الأحساء السعودية تعيد شاعرها طرفة بن العبد إلى الواجهة بعد غياب 1450 عاماً

حوار افتراضي مع الشاعر المتمرد يقول فيه إنه وصف الملك عمرو بالنعجة وتغزل في أخته فقتله فصداً

صورة تخيلية للشاعر طرفة بن العبد
صورة تخيلية للشاعر طرفة بن العبد
TT

الأحساء السعودية تعيد شاعرها طرفة بن العبد إلى الواجهة بعد غياب 1450 عاماً

صورة تخيلية للشاعر طرفة بن العبد
صورة تخيلية للشاعر طرفة بن العبد

يعد الشاعر طرفة بن العبد من الشخصيات شبه الأسطورية الذي عبر في شعره، خصوصاً في معلقته الشهيرة، عن هموم إنسانية ووجودية لم يسبقه إليها أحد، بالرغم من أن جمعاً من النقاد، المتقدمين والمتأخرين، يصفونه باللامبالاة والطيش، والمستهتر بمقامات الرجال مهما كانت منزلتهم حتى ولو كانوا ملوكاً أو سادةً أو مشايخ قبائل.

ومع انطلاق المهرجان المخصص عن الشاعر الجاهلي أحد أصحاب المعلقات السبع، الذي ينطلق غداً (الخميس) 16 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 24 من الشهر نفسه، ويأتي ضمن احتفاء وزارة الثقافة السعودية برموز الشعر وبأهمية المعلقات التي جسدت عظمة اللغة العربية وجمالها وأبرزت جودة خصائصها البلاغية، أجرينا حواراً افتراضياً مع الشاعر طرفة، سلّط فيه الضوء على سيرته وأعماله الخالدة وحياته القصيرة المليئة بالقصص والمغامرات الضاجة الصاخبة وشخصيته المتمردة وشاعريته اللافتة، حيث كان بكوراً في اليتم وفي التمرد، معتزاً بكرامته مما مهد لقتله غدراً، عن طريق قطع الكاحل أو ما يسمى بـ«الفصد»، وتناول قبلها الخمر للتخفيف من الألم وسرعة تسييل الدم، وهو دون الثلاثين من عمره.

ملصق المهرجان

هنا نص الحوار:

* هل من الممكن أن تقّدم نفسك للقراء، وشيئاً مختصراً من سيرتك وولادتك وطفولتك؟ وقبل كل شيء، لماذا هذا الاختلاف في نطق اسمك؟

-اسمي طَرَفَة (بفتح الحروف الثلاثة الأولى). ولدت في البحرين التي هي الأحساء، إحدى مناطق بلادكم السعودية اليوم، وليست دولة البحرين التي حاضرتها المنامة، وبالتحديد في هجر التي ما زالت تحتفظ باسمها اليوم في الأحساء، وذلك عام 543 من الميلاد، ونشأت يتيماً من أبي وكفلني أعمامي الذين لم يعوضوني عن فقداني أبي، بل اضطهدوني أيما اضطهاد، مما دفعني إلى الانكفاء على ذاتي، متفرداً ومتحللاً بفطرتي من كل التقاليد السائدة في وقتي.

* أنت من أصحاب المعلقات السبع، من الشعراء الملحميين الكبار، حدثنا عن ظروف ولادة معلقتك التي وصفها النقاد المتأخرون بأنها أعمق ما قاله شاعر جاهلي وكشف فيها عن موقف وجودي أو ما يسمى في عصرنا هذا «ميتافيزيقياً»؟

- نعم إنها ملحمة كما في لغة عصركم اليوم. لقد كشفت في المعلقة من خلال أكثر من 40 بيتاً عن أصالة ناقتي وخصائها الجسدية الكثيرة. وقد علمتُ أن بعض النقاد المتأخرين في عصركم أشاروا إلى أن هذه الأبيات التي خصصتها في الحديث عن الناقة هي وصف يعجز عنه علماء التشريح، ووصل إلى مسامعي أن هناك جراحاً من بلادكم السعودية، اسمه جمال فطاني، نال شهادة الدكتوراه في علم التشريح عن «خف الجمل»، وقد استفاد من معلقتي، خصوصاً في الأبيات الأربعين التي وصفت فيها الناقة، هذا المخلوق الخرافي ورفيق العربي في حله وترحاله وسميتموه «سفينة الصحراء». لقد بدأت بالإشارة إلى أني إذا حل بي الهم أمضي بناقة نشيطة في سيرها وسمّيتها العوجاء، وهي الناقة التي تستقيم في سيرها لفرط نشاطها، وأضفت عليها صفة «مرقال» وهو بين السير والعدو:

وَإِنّي لَأَمضي الهَمَّ عِندَ اِحتِضارِهِ

بِعَوجاءَ مِرقالٍ تَروحُ وَتَغتَدي

* البعض من النقاد ودراسي شعرك أعطوا عنواناً لمعلقتك هو: «ملحمة البطولة واليأس»، هل تتفق معهم على هذا العنوان؟

-لقد وُفّق هؤلاء النقاد ودارسو شعري في اختيار هذا العنوان لمعلقتي، وأرى أن المعلقة أو الملحمة التي وصل عدد أبياتها إلى أكثر من 100 بيت، ومطلعها:

لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ

تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ

هي ملحمة بالفعل، ومع استبعاد وصفي للناقة بـ40 بيتاً منها، فإن المعلقة تستقطب كل قيمتها في مجموعة أبيات توصف عادة بالحكمة، كما أشارت إلى ذلك موسوعة الشعر العربي التي اختارها وشرحها وقدم لها مطاع صفدي وإيليا حاوي، وأشرف عليها الدكتور خليل خاوي، وحققها وصححها نصاً ولغة ورواية أحمد قدامة، وطبعت عام 1974م، ولجمال هذه الموسوعة في عرضها وشروحها فقد استقطعت أكثر إجاباتي عن أسئلتكم من هذه الموسوعة التي تعد من أفضل من تناول شعري في الدراسة والنقد والشرح.

لقد خاطبت لائمي في هذه الأبيات عن التمتع بملذات الحياة، فلا أجد ثمة معنى للعيش إلا بثلاث وسائل وهي: الفروسية، والخمرة، والمرأة، وهنا يبرز موقفي الوجودي مليئاً بتحدي الموت والزوال:

أَلا أَيُّهَذا اللائِمي أَحضُرَ الوَغى

وَأَن أَشهَدَ اللَذّاتِ هَل أَنتَ مُخلِدي

فَإِن كُنتَ لا تَسطيعُ دَفعَ مَنيَّتي

فَدَعني أُبادِرها بِما مَلَكَت يَدي

وَلَولا ثَلاثٌ هُنَّ مِن عيشَةِ الفَتى

وَجَدِّكَ لَم أَحفِل مَتى قامَ عُوَّدي

فَمِنهُنَّ سَبقي العاذِلاتِ بِشَربَةٍ

كُمَيتٍ مَتى ما تُعلَ بِالماءِ تُزبِدِ

وَكَرّي إِذا نادى المُضافُ مُحَنَّباً

كَسيدِ الغَضا نَبَّهتَهُ المُتَوَرِّدِ

وَتَقصيرُ يَومَ الدَجنِ وَالدَجنُ مُعجِبٌ

بِبَهكَنَةٍ تَحتَ الطِرافِ المُعَمَّدِ

كَأَنَّ البُرينَ وَالدَماليجَ عُلِّقَت

عَلى عُشَرٍ أَو خِروَعٍ لَم يُخَضَّدِ

كَريمٌ يُرَوّي نَفسَهُ في حَياتِهِ

سَتَعلَمُ إِن مُتنا غَداً أَيُّنا الصَدي

أَرى قَبرَ نَحّامٍ بَخيلٍ بِمالِهِ

كَقَبرِ غَويٍّ في البَطالَةِ مُفسِدِ

تَرى جُثوَتَينِ مِن تُرابٍ عَلَيهِما

صَفائِحُ صُمٌّ مِن صَفيحٍ مُنَضَّدِ

أَرى المَوتَ يَعتامُ الكِرامَ وَيَصطَفي

عَقيلَةَ مالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ

لقد أطلقت هذه الكلمات الكبرى لأوكد للجميع على أنه متى تم لأي شخص الاستفادة من حياته بتلك السبل الثلاث: الفروسية، وتساقي الخمرة، ومعايشة المرأة، فإنه لن يسلّم للقبر إلا العظام والجلد ولن يحفل أبداً متى قام عوّده.

* كيف كانت فلسفتك ونظرتك إلى الحياة؟

- لقد نظرت من خلال هذه القصيدة إلى الحياة، وكأنها الفرصة الوحيدة لتحقيق وجود الإنسان، فهو لذلك لن يمنع نفسه الصادية من الغرف من كل مناهلها وينابيعها، بينما قد يعجز الآخر عن ذلك فيقضي عمره صادياً محروماً.

* كيف ترد على ما ذهب إليه بعض النقاد المتأخرين، بأنه لا يعقل أن تقول هذه الأفكار الناضجة، لتغرق في متابعة التقليد المعروف لأوصاف الناقة وغيرها، من خلال 40 بيتاً تشكل حوالي نصف معلقتك؟

- لقد قلت هذه الأفكار الناضجة كما تفضلت في لحظة إشراق نادرة لم تتكرر، ذلك أنني حاولت عن وعي حاد ومتوتر أن ألخص موقفي الذاتي من الحياة والوجود وأن أطل منه على جذر السلوك الحقيقي الذي كان يفجر الإحساس والبطولة لدي ولدى نخبة فتيان الصحراء.

* لوحظ أن الأبيات التأملية المتوترة قليلة في شعرك، مما جعل البعض يشكك في صحة نسبتها إليك قياساً بأبياتك عن الناقة؟

- من حق أي ناقد أن يقرأ القصيدة بما يراه، ولا حل بذلك إلا بالعودة إلى تكرار قضايا النّحل والضياع والاختلاط التي عاناها تراث الشعر العربي، أنا أجزم أنني شاعر الأبيات القليلة التأملية المتوترة التي توهجت من خلال كومة من جزئيات الأوصاف اللامتناهية إلى الناقة التي نسجت هيكل ملحمتي وجسدها لكنها تركت تجوفاً صغيراً للقلب، وكان الطل هو ذلك المقطع النادر الوهاج الذي تجلى في صرختي: "ألا أيها الزاجر....".

* هجوت الملك عمرو بن هند الذي أمر عامله بالبحرين (الأحساء)، بقتلك، هل تتذكر شيئاً من هجائك للملك ودوافعه؟

- عندما قدمت مع خالي المتلمس من الأحساء (البحرين سابقاً)، إلى الحيرة أُعجب الملك بشعري ونادمته مع المتلمس وأكرمني وبقيت عنده زمناً وكنت وقتها غلاماً معجباً بنفسي تيّاهاً. فبينما كنت أشرب يومياً بين يدي الملك، إذ أشرفت أخته فرأيتها، فقلت فيها هذين البيتين:

ألا يا ثاني الظبي الذي يبرق شنفاه

ولولا الملك القاعد قد ألثمني فاه

ونظر إليّ الملك عمرو نظرة كادت تقتلعني من مجلسه ووقتها قال لي خالي المتلمس: يا طرفة إني أخاف عليك من نظرته إليك، فلم أكترث لكلامه:

فَلَيتَ لَنا مَكانَ المَلكِ عَمروٍ

رَغوثاً حَولَ قُبَّتِنا تَخورُ

مِنَ الزَمِراتِ أَسبَلَ قادِماه

وَضَرَّتُها مُرَكَّنَةٌ دَرورُ

يُشارِكُنا لَنا رَخِلانِ فيه

وَتَعلوها الكِباشُ فَما تَنورُ

لَعَمرُكَ إِنَّ قابوسَ بنَ هِندٍ

لَيَخلِطُ مُلكَهُ نوكٌ كَثيرُ

قَسَمتَ الدَهرَ في زَمَنٍ رَخيٍّ

كَذاكَ الحُكمُ يَقصِدُ أَو يَجورُ

لَنا يَومٌ وَلِلكِروانِ يَومٌ

تَطيرُ البائِساتُ وَلا نَطيرُ

فَأَمّا يَومُهُنَّ فَيَومُ نَحسٍ

تُطارِدُهُنَّ بِالحَدَبِ الصُقورُ

وَأَمّا يَومُنا فَنَظَلُّ رَكباً

وُقوفاً ما نَحُلُّ وَما نَسيرُ

* دون إنكار للذات، ما هي القصيدة التي ترى أن عبقريتك الشعرية تجلّت فيها؟

-نعم إنها المطولة الثانية - بعد المعلقة - ، التي بلغ عدد أبياتها 76 بيتاً، ونجحت من خلالها في تناول موضوع الغزل والفخر ووصف الفرس وتصوير سلوك الرجال وهم وسط حلبة الصراع والوغى من أجل الشرف والكرامة، وقد نظمتها في مرحلة سابقة من عمري، ومن نضجي الفكري، لكنها رغم ذلك أعدها مادة أساسية لاكتشاف المقاييس الفنية والجمالية التي تمتاز بها شاعريتي، وقد قلتها في امرأة اسمها «هرة» التي أحببتها ومنها:

أَصَحَوتَ اليَومَ أَم شاقَتكَ هِر

وَمِنَ الحُبِّ جُنونٌ مُستَعِر

لا يَكُن حُبُّكِ داءً قاتِلاً

لَيسَ هَذا مِنكِ ماوِيَّ بِحُر

كَيفَ أَرجو حُبَّها مِن بَعدِ ما

عَلِقَ القَلبُ بِنُصبٍ مُستَسِر

أَرَّقَ العَينَ خَيالٌ لَم يَقِر

طافَ وَالرَكبُ بِصَحراءِ يُسُر

جازَتِ البيدَ إِلى أَرحُلِنا

آخِرَ اللَيلِ بِيَعفورٍ خَدِر

ثُمَّ زارَتني وَصَحبي هُجَّعٌ

في خَليطٍ بَينَ بُردٍ وَنَمِر

تَخلِسُ الطَرفَ بِعَينَي بَرغَزٍ

وَبِخَدَّي رَشَإٍ آدَمَ غِر

وَلَها كَشحا مَهاةٍ مُطفِلٍ

تَقتَري بِالرَملِ أَفنانَ الزَهَر

وَعَلى المَتنينِ مِنها وارِدٌ

حَسَنُ النَبتِ أَثيثٌ مُسبَطِر

* هل تتذكر رحلتك إلى حتفك مع خالك المتلمس (جرير بن عبد المسيح الضبيعي)، وأنتما تحملان رسالتين إلى عامل الملك عمرو بن هند في الأحساء (البحرين)؟

- نعم كنت أنا وخالي المتلمس غير جديرين بالتبعية المطلقة للملك عمرو بن هند، وقلنا أبيات من الذم والسخرية فيه، وفي طريقنا إلى البحرين (الأحساء حالياً)، خاطبني خالي وأثناني عن الذهاب، عندما فتح رسالته ووجد فيها قتله، فرفضت فتح رسالتي طمعاً في المال والمكافأة وأتذكر أن خالي رمى رسالته في النهر وقال فيها:

مَن مُبلِغُ الشُعَراءِ عَن أَخَوَيهِمَ

خَبَراً فَتَصدُقَهُم بِذاكَ الأَنفُسُ

أَودَى الَّذي عَلِقَ الصَحيفَةَ مِنهُما

وَنَجا حِذارَ حِبائِهِ المُتَلَمِّسُ

أَلقَى صَحيفَتَهُ وَنَجَّت كورَهُ

عَنسٌ مُداخِلَةُ الفَقارَةِ عِرمِسُ

عَنسٌ إِذا ضَمَرَت تَعَزَّزَ لَحمُها

وَإِذا تُشَدُّ بِنِسعِها لا تَنبِسُ

وَجناءُ قد طَبَخَ الهَواجِرُ لَحمَها

وَكَأَنَّ نُقبَتَها أَديمٌ أَملَسُ

وَتَكادُ مِن جَزَعٍ يَطيرُ فؤادُها

إِن صاحَ مُكَّاءُ الضُحى مُتَنَكِّسُ

أَلقِ الصَحيفَةَ لا أبَا لَكَ إِنَّهُ

يُخشى عَلَيكَ مِنَ الحِباءِ النِقرِسُ

وَعَلِمتُ أَنّي قَد مُنِيتُ بِنَيطَلٍ

إِذ قيلَ كانَ مِن آلِ دَوفَنَ قَومَسُ

وَفَرَرتُ خَشيَةَ أَن يَكونَ حِباؤُهُ

عاراً يُسَبُّ بهِ قَبيليَ أَحمَسُ

وَتَرَكتُ حَيَّ بَني ضُبَيعَةَ خَشيَةً

أَن يُوتَروا بِدَمي وَجِلدِيَ أَملَسُ

ثَكِلَتكَ يا اِبنَ العَبدِ أُمُّكَ سادِراً

أَبِساحَةِ المَلِكِ الهُمامِ تَمَرَّسُ


مقالات ذات صلة

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار
كتب صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم.

شوقي بزيع
ثقافة وفنون فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

في سياق الاهتمام المتنامي في العالم العربي عموماً، وفي البلدان الخليجيّة خصوصاً، تبرز «موسوعة الفلسفة الفرنسيّة المعاصرة».

مالك القعقور

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.