مهام دبابات «ليوبارد 2» في أوكرانيا باتت دفاعية مع تعثر الهجوم المضاد

جندي بولندي يجلس داخل آلية عسكرية في قاعدة بوارسو (رويترز)
جندي بولندي يجلس داخل آلية عسكرية في قاعدة بوارسو (رويترز)
TT

مهام دبابات «ليوبارد 2» في أوكرانيا باتت دفاعية مع تعثر الهجوم المضاد

جندي بولندي يجلس داخل آلية عسكرية في قاعدة بوارسو (رويترز)
جندي بولندي يجلس داخل آلية عسكرية في قاعدة بوارسو (رويترز)

في غابة صنوبر عالية مكسوّة بالثلج في منطقة ليمان - كوبيانسك بشمال شرقي أوكرانيا، تغادر دبابة «سترف 122» Strv 122 - وهي النسخة السويدية من دبابة «ليوبارد 2A5» - التي تزن 59 طناً، ملجأها ببطء، وهو عبارة عن صندوق كبير محفور في الأرض. الجبهة في هذه المنطقة مجمّدة منذ أكثر من عام. لكن منذ سبتمبر (أيلول)، تشنّ القوات الروسية هجوماً منتظماً، وسجلت بعض المكاسب الضئيلة بالقرب من كوبيانسك.

جندي أوكراني يقف بجوار دبابة قتالية ألمانية الصنع من طراز «ليوبارد 2 إيه 5» مغطاة بالثلوج (أ.ف.ب)

كان من المفترض أن تكون دبابات «ليوبارد 2» المتطورة التي حصلت عليها كييف من ألمانيا وحلفائها الغربيين رأس حربة في الهجوم الأوكراني المضاد على القوات الروسية في جنوب البلاد، لكن تعثر هذا الأخير دفع إلى نشر هذه الدبابات على الجبهة الشرقية لصد هجمات موسكو.

وعنونت صحيفة «بيلد» الألمانية، تعليقاً على هذه اللقطات، مقالاً بالقول: «لم يتم التخطيط لهذا الأمر بهذه الطريقة فعلياً». وورد في المقال: «بدلاً من تحرير الجنوب (...) تُستخدم دبابات ليوبارد 2A6 التي أرسلتها ألمانيا لمنع مزيد من الأراضي بشرق البلاد من الوقوع تحت السيطرة الروسية».

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وسط جنوده في منطقة خاركيف (الرئاسة الأوكرانية - أ.ب)

كانت تأمل أوكرانيا في أن ترى هذه المدرّعات تخرق الخطوط الروسية وتصل إلى شبه جزيرة القرم، غير أن ما تفعله هو قصف الروس على طريقة المدفعية بعيدة المدى بدلاً من أن تكون دبابات قتالية تتحرك في عمق الأراضي التي تحتلها القوات الروسية.

ويقول رسلان (25 عاماً)، وهو يشير بيده إلى دبابة «سترف 122»، إن «المهمة الرئيسية لهذه الدبابة في هذه المنطقة هي إلحاق أكبر قدر ممكن من الأضرار بالعدو (...) وخصوصاً في مواقع تمركز المشاة».

ويضيف العضو في سرية باللواء الحادي والعشرين ميكانيكي: «بمعنى آخر، لا تُستخدم بالطريقة نفسها التي كانت تستخدم فيها خلال الهجوم المضاد» بجنوب أوكرانيا.

جندي بولندي يجلس داخل آلية عسكرية في قاعدة بوارسو (رويترز)

بعد مماطلة طويلة، قررت ألمانيا مع مجموعة من الدول الأوروبية في مطلع عام 2023 تقديم نحو 70 دبابة من طراز «ليوبارد 2» لكييف التي كانت تطالب بالحصول عليها لتتمكّن من تنفيذ هجوم كبير يهدف إلى تحرير الأراضي الجنوبية المحتلّة. وحتى ذلك الحين، لم يكن لدى أوكرانيا سوى دبابات سوفياتية قديمة.

لذلك تم تشكيل وحدات جديدة مثل اللواء الحادي والعشرين، لقيادة الهجوم المضاد الكبير في الصيف في أوكرانيا، وتم تجهيزها بمعدات غربية مثل دبابات «ليوبارد 2».

وأكّد حينها مدير مجموعة «راينميتال» لتصنيع الأسلحة أرمين بابرغير، أن هذا النوع من الدبابات يسمح «للجيش باختراق خطوط العدو ووضع حد لحرب خنادق طويلة».

صورة وزّعتها وزارة الدفاع الروسية، الشهر الماضي، لدبابات أوكرانية محترقة خلال صد «الهجوم المضاد» في جنوب أوكرانيا (إ.ب.أ)

لكن الاختراق لم يحدث. فرغم استعادة الجيش الأوكراني بعض القرى، توقف تقدّمه في نهاية أغسطس (آب)، بعدما أنهكه الدفاع الصلب الذي أعدّته القوات الروسية لأشهر. في مواجهة شبكة معقّدة من حقول الألغام والخنادق والفخاخ المضادة للدبابات والمدفعية القوية والتفوق الجوي، تعثر الهجوم المضاد لكييف وظلّت الجبهة مجمّدة. وخسرت أوكرانيا خلال القتال نحو 12 دبابة ألمانية الصنع.

ويقول رسلان إن دبابات «ليوبارد 2» فعّالة جداً، لكن من أجل تنفيذ هجمات واسعة النطاق، هناك حاجة إلى مزيد منها». ويضيف: «كنّا بحاجة لاستخدام بين 100 و150 دبابة على الأقلّ لنتمكن من التقدم»، مشيداً بخصائص هذه الدبابات التي تشتهر بأنها من بين الأفضل في العالم.

جنود أوكرانيون يتدربون على استخدام دبابات من طراز «ليوبارد 1» (رويترز)

في طريقها إلى ليمان، تتحرك كلّ دبابتين معاً، وتطلق كل منها 15 طلقة نارية في المتوسط باتجاه مواقع روسية؛ لأن ذلك «أكثر فاعلية»، بحسب قائد السرية أنتون. ويضيف أنتون: «يمكن أن يكون هناك مهمتان يومياً أو مهمتان أسبوعياً». ويتابع: «هدأت الجبهة قليلاً والشتاء آتٍ ولن نتقدّم بقوة».

ويقول كذلك: «نحن حالياً في موقع دفاعي. لكن من الضروري أن نخطط لكيفية المضي قدماً واستعادة أراضينا».

ويعبّر عن رغبته في العودة إلى الهجوم من خلال معركة «دبابة ضد دبابة»، موضحاً: «سيكون هذا أكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لنا، نظراً لقوة وخصائص الدبابة الألمانية.

في محيط مدينة أفدييفكا، نُشرت كذلك دبابات «ليوبارد» للدفاع عن هذه المدينة الصناعية التي تعمل القوات الروسية على محاصرتها منذ شهرين. وأظهر مقطع فيديو دبابة تابعة للواء أوكراني كانت متمركزة سابقاً في الجنوب أثناء الهجوم المضاد، وهي تستهدف مواقع روسية قرب مدينة أفدييفكا الواقعة في منطقة دونيتسك (شرق).


مقالات ذات صلة

غوتيريش يبدي «قلقه الشديد» لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

العالم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (إ.ب.أ)

غوتيريش يبدي «قلقه الشديد» لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

أبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «قلقه الشديد» لوجود قوات كورية شمالية في روسيا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا القوات الروسية تسيطر على قرية فيشنيف بمنطقة دونيتسك شرق أوكرانيا (رويترز)

تقدم روسي بمنطقة دونيتسك... وأوكرانيا تُقرّ بوقوع قتال

قال الجيش الروسي، الأحد، إن قواته سيطرت على قرية فيشنيف بمنطقة دونيتسك شرق أوكرانيا، وإنها تواصل تقدّمها صوب المركز اللوجيستي في بوكروفسك.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
شؤون إقليمية مواطن روسي يلتقط صورة بهاتفه لمركبة أميركية خلال نقلها إلى معرض مخلفات الحرب في أوكرانيا في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية (إ.ب.أ)

تركيا: إرهاق روسيا وأوكرانيا في الحرب سيؤدي لوضع جديد

أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أن الحرب الروسية - الأوكرانية يجب أن تنتهي على أساس وحدة أراضي أوكرانيا، معتقداً بأن إرهاق الطرفين سيؤدي إلى وضع جديد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا كيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية يتابع أحد تدريبات جيشه (وكالة أنباء كوريا الشمالية)

الاستخبارات الأوكرانية: نشر نحو 7 آلاف جندي كوري شمالي قرب الجبهة

ذكرت وكالة الاستخبارات الأوكرانية أنه يبدو أن روسيا نشرت أكثر من 7 آلاف جندي كوري شمالي مسلحين ببنادق هجومية من طراز «إيه كيه 12».

«الشرق الأوسط» (سول)
أوروبا كشافات في سماء كييف حيث يبحث جنود أوكرانيون عن الطائرات المسيرة ويطلقون النار عليها أثناء غارة روسية (رويترز)

هجوم جوي روسي يتسبب بحريق في وسط كييف

شب حريق في العاصمة الأوكرانية بعد هجوم بمسيرات روسية.

«الشرق الأوسط» (كييف موسكو)

«الاتحاد الأوروبي» قلِق من عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض

صورة أرشيفية لترمب وستولتنبيرغ خلال قمة «الناتو» في واتفورد البريطانية ديسمبر 2019 (أ.ب)
صورة أرشيفية لترمب وستولتنبيرغ خلال قمة «الناتو» في واتفورد البريطانية ديسمبر 2019 (أ.ب)
TT

«الاتحاد الأوروبي» قلِق من عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض

صورة أرشيفية لترمب وستولتنبيرغ خلال قمة «الناتو» في واتفورد البريطانية ديسمبر 2019 (أ.ب)
صورة أرشيفية لترمب وستولتنبيرغ خلال قمة «الناتو» في واتفورد البريطانية ديسمبر 2019 (أ.ب)

يمتنع المسؤولون الأوروبيون عن الخوض في ملف الانتخابات الأميركية؛ مخافةَ اتهامهم بالتدخل في شؤون الولايات المتحدة الداخلية، بيد أنهم يراقبون عن كثب ما يجري خلالها، والخوف الأكبر لدى الاتحاد الأوروبي بصفته منظمةً ولدى أعضائها، خصوصاً الكبار منهم، واحد، وعنوانه عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

فالأوروبيون لم ينسوا سنوات حكمه الأربع (2016 ــ 2020)، والأزمات التي أثارها، وأبرزها اثنتان: تفضيله التعامل مع كل بلد على حدة، بدل التعامل مع الاتحاد بوصفه كتلةً. واتهاماته المتكرّرة للأوروبيين بسبب قصورهم في الالتزام بما يتعين عليهم توفيره لميزانية حلف شمال الأطلسي.

ولم ينسَ الطرف الألماني ازدراءه بالمستشارة أنغيلا ميركل، وقوله إن الألمان «يطلبون منا حمايتهم من الروس بينما هم يُغذّون الخزينة الروسية»، من خلال مشتريات الغاز والنفط.

وترى مصادر فرنسية أن القلق الأوروبي مصدره 5 ملفات رئيسية: تخلّي واشنطن عن أوكرانيا في حربها ضد القوات الروسية، ومستقبل الحلف الأطلسي والتزام الطرف الأميركي بالفقرة الخامسة منه، وتفاقم العلاقة مع الصين، والملف النووي الإيراني والشرق الأوسط، وأخيراً علاقة واشنطن بالمنظمات الدولية. يُضاف إلى هذه الملفات الاستراتيجية ملف اقتصادي تجاري عنوانه فرض رسوم باهظة على المبيعات الأوروبية في السوق الأميركية.

أوكرانيا: إلى أين؟

يرى جيرار آرو، السفير الفرنسي السابق في واشنطن ولدى الأمم المتحدة، أن لترمب علاقة «إشكالية» مع أوكرانيا، مُذكّراً بأنها كانت الأساس لمسعى الديمقراطيين لتنحيته من منصبه عام 2019، فضلاً عن أن علاقته سيئة بالرئيس فولوديمير زيلينسكي. ومصدر التخوف الأوروبي أن تتخلّى واشنطن التي كانت حتى اليوم الداعم الأكبر لكييف عسكرياً ومالياً، عن أوكرانيا، وأن يعمد ترمب للتفاهم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «من وراء ظهر الأوروبيين».

ولم يتوقف ترمب يوماً عن انتقاد تقديم المليارات إلى أوكرانيا، كما أن أنصاره في مجلس الشيوخ جمّدوا لأشهر حزمة مساعدات رئيسية لكييف، وانتقد الأخير زيلينسكي، واصفاً إياه بأنه «أعظم مندوب مبيعات على الأرض»، كما أنه يُحمّل أوكرانيا مسؤولية اندلاع الحرب، وهو موقف بوتين.

دونالد ترمب مستقبِلاً زيلينسكي بنيويورك في 27 سبتمبر (رويترز)

ولا أحد في أوروبا يعرف كيف سينجح ترمب في إيجاد حل لحرب انطلقت بداية العام 2022 «في يوم واحد»، والتخوف الأوروبي مزدوج؛ فمن جهة يُبدي الكثيرون القلق من أن يقع عبء دعم أوكرانيا - في حال انسحاب واشنطن - على كاهلهم، علماً بأن السردية الأوروبية تقول إن «دعم أوكرانيا هو أيضاً للدفاع عن أوروبا»، وإنه إذا لم يتم إيقاف بوتين في أوكرانيا فسوف يواصل عدوانه على دول أوروبية أخرى.

من جهة ثانية، ينتاب الأوروبيين القلق من أن يُنفّذ ترمب رؤيته للحل، التي تقوم على منع أوكرانيا من الانضمام إلى الحلف الأطلسي، والتسليم ببقاء الأراضي الأوكرانية التي تحتلّها القوات الروسية في أيدي موسكو.

ونقلت صحيفة «لو باريزيان» عن جيزين ويبر، الخبيرة في ملف الدفاع الأوروبي بـ«مركز جيرمان فاند - باريس»، قولها إنه «في حال تفاهُم الأميركيين والروس، فإن الأوكرانيين سيكونون عاجزين عن استعادة الأراضي التي احتلّها الروس، كما أن بعض الأوروبيين سيستفيدون من المناسبة لوقف دعمهم لأوكرانيا، مع تحميل المسؤولية للرئيس الأميركي».

مستقبل الحلف الأطلسي

اجتماع سابق لترمب مع قادة «الناتو» في بروكسل (أرشيفية - رويترز)

يقول جيرار آرو إن ترمب «ليس بحاجة للانسحاب من الحلف الأطلسي لإضعافه؛ إذ يكفي انتخابه لإشعار الأوروبيين بأن المظلة الأطلسية التي اتكأوا عليها منذ عقود لن تعود كما كانت، فترمب لم يتردّد في تهديد الأوروبيين بالتخلّي عن الدول الأعضاء التي لا ترصد ما يتوجّب عليها من إنفاق دفاعي لميزانية الحلف، كذلك لوّح بالامتناع عن تفعيل البند الخامس من دول الحلف التي لا تَفِي بالتزاماتها المالية تجاه الحلف».

والقاعدة العامة تقول إنه يتعين على الدول الأعضاء أن توفر 2 في المائة من ناتجها الداخلي الإجمالي للأغراض الدفاعية. وتفيد الأرقام المتوافرة، وتصريحات أمين الحلف السابق ينس ستولتنبرغ، أن أكثرية الأعضاء بلغت هذه العتبة. والثابت، وفق القراءة الأوروبية، أن إعادة انتخاب ترمب ستعني مرحلة من المطبّات الهوائية في المسائل الأمنية والاستراتيجية.

الاستقلالية الاستراتيجية

وبحسب مصادر فرنسية، فإن فوز ترمب يمكن أن يُفضي إلى نتيجتين متناقضتين؛ الأولى: أن يشعر الأوروبيون بأن الوقت قد حان «ليُمسكوا مصيرهم بأيديهم»، وهي الدعوة التي ما فتئ الرئيس الفرنسي يُطلقها بدعوته الأوروبيين إلى «الاستقلالية الاستراتيجية»، بحيث يتمكّنون من الدفاع عن مصالحهم، أقلّه في محيطهم المباشر (المتوسط، والشرق الأوسط، والبلقان، وأفريقيا).

والنتيجة الثانية: أن تسعى بعض الدول الأوروبية إلى الالتصاق بواشنطن، وإظهار أنها «التلميذ المجتهد»؛ كونها «لا تؤمن بالدفاع الأوروبي، ولا ترى بديلاً عن المظلة الأميركية».

مخاوف أوروبية من سياسات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب تجاه حلف «الناتو» إذا عاد إلى البيت الأبيض (أ.ب)

ولترمب «حلفاء» بين القادة الأوروبيين، ومنهم رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، وسلوفاكيا روبيرت فيكو، والرجل القوي في التحالف الحكومي الهولندي خيرت فيلدرز، ومن بين المعجبين به رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، ورئيس الحزب الديمقراطي في السويد جيمي أوكسون.

وبشكل عام، يُعدّ اليمين المتطرف الأوروبي في فرنسا، وألمانيا، والنمسا، وإسبانيا، من الداعمين لترمب القادر على الاتكاء عليهم لزرع الانقسام في الصفوف الأوروبية. وقال أوربان إنه سيتعيّن على أوروبا إعادة التفكير في دعمها لأوكرانيا إذا فاز دونالد ترمب، مضيفاً أنها «لن تستطيع تحمّل أعباء الحرب بمفردها».

وفي خطاب بجامعة السوربون في أبريل (نيسان) الماضي، أكّد ماكرون أن «الولايات المتحدة الأميركية لها أولويتان؛ أوّلاً: الولايات المتحدة، وهذا من المسلّمات، وثانياً: مسألة الصين»، مُضيفاً أن «أوروبا ليست ضمن أولوياتها الجيوسياسية للسنوات والعقود المقبلة».

ترمب والمنظمات الدولية

لا يحب الرئيس السابق المنظمات الدولية، ففي ولايته السابقة عمد إلى إخراج بلاده من منظمة «يونيسكو» للثقافة والتربية والعلوم، ومن المجلس الدولي لحقوق الإنسان، ومن اتفاق باريس للمناخ الذي وُقّع في عام 2015، كما انسحب من الاتفاق النووي مع إيران، المُوقَّع صيف العام نفسه. وتراجع الرئيس بايدن عما قرّره سلفه، باستثناء نووي إيران، حيث لم تنجح الجهود التي بُذلت أوروبياً وأميركياً في التوصل إلى اتفاق جديد.

قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا برفقة الرئيس الأميركي جو بايدن في مقر المستشارية الألمانية ببرلين يوم 18 أكتوبر (أ.ب)

والتخوف الأوروبي أن يعاود ترمب الانسحاب من مزيد من المنظمات الدولية، ومنها منظمة التجارة العالمية، ما من شأنه أن يدفع باتجاه عهدٍ من انعدام الاستقرار، ومن خُفوت دور المنظمة التي تعمل على تنظيم التجارة العالمية، وأن تكون حَكماً بين الأطراف المتنازعة. وليس سرّاً أن ترمب لا يؤمن بإدارة جماعية للنزاعات، ولا يُكِنّ كثيراً من الود للأمم المتحدة، وللمنظمات المتفرعة عنها، ولذا، لا يستبعد الأوروبيون الذين ينظرون بكثير من القلق إلى استدارة واشنطن عن أوروبا، وتركيز نظرتها على الصين وعلى منطقة آسيا بوصفها قطب النمو المستقبلي، وأن يتراجع دور الولايات المتحدة داخل الأمم المتحدة برغم أن لها الكلمة الراجحة في عديد من المسائل والنزاعات العالمية.

ويُعدّ ملف المناخ رئيسياً؛ إذ إن الولايات المتحدة المصدر الثاني، بعد الصين، لانبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، ومنذ سنوات لا يتردّد في التشكيك بحقيقة الاحتباس الحراري، كما أنه عازم على التراجع عن الدعم الممنوح للطاقات المتجددة والآليات الكهربائية، والعودة إلى تنشيط التنقيب واستخراج النفط، والخروج مجدّداً من اتفاق باريس، وبالنظر إلى الكوارث البيئية، فإن سياسة كهذه ستُعيد الساعة سنوات إلى الوراء.

نووي إيران والشرق الأوسط

في ظلّ الحرب الدائرة منذ أكثر من عام في غزة ولبنان، يبدو أن نتيجة الانتخابات الأميركية ستكون لها تأثيرات رئيسية على الشرق الأوسط في ملفاته كافةً، ففي الملف الإيراني، وبينما تعيش المنطقة على وقع الرد الإيراني على الضربات الصاروخية الإسرائيلية الأخيرة، ستُمثّل ولايةٌ ثانية لترمب تحوّلاً في كيفية التعاطي مع الملفين المشار إليهما.

ففيما يخص الملف الإيراني، ترى مصادر متابِعة في باريس أن إدارة ترمب التي ستعلن قطعاً دعمها المطلق لإسرائيل، لن تسعى للَجْم الخطط الإسرائيلية إزاء إيران، وتحديداً إزاء برنامجها النووي، ما قد يدفع المنطقة إلى حرب شاملة، وبالتوازي من المرتقب أن تعمد إدارة ترمب إلى فرض مزيد من العقوبات على إيران؛ لحرمانها من عائداتها النفطية لتشدّد الخناق على اقتصادها، من أجل جلبها إلى طاولة المفاوضات، وفرض اتفاق أكثر تشدّداً عليها، أكثر من اتفاق عام 2015.

كذلك، تتوقع هذه المصادر أن تركّز واشنطن على برنامج إيران النووي وسيلةً للضغط على طهران. وبالمقابل، ليس ثمة ما يُلقي أضواءً واضحة على ما ستكون عليه سياسة ترمب إزاء النزاع الفلسطيني ــ الإسرائيلي؛ إذ إنه برغم دعمه لإسرائيل وترقُّب نتنياهو فوزَه وإطلاق يديه في الملفين اللبناني والإسرائيلي، فإن للرئيس السابق تصريحات متناقضة.

الصين وسياسة الرسوم

صورة أرشيفية للقاء بين ترمب والرئيس الصيني شي جينبينغ (أرشيفية - رويترز)

ليس جديداً تركيز الإدارات الأميركية المتعاقبة على الصين التي يُنظر إليها أميركياً على أنها المنافس الرئيسي للنفوذ الأميركي عبر العالم، وفي الكثير من المجالات، ولم تشذّ إدارة بايدن عن هذه الرؤية، إلا أن الثابت أن ترمب سيتشدّد في سياسته إزاء بكين، سواءً فيما يخصّ مسألة سعيها لضم جزيرة تايوان، أو في الملفات التجارية والاقتصادية.

وما يصحّ على الصين، يصحّ أيضاً على القارة الأوروبية، وكانت غرفة التجارة والصناعة الألمانية أول مَن يقرع ناقوس الخطر، ونقلت وكالات الأنباء عن فولكر ترير، رئيس شؤون التجارة الخارجية في الغرفة، قوله إن نتيجة الانتخابات في الولايات المتحدة يمكن أن تجعل البيئة الاقتصادية العالمية أكثر تعقيداً، مضيفاً أن هذا من شأنه أن يضع ضغطاً على العلاقات التجارية الدولية.

وذكر ترير أن هناك خطراً خاصاً على الشركات الألمانية، يتمثّل في الخطط الجمركية (الأميركية)، التي طُرحت مراراً خلال الحملة الانتخابية. وقال إن «احتمال تطبيق سياسات تجارية أكثر صرامةً، خصوصاً في ظل إدارة محتملة لترمب، يمكن أن يزيد المخاوف من حدوث اضطرابات في سلاسل التوريد وفرض حواجز تجارية».