«سدهارتا»... جسر بين الشرق والغرب

ترجمة عربية جديدة لرواية هرمان هسه التي كتبها بعد الحرب العالمية الأولى

«سدهارتا»... جسر بين الشرق والغرب
TT

«سدهارتا»... جسر بين الشرق والغرب

«سدهارتا»... جسر بين الشرق والغرب

تتيح طبعة جديدة لرائعة هرمان هسه «سدهارتا- قصيدة هندية» تأمُّل هذا العمل الروائي الذي أودع فيه الأديب الألماني صاحب «نوبل» تأملاته في الوجود وفلسفة الحياة، وذلك من خلال سيرة بطله «سدهارتا» الذي يقطع رحلة روحية شاقة؛ ليس بهدف حيازة ترقية في مراتب الكهنة الدينيين، بقدر ما كانت رحلة طوعيّة في دروب «الأنا» و«المُنتهى»، فيتكشّف له بين شقوق متاهاتها وشِعابها، كثير من الشعرية والحكمة، لتكون حياته - بتعبير هسه نفسه - «قصيدة»، ما جعل تلك الرواية واحدة من أبرز أعماله الأدبية، وأكثر الأعمال الألمانية تأثيراً في العالم، بعشرين مليون نسخة، وأربعين لغة مُترجمة.

أنجز الترجمةَ العربية لـ«سدهارتا» عن «دار الكرمة» في مصر، المترجم المصري المُقيم ببرلين سمير جريس، الذي أرفق بترجمته كلمة توقّف فيها عند ملابسات كتابة هرمان هسه (1877 - 1962) للرواية، التي شرع في كتابتها عام 1919 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، بكل ما خلفته تلك الحرب من دمار غير مسبوق، بما فيها من انهيارات واكبت القيم، علاوة على ارتباط هسه وتعرفه المبكر على الأفكار الهندوسية والبوذية من خلال عائلته، وتحديداً الجد والأب والخال، ووجد هسه في تلك الأفكار اقتراحات لحل مشكلات أوروبا المادية، ما جعل النقاد عبر التاريخ يَعدّون «سدهارتا» جسراً بين الثقافتين الشرقية والغربية، وعزَّز هذا الارتباط سفر هسه إلى الهند حيث وُلدت أمه، وهي رحلة ربما نمَّت بها بذرة «سدهارتا»، وفقاً للمترجم، وبعد عودته إلى ألمانيا وجد نفسه في مرمى أزمات كبيرة، ما بين مرض أفراد مقرَّبين من عائلته، وتعاسات شخصية في زواجه، وبدأ، في هذا الوقت، رحلته مع العلاج النفسي وكتابة «سدهارتا».

ورغم استلهام «سدهارتا» الثقافة الهندية، وقصة حياة بوذا (557 - 476 ق.م)، فإن المترجم يشير، في كلمته، إلى أن هسه كان يراها رواية «أوروبية تماماً».

الذي بلغ هدفه

يحمل اسم «سدهارتا» معنى «الذي بلغ هدفه»، في حين تبدو المفارقة في أن حياته برُمّتها تجسيد للتيه والقلق البالغ حيال تساؤلاته التي لم تبلغ مُنتهاها، فقد وجد نفسه فرداً بين «البراهمة» من طبقة رجال الدين، ورغم نبوغه المُبكر بين أقرانه في أداء تمرينات التأمل، وممارسة التعاليم، وسط نبوءات بأنه لن يصبح من البراهمة العاديين، لم يكن هذا كله يمثل مصدر نشوة لـ«سدهارتا» الذي أدرك مبكراً أن غايته ليست في شعائر الاغتسال اليومي في حمام التطهر من الذنوب، أو تقديم القرابين في غابات المانجو، والاستمتاع بحب أبيه وأمه وصديقه المخلص جوفيندا، فكانت «تزوره الأحلام وقلق الروح»، فالحكمة التي صبَّها والده ومعلموه من البراهمة الحُكماء في وعاء معرفته لم تجعل عقله يكتفي ولا القلب يرتوي، ولم تدل الروح إلى سكينتها.

يخطو «سدهارتا» وراء تمرد عقله وعطش وجدانه، داخل غابات المعرفة المجهولة، بحثاً عن ذاته أو «أتمان»، وفق التعبير الهندوسي، ويبدو مدفوعاً في طريقه هذا بتدفق لا نهائي من الأسئلة التي وظّفها هرمان هسه لتكون عنصراً رئيسياً في بنية الرواية القائمة على فضيلة طرح السؤال في عالم يدّعي بلوغ المعرفة وحصرها، في حين يبدو الفرد الحائر ممثلاً في «سدهارتا» غارقاً في تأملاته إلى حد الألم، يتوجه بتلك الأسئلة إلى مَن حوله، أو يُطورّها في مونولوجاته الذاتية، ويقرر أن يصير «سدهارتا المُرتحل».

صوت النهر

يخوض بطل الرواية، التي تقع في 203 صفحات، دروب المعاناة، فعاش في الغابة وتعلّم الجوع، وفقَد اتصاله بالقيظ والصقيع، مُحيّداً حواسه إلى حد الممات، ووصل إلى مهارات استبطانية مكّنته من التحكم في حركة «أناه»، عبر الألم والتحمل، ليغرق في «اللاأنا»، فأقام في العدم، واستقرّ بذاته وتماهى في جسد حيوان وحجر، مُجاهداً بتدريباته الروحية التي جعلت من حوله يتنبأون له أن يصير قديساً، لكن لم يكن هذا ما يرنو إليه سدهارتا الذي يجيد «الصوم والانتظار والتفكير»، ليجد أن السبيل وراء المنتهى لا تكفيه مهاراته الثلاث تلك فقط، فخاض غمار الحياة بنقيضها الروحي، في ارتحال بعيد عن تعاليم بوذا وتقديس الأبدي، وجرّب أن يتواصل مع الحياة إنساناً عادياً، يعرف العشق ومتاع الدنيا، لتقوده تحوّلاته تلك إلى عذابات جديدة من المعرفة التي ستقوده ببطء إلى بصيرة تتجلى له في مرج واسع يقع بين التعاليم والكهنوت من جهة، والحماقة البشرية والآثام من جهة أخرى، وفي الإنصات السديد لذلك الصوت الداخلي أو «الطائر» الذي ظلّ يناجيه سدهارتا ولم يُفارقه: «الطائر في قلبي لم يمُت»، كما يقول.

وأغرق هرمان هسه روايته بسِحر مُفردات الطبيعة الهندية، وشفافية عوالم الاستبطان، فتبدو الرواية ذات معالم لغوية أقرب للـ«قصيدة» التي أغنت عالم السرد بالروحانية والشعر، فظلال شجر التين تُسدل ستائرها على تأملات سدهارتا الخاشعة، والنهر يتحدث بأصوات كثيرة كما يتأملها سدهارتا: «أليس له صوت ملك، وصوت محارب، وصوت ثور، وصوت بومة، وصوت امرأة عند المخاض، وصوت مُتنهد، وآلاف الأصوات الأخرى؟»، ثم لا يلبث أن يُعرّفه «المراكبي» الذي سيلتقيه في رحلته ويصير أحد معلّميه، على أصوات الخليقة التي تجتمع في صوت النهر، صوت الكينونة وصوت الصيرورة الأبدية.

وتعتني ترجمة الرواية بتقديم هوامش شارحة للمفردات الهندوسية التي تتواتر في متن العمل، ومشتقة من قاموس الكتابات المُقدسة والفلسفة الهندوسية، ومنها كلمة «أوم» التي يظل سدهارتا يسعى، عبر تدريباته التأملية الطويلة وعلى مدار محطات رحلته، للوصول إلى صداها المقدس داخل قلبه، وهي مقطع صوتي يُعدّ رمز الهندوسية وتعني الكمال، لذلك فهي تعد «كلمة الكلمات»، التي ينطق بها البطل صامتاً بكل روحه وذهنه الصافي.



محمود الرحبي: لا أكتب لنيل جائزة واللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط

محمود الرحبي
محمود الرحبي
TT

محمود الرحبي: لا أكتب لنيل جائزة واللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط

محمود الرحبي
محمود الرحبي

يعد الكاتب محمود الرحبي أحد أبرز الأصوات في خريطة السرد بسلطنة عمان. وعلى الرغم من أن بعض رواياته لا تتجاوز 60 صفحة، فهو يراهن «على التكثيف والشحنة الجمالية وجذب القارئ ليكون فاعلاً في النص»، كما يقول. من أعماله الروائية والقصصية «المموِّه» و«صرخة مونش» و«أرجوحة فوق زمنين» و«حديقة السهو»، ووصلت روايته «طبول الوادي» إلى القائمة القصيرة لجائزة «كتارا» في دورتها الحالية، هنا حوار معه حول تجربته الأدبية:

* في «طبول الوادي»، تستعيد خصوصية مجتمعات ريفية في قرى عمانية تكاد تبتلعها الجبال، كيف جعلت من الأصوات وسيلةً لرسم ملامح البشر والمكان في النص؟

- بالنسبة لرواية «طبول الوادي» التي ترشحت أخيراً إلى القائمة القصيرة لجائزة «كتارا» للرواية العربية المنشورة في دورتها الحالية، تعمدت اختيار «وادي السحتن»، المكون من قرى عدة وسط الجبال تمتاز بوفرة في الثمار، حتى سميت بـ«مندوس» عمان. و«المندوس» كلمة شعبية تعني الصندوق الثمين، كما اخترت بالمقابل حياً يُعدُّ في تلك الفترة مثالاً للتمازج وتعدد الألسنة والثقافات والطباع وهو «وادي عدي»، وعبر تفاصيل الأحداث نعرف لماذا اختار بطل الرواية «سالم» الحرية مقابل الجاه ومشيخة القبيلة حتى وإن جاع.

اهتممت بالتفاصيل كمقوم سردي، مثل الطرقات التي كانت في ذاك الزمن متربة وخشنة حتى في أحياء المدينة، والقرى كانت رهيبة وشاقة. أتذكر مثلاً أننا كنا لكي نشق بعض الطرق الصاعدة نضطر إلى وضع الحجارة داخل السيارة وقت الهبوط، حتى تحافظ على توازنها ولا تنزلق من المرتفعات. والأصوات هنا قد توحي بكمية الأغاني التي تشتمل عليها الرواية. هناك أيضاً أناشيد بعضها باللغة السواحلية الزنجبارية، ناهيك عن طبول الجوع التي تعرض لها بطل الرواية «سالم»، وقد اختار الحرية مضحياً بكل شيء وخرج من قريته حافي القدمين حاسر الرأس، وفي ذلك دلالة مقصودة.

* ألن يكون صادماً لبعض القراء التعرف على وجه آخر لـ«دول الخليج» من خلال قرى متقشفة يعاني أبناؤها من مستويات متباينة من الفقر والجوع والحرمان؟

- لا يخلو أي مجتمع من مفارقات، ومن هنا يستثمر الأدب في جانبه السردي هذه المؤونة ويصعّدها إلى مستوى القص. صحيح أن عمان بلد نفطي وعدد سكانه قليل لكنه في النهاية مجتمع متنوع، به طبقات ومستويات، به ثراء فاحش وبه فقر مدقع. ولست في سياق مناقشة الأسباب، إنما يمكن ذكر أمثلة، منذ فترة قريبة مثلاً سمعت عن قريب لي سُرّح من عمله، ولديه أبناء كُثر، التعويض لم يكن يكفيه لإعالة أبنائه، فاضطر إلى السير في الخلاء ليعود من هناك بأشجار يحرقها ليحولها فحماً يبيعه. تحول إلى حطّاب. وهذه الأمور لم نكن نسمع بها إلا في الحكايات.

* في مقابل القرية، تطل المناطق والمدن الأكثر تحضراً، وهى تحتوي، وفق تعبير الراوي، على «الضجيج الذي يُسمع الآن متداخلاً بين العربية والهندية والأفريقية والبلوشية... كيف ترى بعين الروائي هذا «الموزاييك» أو «الفسيفساء» الذي تحمله سلطنة عمان والمجتمع الخليجي عموماً بين طياته؟

- هذا الموزاييك يشكل ثراءً اجتماعياً تنتج عنه تفاعلات يمكن أن يستفيد منها القاص. لو فقط تأملنا تاريخ الأسواق العمانية، لحصلنا على ذخيرة مهمة، ناهيك عن الأغاني، سواء تلك المتعلقة بالأفراح أو حتى الأتراح. المهم هنا هو كيف تعبر عما هو موجود وليس تفصيل ما هو موجود. الكم يعدُّ انحرافاً عن طريق الأدب الذي من سماته البلاغة والاقتصاد. الكاتب الروسي نيقولاي غوغول اختصر في رواية «المعطف» تاريخ الخياطين في روسيا في عمل صغير، كان المعطف هو البطل وليس صاحب المعطف في الحقيقة. لكنه قدم عملاً هائلاً لا يمكن نسيانه. أتذكر حين قرأت «المعطف» أول مرة في التسعينات وكانت منشورةً كاملةً في مجلة «عيون المقالات» بكيتُ بحرقة. ولحظة التأثر الصادقة هذه لا يمكن أن يقدمها لك إلا كاتب عظيم بحجم غوغول.

* جاءت روايتك «المموِّه» قصيرةً إلى حد الصدمة حتى أنها تقع في أقل من 60 صفحة، كيف ترى مسألة «الحجم» وتأثيرها في استقبال وتصنيف الأعمال الأدبية؟

-الحجم عادة ليس مقياساً. رواية «الليالي البيضاء» لدوستويفسكي رواية قصيرة لكن لا تقل أهمية وذكراً عن رواياته الكبيرة. الأهم في هذا السياق هو التأثير. وسواء كُتب على الغلاف رواية أو «نوفيلا»، يظل هذا الأمر يدور في قلة الحجم. ثمة مواضيع من الأفضل تقديمها قصيرة خصوصاً تلك القصص التي تعتمد على اللعب. وحين أقول قصصاً فإنه حتى الرواية كانت تسمى قصة، فالقصة عنصر أساسي في السرد، سواء كان هذا المسرود قصة قصيرة أو رواية.

* هل أردت أن تحرر فكرة السرد الروائي من «المطولات» التي أثقلته مؤخراً أعمال تتجاوز 400 أو 500 صفحة دون دواعٍ فنية؟

- لم أكن أقصد حين كتبت سوى التعبير بأقل الكلمات وأحياناً ألجأ لمجرد الإشارات. حالياً أعكف على نوفيلا بطلها شاب لا يتكلم، انطلاقاً من مقولة لبريخت مفادها أن الذي لا يتكلم لديه كلام كثير ليقوله، وهذا الكثير يعبّر عنه بمختلف حواسه، لا سيما العين وليس فقط الإشارات. قبل أن أكتب رواية «أوراق الغريب» دخلت في دورة للصم مدتها أسبوعان، وذلك لأنه ضمن شخصيات هذه الرواية امرأة خرساء. ورغم أن دورها ثانوي في الرواية، لكن كان من المهم فهم شعورها وطريقة تعبيرها بدقة وإلا أصاب النص نقص مخجل، ليس في عدد الصفحات، وهذا ليس مهماً كثيراً، لكن في الفهم... كيف تكتب عن حالة أو شخصية قبل أن تفهمها؟ هذا أمر في غاية الأهمية حسب وجهة نظري.

* تذهب رواية «المموه» إلى «المسكوت عنه» من خلال تجارة المخدرات وترويجها عبر الحانات... هل تعمدت ذلك وكيف ترى محاذير تناول مناطق شائكة في الرواية الخليجية؟

- طريقة تناولي للمواضيع السردية حذرة جداً، لكنه ذلك النوع من الحذر الذي لا يفرط بصياغة المادة الحكائية بقدر ما يكون في التعالي على مطابقتها حرفياً بالواقع. أستفيد من معطيات الواقع الموجودة والمباشرة لكن في حدود مدى خدمتها للعمل أدبياً. لو كنت أرغب في كتابة موضوع اجتماعي لما التجأت إلى الرواية. كنت سأكتب بحثاً حسب منهج علمي به تفاصيل ومسميات صريحة، لكن كتابة الأدب تتقصد أولاً إمتاع القارئ عبر اللغة والتخييل، ولا يمنع الكاتب أن يستفيد من كل معطيات الواقع وتنوعه طالما أن ما يكتبه يدور في فلك التخيل. وطالما أنه لم يستخدم كتابته لأغراض أخرى مثل تصفية الحسابات مثلاً.

*هل خلفيتك كاتبَ قصة قصيرة جعلتك تنحو إلى التكثيف والإيجاز وقلة عدد الشخصيات في أعمالك الروائية؟

- البداية كانت مع القصة وربما قبل ذلك محاولات شعرية بسيطة تحت تأثير قراءات لقصيدة النثر. بدأت الكتابة القصصية في سن مبكرة، نحو 19 عاماً، لكني لم أنشر مجموعتي القصصية الأولى إلا بعد الثلاثين ثم انتظرت 9 سنوات حتى أصدرت المجموعة القصصية الثانية «بركة النسيان». بعد ذاك توالت المجاميع القصصية، وكان ضمنها مجموعة «ساعة زوال» التي فازت بجائزة وطنية مهمة في مسقط، وهي جائزة السلطان قابوس في دورتها الأولى، بالنسبة للرواية فقد اقتحمت ساحتها بشيء من الحذر، بدأت تدريجياً بنوفيلا «خريطة الحالم» التي صدرت عن «دار الجمل»، ثم «درب المسحورة» التي صدرت عن «دار الانتشار»، بعد ذلك كتبت «فراشات الروحاني» وكانت كبيرة نسبياً ومتعددة الأصوات، كتب عنها الناقد المغربي الراحل إبراهيم الحجري دراسة موسعة نُشرت وقتها في مجلة «نزوى».

* بعد صدور مجموعتك القصصية الأولى «اللون البني» 1998 لماذا انتظرت 10 سنوات كاملة حتى تصدر المجموعة الثانية؟

ربما كنتُ مسكوناً أكثر بالقراءة. ورغم أن «اللون البني» لقيت نجاحاً وكُتب عنها بصورة مفرحة فإنني كنت أكتب أيضاً. أتذكر أن مجموعتي الثانية «بركة النسيان» كتبت الجزء الأوفر منها في دكان والدي بمدينة مطرح. كان معي دفتر أنكب عليه للكتابة وقت الظهيرة غالباً على عتبة الدكان حين يقضي أبي قيلولته في مسجد قريب. أحدهم قال لي لاحقاً إنه كان حين يعود من عمله بالسيارة لا يراني إلا منكباً وكان يستغرب. بعد أن أنهيت دراستي ساعدت والدي في دكانه كما كنت أساعده أثناء الإجازات الدراسية إلى أن وجدت عملاً في وزارة التعليم العالي. لذلك يمكن ملاحظة الكثير من الدكاكين في تلك المجموعة القصصية.

لا يخلو أي مجتمع من مفارقات ومن هنا يستثمر الأدب في جانبه السردي هذه المؤونة ويصعّدها إلى مستوى القص

* حصلت على العديد من الجوائز فضلاً عن الوصول للقوائم القصيرة لجوائز أخرى... كيف تنظر لحضور الجوائز في المشهد الأدبي العربي، وهل تشكل هاجساً ملحاً بالنسبة لك؟

- لم أكتب يوماً لنيل الجوائز، أنا مقتنع أن اللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط، وما عليك سوى العمل. كان أبي (رحمه الله) يقول لي «عليك أن تفتح الدكان صباح أول الناس وتنتظر». وفي هذا دعوة إلى الاستمرارية. بالنسبة للكاتب، عليه أن يقرأ كثيراً وربما أيضاً عليه أن يكتب، أما النشر فيأتي لاحقاً. كذلك الجوائز لا تستجيب بالضرورة لمن يخطط لها.

* أخيراً... ما سر حضور الرواية العمانية بقوة مؤخراً في المشهد الثقافي العربي؟

- ربما بسبب النزوح الجماعي نحو هذا اللون. مرة كتبت مقالاً في موقع «ضفة ثالثة» بعد رحيل عزيزنا القاص والروائي والطبيب عبد العزيز الفارسي، قلت فيه إنه حين كتب أول رواية وصعدت إلى القائمة الطويلة لجائزة «البوكر» في دورتها الأولى حوّل المشهد من كتابة القصة إلى كتابة الرواية في سلطنة عمان، فاتجه معظم من كان يكتب قصة إلى هذا الفضاء الجديد والمغري. هناك من ظل يراوح مزاولاته بين القصة والرواية وعبد العزيز كان واحداً منهم. وبذلك استطاع الكاتب العماني عموماً أن يساهم وينافس في مسابقات ذات طابع تنافسي عربي، كما حدث مع جوخة الحارثي وبشرى خلفان ومحمد اليحيائي وزهران القاسمي وآخرين في مجالات إبداعية مختلفة.