الأحساء السعودية تعيد شاعرها طرفة بن العبد إلى الواجهة بعد غياب 1450 عاماً

حوار افتراضي مع الشاعر المتمرد يقول فيه إنه وصف الملك عمرو بالنعجة وتغزل في أخته فقتله فصداً

صورة تخيلية للشاعر طرفة بن العبد
صورة تخيلية للشاعر طرفة بن العبد
TT
20

الأحساء السعودية تعيد شاعرها طرفة بن العبد إلى الواجهة بعد غياب 1450 عاماً

صورة تخيلية للشاعر طرفة بن العبد
صورة تخيلية للشاعر طرفة بن العبد

يعد الشاعر طرفة بن العبد من الشخصيات شبه الأسطورية الذي عبر في شعره، خصوصاً في معلقته الشهيرة، عن هموم إنسانية ووجودية لم يسبقه إليها أحد، بالرغم من أن جمعاً من النقاد، المتقدمين والمتأخرين، يصفونه باللامبالاة والطيش، والمستهتر بمقامات الرجال مهما كانت منزلتهم حتى ولو كانوا ملوكاً أو سادةً أو مشايخ قبائل.

ومع انطلاق المهرجان المخصص عن الشاعر الجاهلي أحد أصحاب المعلقات السبع، الذي ينطلق غداً (الخميس) 16 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 24 من الشهر نفسه، ويأتي ضمن احتفاء وزارة الثقافة السعودية برموز الشعر وبأهمية المعلقات التي جسدت عظمة اللغة العربية وجمالها وأبرزت جودة خصائصها البلاغية، أجرينا حواراً افتراضياً مع الشاعر طرفة، سلّط فيه الضوء على سيرته وأعماله الخالدة وحياته القصيرة المليئة بالقصص والمغامرات الضاجة الصاخبة وشخصيته المتمردة وشاعريته اللافتة، حيث كان بكوراً في اليتم وفي التمرد، معتزاً بكرامته مما مهد لقتله غدراً، عن طريق قطع الكاحل أو ما يسمى بـ«الفصد»، وتناول قبلها الخمر للتخفيف من الألم وسرعة تسييل الدم، وهو دون الثلاثين من عمره.

ملصق المهرجان

هنا نص الحوار:

* هل من الممكن أن تقّدم نفسك للقراء، وشيئاً مختصراً من سيرتك وولادتك وطفولتك؟ وقبل كل شيء، لماذا هذا الاختلاف في نطق اسمك؟

-اسمي طَرَفَة (بفتح الحروف الثلاثة الأولى). ولدت في البحرين التي هي الأحساء، إحدى مناطق بلادكم السعودية اليوم، وليست دولة البحرين التي حاضرتها المنامة، وبالتحديد في هجر التي ما زالت تحتفظ باسمها اليوم في الأحساء، وذلك عام 543 من الميلاد، ونشأت يتيماً من أبي وكفلني أعمامي الذين لم يعوضوني عن فقداني أبي، بل اضطهدوني أيما اضطهاد، مما دفعني إلى الانكفاء على ذاتي، متفرداً ومتحللاً بفطرتي من كل التقاليد السائدة في وقتي.

* أنت من أصحاب المعلقات السبع، من الشعراء الملحميين الكبار، حدثنا عن ظروف ولادة معلقتك التي وصفها النقاد المتأخرون بأنها أعمق ما قاله شاعر جاهلي وكشف فيها عن موقف وجودي أو ما يسمى في عصرنا هذا «ميتافيزيقياً»؟

- نعم إنها ملحمة كما في لغة عصركم اليوم. لقد كشفت في المعلقة من خلال أكثر من 40 بيتاً عن أصالة ناقتي وخصائها الجسدية الكثيرة. وقد علمتُ أن بعض النقاد المتأخرين في عصركم أشاروا إلى أن هذه الأبيات التي خصصتها في الحديث عن الناقة هي وصف يعجز عنه علماء التشريح، ووصل إلى مسامعي أن هناك جراحاً من بلادكم السعودية، اسمه جمال فطاني، نال شهادة الدكتوراه في علم التشريح عن «خف الجمل»، وقد استفاد من معلقتي، خصوصاً في الأبيات الأربعين التي وصفت فيها الناقة، هذا المخلوق الخرافي ورفيق العربي في حله وترحاله وسميتموه «سفينة الصحراء». لقد بدأت بالإشارة إلى أني إذا حل بي الهم أمضي بناقة نشيطة في سيرها وسمّيتها العوجاء، وهي الناقة التي تستقيم في سيرها لفرط نشاطها، وأضفت عليها صفة «مرقال» وهو بين السير والعدو:

وَإِنّي لَأَمضي الهَمَّ عِندَ اِحتِضارِهِ

بِعَوجاءَ مِرقالٍ تَروحُ وَتَغتَدي

* البعض من النقاد ودراسي شعرك أعطوا عنواناً لمعلقتك هو: «ملحمة البطولة واليأس»، هل تتفق معهم على هذا العنوان؟

-لقد وُفّق هؤلاء النقاد ودارسو شعري في اختيار هذا العنوان لمعلقتي، وأرى أن المعلقة أو الملحمة التي وصل عدد أبياتها إلى أكثر من 100 بيت، ومطلعها:

لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ

تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ

هي ملحمة بالفعل، ومع استبعاد وصفي للناقة بـ40 بيتاً منها، فإن المعلقة تستقطب كل قيمتها في مجموعة أبيات توصف عادة بالحكمة، كما أشارت إلى ذلك موسوعة الشعر العربي التي اختارها وشرحها وقدم لها مطاع صفدي وإيليا حاوي، وأشرف عليها الدكتور خليل خاوي، وحققها وصححها نصاً ولغة ورواية أحمد قدامة، وطبعت عام 1974م، ولجمال هذه الموسوعة في عرضها وشروحها فقد استقطعت أكثر إجاباتي عن أسئلتكم من هذه الموسوعة التي تعد من أفضل من تناول شعري في الدراسة والنقد والشرح.

لقد خاطبت لائمي في هذه الأبيات عن التمتع بملذات الحياة، فلا أجد ثمة معنى للعيش إلا بثلاث وسائل وهي: الفروسية، والخمرة، والمرأة، وهنا يبرز موقفي الوجودي مليئاً بتحدي الموت والزوال:

أَلا أَيُّهَذا اللائِمي أَحضُرَ الوَغى

وَأَن أَشهَدَ اللَذّاتِ هَل أَنتَ مُخلِدي

فَإِن كُنتَ لا تَسطيعُ دَفعَ مَنيَّتي

فَدَعني أُبادِرها بِما مَلَكَت يَدي

وَلَولا ثَلاثٌ هُنَّ مِن عيشَةِ الفَتى

وَجَدِّكَ لَم أَحفِل مَتى قامَ عُوَّدي

فَمِنهُنَّ سَبقي العاذِلاتِ بِشَربَةٍ

كُمَيتٍ مَتى ما تُعلَ بِالماءِ تُزبِدِ

وَكَرّي إِذا نادى المُضافُ مُحَنَّباً

كَسيدِ الغَضا نَبَّهتَهُ المُتَوَرِّدِ

وَتَقصيرُ يَومَ الدَجنِ وَالدَجنُ مُعجِبٌ

بِبَهكَنَةٍ تَحتَ الطِرافِ المُعَمَّدِ

كَأَنَّ البُرينَ وَالدَماليجَ عُلِّقَت

عَلى عُشَرٍ أَو خِروَعٍ لَم يُخَضَّدِ

كَريمٌ يُرَوّي نَفسَهُ في حَياتِهِ

سَتَعلَمُ إِن مُتنا غَداً أَيُّنا الصَدي

أَرى قَبرَ نَحّامٍ بَخيلٍ بِمالِهِ

كَقَبرِ غَويٍّ في البَطالَةِ مُفسِدِ

تَرى جُثوَتَينِ مِن تُرابٍ عَلَيهِما

صَفائِحُ صُمٌّ مِن صَفيحٍ مُنَضَّدِ

أَرى المَوتَ يَعتامُ الكِرامَ وَيَصطَفي

عَقيلَةَ مالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ

لقد أطلقت هذه الكلمات الكبرى لأوكد للجميع على أنه متى تم لأي شخص الاستفادة من حياته بتلك السبل الثلاث: الفروسية، وتساقي الخمرة، ومعايشة المرأة، فإنه لن يسلّم للقبر إلا العظام والجلد ولن يحفل أبداً متى قام عوّده.

* كيف كانت فلسفتك ونظرتك إلى الحياة؟

- لقد نظرت من خلال هذه القصيدة إلى الحياة، وكأنها الفرصة الوحيدة لتحقيق وجود الإنسان، فهو لذلك لن يمنع نفسه الصادية من الغرف من كل مناهلها وينابيعها، بينما قد يعجز الآخر عن ذلك فيقضي عمره صادياً محروماً.

* كيف ترد على ما ذهب إليه بعض النقاد المتأخرين، بأنه لا يعقل أن تقول هذه الأفكار الناضجة، لتغرق في متابعة التقليد المعروف لأوصاف الناقة وغيرها، من خلال 40 بيتاً تشكل حوالي نصف معلقتك؟

- لقد قلت هذه الأفكار الناضجة كما تفضلت في لحظة إشراق نادرة لم تتكرر، ذلك أنني حاولت عن وعي حاد ومتوتر أن ألخص موقفي الذاتي من الحياة والوجود وأن أطل منه على جذر السلوك الحقيقي الذي كان يفجر الإحساس والبطولة لدي ولدى نخبة فتيان الصحراء.

* لوحظ أن الأبيات التأملية المتوترة قليلة في شعرك، مما جعل البعض يشكك في صحة نسبتها إليك قياساً بأبياتك عن الناقة؟

- من حق أي ناقد أن يقرأ القصيدة بما يراه، ولا حل بذلك إلا بالعودة إلى تكرار قضايا النّحل والضياع والاختلاط التي عاناها تراث الشعر العربي، أنا أجزم أنني شاعر الأبيات القليلة التأملية المتوترة التي توهجت من خلال كومة من جزئيات الأوصاف اللامتناهية إلى الناقة التي نسجت هيكل ملحمتي وجسدها لكنها تركت تجوفاً صغيراً للقلب، وكان الطل هو ذلك المقطع النادر الوهاج الذي تجلى في صرختي: "ألا أيها الزاجر....".

* هجوت الملك عمرو بن هند الذي أمر عامله بالبحرين (الأحساء)، بقتلك، هل تتذكر شيئاً من هجائك للملك ودوافعه؟

- عندما قدمت مع خالي المتلمس من الأحساء (البحرين سابقاً)، إلى الحيرة أُعجب الملك بشعري ونادمته مع المتلمس وأكرمني وبقيت عنده زمناً وكنت وقتها غلاماً معجباً بنفسي تيّاهاً. فبينما كنت أشرب يومياً بين يدي الملك، إذ أشرفت أخته فرأيتها، فقلت فيها هذين البيتين:

ألا يا ثاني الظبي الذي يبرق شنفاه

ولولا الملك القاعد قد ألثمني فاه

ونظر إليّ الملك عمرو نظرة كادت تقتلعني من مجلسه ووقتها قال لي خالي المتلمس: يا طرفة إني أخاف عليك من نظرته إليك، فلم أكترث لكلامه:

فَلَيتَ لَنا مَكانَ المَلكِ عَمروٍ

رَغوثاً حَولَ قُبَّتِنا تَخورُ

مِنَ الزَمِراتِ أَسبَلَ قادِماه

وَضَرَّتُها مُرَكَّنَةٌ دَرورُ

يُشارِكُنا لَنا رَخِلانِ فيه

وَتَعلوها الكِباشُ فَما تَنورُ

لَعَمرُكَ إِنَّ قابوسَ بنَ هِندٍ

لَيَخلِطُ مُلكَهُ نوكٌ كَثيرُ

قَسَمتَ الدَهرَ في زَمَنٍ رَخيٍّ

كَذاكَ الحُكمُ يَقصِدُ أَو يَجورُ

لَنا يَومٌ وَلِلكِروانِ يَومٌ

تَطيرُ البائِساتُ وَلا نَطيرُ

فَأَمّا يَومُهُنَّ فَيَومُ نَحسٍ

تُطارِدُهُنَّ بِالحَدَبِ الصُقورُ

وَأَمّا يَومُنا فَنَظَلُّ رَكباً

وُقوفاً ما نَحُلُّ وَما نَسيرُ

* دون إنكار للذات، ما هي القصيدة التي ترى أن عبقريتك الشعرية تجلّت فيها؟

-نعم إنها المطولة الثانية - بعد المعلقة - ، التي بلغ عدد أبياتها 76 بيتاً، ونجحت من خلالها في تناول موضوع الغزل والفخر ووصف الفرس وتصوير سلوك الرجال وهم وسط حلبة الصراع والوغى من أجل الشرف والكرامة، وقد نظمتها في مرحلة سابقة من عمري، ومن نضجي الفكري، لكنها رغم ذلك أعدها مادة أساسية لاكتشاف المقاييس الفنية والجمالية التي تمتاز بها شاعريتي، وقد قلتها في امرأة اسمها «هرة» التي أحببتها ومنها:

أَصَحَوتَ اليَومَ أَم شاقَتكَ هِر

وَمِنَ الحُبِّ جُنونٌ مُستَعِر

لا يَكُن حُبُّكِ داءً قاتِلاً

لَيسَ هَذا مِنكِ ماوِيَّ بِحُر

كَيفَ أَرجو حُبَّها مِن بَعدِ ما

عَلِقَ القَلبُ بِنُصبٍ مُستَسِر

أَرَّقَ العَينَ خَيالٌ لَم يَقِر

طافَ وَالرَكبُ بِصَحراءِ يُسُر

جازَتِ البيدَ إِلى أَرحُلِنا

آخِرَ اللَيلِ بِيَعفورٍ خَدِر

ثُمَّ زارَتني وَصَحبي هُجَّعٌ

في خَليطٍ بَينَ بُردٍ وَنَمِر

تَخلِسُ الطَرفَ بِعَينَي بَرغَزٍ

وَبِخَدَّي رَشَإٍ آدَمَ غِر

وَلَها كَشحا مَهاةٍ مُطفِلٍ

تَقتَري بِالرَملِ أَفنانَ الزَهَر

وَعَلى المَتنينِ مِنها وارِدٌ

حَسَنُ النَبتِ أَثيثٌ مُسبَطِر

* هل تتذكر رحلتك إلى حتفك مع خالك المتلمس (جرير بن عبد المسيح الضبيعي)، وأنتما تحملان رسالتين إلى عامل الملك عمرو بن هند في الأحساء (البحرين)؟

- نعم كنت أنا وخالي المتلمس غير جديرين بالتبعية المطلقة للملك عمرو بن هند، وقلنا أبيات من الذم والسخرية فيه، وفي طريقنا إلى البحرين (الأحساء حالياً)، خاطبني خالي وأثناني عن الذهاب، عندما فتح رسالته ووجد فيها قتله، فرفضت فتح رسالتي طمعاً في المال والمكافأة وأتذكر أن خالي رمى رسالته في النهر وقال فيها:

مَن مُبلِغُ الشُعَراءِ عَن أَخَوَيهِمَ

خَبَراً فَتَصدُقَهُم بِذاكَ الأَنفُسُ

أَودَى الَّذي عَلِقَ الصَحيفَةَ مِنهُما

وَنَجا حِذارَ حِبائِهِ المُتَلَمِّسُ

أَلقَى صَحيفَتَهُ وَنَجَّت كورَهُ

عَنسٌ مُداخِلَةُ الفَقارَةِ عِرمِسُ

عَنسٌ إِذا ضَمَرَت تَعَزَّزَ لَحمُها

وَإِذا تُشَدُّ بِنِسعِها لا تَنبِسُ

وَجناءُ قد طَبَخَ الهَواجِرُ لَحمَها

وَكَأَنَّ نُقبَتَها أَديمٌ أَملَسُ

وَتَكادُ مِن جَزَعٍ يَطيرُ فؤادُها

إِن صاحَ مُكَّاءُ الضُحى مُتَنَكِّسُ

أَلقِ الصَحيفَةَ لا أبَا لَكَ إِنَّهُ

يُخشى عَلَيكَ مِنَ الحِباءِ النِقرِسُ

وَعَلِمتُ أَنّي قَد مُنِيتُ بِنَيطَلٍ

إِذ قيلَ كانَ مِن آلِ دَوفَنَ قَومَسُ

وَفَرَرتُ خَشيَةَ أَن يَكونَ حِباؤُهُ

عاراً يُسَبُّ بهِ قَبيليَ أَحمَسُ

وَتَرَكتُ حَيَّ بَني ضُبَيعَةَ خَشيَةً

أَن يُوتَروا بِدَمي وَجِلدِيَ أَملَسُ

ثَكِلَتكَ يا اِبنَ العَبدِ أُمُّكَ سادِراً

أَبِساحَةِ المَلِكِ الهُمامِ تَمَرَّسُ


مقالات ذات صلة

«مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

يوميات الشرق «مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

«مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

تختتم «نتفليكس» عامها بمسلسل من الطراز الرفيع يليق باسم الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز ورائعتِه «مائة عام من العزلة».

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

بأسلوب شيّق، وحبكات متتالية، يسرد عبد الرحمن شلقم المسار الاستثنائي للقائد العسكري الإيطالي أميديو جوليت، الذي عرف ببطولاته، وانتصاراته

سوسن الأبطح (بيروت)
ثقافة وفنون مي التلمساني وإيهاب الخراط... وفي الوسط الكاتب أحمد رمضان الفائز بالجائزة

أحمد رمضان يحصد «جائزة إدوار الخراط» الأدبية

بمناسبة الذكرى التاسعة لرحيله (1926 - 2015)، وفي احتفالية رائعة تليق بعطائه المتنوع المغامر واجتراحه آفاقاً جديدة للكتابة.....

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون  أرسطو

لماذا نقرأ للقدماء؟

أثارت أستاذة الفلسفة آغنيس كالارد البروفيسورة في جامعة شيكاغو في مقالة لها نشرتها «ذا ستون/ نيويورك تايمز» قضية جدوى قراءة أرسطو اليوم

خالد الغنامي
يوميات الشرق من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب، مروراً بماجدة الرومي وكاظم الساهر، وصولاً إلى عمرو دياب. كيف أسهمَ نجوم الأغنية في إحياء اللغة العربية الفصحى؟

كريستين حبيب (بيروت)

وجوه مجرّدة من موقع سمهرم الأثري بسلطنة عُمان

وجوه مجرّدة من موقع سمهرم الأثري بسلطنة عُمان
TT
20

وجوه مجرّدة من موقع سمهرم الأثري بسلطنة عُمان

وجوه مجرّدة من موقع سمهرم الأثري بسلطنة عُمان

يحتلّ موقع سمهرم مكانة مميزة في خريطة «طريق اللبان» العُمانية التي دخلت عام 2000 في قائمة اليونيسكو الخاصة بمواقع التراث العالمي، وهي طريق البخور التي شكّلت في الماضي معبراً تجارياً دولياً ازدهر على مدى قرون من الزمن. بدأ استكشاف هذا الموقع في مطلع الخمسينات، وأدت أعمال التنقيب المتواصلة فيه إلى العثور على مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية، منها بضعة أنصاب حجرية مسطّحة تحمل نقشاً غائراً يمثّل وجهاً آدمياً مختزلاً، تقتصر ملامحه على عينين واسعتين وأنف مستطيل.

يضمّ موقع سمهرم مستوطنة أثرية تجاور خوراً من أخوار ساحل محافظة ظفار يقع في الجهة الشرقية من ولاية طاقة، يُعرف محليّاً باسم «خور روري». يعود الفضل في اكتشاف هذا الموقع إلى بعثة أميركية، أسّسها عام 1949 في واشنطن عالم الآثار وينديل فيليبس الذي لُقّب بـ«لورنس العرب الأميركي». شرعت هذه البعثة في إجراء أول حفريّة في «خور روري» خلال عام 1950، وواصلت عملها على مدى 3 سنوات، وكشفت عن مدينة لعبت دور ميناء دولي، عُرفت باسم سمهرم، كما تؤكد النقوش الكتابية المدونة بخط المُسنَد العربي الجنوبي. من بين أطلال هذه المدينة المندثرة، خرجت مجموعة من اللقى المتنوعة، منها 3 أنصاب حجرية مسطّحة زُيّن كلٌّ منها بنقش تصويري غائر طفيف يمثّل وجهاً آدمياً ذكورياً، كما يؤكّد الكشف العلمي الخاص بهذه البعثة.

عُثر على حجرين من هذه الحجارة على مقربة من أرضية مبنى من معالم سمهرم، وعُثر على ثالث على مقربة من المعبد الخاص بهذه المستوطنة، ممّا يوحي بأنه شكّل في الأصل جزءاً من أثاث هذا المعبد على الأرجح، كما رأى العالِم فرانك فيدياس أولبرايت في تقرير نُشر في عام 1953. استمرّت أعمال المسح والتنقيب في سمهرم، وتولّتها منذ عام 1997 بعثة إيطالية تابعة لجامعة بيزا، ومع هذه الأعمال، تمّ الكشف عن مجموعة أخرى من اللقى المتنوعة، منها 3 أنصاب حجرية مسطّحة مشابهة لتلك التي عثرت عليها البعثة الأميركية.

يتكرّر النقش التصويري على هذه الأنصاب التي احتار أهل الاختصاص في تحديد وظيفتها، ويتمثّل بوجه آدمي مجرّد هندسياً إلى أقصى حد. اختُزلت ملامح هذا الوجه بعينين لوزيّتين واسعتين، وأنف مستطيل رفيع. خلت هاتان العينان الفارغتان من حدقتيهما، كما غابت عنهما الرموش والحواجب، فظهرتا على شكل مساحتين بيضاويتين حُدّدتا بخط ناتئ رفيع وبسيط في وضعية المواجهة. كذلك، ظهر الأنف على شكل مثلّث عمودي طويل يحدّده خط مماثل. يعود هذا الوجه ويظهر على واجهة مجمّرة مخصّصة لحرق البخور، عثرت عليها البعثة الإيطالية خلال عام 2014، إلى جانب مجمّرتين تتبعان الطراز المألوف المجرّد من النقوش. ويتميّز هذا الوجه بظهور حاجبين مقوّسين يمتدان ويلتصقان عند أعلى مساحة الأنف المستطيلة.

خرجت من موقع سمهرم مجموعة كبيرة من المجامر والمباخر، غير أن هذا الوجه المجرّد لا يظهر على أي منها، كما أنه لا يظهر على أي من عشرات المجامر التي عُثر عليها في نواحٍ عدة من جزيرة العرب الشاسعة. في الواقع، يتبع هذا الوجه طرازاً ارتبط على نحوٍ واسع بشواهد القبور، وعُرف باسم «المسلّة ذات العينين». خرج العدد الأكبر من هذه المسلّات من محافظة الجوف التي تقع في الجزء الشمالي الشرقي من صنعاء، وخرج عدد آخر منها من وادي بهيان في محافظة حضرموت. تجاوز هذا الطراز حدود جنوب الجزيرة العربية، وبلغ شمالها حيث ظهر في واحة تيماء في منطقة تبوك، وقرية الفاو في الجنوب الغربي من الرياض، كما تؤكّد شواهده التي كشفت أعمال التنقيب عنها خلال العقود الماضية.

حمل هذا الطراز طابعاً جنائزياً لا لبس فيه، وتمثّلت خصوصيّته بهذا الوجه التجريدي الهندسي الذي ظهر على شواهد قبور فردية، كما تشير الكتابات المنقوشة التي تسمّي أصحاب تلك القبور. يصعب تأريخ هذه المسلّات بدقة، نظراً إلى غياب أي إشارة إلى تاريخها في الكتابات المرفقة، والأكيد أن هذا الطراز الجنائزي ظهر في القرن الثامن قبل الميلاد، وشاع على مدى 5 قرون. يحضر هذا الوجه في سمهرم، ويشهد هذا الحضور لدخوله إقليم عُمان في مرحلة تلت فترة انتشاره في جنوب الجزيرة وفي شمالها، فالدراسات المعاصرة تؤكد أن ميناء سمهرم شُيّد في نهاية القرن الثالث قبل الميلاد، وارتبط بمملكة حضرموت في زمن نشوء التجارة البحرية وازدهارها في المحيط الهندي، وظلّ ناشطاً حتى القرن الخامس للميلاد، حيث تضاءل دوره وتلاشى تدريجياً نتيجة اندحار مملكة حضرموت.

حضر هذا الوجه التجريدي في سمهرم حيث ظهر على عدد من المسلّات، وانطبع بشكل استثنائي على مجمرة تبدو نتيجة لذلك فريدة من نوعها إلى يومنا هذا. خرج هذا الوجه في هذا الموقع العُماني عن السياق الجنائزي الذي شكّل أساساً في جنوب جزيرة العرب، وحمل هُويّة وظائفية جديدة، وتحديد هذه الهوية بشكل جليّ لا يزال يمثّل لغزاً وتحدّياً للباحثين في ميدان الآثار العُمانية.