«فيلسوف الضحك»... معرض كاريكاتيري ينتصر للفقراء

يوثّق رحلة الرّسام المصري محمد حاكم

حاكم خلال افتتاح المعرض في القاهرة (الشرق الأوسط)
حاكم خلال افتتاح المعرض في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

«فيلسوف الضحك»... معرض كاريكاتيري ينتصر للفقراء

حاكم خلال افتتاح المعرض في القاهرة (الشرق الأوسط)
حاكم خلال افتتاح المعرض في القاهرة (الشرق الأوسط)

بسبب قدرة فنان الكاريكاتير المصري محمد حاكم على انتزاع الابتسامة من عمق المأساة، أطلق عليه زملاؤه لقب «فيلسوف الضحك». فقد سعى من خلال أعماله لإبراز ملامح مدهشة من عوالم مختلفة، ترتكز على «الكوميديا السوداء»، التقط من خلالها لحظات مثيرة للضحك والبكاء في آن واحد، يتفاعل فيها القاتل واللص والشّحاذ، مع الموظف، وبائع الخضراوات، والفاكهة، واللحوم، في حين تسيطر عليهم جميعاً حالة من الفقر.

عن طموح طفل (الشرق الأوسط)

ويغطي معرض «محمد حاكم... فيلسوف الضحك»، المقام حالياً في بيت السناري بالقاهرة، ويستمر حتى 2 ديسمبر (كانون الأول)، 47 عاماً من مسيرة فنية قضاها حاكم في مجلتَي «صباح الخير» و«روز اليوسف» المصريتين اللتين انتسب لهما في بداية احترافه فن الكاريكاتير عام 1976، مروراً بصحيفتَي «الأهالي» و«القاهرة» وصحف أخرى.

المعرض تنظمه «جمعية الكاريكاتير المصرية» بالتعاون مع «مكتبة الإسكندرية»، ويتضمن أكثر من 70 لوحة تنوعت بين الأبيض والأسود، والألوان.

يقول حاكم لـ«الشرق الأوسط»: «تُظهر اللوحات تنقلّي بين الموضوعات الاجتماعية التي تناسب مجلة (صباح الخير)، والسياسية التي تهتم بها مجلة (روز اليوسف)، وفيها ألتزم بتقنية البالون التي أشير من خلالها لحديث الشخصيات».

لوحة عن الشحاذين (الشرق الأوسط)

ويضيف حاكم: «هناك رسومات سياسية نشرتها صحيفة (الأهالي) بطبيعتها المعارضة، لكن في صحيفة (القاهرة) ركّزت أعمالي على ملامح الشخصيات، بالأبيض والأسود، وكانت من دون تعليق، ما أتاح لي إبراز ملامح تشكيلية في كل رسمٍ، وأركز على مظهر الشخصيات، وكانت من بين لوحاتي الصامتة صورة لشخص يبدو بجيوب فارغة أمام بناية مكتوب عليها وزارة المالية».

ويركز حاكم في لوحاته، على «هموم الفقراء»، وفق وصفه، على غرار لوحة «أيام البهدلة»، ويظهر فيها مصورٌ في مواجهة آخر أمامه، يقول له «ركّز على الجيوب وحياة والدك»، وهناك لوحة رسمها لشحاذٍ يتسول القُبلات.

وعن مسيرة محمد حاكم الفنية، يقول سعيد بدوي أحد مؤسسي «جمعية الكاريكاتير المصرية» لـ«الشرق الأوسط»: «يُعدّ حاكم أحد أعلام فن الكاريكاتير في مجلتَي (روز اليوسف) و(صباح الخير)، بعد تقديمه شخصيات عبّر عنها بأسلوب بسيط منذ أن بدأ رسوماته التي كانت تصاحب المقالات في مجلة (روز اليوسف)، وعندما برز بأعماله بدأ يرسم صفحتين في مجلة (صباح الخير)، وقد رسم صورة لشخصيات بلا آذان ليشير إلى زمن لا أحد يسمع فيه الآخر».

لوحة عن البطيخ ذات مغزى اجتماعي (الشرق الأوسط)

ووفق بدوي «فإن أعمال حاكم تتسم بـ(الفلسفة)؛ ففي رسمه للسّمسار جعله يذهب إلى صاحب خزينة ويقول له (هل أبحث لك عن لص). ويصوّر بائع الصحف على أنه (بائع كلام)، وهناك نظرة مدهشة للأطفال عندما يرسمهم يتحدثون مع بعضهم بعضاً وهم يقولون (متى نكبر حتى يكون في استطاعتنا أن نغازل الفتيات؟)، وقد حافظ في أعماله على الملمح الباسم المبهج، وعمّقها بفلسفة ورؤية خاصة».

ويرى رئيس جمعية الكاريكاتير، الفنان مصطفى الشيخ، أن «محمد حاكم فنان شعبي من طراز فريد، يهتم بالمجتمع وقضاياه، ويمتلك مصداقية كبيرة في التعبير عنه».

لوحة «مغلق للتحسينات» (الشرق الأوسط)

ولفت الشيخ إلى أن «المعرض يُظهر قيمة محمد حاكم فيما أبدع من أعمال تدرك طبيعة الكاريكاتير بوصفه فناً بسيطاً يخاطب الناس ويهتم بقضاياهم، وقد عمل في الفترة الأخيرة منذ أكثر من 5 سنوات على الاتجاه إلى التشكيل، وبدأ في رسم صور مجتمعية، وقدّم لقطات للشارع، وباعة الفاكهة، وسرادقات العزاء، والتوك توك، وأسواق الذهب».


مقالات ذات صلة

«وجود وغياب»... معرض «كوميكس» مصري يمزج المخاوف بالأحلام

يوميات الشرق المعرض مأخوذ عن كتاب «وجود وغياب» (الشرق الأوسط)

«وجود وغياب»... معرض «كوميكس» مصري يمزج المخاوف بالأحلام

تُعدّ معارض القصص المصوَّرة (الكوميكس) من الفعاليات النادرة في مصر، وتكاد تقتصر على مهرجانات سنوية لهذا النوع من الرسوم المعروف بـ«الفن التاسع».

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق عمل للدكتور أشرف سعد جلال (الشرق الأوسط)

أعمال «الأسود والضوء» تحضّ على التأمل

خيط رفيع ربط بين أعمال 50 فناناً فوتوغرافياً يتمثّل في رصد «الأسود والضوء»، وهو العنوان الذي اختاره «نادي عدسة» ليقيم تحته معرضاً بالإسكندرية.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق يقدم «يبدو لذيذاً!» معرض نظرة شاملة لتقليد «السامبورو» منطلقاً من البداية (ماسودا يوشيرو - بيت اليابان)

«السامبورو»... استكشف ثقافة الطعام المزيف في اليابان

من زار اليابان سيتعرف فوراً على «السامبورو»، وهي نسخ من الأكلات والأطعمة اليابانية مصنوعة من البلاستيك بدقة لاستنساخ شكل الطعام الحقيقي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق جانب من معرض «ملمس المياه» لريم الجندي (الشرق الأوسط)

​«ملمس المياه» لريم الجندي فسحة صيف تطوف على وهم

يسرح المتفرّج في تفاصيل الأعمال فيُخيَّل إليه بأنّ الوهم الذي بحثت عنه الفنانة أصابه أيضاً فيتزوّد بجرعات من الطاقة الإيجابية وبمشاعر النضارة والحيوية.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق مشاهد من رحلة عبد الله فيلبي إلى عسير عام 1936 (وزارة الثقافة)

التاريخ الثقافي والحضاري لمنطقة عسير حيّ في معرض للمخطوطات

انطلق «معرض مخطوطات عسير» لاستكشاف قصص الأجداد وتاريخ المنطقة بين طيّات المخطوطات ومن خلال الأجنحة المتنوعة والندوات والجلسات الحوارية المتخصصة.

عمر البدوي (الرياض)

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».