هجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر تهدد التجارة العالمية

تخوف من اضطرابات جديدة بالملاحة والطاقة

يربط البحر الأحمر بين قارتي أفريقيا وآسيا وهو ممر حيوي للشحن البحري (رويترز)
يربط البحر الأحمر بين قارتي أفريقيا وآسيا وهو ممر حيوي للشحن البحري (رويترز)
TT

هجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر تهدد التجارة العالمية

يربط البحر الأحمر بين قارتي أفريقيا وآسيا وهو ممر حيوي للشحن البحري (رويترز)
يربط البحر الأحمر بين قارتي أفريقيا وآسيا وهو ممر حيوي للشحن البحري (رويترز)

باتت البحار والمحيطات مهمة اليوم أكثر من أي وقت مضى مع تنامي الصراعات الدولية. فقد تصاعدت التوترات في البحر الأحمر عقب تعرض سفن لهجمات أثناء عبورها هذا الممر الحيوي في طرق الشحن البحري بين أوروبا والخليج العربي وبحر العرب وصولاً إلى شرق آسيا، ما أثار مخاوف من حدوث اضطرابات جديدة في التجارة العالمية، بما في ذلك إمدادات الطاقة.

يوم الأحد، قال البنتاغون إن سفينة حربية أميركية وثلاث سفن تجارية تعرضت لهجوم قبالة الساحل اليمني، مما أثار مخاوف من أن الحوثيين الذين استهدفوا سفناً إسرائيلية الشهر الماضي يوسعون حملتهم رداً على الحرب في غزة.

وقال مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، يوم الاثنين، إن الهجمات «غير مقبولة على الإطلاق»، مضيفاً أن الولايات المتحدة تجري محادثات مع دول أخرى حول تشكيل قوة عمل بحرية لضمان «المرور الآمن للسفن في البحر الأحمر».

وذكرت القيادة المركزية الأميركية أنها تدرس «الردود المناسبة» على الهجمات التي عرّضت حياة أطقم من عدة دول للخطر، فضلاً عن تهديد التجارة الدولية والأمن البحري. وأضافت أنه على الرغم من أن الحوثيين هم الذين شنوا الهجمات، فإنه «تم تمكينها بالكامل من قبل إيران».

إمدادات النفط والغاز بخطر

ويأتي هذا التهديد الجديد للشحن - الذي يمكن أن يؤثر على التجارة في كل شيء من النفط الخام إلى السيارات - بعد ضغوط كبيرة واجهتها سلاسل التوريد بسبب جائحة «كوفيد»، والحرب الروسية في أوكرانيا، مما أدى إلى زيادة التضخم وتهدئة الاقتصاد العالمي.

وتزيد هذه الهجمات من المخاوف بشأن التهديد الذي تشكله طهران على مضيق هرمز، وهو الممر المائي الضيق الذي يفصل إيران عن دول الخليج والذي يعد نقطة عبور لصادرات النفط والغاز. إذ يمر نحو 40 في المائة من تجارة النفط المنقولة بحراً عبر مضيق هرمز يومياً إلى جانب شحنات الغاز الطبيعي المسال من قطر، مما ساعد أوروبا على استبدال الغاز الروسي.

ومن قناة السويس التي تربطه بالبحر الأبيض المتوسط، إلى مضيق باب المندب الذي يربطه بالمحيط الهندي، يعد البحر الأحمر أيضاً شرياناً حيوياً للاقتصاد العالمي. فهو يحمل ما يقرب من عشر إمدادات النفط المنقولة بحراً، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، وهو أيضا قناة للبضائع من آسيا. ويعد مضيق باب المندب أكثر عرضة للهجوم من مضيق هرمز بسبب موقعه الضيق.

ونقلت صحيفة «فاينانشيال تايمز» عن هينينغ غلوستين من مجموعة «أوراسيا» الاستشارية أن «طريق البحر الأحمر مهمة. لا بل إنها أكثر أهمية بالنسبة للأوروبيين الذين يحصلون على كل ما يحتاجونه من نفط الشرق الأوسط والغاز الطبيعي المسال عبر البحر الأحمر».

ورأى رئيس أبحاث الائتمان الأوروبية في «ستاندرد آند بورز» بول واترز أن تداعيات ما يحصل راهناً والمخاطر المحيطة بذلك، «لا يمكن التقليل من شأنها - المخاطر على النفط إذا انخرطت إيران... ومن الواضح أن ذلك قد يكون له آثار غير مباشرة كبيرة على سلاسل التوريد والتضخم والأسواق المالية على نطاق واسع»، وفق «رويترز».

ومنذ عام 2019، هاجم الحوثيون وغيرهم من وكلاء إيران المشتبه فيهم سفناً متعددة في الشرق الأوسط، واستولوا على ناقلات النفط وشنوا هجمات باستخدام ألغام لاصقة مثبتة على أجسامها، وفق تقرير لصحيفة «فاينانشيال تايمز».

ويقدّر مؤسس شركة «رابيدان» للطاقة والمستشار السابق في البيت الأبيض لجورج بوش، بوب ماكنالي، احتمالات حدوث «انقطاع مادي في تدفقات الطاقة الإقليمية» بما يصل إلى 30 في المائة.

يُعد البحر الأحمر ممراً مهماً للتجارة العالمية والطاقة ويلعب دوراً كبيراً في استقرار المنطقة (الشرق الأوسط)

 

ارتفاع تكاليف التأمين

يستكشف مالكو السفن الآن طرقاً بديلة أكثر أماناً، ولكن أكثر تكلفة، ويطالبون بمزيد من الحماية في مياه الشرق الأوسط. ويتضمن المسار البديل الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، بالقرب من كيب تاون، والإبحار على طول غرب أفريقيا، وهي طريق أطول بكثير وأكثر تكلفة. ويتعين على مالكي السفن دفع المزيد مقابل التأمين، فضلاً عن تحويل السفن والاستثمار في تدابير أمنية إضافية.

وقال رئيس الشؤون البحرية في شركة «مارش» للتأمين، ماركوس بيكر، إن بعض شركات التأمين قامت بالفعل بزيادة الأسعار خلال الأسبوع الذي سبق هجمات البحر الأحمر يوم الأحد، بنسبة تصل إلى 300 في المائة في إحدى الحالات. وأضاف أن السوق «سيتعين عليها الرد» على الأحداث الأخيرة.

وأضاف «مع ذلك، لم يكن أمام مالكي السفن خيار سوى الالتزام بالمسار الحالي. إذا كنت تحاول الحصول على بضائع معينة حول العالم، فيتعين عليك تقريباً المرور عبر منطقة البحر الأحمر».

وقال كبير مسؤولي العمليات في شركة «سيغل ماريتيم»، ديميتريس مانياتيس، إن المجموعة الأمنية تتلقى «المزيد والمزيد» من طلبات الحراس المسلحين من مالكي السفن في جميع أنحاء العالم. لكنه أشار إلى أن الجماعات الأمنية الخاصة، التي تم تشكيل كثير منها لمواجهة التهديد الذي يشكله القراصنة الصوماليون، لا يمكنها أن تفعل شيئاً لمواجهة هجمات الطائرات من دون طيار والصواريخ.

وفي الإطار ذاته، كشفت مصادر ملاحية وتأمينية أن أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب ارتفعت بالنسبة للرحلات عبر البحر الأحمر بعد تعرض ثلاث سفن للهجوم في المنطقة يوم الأحد وتزايد المخاوف من تفاقم المخاطر على الملاحة التجارية.

وقال رئيس السلامة البحرية والأمن في «بيمكو» جاكوب لارسن، لـ«رويترز» في مواجهة تهديد التشكيلات المسلحة مثل الحوثيين، تعتمد السفن التجارية على الحماية من وحدات البحرية. وأوضح أنه ليس هناك الكثير أمام أي سفينة تجارية لتفعله لحماية نفسها من أسلحة الحرب، مشيراً إلى أن تغيير المسار بعيداً عن المنطقة يعد تفكيراً صائباً، خاصة بالنسبة للسفن المعرضة لخطر متزايد.

وأدرجت سوق التأمين في لندن جنوب البحر الأحمر ضمن المناطق عالية المخاطر، ويتعين على السفن إخطار شركات التأمين التي تتعامل معها عند الإبحار عبر هذه المناطق، وكذلك دفع قسط إضافي عادة لفترة تغطية مدتها سبعة أيام.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة «درياد غلوبال» البريطانية لاستشارات المخاطر البحرية والأمن، كوري رانسليم، إنه من المتوقع أن ترتفع تكاليف النقل في هذه المنطقة بشكل أكبر. وأضاف «فضلاً على ذلك، فإن زيادة المخاطر المتصورة قد تؤدي إلى اختيار عدد كبير من السفن تجنب المنطقة تماماً، مفضلة طرقاً أطول مثل الإبحار حول القرن الأفريقي».

 

إسرائيل تطالب بقوة خاصة

للبحر الأحمر أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة لإسرائيل، حيث تمر أكثر من 98 في المائة من تجارتها الخارجية إما عبره وإما عبر البحر الأبيض المتوسط.

وتخشى إسرائيل اليوم من هجوم الحوثيين في منطقة ذات أهمية حيوية واستراتيجية بالنسبة إليها، وهو ما تعده تهديداً لسلامة الملاحة، الأمر الذي سيدفعها إلى اتخاذ تدابير استثنائية لتأمين سفنها، ما سيؤدي إلى زيادة تكاليف الشحن الإسرائيلية، ويؤثر بالتالي على تكلفة وارداتها وصادراتها، وإلى تأخيرات في الشحن الذي سيؤثر على الإنتاج والتوزيع الإسرائيليين.

وبناء على هذه المعطيات، أعلنت هيئة البث الإسرائيلية، أن إسرائيل توجهت بشكل رسمي إلى عدة دول، بينها بريطانيا واليابان، بهدف تشكيل قوة عمليات مخصصة للعمل في البحر الأحمر من أجل ضمان حرية الممرات الملاحية في البحر الأحمر. وستعمل هذه القوة الخاصة التي تسعى إسرائيل إلى تشكيلها، في إطار تحالف متعدد الجنسيات في منطقة مضيق باب المندب، وفق هيئة البث الإسرائيلية.

وكانت شركة الشحن البحري الإسرائيلية «زيم»، قد أعلنت الأسبوع الماضي أنها تحوّل بعض سفنها بعيداً عن المنطقة، مما يعني زيادة زمن الرحلات بوصفه إجراء مؤقتا.

تعرضت ثلاث سفن تجارية وسفن حربية أميركية للهجوم قبالة سواحل اليمن الأحد (أ.ب)

 

الأهمية الاقتصادية للبحر الأحمر

البحر الأحمر هو ممر بحري حيوي يربط بين قارتي أفريقيا وآسيا، ويربط بين البحر المتوسط والمحيط الهندي. كما يعد ممراً للنفط والغاز الطبيعي من منطقة الشرق الأوسط إلى الأسواق العالمية. ونظراً لموقعه الجغرافي المهم، يحده عدد من الدول الاستراتيجية، مما يجعل أمنه مهماً لاستقرار المنطقة والعالم.

وعليه، يُعد البحر الأحمر سياسياً أكثر اتساعاً من البحر الأحمر جغرافياً، فالنطاق الجيوسياسي (وهو علم يبحث في درجة ارتباط الأحداث والتطورات السياسية بالمجال الأرضي) للبحر الأحمر هائل، بحيث يمكن أن يشمل الخريطة السياسية للعالم كله.

وقد شهدت منطقة البحر الأحمر ارتفاعاً في النشاط الاقتصادي في السنوات الأخيرة، مما يشير إلى زيادة فرص الاستثمار في المستقبل. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها النمو المستمر في التجارة العالمية، والذي سيؤدي إلى زيادة الطلب على استخدام البحر الأحمر بوصفه ممرا بحريا للتجارة، زيادة الطلب على الطاقة والذي سيؤدي إلى زيادة الطلب على نقل النفط والغاز الطبيعي عبره، والنمو في السياحة والذي سيؤدي إلى زيادة الطلب على الخدمات السياحية في المنطقة.

هذا ويشكل البحر الأحمر أحد أهم الممرات الملاحية في العالم، حيث تمثل قناة السويس 10 في المائة من إجمالي التجارة البحرية في العالم بما في ذلك كميات كبيرة من النفط الخام والغاز الطبيعي وكثير من السفن التجارية الأخرى، مثل سفن الحاويات والسفن السياحية.

ومن المتوقع أن يتضاعف الناتج المحلي الإجمالي للبحر الأحمر أكثر من ثلاثة أضعاف بحلول عام 2050، وأن يزيد من 1.8 تريليون دولار إلى 6.1 تريليون دولار. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن ترتفع التجارة من 881 مليار دولار إلى 4.7 تريليون دولار.



الجزائر تحصل على تفويض للانضمام إلى بنك التنمية التابع لـ«بريكس»

جانب من الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد المنعقد بمدينة كيب تاون (الشرق الأوسط)
جانب من الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد المنعقد بمدينة كيب تاون (الشرق الأوسط)
TT

الجزائر تحصل على تفويض للانضمام إلى بنك التنمية التابع لـ«بريكس»

جانب من الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد المنعقد بمدينة كيب تاون (الشرق الأوسط)
جانب من الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد المنعقد بمدينة كيب تاون (الشرق الأوسط)

قالت رئيسة بنك التنمية التابع لمجموعة «بريكس»، ديلما روسيف، السبت، إن الجزائر حصلت على تفويض للانضمام إلى البنك.

وكانت مجموعة «بريكس» قد أسست البنك التنموي متعدد الأطراف في عام 2015. وأنشأت الدول المؤسسة لمجموعة «بريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) «بنك التنمية الجديد». وضمّت مجموعة «بريكس» السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا إلى عضويتها بدءاً من الأول من يناير (كانون الثاني) 2024.

ووافق البنك على ضم بنغلادش ومصر والإمارات والأوروجواي في 2021 في إطار حملة للتوسع.

وذكرت ديلما روسيف لصحافيين على هامش الاجتماع السنوي التاسع للبنك، في كيب تاون: «نجري عملية للسماح بضم أعضاء جدد إلى البنك... وحصلت الجزائر على تفويض لتصبح عضواً في البنك».