قُبُورُنَا تَمْلَأُ الرُّحْـ

ـبَ فَأَيْنَ الْقُبُورُ مِنْ عَهْدِ عَادِ؟

خَفِّفِ الْوَطْءَ مَا أَظُنُّ أَدِيمَ الْ

أَرْضِ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَجْسَادِ

(...)

فَاسْأَلِ الْفَرْقَدَيْنِ عَمَّنْ أَحَسَّا

مِنْ قَبِيلٍ وَآنَسَا مِنْ بِلَادِ

كَمْ أَقَامَا عَلَى زَوَالِ نَهَارٍ

وَأَنَارَا لِمُدْلِجٍ فِي سَوَادِ

تَعَبٌ كُلُّهَا الْحَيَاةُ فَمَا أَعْــ

جَبُ إِلَّا مِنْ رَاغِبٍ فِي ازْدِيَادِ

إِنَّ حُزْناً فِي سَاعَةِ الْمَوْتِ أَضْعَا

فُ سُرُورٍ فِي سَاعَةِ الْمِيلَادِ

(...)

ضَجْعَةُ الْمَوْتِ رَقْدَةٌ يَسْتَرِيحُ الْــ

جِسْمُ فِيهَا وَالْعَيْشُ مِثْلُ السُّهَادِ

أبيات أبو العلاء المعري الذائعة هذه والمأخوذة من قصيدته في رثاء قاضٍ فقيه يُقال له أبو حمزة التنوخي كانت بينهما صداقة أو قرابة - هذه الأبيات التي نشأنا نرددها في سذاجة من أيام المدرسة والتي كثيراً ما تتخذ عنواناً على تشاؤم المعري الشهير – هذه الأبيات لا أرى فيها تشاؤماً، ولا يأساً، ولا قعوداً عن مجهود الحياة، فقائلها عاش حياة مديدة جاوزت الثمانين عاماً (973-1057م)، وأنجز في الأدب والشعر ما نتغنى به ونستلهم منه الفن والحكمة بعد قرابة عشرة قرون مضت على زمنه. فعل هذا في عصر بالغ الاضطراب سياسياً واجتماعياً ومذهبياً وعنصرياً، سادت فيه الصراعات بين القوى المتصارعة على السلطة في ظل ضعف الخلافة العباسية وزوال السلطة المركزية لبغداد. فعل هذا كله وهو ضرير منذ طفولته، مضطر للاستعانة بغيره في شؤون العيش. عاش حياة رفيعة متنزهة زاهدة معتزلة للناس لكنها حافلة بالمعرفة والحكمة والحب والإنتاج والفيض على المريدين والصحاب. عاش حياته بشروطه. وليس في شيء من هذا كله تشاؤم ولا يأس ولا تخاذل عن عناء الحياة مما تفرضه فرضاً على الأحياء أو مما اختاره هو في حياته الزاهدة من شظف إضافي، كما فعل في شعره أيضاً حين ألزم نفسه بما لا تلزمه به قواعد الشعر.

كتب المعري مرثيته هذه وهو في العشرينات من عمره، والحقيقة أني أتردد في نعتها بالمرثية، وإنما هي قصيدة تأمل في الحياة والموت والوجود والعدم، قصيدة فلسفة وموقف فكري، ولم يكن رثاء الصديق إلا المناسبة التي فجّرت في الشاعر مشاعر وأفكاراً كانت تختمر وتسعى إلى صياغة شعرية. فالقصيدة التي تقع في 64 بيتاً تُفتح بالتأملات الشهيرة أعلاه ولا يرد فيها ذكر لموضوع الرثاء، القاضي أبو حمزة، حتى نصل إلى البيت الثالث والعشرين، وينحصر الحزن المباشر على الصديق الراحل وتعداد مناقبه في نحو نصف القصيدة، مسبوقاً ومتبوعاً بالتأملات الفلسفية.

ما أراه في هذه القصيدة الشهيرة التي ظهرت في ديوان المعري الأول «سقط الزند» وفي غيرها من شعره إنما هو موقف وجودي. موقف توصل إليه الشاعر في صدر شبابه. ليست هذه القصيدة المبكرة نتاج اعتراك طويل للحياة، ولا هي حكمة شيخ في نهاية العمر، وإنما هي موقف وجودي. موقف واعٍ بالأبعاد العبثية في الحياة، والتي يجللها العبث الأكبر الذي اسمه الموت. فالحياة تنتهي بنقيضها، ومن هنا تساويها مع الموت. ومن هنا أيضاً تساوي كل النقائض التي تعددها تلك الأبيات: النوح والترنم، النعي والبشارة... إلخ. فالباكي والمترنم، والناعي والمبشر، والحمامة شدت أو بكت، وكل موجب وسالب صائر إلى الموت الذي ينفي ما بينهما من اختلاف ويؤالف تناقضهما. بل إن المعري في انفساح نظرته الوجودية لا يقصر تأمله على حياة البشر وسائر المخلوقات على الأرض، بل إنه يعلن أن الموت أو الفناء مصير كل وجود في الكون، سواء كان وجوداً واعياً أو غير واعٍ، فكوكب «زحل من لقاء الردى على ميعاد»، والمريخ «ستنطفأ ناره وإن علتْ في اتقاد»، والثريَّا ستموت نجومها تباعاً ويفترق شملها، تماماً كما يفرّق الموت شمل الأسر والجماعات من بني الإنسان.

يدرك المعري أن الفناء مصير كل موجود من أصغر مخلوقات الأرض شأناً إلى الكواكب والنجوم في عمق الفضاء اللامتناهي. «كل بيت للهدم» سواء كان عش حمامة أو قصراً منيفاً «لسيد رفيع العماد». من هنا التعادلية في موقف المعري. أي فرق هناك؟ كل جهد عظيم أو حقير، كل حياة بهيجة أو بائسة هي «تعب غير نافع». هي «اجتهاد لا يؤدي إلى غناء». لكننا مع ذلك نعيشها. نعيشها كما عاشها. الفارق أنه عاشها مدركاً كنهَها، سابراً غورها، ولم يعشها منكبّاً عليها، مخدوعاً بها. عاشها بشروطه بقدر ما تسمح الحياة أن تُملى عليها الشروط: «اللبيب من ليس يغترّ بكونٍ مصيره للفساد». هذا موقف فلسفي وجودي بطولي لأن حياة الشاعر جاءت ترجمة «لملته واعتقاده». أو أنه على عكس الكثيرين عاش اعتقاده، ولم يعانِ من تلك الفجوة الشهيرة بين القول والفعل، بين المعتقد والممارسة.

هذا المتشائم المزعوم هو القائل «ولو أني حُبيتُ الخلدَ فرداً لما أحببتُ بالخلد انفرادا / فلا هطلتْ عليَّ ولا بأرضي سحائبُ ليس تنتظم البلادا»، وفي موضع آخر: «والناس للناس من بدو وحاضرة، بعضٌ لبعضٍ، وإن لم يشعروا، خدم». لا تشاؤم ولا عزلة ولا اجتواء للخلق في مثل هذه الفلسفة، بل فكر اجتماعي تكافلي تضامني ملتزم إلى حد رفض كل نعيم، دائمه وزائله، إن لم يعمَّ خيره على الناس قاطبة. فجهد الحياة عنده جهد مشتَرك يتعاضد الناس فيه من أجل البقاء، عن قصد وإدراك أو بغير قصد وإدراك. لهذا كله نجد المعري مثالاً باهظاً، فنريح أنفسنا بنبذه باعتباره «متشائماً» لا يقدّر مسرّات الحياة ومتعها، أو بالعبارة العامية «نِكدي»، أجدر بنا أن نبعد عن أفكاره «السوداوية» ولننشغل بالترنم والشدو وحمل البشارات. فلننشغل سادرين حتى الموت.


مجامر أثرية من البحرين

أربع مجامر محفوظة في متحف البحرين الوطني بالمنامة.
أربع مجامر محفوظة في متحف البحرين الوطني بالمنامة.
TT

مجامر أثرية من البحرين

أربع مجامر محفوظة في متحف البحرين الوطني بالمنامة.
أربع مجامر محفوظة في متحف البحرين الوطني بالمنامة.

يحتفظ متحف البحرين الوطني بمجموعة من المجامر عُثر عليها خلال حملات التنقيب المتواصلة في عدد من المدافن الأثرية، منها ما صُنع من المادة الحجرية، ومنها ما صُنع من طينة الفخار. تنتمي هذه المجامر إلى مراحل متعاقبة زمنياً، فمنها ما يعود إلى الحقبة التي شكّلت فيها البحرين حاضرة من حواضر إقليم تجاري وسيط عُرف باسم دلمون في المصادر السومرية، ومنها ما يعود إلى حقبة لاحقة عُرفت فيها هذه الجزيرة باسم تايلوس في المصادر اليونانية. من جهة أخرى، تعكس هذه القطع تعدّدية كبيرة في الطرز الفنية المعتمدة، وتظهر هذه التعدّدية بشكل جليّ في اختلاف البنى التكوينية الخاصة بها، كما في اختلاف الحلل التي تزيّن هذه البنى.

يتمثّل ميراث دلمون بمجمرة من الفخار تتميّز ببنيتها التكوينية المختزلة، مصدرها مدافن عالي التي تشكّل جزءاً من تلال تمتدّ على مدى 20 كيلومتراً في الجزء الغربي من جزيرة البحرين. يُعرف هذا الموقع رسمياً باسم «تلال مدافن دلمون»، وبهذا الاسم أُدرج في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) في صيف 2019. عُثر على هذه المجمرة خلال حملة تنقيب محلّية جرت بين عام 1988 وعام 1989، وهي من الحجم الصغير؛ إذ يبلغ طولها نحو 20 سنتيمتراً، وعرضها 11 سنتيمتراً، وهي على شكل عمود أسطواني يعلوه وعاء عريض خصّص لاحتواء الجمر الخاص بإحراق البخور أو الطيوب وما شابه. تعود هذه القطعة الفخارية على الأرجح إلى القرنين الأخيرين من الألفية الثانية قبل المسيح، والقطع التي تشبهها نادرة للغاية في ميراث دلمون الأثري، ممّا يوحي بأّنها دخلت إلى البحرين من الخارج، وليست من النتاج المحلّي، ويرجّح أهل الاختصاص أن وظيفتها ترتبط بالطقوس الجنائزية المعتمدة في الدفن.

دخلت هذه المجمرة متحف البحرين الوطني بالمنامة، ودخلت من قبلها مجمرة مغايرة تماماً في التكوين، عُثر عليها كما يبدو في مطلع سبعينات القرن الماضي. تختلف المصادر في تحديد موقع هذا الاكتشاف؛ إذ ينسبه البعض إلى قلعة البحرين التي تقع على الساحل الشمالي، وينسبه البعض الآخر إلى مقبرة تُعرف باسم الحجر، نسبة إلى القرية التي تجاورها، وتشرف على شارع البديع في المحافظة الشمالية. صيغت هذه المجمرة على شكل مكعّب صغير من الحجر، طوله 7 سنتيمترات وعرضه 6 سنتيمترات، وكلّ من واجهاتها الأربع مزينة بشبكة من النقوش زخرفية، قوامها نجم ذو أربعة أطراف مقوّسة، تحيط به خانات عدة، وُشح كلّ منها بسلسلة من العواميد، تعلوها خطوط أفقية متجانسة. تتبع هذه المجمرة الحجرية تقليداً راسخاً نشأ وشاع في جنوب الجزيرة العربية خلال القرون الأخيرة من الألفية الأولى قبل المسيح، وشواهد هذا التقليد عديدة، منها عدد كبير دخل المتاحف العالمية الكبرى في الغرب. بلغ هذا الطراز الجنوبي شرق الجزيرة العربية، كما بلغ شرق أقاليم البحر الأبيض المتوسّط وبلاد ما بين النهرين. وتشهد مجمرة البحرين على ظهور هذا الطراز في وسط ساحل الخليج العربي.

يحوي متحف البحرين الوطني كذلك مجمرتين من الفخار تمثّلان نتاج ما يُعرف اليوم بحقبة تايلوس، وهما من نتاج المرحلة الممتدة من القرن الأول قبل المسيح إلى القرن الأول للمسيح. تعود إحدى هاتين القطعتين إلى مقبرة حمد التي تشكّل جزءاً من «تلال مدافن دلمون»، وتعود الأخرى إلى مقبرة الشاخورة التي تحمل اسم القرية التي تجاورها، وتقع على بعد نحو 700 متر جنوب شارع البديع.

يبلغ طول مجمرة تل حمد 20 سنتيمتراً، وعرضها 8 سنتيمترات، وهي على شكل عمود ذي أربع قوائم، يعلوه وعاء المجمرة العريض. يتكون هذا العمود من ست حلقات دائرية ناتئة ومتراصة، تزيّنها حلية لونية متقشفة مطلية باللون الأحمر القاني، قوامها بضعة خطوط أفقية تستقر بينها بضعة خطوط عمودية. تكلّل وعاء المجمرة هذه الحلقات الدائرية المتراصة، وتزيّنه شبكة مشابهة من الخطوط المطلية.

في المقابل، يبلغ طول مجمرة الشاخورة نحو 19 سنتيمتراً، وعرضها 11 سنتيمتراً، وهي على شكل جرة تستقرّ فوق قاعدة أسطوانية. ترتفع هذه القاعدة فوق أربع قوائم عريضة، ويعلوها عمود أسطواني قصير، يفصل بينها وبين الحرة التي تعلوها. تشكّل هذه الجرة وعاء للمجمرة يتميّز بضخامته، والطرف الأعلى لهذا الوعاء ناتئ وبارز، وبعض من تكوينه تساقط للأسف.

تمثّل هذه المجامر الأربع نتاجاً من البحرين يبدو محدوداً مقارنة بنتاج مناطق أخرى من جزيرة العرب خرجت منها مجموعات كبيرة من المجامر. يشهد هذا النتاج المحدود من جهة لتعدّدية كبيرة في الأساليب المتبعة في الصناعة والصوغ، وتعكس هذه التعددية من جهة أخرى المكانة الوسيطة التي تميّز بها نتاج البحرين الأثري على مدى العصور.


14 شخصاً في صراع مع الزمن

14 شخصاً في صراع مع الزمن
TT

14 شخصاً في صراع مع الزمن

14 شخصاً في صراع مع الزمن

صدر عن «دار المرايا» في القاهرة رواية «ألعاب وحشية» للروائي المصري ماجد وهيب، وهي الكتاب السادس له بين الرواية والقصة القصيرة. تقع الرواية في 512 صفحة من القطع المتوسط، وتتكون من أربعة عشر فصلاً، يمثل كل فصل منها جيلاً، من قصة عائلة مصرية من الجد الرابع عشر، حتى الابن في الحاضر، مبتعدة عن تقديم أي خلفية تاريخية لأحداثها، وتكتفي فقط بإشارات عابرة إلى تطور نمط الحياة من جيل إلى آخر.

مع النهاية، نلاحظ أن ثمة وجوداً لفكرة العود الأبدي ودوران الزمن في حركة دائرية، عاكسة تأثير الماضي في الحاضر والمستقبل، وكيف يؤثر كل فعل في مصير الآخرين، وهكذا لا يوجد بطل للرواية، فالـ14 شخصية هم جميعهم أبطال، وكل واحد منهم بطل حكايته، فأسماء الفصول كلها معنونة بأسماء شخصيات، وهكذا يكون الزمن هو البطل الأول، وهو الذي يمارس ألعابه الوحشية في المقام الأول، غير أن كل شخصية لها حكايتها التي لا تأتي منفصلة عن الماضي، ولا ينقطع تأثيرها في المستقبل، وتعيش هي أيضاً ألعابها الخاصة، عبر أحلامها وانكساراتها والصراع الذي تدخل فيه.

وفي ظل ذلك تلعب الرواية على وتر البحث عن الهوية، من خلال علاقات حب يبدو فيها وكأنه مغامرة كبيرة وليس مجرد شعور، مغامرة ترسم المصائر وتعيد تشكيل العلاقات، وثمة أحلام، وهزائم وانتصارات، يتغير معها المكان والزمان، وبطبيعة الحال يلعب الموت دوراً كبيراً في الأحداث، وكثيراً ما يأتي بدايةً وليس نهاية.