يسري نصر الله لـ«الشرق الأوسط»: إخراج الفيلم الجيد بات أشبه بـ«المعجزة»

قال: في السعودية قصص أسطورية وثراء سردي

يسري نصر الله خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» في الرياض (الشرق الأوسط)
يسري نصر الله خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» في الرياض (الشرق الأوسط)
TT

يسري نصر الله لـ«الشرق الأوسط»: إخراج الفيلم الجيد بات أشبه بـ«المعجزة»

يسري نصر الله خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» في الرياض (الشرق الأوسط)
يسري نصر الله خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» في الرياض (الشرق الأوسط)

بمزيج ما بين التفاؤل والاستياء، يرى المخرج المصري يسري نصر الله أن السينما بدأت تضيق في العالم كله، وأن المصرية تقاوم حالياً لتبقى على قيد الحياة، وذلك في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» على خلفية مشاركته في مؤتمر النقد السينمائي الذي تنظمه هيئة الأفلام في الرياض، وهو المخرج الذي يحمل تاريخه عدداً من الأفلام المهمة التي أخرجها في عقد التسعينات من القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الثانية، مثل فيلمه الأسطوري «باب الشمس».

نصر الله الذي نشأ في مصر فترة الستينات، تعرف على السينما من خلال قراءته لمجلات مثل «دفاتر السينما»، و«بوزيتيف»، و«سايت آند ساوند»، وتخيلها في ذهنه قبل سنوات من مشاهدتها فعلياً. ولاحقاً أمست الكتابة النقدية عن الأفلام طريقته في تحديد ما كان يتوق إلى مشاهدته في السينما وما يتوق إلى تحقيقه مخرجاً، وقراءاته لنقاد كبار مثل سمير فريد، ورأفت الميهي، وسيرج ديني، وفرنسوا تروفو، وجان لوك غودار، ومارغريت دوراس، وديفيد روبنسون، مكّنته من خوض نقاشات عن جماليات السينما، فبات يتقن كيفية تقديم أحكامه الفنية والنقدية الخاصّة.

فيلم «باب الشمس» أحد أهم أعمال نصر الله (الصورة من IMDb)

صناعة الأفلام والنحت على الصخر

جاءت بداية حوار «الشرق الأوسط» معه بسؤاله: «كيف حال السينما المصرية؟»، ليجيب نصر الله قائلاً: «إنها تُقاوم، كما أن سوق السينما باتت تضيق في العالم كله، لتتحوّل هذه الصناعة إلى متعة غالية جداً للمتفرج والمُنتج، وما يُنتج حالياً من أفلام في السينما المصرية هي محاولة لإبقائها على قيد الحياة، بمعنى أن سعر التذكرة أصبح عالياً بالنسبة للمواطن المصري العادي، فلدينا أزمة اقتصادية، بالإضافة إلى أزمة الرقابة، لذا فإن أي فيلم يرى النور اليوم فإنه أمر أشبه بالمعجزة، أو النحت في الصخر، وكثير من هذه الأفلام تعتمد إلى حد كبير على إرث السينما المصرية».

ولادة سينما البلدان العربية

وعلى الرغم من ذلك، يشيد نصر الله بتجارب سينمائية شابة وخلّاقة، مع ما يراه من تشكّل سينما جديدة تُعنى بالمرأة، وشبان يتجهون للأفلام المستقلة المختلفة عن النمط السائد للإنتاج العادي، وهي أفلام تحظى بجماهيرية جيدة، ويردف: «هناك موجة جديدة للسينما المصرية تحاول أن تكسر القوالب وتجد سوقاً جديدة مختلفة عن تلك التقليدية للسينما المصرية، فاليوم لدينا وضع جديد تماماً وهو جيد لأنه يجبر السينمائيين والمنتجين المصريين أن يواجهوا واقع أن هناك سينما قوية في بلدان عربية أخرى تحاول أن تجد لنفسها مكانة في العالم، وتُعرض في مهرجانات وأسواق عالمية، وهذا أمر جيد لأنه من الخطأ أن نعيش طوال الوقت معتقدين أننا وحدنا من يصنع الأفلام العربية».

المخرج يسري نصرالله (الشرق الأوسط)

أفلام مختلفة عن السائد

وبعد هذا التشخيص السريع لحال السينما المصرية، جاء السؤال عن تأثير ذلك على نصر الله ليقول: «أنا متفائل ومستاء، وغاضب وسعيد، مزيج من كل هذه المشاعر، لأنني أدرك أن السينما لم تكن أبداً صناعة سهلة. فقد عملت مع المخرج الراحل يوسف شاهين، وكانت هناك مشكلات إنتاجية، ودائماً كان هناك صراع ورغبة في عمل سينما مختلفة قليلاً عمّا هو سائد، نحن العاملين في مجال السينما نمثل جزءاً من العالم السينمائي المعاصر، بكل تحدياته».

وعن بواعث غضبه يوضح: «يظهر هذا الغضب حين تجد نفسك أمام منتجين قنوعين، يكتفون بأفلام الأعياد وما إلى ذلك»، مستشهداً بتجارب سينمائية رائدة في الصين حين أنتجوا أفلاماً تتناول الكاراتيه في عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وعلى الرغم من كونها أفلاماً تجارية إلى أنها وجّهت أنظار العالم نحو هذه السينما، وهو ما حدث أيضاً في أفلام الساموراي التي أنتجتها اليابان في الخمسينات من العقد الماضي، وكلتا التجربتين أصبحت ظاهرة سينمائية عالمية، رغم أنهما محليتان وتجاريتان.

ألف ليلة وليلة

وبسؤال نصر الله عن أفلامه التي تمتاز بالحكايات المكثفة والقصص الكثيرة، فكل شخصية لها قصة مستقلة، بعيداً عن قصة البطل الأوحد الدارجة في معظم الأفلام العربية، يقول: «أحب قصص ألف ليلة وليلة، فهي قصص متعددة وتحكي في النهاية شيئاً واحداً، يدور في إطار الرغبة بالبقاء والرغبة في الحياة». وعن رأيه في الأفلام المصرية التي صدرت العام الحالي، أشاد نصر الله بفيلم «وش في وش» للمخرج وليد الحلفاوي، وكذلك «فوي فوي فوي» للمخرج عمر هلال.

نصر الله خلال كلمة ألقاها في افتتاح مؤتمر النقد السينمائي بالرياض (الشرق الأوسط)

سرد القصص السعودية

وعن رؤيته لحراك السينما النشط في السعودية، خصوصاً أن نصر الله سبق له أن كان عضواً في لجان تحكيم ويعرف جيداً ملامح هذه الصناعة المحلية، يقول: «أكثر السيناريوهات التي أثارت اهتمامي كانت من السعودية، ففي هذه الأرض موهبة حيّة، وقصص لم نسمع عنها سابقاً، ونريد أن نتعرف على مجتمع كان ولفترة طويلة جداً مغلقاً، وكل ما كان يصلنا عنه أمور سطحية فقط».

ويشير نصر الله إلى أن الصورة النمطية التي كانت تختزل السعوديين لعقود مضت هي أنهم شعب مُرفه في بلد نفطي. ويرجع ذلك إلى أن الصوت السينمائي كان مُغيباً آنذاك، بيد أنه انطلق اليوم، وفي ذلك يقول: «اليوم كل هذه الثقافة والزخم بدآ بالظهور، وهو أمر مثير جداً، وأعتقد أن السعودية ستخرج بسينما مهمة لما تملكه من أساطير مؤسسة للثقافة العربية، بالتالي هناك ثقة بأن القصص المنطلقة من المملكة جديرة بالاستماع والمشاهدة، ونحن نعلم ما للسينما من جوانب أسطورية تجعلنا حالمين».


مقالات ذات صلة

«الست»... جدل «سوشيالي» وإشادات نقدية بعد عرضه بمصر

يوميات الشرق منى زكي جسَّدت دور أم كلثوم (الشركة المنتجة)

«الست»... جدل «سوشيالي» وإشادات نقدية بعد عرضه بمصر

يكشف فيلم «الست» صورة واقعية لأم كلثوم بما لها وما عليها، مقدّماً سيرة فنية وإنسانية حظيت بإشادات واسعة بعد عرضها.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق لقطة من فيلم «فلسطين 36» (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

«اللي باقي منك» و«فلسطين 36»... ذاكرة بصرية لـ«وعد بلفور» و«النكبة»

يُشدِّد فيلما «اللي باقي منك» و«فلسطين 36» على أهمية استعادة الذاكرة الفلسطينية وتوثيق تاريخها في مواجهة محاولات التزييف.

انتصار دردير (جدة)
سينما اللاعب المعتزل سعيد العويران في مشهد من الفيلم برفقة محمد الدوخي (نتفليكس)

الفيلم السعودي «رهين»... كوميديا البطل المأزوم

امتلأت القاعة الرئيسية في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» قبل بدء عرض الفيلم السعودي «رهين» بنحو نصف ساعة.

إيمان الخطاف (جدة)
سينما صورة من الفيلم لمنصور رشيد الكيخيا إلى جانب الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي

«بابا والقذافي»… رحلة بحث عائلية تحول الصمت إلى جائزة دولية

تنطلق جيهان الكيخيا في فيلمها من سؤال طفولي ظلّ يلاحقها منذ السادسة من عمرها: «أين ذهب أبي؟»، والدها هو منصور رشيد الكيخيا، وزير خارجية ليبيا الأسبق.

كوثر وكيل (لندن)
يوميات الشرق ساعة يد من مجموعة مقتنيات كوبولا (الموقع الرسمي لدار مزادات فيليبس)

بيع ساعة يد للمخرج فرانسيس كوبولا بـ10.8مليون دولار في مزاد

بيعت ساعة يد من مجموعة مقتنيات المخرج السينمائي الأميركي فرانسيس فورد كوبولا بسعر قياسي في مزاد أُقيم في نيويورك، حسبما قالت دار مزادات «فيليبس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك )

مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
TT

مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)

تواصل مصر خطتها لإحياء وتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)، وفق أحدث المعايير العالمية والدولية، مع العمل على وصلهما ببعضهما البعض وافتتاحهما قريباً بإدارة من القطاع الخاص.

وأكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن الحكومة تتابع باهتمام تنفيذ مشروع تطوير الحديقتين، انطلاقاً من أهميته في ظل الطابع التاريخي المميز لهما، وتتطلع لإعادة إحيائهما، والانتهاء من عملية التطوير وفق الخطة الزمنية المقررة، وإدارتهما وتشغيلهما على النحو الأمثل.

وقال مدبولي في بيان عقب اجتماع، الأحد، مع عدد من الوزراء والمسؤولين المعنيين بالمشروع: «هذا المشروع بمثابة حلم للحكومة نعمل جميعاً على تحقيقه، وهدفنا أن يرى النور قريباً، بإدارة محترفة من القطاع الخاص، تحافظ على ما يتم ضخه من استثمارات».

وشهد الاجتماع استعراض مراحل مشروع إحياء وتطوير حديقتي الحيوان والأورمان، حيث تمت الإشارة إلى اعتماد التصميمات وأعمال الترميم والتطوير من جانب المنظمات العالمية المُتخصصة، ونيل شهادات ثقة عالمية من جانبها، مع التعامل مع البيئة النباتية بأسلوب معالجة علمي، إلى جانب تدريب الكوادر العاملة بالحديقتين وفق أعلى المعايير العالمية، بما يواكب رؤية التطوير، ويضمن توافق التشغيل مع المعايير الدولية»، وفق تصريحات المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء، المستشار محمد الحمصاني.

ويتضمن مشروع تطوير «حديقة الحيوان بالجيزة» مساحة إجمالية تبلغ 86.43 فدان، ويبلغ إجمالي مساحة مشروع «حديقة الأورمان» 26.7 فدان، بمساحة إجمالية للحديقتين تصل إلى 112 فداناً، واستعرض الاجتماع عناصر ربط المشروعين معاً عبر إنشاء نفق يربط الحديقتين ضمن المنطقة الثالثة، بما يعزز سهولة الحركة، ويوفر تجربة زيارة متكاملة، وفق البيان.

وتضمنت مراحل التطوير فتح المجال لبدء أعمال تطوير السافانا الأفريقية والمنطقة الآسيوية، إلى جانب الانتهاء من أعمال ترميم الأماكن الأثرية والقيام بتجربة تشغيلية ليلية للمناطق الأثرية بعد تطويرها بواقع 8 أماكن أثرية.

التشغيل التجريبي للمناطق الأثرية ليلاً بعد تطويرها (حديقة الحيوان بالجيزة)

وأشار البيان إلى أن مستشاري مشروع الإحياء والتطوير؛ وممثلي الشركة المُشغلة للحديقتين، عرضوا خلال الاجتماع مقترحاً للعودة للتسمية الأصلية لتكونا «جنينة الحيوان»، و«جنينة الأورمان»؛ حرصاً على التمسك بهويتهما لدى جموع المواطنين من روادهما منذ عقود، كما أكدوا أن إدارة الحديقتين وتشغيلهما سيكون وفق خطة تضمن اتباع أحدث النظم والأساليب المُطبقة في ضوء المعايير العالمية.

وتم تأكيد ارتفاع نسب الإنجاز في الجوانب التراثية والهندسية والفنية بمشروع تطوير الحديقتين، حيث شملت أعمال الترميم عدداً من المنشآت التاريخية، أبرزها القصر الملكي والبوابة القديمة والكشك الياباني.

وحقق المشروع تقدماً في الاعتمادات الدولية من جهات مثل الاتحاد الأوروبي لحدائق الحيوان (EAZA) والاتحاد العالمي (WAZA) والاتحاد الأفريقي (PAAZA)، وفق بيان مجلس الوزراء المصري.

وترى الدكتور فاتن صلاح سليمان المتخصصة في التراث والعمارة أن «حديقة الحيوان بالجيزة من أكبر حدائق الحيوان في الشرق الأوسط وأعرق حدائق الحيوان على مستوى العالم، حيث تأسست في عهد الخديو إسماعيل، وافتُتحت في عصر الخديو محمد توفيق، وكان بها في بداية افتتاحها أكثر من 175 نوعاً من الحيوانات النادرة من بيئات مختلفة حول العالم، كما كان تصميمها من أجمل التصميمات في العالم وقتها، وكانت متصلة بحديقة الأورمان وقت إنشائها».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «حديقة الأورمان من أهم الحدائق النباتية في العالم، وكانت جزءاً من القصر الخاص بالخديو إسماعيل، وكانت مخصصة لمد القصر بالفواكه والخضراوات، وصممها مهندسون فرنسيون»، وأشارت إلى أن كلمة أورمان بالأساس هي كلمة تركية تعني الغابة أو الأحراش، وعدت مشروع تطوير الحديقتين «من أهم المشروعات القائمة حالياً والتي من شأنها أن تعيد لهما طابعهما التراثي القديم، وهو من المشروعات الواعدة التي من شأنها أن تغير كثيراً في شكل الحدائق المصرية» وأشادت بفكرة العودة إلى الاسمين القديمين للحديقتين وهما «جنينة الحيوان» و«جنينة الأورمان»، لافتة إلى تغيير الصورة الاستثمارية للحديقتين بعد التطوير لوجود مناطق ترفيهية وكافيهات ومناطق لأنشطة متنوعة.


نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
TT

نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

قالت المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي إن العمل الفني لا يولد مصادفة، بل يأتي من تلك الرجفة الداخلية التي يخلّفها هاجس ما، أو من أسئلة لا تتوقف عن الإلحاح حتى تتحوّل إلى قصة.

وبدت نادين في جلستها الحوارية بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، الأحد، التي أدارها أنطوان خليفة، مدير البرنامج العربي والكلاسيكي بالمهرجان، كأنها تفتح كتاباً شخصياً، تقلب صفحاته بهدوء وثقة، وتعيد ترتيب ذكرياتها وتجاربها لتشرح كيف تُصنع الأفلام. فمنذ اللحظة الأولى لحديثها، شددت على أن الصدق هو ما يميّز الفيلم؛ ليس صدق رؤيتها وحدها، بل صدق كل مَن يقف خلف الكاميرا وأمامها.

وأكدت أن الشغف والهوس هما ما يسبقان الولادة الفعلية لأي فكرة؛ فقبل أن تصوغ أولى كلمات السيناريو، تكون قد أمضت زمناً في مواجهة فكرة لا تريد مغادرة ذهنها. شيئاً فشيئاً يبدأ هذا الهاجس بالتشكّل والتحول إلى موضوع محدد يصبح البوصلة التي تضبط كل التفاصيل الأخرى. قد تتغير القصة، وقد يتبدّل مسار الفيلم، لكن الفكرة الجوهرية، ذلك السؤال الملحّ، تبقى العنصر الثابت الذي يجب بلوغه في النهاية.

وتسترجع نادين لحظة ولادة فيلم «هلّأ لوين؟»، فتعود إلى حرب 2008، حين كانت مع طفلها في شوارع بدت كأنها على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة. وتروي كيف تسلّل إليها الخوف عندما تخيّلت ابنها شاباً يحمل السلاح، وكيف تحوّلت تلك اللحظة إلى بذرة فيلم كامل.

نادين لبكي خلال «مهرجان البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

وفي «كفرناحوم» حدث شيء مشابه، إذ تقول إنها كانت ترى الأطفال في الشوارع، وتنصت إلى قصصهم، وتراقب نظرتهم إلى العالم وإلى الناس الذين يمرّون أمامهم كأنهم عابرون بلا أثر. من هنا بدأت الفكرة، ثم امتدّ المشروع إلى 5 سنوات من البحث الميداني، أمضت خلالها ساعات طويلة في محاولة فهم القوانين، والحياة اليومية، والدوافع الإنسانية التي تحكم هذه البقع المهمَّشة.

وتؤكد نادين أن مرحلة الكتابة ليست مجرد صياغة نص، بل لحظة مشاركة وتجربة مشتركة، فالعلاقة بين فريق الكتابة بالنسبة إليها أساسية. وتشير إلى أنها تحب العمل مع أشخاص يتقاسمون معها الرؤية والمبادئ نفسها. أحياناً يكتبون أسبوعين متواصلين، ثم يتوقفون شهوراً قبل أن يعودوا للعمل من جديد، بلا مواعيد نهائية صارمة، لأن القصة، كما تقول، هي التي تحدد إيقاعها وزمنها، لا العكس.

وعندما تنتقل إلى الحديث عن اختيار الممثلين، تكشف أن العملية تستغرق وقتاً طويلاً، لأن أغلب أبطال أفلامها ليسوا محترفين. ففي «كفرناحوم» مثلاً، كان من المستحيل بالنسبة إليها أن تطلب من ممثل محترف أن ينقل ذلك القدر من الألم الحقيقي، لذلك اتجهت إلى أشخاص عاشوا التجارب نفسها أو عايشوا مَن مرّ بها. وتؤكد أنها مفتونة بالطبيعة الإنسانية، وأن فهم الناس ودوافعهم هو بوابة الإبداع لديها؛ فهي لا تفكر في النتيجة في أثناء التصوير، بل في التجربة نفسها، وفي اللحظة التي يُصنع فيها المشهد.

نادين لبكي عقب الجلسة الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

وتتوقف نادين أيضاً عند تجربتها التمثيلية في فيلم «وحشتيني»، كاشفة أنه من أكثر الأعمال التي أثّرت فيها على مستوى شخصي، وأنها سعدت بالعمل مع النجمة الفرنسية فاني أردان. وترى أن التمثيل هذه المرة جعلها تعيش السينما من زاوية مختلفة، فهي تؤمن ـ كما تقول ـ بنُبل السينما وقدرتها على تغيير الإنسان وطريقة تفكيره ونظرته إلى الأشياء، وهو ما يشجعها على الاستمرار في خوض تجارب سينمائية تركّز على السلوك الإنساني، مع سعي دائم لفهم الدوافع غير المتوقعة للأفراد أحياناً.

وتشير إلى أن المدرسة الإيرانية في إدارة الممثلين كانت ذات تأثير كبير في تكوينها الفني. ورغم غياب صناعة سينمائية حقيقية في لبنان عندما بدأت مسيرتها الإخراجية، فإنها تعلّمت عبر الإعلانات والفيديو كليبات، وصنعت طريقها بنفسها من عمل إلى آخر، لعدم وجود فرصة الوقوف إلى جانب مخرجين كبار. وقد عدت ذلك واحداً من أصعب التحديات التي واجهتها.

وأكدت أن فيلمها الجديد، الذي تعمل عليه حالياً، مرتبط بفكرة مركزية، وسيُصوَّر في أكثر من بلد، ويأتي ضمن هاجسها الأكبر، قصة المرأة وتجاربها. ولأن أفكارها تولد غالباً من معايشة ممتدة لقضايا تحيط بها يومياً، تقول: «نعيش زمناً تختلط فيه المفاهيم بين الصواب والخطأ، ولا نجد مرجعاً سوى مبادئنا الشخصية»، مؤكدة أنها تستند في اختياراتها الفنية إلى ما تؤمن به فقط.

وفي ختام حديثها، تتوقف عند شراكتها مع زوجها الموسيقي خالد مزنَّر، وتصفها بأنها واحدة من أهم ركائز تجربتها، موضحة أن رحلتهما في العمل على الموسيقى تبدأ منذ لحظة ولادة الفكرة. وأحياناً يختلفان بشدة، ويتجادلان حول الموسيقى أو الإيقاع أو الإحساس المطلوب، لكنهما يصلان في النهاية إلى صيغة فنية تجمع رؤيتهما، وترى نفسها محظوظة بأنها ترافق شخصاً موهوباً فنياً وإنسانياً.


تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف كتباً بقسم الآثار المصرية

سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
TT

تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف كتباً بقسم الآثار المصرية

سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)

أدّى تسرب مياه الشهر الماضي إلى إتلاف مئات الكتب في قسم الآثار المصرية بمتحف اللوفر، ما يسلط الضوء على الحالة المتدهورة للمتحف الأكثر زيارة في العالم، بعد أسابيع فقط من عملية سطو جريئة لسرقة مجوهرات كشفت عن ثغرات أمنية.

وذكر موقع «لا تريبين دو لار» المتخصص في الفن التاريخي والتراث الغربي أن نحو 400 من الكتب النادرة لحقت بها أضرار ملقياً باللوم على سوء حالة الأنابيب. وأضاف أن الإدارة سعت منذ فترة طويلة للحصول على تمويل لحماية المجموعة من مثل هذه المخاطر، لكن دون جدوى.

وقال نائب مدير متحف اللوفر، فرانسيس شتاينبوك، لقناة «بي إف إم» التلفزيونية، اليوم (الأحد)، إن تسرب أنابيب المياه يتعلق بإحدى الغرف الثلاث في مكتبة قسم الآثار المصرية.

وأضاف، وفقاً لوكالة «رويترز»: «حددنا ما بين 300 و400 عمل، والحصر مستمر»، وتابع أن الكتب المفقودة هي «تلك التي اطلع عليها علماء المصريات، لكن ليست الكتب القيمة».

وأقرّ بأن المشكلة معروفة منذ سنوات، وقال إن الإصلاحات كان من المزمع إجراؤها في سبتمبر (أيلول) 2026.

وسرق 4 لصوص في وضح النهار مجوهرات بقيمة 102 مليون دولار في 19 أكتوبر (تشرين الأول)، ما كشف عن ثغرات أمنية واسعة في المتحف.

وأدّت الثغرات الهيكلية في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى إغلاق جزئي لقاعة عرض، تضم مزهريات يونانية ومكاتب.