عواصم غربية تطلب من روسيا الوفاء بالتزاماتها تجاه أوكرانيا وتفادي «التصعيد»

موسكو أكدت احترامها الاتفاقات المشتركة

متظاهرون مؤيدون لموسكو يرفعون علما روسيا عملاقا في ميدان رئيس وسط مدينة سيمفروبول في شبه جزيرة القرم الأوكرانية أمس (أ.ب)
متظاهرون مؤيدون لموسكو يرفعون علما روسيا عملاقا في ميدان رئيس وسط مدينة سيمفروبول في شبه جزيرة القرم الأوكرانية أمس (أ.ب)
TT

عواصم غربية تطلب من روسيا الوفاء بالتزاماتها تجاه أوكرانيا وتفادي «التصعيد»

متظاهرون مؤيدون لموسكو يرفعون علما روسيا عملاقا في ميدان رئيس وسط مدينة سيمفروبول في شبه جزيرة القرم الأوكرانية أمس (أ.ب)
متظاهرون مؤيدون لموسكو يرفعون علما روسيا عملاقا في ميدان رئيس وسط مدينة سيمفروبول في شبه جزيرة القرم الأوكرانية أمس (أ.ب)

أمام تسارع الأحداث في أوكرانيا، مع الأوضاع المتوترة التي تزداد حدة في شبه جزيرة القرم حيث يتمركز الأسطول الروسي، أعربت وارسو ولندن الخميس عن «قلقهما الشديد»، في حين حض حلف شمال الأطلسي (الناتو) موسكو على تفادي أي تصعيد في الوضع.
من جهتها، أكدت روسيا أنها تحترم الاتفاقات الموقعة مع أوكرانيا بشأن الأسطول الروسي في البحر الأسود في منطقة القرم. وذلك عقب وقت قليل من سيطرة عشرات المسلحين في وقت مبكر من صباح أمس على مقري حكومة وبرلمان القرم في سيمفروبول، وقيامهم برفع العلم الروسي عليهما.
وقالت وزارة الخارجية الروسية إنه «في إطار الوضع الصعب السائد حاليا، يطبق الأسطول الروسي في البحر الأسود بشكل صارم الاتفاقات المعمول بها». وتؤوي مدينة سيباستوبول الساحلية في شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا مقر الأسطول الروسي في البحر الأسود.
وفي العاصمة البريطانية لندن، أكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، في مؤتمر صحافي مشترك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تزور بريطانيا، أنه على موسكو «الوفاء بوعدها» و«احترام وحدة وسلامة وسيادة أوكرانيا». وأضاف «على كل الدول احترام وحدة وسلامة وسيادة أوكرانيا»، مشيرا إلى أن «روسيا قطعت هذا الوعد، ومن المهم أن تفي بالتزامها. العالم يتابع الوضع عن كثب».
وفي العاصمة وارسو، وجه وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي تحذيرا مما سماه «لعبة خطيرة جدا» في القرم. وقال «نتابع مجريات الأحداث في القرم باهتمام كبير وقلق كبير. لقد احتل مسلحون أبنية حكومية في سيمفروبول»، مشيرا إلى أن «النزاعات الإقليمية تبدأ بهذا الشكل».
من جهته، وصف نظيره الليتواني ليناس لينكيفيسيوس، الذي وصل إلى العاصمة الأوكرانية كييف أمس لمقابلة الحكومة الجديدة، هذه الأحداث بأنها «استفزازية»، قائلا إنه ينبغي على روسيا، التي رفع علمها على الأبنية الرسمية في سيمفروبول، أن تتحرك.
وتتابع بولندا، الدولة المجاورة لأوكرانيا، بقلق بالغ الوضع في هذا البلد. ودعا رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك إلى «ممارسة ضغط شديد جدا من قبل كل المجتمع الدولي للدفاع عن وحدة أراضي أوكرانيا». وقال توسك إن «موقف روسيا إزاء هذه المسألة الرئيسة المتمثلة في وحدة أوكرانيا سيكون اختبارا لنواياها الحقيقية».
وقالت روسيا الأربعاء إنها أعلنت «حالة الاستنفار» في صفوف بعض قواتها، وبينها تلك المنتشرة على طول الحدود المشتركة مع أوكرانيا. وحذر الرئيس الأوكراني أولكسندر تورتشينوف أمس الأسطول الروسي في البحر الأسود، وقال إن «أي تحرك لقوات مسلحة سيعتبر بمثابة عدوان عسكري».
وفي لندن، أعربت وزارة الخارجية البريطانية أيضا عن «قلقها الشديد» حيال الوضع في القرم، موضحة أن التحركات العسكرية الروسية «لا تساعد» في «لحظة يتعين فيها على كل الأطراف أن تعمل على نزع فتيل التوترات».
وبعد أن تطرقت إلى أن «الاضطراب في أوكرانيا لا يصب في مصلحة أحد»، دعت الخارجية البريطانية «كافة الأطراف، داخل أوكرانيا أو خارجها، إلى التحلي بضبط النفس وتفادي أعمال أو خطابات يمكن أن تزيد من تأجيج التوترات أو التأثير على سيادة أوكرانيا بأي طريقة كانت».
من جهته، أعرب الأمين العام للحلف الأطلسي (الناتو) أندرس فوغ راسموسن عن «قلقه حيال التطورات الأخيرة في القرم». وقال راسموسن في اليوم الثاني من اجتماع وزراء دفاع الدول الأعضاء في الحلف في بروكسل: «أحض روسيا على عدم القيام بما يمكن أن يثير تصعيدا في التوتر أو يسبب سوء تفاهمات». داعيا أمس كل الأطراف إلى تفادي «التصعيد».
وحض وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل روسيا على تفادي أي عمل «يمكن أن يساء تفسيره». وقال هيغل: «نراقب عن كثب هذه التدريبات»، مضيفا «إننا ننتظر من كل الدول» أن تحترم وحدة أراضي أوكرانيا.
والأربعاء حذرت واشنطن، العضو الأكثر قوة في الحلف الأطلسي، روسيا من أن أي تدخل عسكري في أوكرانيا سيشكل «خطأ فادحا». وكان وزراء الدفاع في دول الحلف الأطلسي أكدوا الأربعاء أن أوكرانيا «ذات سيادة ومستقلة ومستقرة»، و«ملتزمة بقوة لصالح الديمقراطية»، وتشكل «عنصرا رئيسا» للأمن في المنطقة الأوروبية الأطلسية.
ووقع حلف الأطلسي في عام 1997 شراكة مع أوكرانيا، التي تشارك خصوصا في قوة «إيساف» التابعة لحلف الأطلسي في أفغانستان.



بايرو يحقق نصف حلمه بتسميته رئيساً للحكومة الفرنسية

رئيس الحكومة الجديد فرنسوا بايرو (يمين) ورئيس الحكومة المغادر ميشال بارنييه بعد عملية التسلم والتسليم مساء الجمعة (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة الجديد فرنسوا بايرو (يمين) ورئيس الحكومة المغادر ميشال بارنييه بعد عملية التسلم والتسليم مساء الجمعة (أ.ف.ب)
TT

بايرو يحقق نصف حلمه بتسميته رئيساً للحكومة الفرنسية

رئيس الحكومة الجديد فرنسوا بايرو (يمين) ورئيس الحكومة المغادر ميشال بارنييه بعد عملية التسلم والتسليم مساء الجمعة (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة الجديد فرنسوا بايرو (يمين) ورئيس الحكومة المغادر ميشال بارنييه بعد عملية التسلم والتسليم مساء الجمعة (أ.ف.ب)

يدين إيمانويل ماكرون بالكثير لفرنسوا بايرو، السياسي المخضرم البالغ من العمر 73 عاماً، الذي اختاره أخيراً وبعد تردد شغل الإعلام والمعلقين طوال الأسبوع الماضي، لتشكيل الحكومة الجديدة. فمن دون بايرو ما كان ماكرون ليصبح في عام 2017 رئيساً للجمهورية. فقط دعم بايرو المتمترس دوماً وسط الخريطة السياسية؛ أي قريباً من تموضع ماكرون صاحب نظرية تخطي الأحزاب والعمل مع اليمين واليسار في وقت واحد؛ سمح للرئيس الحالي بأن يحقق قفزة من سبع نقاط في استطلاعات الرأي، وأن يتأهل للجولة الثانية (الحاسمة) ويفوز بها بفارق كبير عن منافسته مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف.

ومنذ سبع سنوات، وقف بايرو، دوماً وبقوة، إلى جانب ماكرون في المحن. وبعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، عندما انطلقت من اليسار المتشدد المطالبة باستقالة ماكرون من رئاسة الجمهورية، وجد الأخير في شخص بايرو السد المنيع والشخصية البارزة التي ساندته ودافعت عنه. كذلك، فإن بايرو، النائب والوزير السابق والرئيس الحالي لمدينة «بو» الواقعة غرب سلسلة جبال البيرينيه، سخّر حزبه «الحركة الديمقراطية» (اختصاره «موديم» بالفرنسية)، في خدمة ماكرون، وهو أحد الأحزاب الثلاثة الداعمة للرئيس. ولحزب بايرو بـ36 نائباً في البرلمان، حيث لا أكثرية مطلقة؛ ما يفسر سقوط حكومة سابقه ميشال بارنييه الأسبوع الماضي بعد ثلاثة أشهر فقط على رئاسته للحكومة، وهي أقصر مدة في تاريخ الجمهورية الخامسة.

ماكرون يوفّي ديناً قديماً لبايرو

ثمة قناعة جامعة وعابرة للأحزاب قوامها أن ماكرون أخطأ مرتين: الأولى، عندما حل البرلمان لأسباب لم يفهمها أحد حتى اليوم. والمرة الثانية عندما كلف بارنييه، القادم من مفوضية الاتحاد الأوروبي، بتشكيل الحكومة المستقيلة يمينية الهوى، في حين أن تحالف اليسار والخُضر حلّ في المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية؛ لذا اتُّهم ماكرون بـ«احتقار الديمقراطية»؛ لأنه لا يحترم نتائج الانتخابات، ولأنه يفضل التعامل مع اليمين التقليدي (حزب اليمين الجمهورية، وسابقاً الجمهوريون)، واليمين المتطرف (حزب التجمع الوطني بزعامة لوبن)، على الانفتاح على اليسار، لا بل إنه وضع حكومة بارنييه تحت رحمة لوبن التي ضمّت أصواتها إلى أصوات اليسار والخُضر لإسقاطه.

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)

وفهم ماكرون الدرس؛ لذا سعى إلى العثور على شخصية قادرة على اجتذاب الحزب الاشتراكي ونوابه، وربما الخُضر، وحتى الشيوعيين. وطيلة سبعة أيام، تواصلت مسرحية البحث عن «العصفور» النادر. طُرحت أسماء كثيرة قبل أن يقع الخيار على بايرو؛ منها برنار كازنوف آخر رئيس حكومة في العهد الاشتراكي، وسيباستيان لو كورنو وزير الدفاع، والوزير السابق جان إيف لودريان الذي اعتذر بسبب السن (73 عاماً)، ورولان ليسكور، وحتى احتمال المجيء بحكومة من التكنوقراط. وللوصول إلى نتيجة، أكثر ماكرون من المشاورات الفردية والجماعية.

والمسرحية المتأرجحة بين الهزلية والدرامية، كانت زيارته الخميس إلى بولندا وعودته سريعاً إلى باريس للوفاء بوعد إعلان اسم رئيس الحكومة العتيدة مساء الخميس. لكن الإعلان لم يأتِ، وظل المرشحون يتقلبون على نار القلق، حتى أعلن القصر الرئاسي أن الاسم سيصدر صباح الجمعة. ومنذ الصباح الباكر، تجمهرت وسائل الإعلام قبالة قصر الإليزيه، وامتدت الساعات ولم يخرج الدخان الأبيض إلا بعد ثلاث ساعات من خروج بايرو من الإليزيه عقب اجتماع مع ماكرون قارب الساعتين.

وذهبت وسائل إعلامية، ومنها صحيفة «لو موند» الرصينة، إلى إعلان أن ماكرون «لن يسمي بايرو». كذلك فعلت القناة الإخبارية «إل سي إي»؛ والسبب في ذلك معارضة رئيس الجمهورية اليميني الأسبق نيكولا ساركوزي هذه التسمية. ولهذه المعارضة قصة طويلة لا مجال لعرضها اليوم. واختصارها أن ساركوزي وبعض اليمين «حاقد» على بايرو الذي «خان» ساركوزي؛ لأنه دعا للتصويت لمنافسه الاشتراكي فرنسوا هولاند في عام 2012. وهذا يبين أن الحقد السياسي لا يُمحى بسهولة. ومن الروايات التي سارت في الساعات الأخيرة، أن ماكرون اتصل ببايرو لإخباره بأنه لن يسميه لتشكيل الحكومة، لكنه عدل عن ذلك لاحقاً، مخافة إغضابه والتوقف عن دعمه.

بايرو ترشح ثلاث مرات للرئاسة

بتكليفه تشكيل الحكومة، يكون بايرو قد حقق نصف حلمه الكبير، وهو أن يصبح يوماً رئيساً للجمهورية. فهذا السياسي الذي ولج الحياة السياسية في ثمانينات القرن الماضي، وكان نائباً في البرلمانين الفرنسي والأوروبي، ورئيساً لمدينة متوسطة (بو) ولمنطقتها، ووزيراً في عدة حكومات... ترشح للرئاسة ثلاث مرات وكاد يتأهل مرتين للجولة النهائية في عامي 2007 و2012، حيث حصل على أكثر من 18 في المائة من الأصوات، وانسحب في ترشحه الرابع. وتسلم، في أولى حكومات ماكرون في عام 2017، وزارة العدل. بيد أنه اضطر للاستقالة منها بعد أشهر قليلة بعد أن انطلقت فضيحة استخدام نواب حزبه في البرلمان الأوروبي الأموال الأوروبية لأغراض محض حزبية؛ ما حرمه من أي منصب حقيقي في السنوات السبع الماضية، إلا أن قضاء الدرجة الأولى سحب الدعوى لعدم توفر الأدلة. لكن المسألة نُقلت إلى محكمة الاستئناف. واللافت أن الاتهامات نفسها وُجّهت لمارين لوبن ولحزبها. وإذا تمت إدانتها، فإنها ستُحرم من الترشح لأي منصب انتخابي، ومن رئاسة الجمهورية تحديداً لمدة خمس سنوات.

مهمة مستحيلة؟

بارنييه وزوجته إيزابيل بعد عملية التسلم والتسليم في ماتينيون مساء الجمعة (إ.ب.أ)

وبعيداً عن الجوانب الشخصية، تعود تسمية بايرو لقدرته، على الأرجح، على التعامل مع اليمين واليسار معاً. ومهمته الأولى أن ينجح في تشكيل حكومة لا تسقط خلال أشهر قليلة، وأن تبقى على الأقل حتى الصيف القادم، وربما حتى نهاية ولاية ماكرون في عام 2027. وقالت رئيسة البرلمان يائيل براون ـ بيفيه، إن بايرو هو «رجل المرحلة السياسية التي نعيشها، ونحن بحاجة إلى رصّ الصفوف السياسية حول مشروع موحد».

من جانبه، ربط اليمين التقليدي مشاركته في الحكومة بطبيعة «المشروع» الذي يحمله بايرو، والمهم بالنسبة إليه «خريطة الطريق». بالمقابل، فإن حزب «معاً من أجل الجمهورية» (حزب ماكرون) أعرب عن تأييده لبايرو ووقوفه إلى جانبه، في حين قال بوريس بوالو، رئيس الكتلة البرلمانية للاشتراكيين: «لن ندخل الحكومة، وسنبقى في المعارضة». بيد أن الاشتراكيين تعهّدوا بعدم التصويت على سقوط الحكومة إذا امتنعت عن اللجوء إلى تمرير مشاريع قوانين، وعلى رأسها موازنة عام 2025، من غير تصويت. أما الخُضر، فربطوا سحب الثقة بتجاهل بايرو لمخاوفهم بشأن الضرائب والمعاشات، وهو ما عبّر عنه رئيس «التجمع الوطني» جوردان بارديلا الذي وعد بأنه «لن يحصل حجب ثقة مبدئياً»، لكن الظروف يمكن أن تتغير.

يبقى أن الرفض المطلق جاء من حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد الذي يقوده جان لوك ميلونشون، والذي أعلن كبار مسؤوليه أنهم سيسعون إلى إقالة بايرو في البرلمان، في أقرب فرصة.

وفي تصريح صحافي له، قال بايرو إن «هناك طريقاً يجب أن نجده يوحّد الناس بدلاً من أن يفرقهم. أعتقد أن المصالحة ضرورية». إنه طموح كبير بمواجهة تحديات أكبر، والأصعب أن ينجح في دفع أحزاب ذات توجهات ومطالب متناقضة إلى العمل معاً. صحيح أن العجائب غير موجودة في السياسة، ولكن من يدري؟!