هل المصروفات الدراسية الجامعية مرتفعة بالفعل؟

التعليم العالي يعد من الأعمال التجارية الرائعة.. لكنها معقدة في ذات الوقت

ارتفاع مصروفات التعليم الجامعي يعد أحد التحديات التي تواجه الشباب في أميركا
ارتفاع مصروفات التعليم الجامعي يعد أحد التحديات التي تواجه الشباب في أميركا
TT

هل المصروفات الدراسية الجامعية مرتفعة بالفعل؟

ارتفاع مصروفات التعليم الجامعي يعد أحد التحديات التي تواجه الشباب في أميركا
ارتفاع مصروفات التعليم الجامعي يعد أحد التحديات التي تواجه الشباب في أميركا

لإدراك شعور الأزمة الذي يعاينه الكثيرون في التعليم العالي حاليا، من المفيد أن نبدأ بذكر بعض الأرقام قبل 40 عاما من الآن. في عام 1974. كان دخل الأسرة الأميركية المتوسطة أدنى من 13 ألف دولار بالعام. وكان يمكن شراء المنزل الجديد بسعر يقارب 36 ألف دولار، وكانت السيارة الجديدة من الفئات المتوسطة تتكلف 4400 دولار. وكان الالتحاق بالكلية الخاصة لمدة أربع سنوات يكلف نحو ألفي دولار في العام؛ ولقد كان مبلغا معقولا حينها، مع قليل من الاقتصاد، بالنسبة لمستويات الدخل لدى الأسر المتوسطة. أما بالنسبة للجامعات الحكومية، فكانت المفاضلة تدور حول 510 دولارات في العام.
ولو حسبنا تلك الأرقام ذاتها لكن بمعدلات موازية في عام 2015، فإننا نتحدث عن أن دخل الأسرة المتوسطة يبلغ نحو 62 ألف دولار في العام، والمنزل يتكلف شراؤه 174 ألف دولار، والسعر المعلن للسيارة بمبلغ 21.300 دولار، والالتحاق بالجامعة الخاصة يكلف 10.300 دولار في العام، أما الجامعة الحكومية فيكلف نحو 2500 دولار في العام.
لكن منذ ذلك الحين تغيرت الأمور كثيرا، ففعليا «انخفض» دخل الأسرة المتوسطة (المتوقع وفقا للمقارنة) إلى نحو 52 ألف دولار، وارتفعت أسعار المنازل من الفئة المتوسطة بمقدار الثلثين، بينما احتفظت أسعار السيارات بثبات مطرد في أسعارها. ولكن الفارق البارز كان في مجال التعليم العالي، حيث ارتفعت المصروفات الدراسية في الجامعات الخاصة بمقدار ثلاثة أضعاف عما كانت عليه في عام 1974، حيث أصبحت تكلف نحو 31 ألف دولار في العام، بينما بلغت مصروفات التعليم الجامعي الحكومي مستوى 9 آلاف دولار، مرتفعة بما يقرب من أربعة أضعاف عن ذي قبل. مما يعد من قبل التكاليف الباهظة للجميع باستثناء الطبقة الغنية من المجتمع. أما بالنسبة للأسر الأميركية المتوسطة التي لا تتلقى الدعم المالي، فإن التعليم العالي ليس متاحا إليهم بحال.
تأتي معالجة تلك الأزمة الآن من قبيل القضايا السياسية. فقد اقترح الرئيس الأميركي براك أوباما أن تكون الجامعات الحكومية متاحة لكل مواطن أميركي تقريبا. كما أعلن كل من هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز ومارتن أومالي عن خطط لديهم لزيادة التمويل الفيدرالي للكليات والجامعات الحكومية، حالما وصلوا إلى البيت الأبيض. كما يقدم المرشحون الرئاسيون من تيار اليمين كذلك حلولهم للمسألة، رغم أنهم يعتبرون التمويل الحكومي للتعليم العالي جزءا من المشكلة. يقول دونالد ترامب إنه سوف يعمل على تخفيض المخصصات الموجهة لوزارة التعليم «كثيرا للغاية». ونجح الحاكم سكوت ووكر في اقتطاع مبلغ 250 مليون دولار من ميزانية ولاية ويسكونسن للتعليم العالي. ولقد أولى المرشح جيب بوش المزيد من التركيز على قضايا التعليم الابتدائي والثانوي - معارضا «تثبيت» المعلمين ومؤيدا «اختيار المدرسة» - ولكنه يعزز من الاقتطاع الذي أجراه في العمل الإيجابي للجامعات الحكومية بولاية فلوريدا كمثال على تقليص الدور الحكومي في التعليم العام.
ويعد التعليم العالي من الأعمال التجارية الرائعة والمعقدة في ذات الوقت، حيث تتحرك ديناميكيات التسعير الخاصة بالتعليم في كافة أرجاء اقتصاد البلاد، وهي تحدد في واقع الأمر من يناله الازدهار ومن يناله الإخفاق في ذلك المضمار.
وبأكثر من ذلك، فإن المنتج النهائي لتلك الصناعة لا يعتبر هدفا في حد ذاته. فالتعليم قد يعود بمكاسب شخصية جمة لمن يحصل عليه، ولكنه يتمتع بمكتسبات خارجية كذلك بالنسبة لبقية أجزاء المجتمع. والتعليم يمارس قدرا من الديناميكية ذات التأثير المضاعف، فهو لا يسبب تغييرا جذريا في حياة المتعلمين فحسب، بل وفي حياة من يحيطون بهم كذلك. فالعمال ممن حصلوا على قدر جيد من التعليم يتمتعون بإنتاجية أعلى، مما يوفر المزيد من المكاسب المادية للشركات، ويؤدي إلى نمو أسرع للاقتصاد بأسره. كما أن هناك مكاسب للتعليم غير اقتصادية كذلك. فالشعب المتعلم يميل لأن يكون أكثر صحة واستقرارا وأعمق تفاعلا في المؤسسات المدنية والحوار الديمقراطي.
بالنسبة للشباب المنتمي للعائلات المتعلمة من الطبقة المتوسطة بالمجتمع – الطبقة التي يجد أصحابها طريقهم إلى التعليم العالي برغم ارتفاع التكاليف – فإن ارتفاع مصروفات التعليم الجامعي يعد من التحديات الشخصية. ولكن الأزمة الوطنية الكبرى تكمن في حقيقة مفادها أن جانبا كبيرا للغاية من الشباب لا يذهبون للجامعات بالأساس، وإذا التحقوا بها، فإنهم لا يتخرجون فيها، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى ارتفاع التكاليف. تعود الفائدة ولا بد على كل مواطن أميركي عندما ينال مواطن آخر أكبر قدر من التعليم يستطيع تحصيله. ومع انخفاض قدرات الالتحاق بالتعليم الجامعي، فإننا جميعا ندفع الثمن في نهاية المطاف.
وهناك ما يقدر بنحو 21 مليون طالب ملتحقون ببعض المستويات الدراسية في مرحلة التعليم ما بعد الثانوي. وعلى غرار الكثير من فئات المنتجات الاستهلاكية، فإن الكليات والجامعات لا تشكل في مجموعها سوقا واحدة متماسكة برغم كل شيء. حيث يمكن تقسيم صناعة التعليم الكبرى إلى ثلاث أسواق متمايزة للتعليم العالي والتي تتمتع فيها العروض والعملاء والأعمال بدرجات جيدة من التفاعل والتداخل. إحدى تلك الأسواق الثلاث يضم 200 أو نحو ذلك من المدارس الانتقائية العالية ذات السمعة الممتازة محليا وربما دوليا. وتشتمل على أكثر الكليات النخبوية بالبلاد، مثل «مجموعة اللبلاب» النخبوية، وأيضا أي مؤسسة تعليمية خاصة ذات سمعة قوية واسم مرموق في عالم التعليم.
وتلك الكليات تقبل ما بين 2 إلى 10 في المائة من كافة طلاب التعليم ما بعد الثانوي، بناء على كيفية تعريف مسمى «النخبة»، وهي تُظهر مجتمعة كافة السمات المميزة للسوق التنافسية التي تعمل بصورة جيدة. وهم يتنافسون مع بعضهم البعض لاجتذاب أفضل الطلاب في الداخل والخارج. وهناك قدر كبير للغاية من المعلومات حول تلك المؤسسات متاح للمستهلكين، ولذلك فإنه من غير المرجح أن تعمل أي منها على خداع الطلاب المحتملين حول مزايا الدرجات الجامعية التي توفرها. ويسهل كذلك إدراك القيمة المالية الهائلة (إلى جانب المحتوى الثقافي) للمنتج التعليمي الذي يوفرونه، أي الدرجة الجامعية الفريدة. ويتحصل، تقريبا، كافة الطلاب الملتحقين بتلك المؤسسات التعليمية النخبوية على درجاتهم الجامعية في غضون أربع سنوات دراسية.
السوق التعليمية التالية تشمل بعض القوى الإقليمية الكبرى، وهي موطن 20 في المائة أو نحوها من مجموع الطلاب بالتعليم العالي. وتلك الجامعات حكومية بحكم المعتاد، مع أسماء تبدأ في غالب الأحيان بمسمى «جامعة (اسم الولاية)»، وهي تتمتع بسمعة طيبة في الداخل وغالبا بين الطلاب المقيمين من ولايات أخرى. ويمكن العثور على أفضلها في الولايات الجنوبية أو الغربية.
ولقد كتب لورانس كاتز، وهو بروفسور في جامعة هارفارد ومن أساتذة الاقتصاديات التعليمية، ورقة بحثية بمشاركة كلوديا غولدين أشارا فيها إلى أن الولايات التي توجد فيها كليات النخبة الخاصة في الحقبة التالية لعام 1890 كان من الصعب عليها أن تتحول بمرور الزمن إلى الكليات الحكومية القوية من الطبقة الراقية. والسبب وراء ذلك واضح بقدر ما هو محزن: أن تلك الكليات القوية الخاصة حشدت السياسيين في صفها كي لا يتوفر التمويل الكافي للمؤسسات التعليمية الحكومية. وتساعد تلك الحقيقة في تفسير السبب الرئيسي في بقاء النظم الجامعية في ولايات نورث كارولينا، وتكساس، وإنديانا، وكاليفورنيا، وغيرها من الولايات خارج النطاق الشمالي الشرقي، محتفظة بسمعتها الراقية بين الدارسين.. بينما لا تتمتع نظم جامعة ماساتشوستس وجامعة ولاية نيويورك بذات السمعة الراقية. لكن ظلت الجامعات الحكومية أرخص كثيرا من حيث المصروفات الدراسية مقارنة بنظيرتها الخاصة، ولكن تلك الفجوة بدأت تضيق شيئا فشيئا مع توقف الولايات عن تمويل الكليات والجامعات بنفس قدر السخاء الذي كان من قبل.
أخيرا، هناك الجامعات الحكومية غير الانتقائية، وهي الكليات الأهلية والخاصة الهادفة للربح التي تقبل تقريبا التحاق كل طالب قادر على السداد. والغالبية العظمى من الطلاب الراغبين في مواصلة تعليمهم الجامعي يبدأون الدراسة في تلك الجامعات. وهي تختلف اختلافا كبيرا فيما بينها من حيث الجودة؛ بعضها يوفر الخدمات التعليمية الراسخة، وخصوصا في مجال الخبرات الفنية، والتي يمكن أن تؤدي إلى رواتب مجزية، ووظائف مهارية في مجال التصنيع، والرعاية الصحية وغيرها من المجالات. وبعض هذه الكليات، وخصوصا الخاصة والربحية منها، تبدو كأنها أكثر من مجرد عملية للاحتيال، حيث تجتذب الكثير من الطلاب، وتستولي على القروض الحكومية خاصتهم، وتوفر لهم درجات جامعية ذات قيمة متواضعة. ولكن أكثر من نصف الطلاب الملتحقين بكليات السنوات الأربع في ذلك القطاع من التعليم لا ينتهون من تعليمهم الجامعي. ولكن مع ذلك، يتحملون أعباء الديون الباهظة أو يعلنون العجز عن السداد مما يترك الأمر لدافعي الضرائب لتغطية تلك الفواتير.
إذا ما تحولت الكليات والجامعات إلى مجرد سلعة استهلاكية أخرى فحسب، مثل السيارات أو الملابس، فلن يساور أحدنا القلق حول تكاليف المصروفات التعليمية. فالأثرياء يدفعون المزيد لقاء أفضل المنتجات، في حين أن الفقراء يدفعون الأقل مقابل أسوأ تلك المنتجات. وذلك هو المعنى العام لأي سوق من الأسواق. غير أن التعليم العالي يعد من الأهمية بمكان من الناحية الفردية والعامة على حد سواء.
ندرك ذلك من تجاربنا التاريخية. ففي عام 1900. كان هناك أقل من 10 في المائة من سكان الولايات المتحدة ممن يحملون درجة التعليم الثانوي، ولم يتمكن الكثيرون منهم من الحصول عليها إذا ما حاولوا حينها. ولم يكن هناك عدد كاف من مدارس التعليم الثانوي كذلك. وفي بداية القرن العشرين، كان هناك جهد وطني لتوفير التعليم الثانوي لكل طفل أميركي. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، كان نصف مجموع الشبان الأميركيين يحملون دبلومة التعليم الثانوي، وبحلول فترة السبعينات، ارتفعت تلك النسبة ارتفاعا كبيرا. ويصعب كثيرا تفسير النمو السريع الذي شهدته البلاد خلال تلك الفترة - من صعود الصناعة، وتطوير التكنولوجيا الحديثة، وبروز فجر الطبقة المتوسطة في المجتمع - من دون الاعتراف بانتشار التعليم كسبب رئيسي وراء ذلك.
وفي الفترة بين عام 1900 و1980، كان كل جيل جديد في الولايات المتحدة تزيد فيه عدد السنوات الدراسية بمقدار عامين عن الجيل السابق عليه. وأدى ذلك إلى تحول كبير في أمة المزارعين شبه الأميين إلى البلد الأكثر تعليما على مستوى العالم. ولكن وتيرة ذلك النمو قد تباطأت منذ عام 1980. ففي فترة السبعينات، احتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى عالميا من حيث الحصول على الدرجات الجامعية.. أما اليوم، وبين فئة المجتمع العمرية ما بين 25 إلى 34 عاما، تحتل الولايات المتحدة المرتبة الـ14 حاليا، بعد أن تخلفت كثيرا وراء الكثير من الدول الصناعية الأخرى. ولقد خصت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الولايات المتحدة الأميركية بأنها تعاني نقصا، بشكل بارز، في أحد المقاييس المهمة: وهو أن الاحتمالات باتت تفوق نسبة 70 في المائة ألا يلتحق المواطن الأميركي بالكلية أو الجامعة إذا لم يكن والداه قد حصلا على درجة جامعية من قبل.
* خدمة «نيويورك تايمز»



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.