الظروف الاقتصادية والأوضاع الأمنية تفسد على العراقيين الفرح

«الشرق الأوسط» في بغداد.. لسان حال أهلها يقول «بأي حال عدت يا عيد»

أحد محلات الخضار في العاصمة العراقية بغداد وتبدو آثار الرصاص في أعلى المبنى
أحد محلات الخضار في العاصمة العراقية بغداد وتبدو آثار الرصاص في أعلى المبنى
TT

الظروف الاقتصادية والأوضاع الأمنية تفسد على العراقيين الفرح

أحد محلات الخضار في العاصمة العراقية بغداد وتبدو آثار الرصاص في أعلى المبنى
أحد محلات الخضار في العاصمة العراقية بغداد وتبدو آثار الرصاص في أعلى المبنى

بغداد مدينة لا تقبل أن تدخل حيز النسيان.. لا ترضى بالتهميش رغم كل ما جرى وما يجري لها.. منذ أعظم النكسات التي عاشتها بعد الاحتلال المغولي قبل ما يقرب من تسعة عقود وحتى اليوم تنهض مثل طائر العنقاء من رماد خرابها لتتألق كمدينة متجددة وحيوية.. سر نهوض هذه المدينة يكمن بأهلها.. بعشقهم لمدينتهم.. بإصرارهم على أن تبقى العاصمة العراقية دارا للسلام مثلما أرادها بانيها أبو جعفر المنصور. البغداديون يصرون على مواصلة حياتهم في العمل والإبداع والفرح متحدين كل المصاعب الأمنية والحياتية.. في هذه المشاهدات ترصد «الشرق الأوسط» إيقاع حياة بغداد ونبضها المتدفق عن قرب.. بل من عمق حياتها وحركة أهلها.. بسلبياتها وإيجابياتها. في تقريرها الثاني حول مظاهر العيد في مدينة التاريخ.
انحسرت مظاهر عيد الأضحى ببغداد لسببين رئيسيين، الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد، والمخاوف الأمنية رغم التشديدات التي فرضتها وزارتا الدفاع والداخلية داخل العاصمة العراقية.
وانتظر أصحاب محلات الملابس النسائية والرجالية وملابس الأطفال منذ أيام كثيرة قبيل العيد إقبال الناس على بضائعهم التي عرضوها بطريقة تجذب المتسوقين، لكن انتظارهم تبدد حتى الليلة الأخيرة التي سبقت العيد ورغم الإعلانات عن تخفيضات بلغ بعضها أكثر من 50 في المائة من سعر بضائعهم، فإن الرياح جرت بما لا تشتهي سفنهم وتوقعاتهم، حتى إن جبار حسن، صاحب محل لبيع الملابس النسائية في مول المنصور، أكبر مراكز التسوق الحديثة بجانب الكرخ من بغداد وصف الأوضاع التجارية بـ«الكساد»، وقال لـ«الشرق الأوسط» لقد «توقعنا ومثلما يحدث قبل كل عيد إقبالا كبيرا من المتسوقين لهذا تبضعنا من خارج العراق وخاصة تركيا والصين ولبنان وعرضنا موديلات حديثة، لكن النتيجة جاءت مخيبة لآمالنا ومثلما ترون يمرون أمام المحل يتأملون البضاعة والأسعار ويمضون دون أن يشتروا أي شيء»، مشيرا إلى «قمنا بالإعلان عن تخفيضات في أسعار الملابس تصل بعضها إلى 70 في المائة لتشجيع المتسوقين ولكن النتائج ليست مشجعة للأسف».
أسواق بغداد لم تكن خالية من الحركة لكنها لم تكن بذلك الازدحام الذي توقعه التجار، و«باستثناء الإقبال على محلات ملابس الأطفال فإن حركة التبضع بدت منحسرة قياسا لما كنا نبيعه في الأعياد السابقة»، حسب ما يوضح حسن.
وتوضح زهراء مجيد التي تبدو في مقتبل الخمسينات من عمرها حيث كانت تتجول في مول المنصور مع ابنتيها، أن «مخاوف العائلة العراقية من إجراءات التقشف التي تفرضها الحكومة جعلتنا نتراجع عن الإنفاق، فما عندنا من أموال، ولو قليلة، ادخرناها للأيام الصعبة التي نتمنى ألا تأتي»، تستطرد قائلة «أنا أعمل في التدريس وزوجي موظف في وزارة العدل والراتب الشهري لكلينا هو مصدر تمويلنا ومعيشتنا وفي حالة تأخرت الدولة عن دفع الرواتب سيكون مصيرنا مجهولا ولا نعرف كيف نتدبر أمرنا خاصة أن هناك أنباء أو شائعات تتحدث عن عجز الدولة عن دفع رواتب الموظفين»، يحدث هذا رغم تأكيدات حكومية وعلى لسان رئيس الوزراء حيدر العبادي بأن رواتب الموظفين لن تتوقف.
ويقول سعد محمد علي «أنا في الستين من عمري وموظف في وزارة الصناعة، وربما بعد أربعة أعوام أطلب إحالتي على التقاعد، لكنني حاليا لا أستطيع أن أضمن قدرة الدولة على دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين بسبب ما نسمعه من أخبار عن قيام الحكومة بالاستدانة من المصارف العالمية والأهلية المحلية لدعم الميزانية التشغيلية (الرواتب)، ورغم أن إجراءات التقشف شملت قطع مخصصات الكثير من الموظفين أو إنهاء عقود العاملين وفق صيغة التعاقد أي ليسوا موظفين أصليين»، ويتساءل هذا الموظف عن سبب «عدم اتخاذ إجراءات حاسمة لتخفيض رواتب ومخصصات وحمايات أعضاء مجلس النواب وامتيازاتهم الخيالية، ومحاسبة الفاسدين واسترجاع الأموال المسروقة والتي تم إيداعها في مصارف خارج العراق»، مقترحا «تكليف شركات عالمية أو أكاديميين عراقيين متخصصين في الاقتصاد لدراسة الأوضاع الاقتصادية ووضع الخطط الناجحة لإنقاذ البلد من الإفلاس، الإفلاس الذي يصيب واحدة من أغنى الدول في العالم مثل العراق».
انحسار مشاعر الاحتفال بعيد الأضحى لم تصبه الأوضاع الاقتصادية فحسب، بل ذهبت إلى أعمق من ذلك عندما لامست وبعمق مشاعر الناس هنا ببغداد، إذ لا تستطيع أن تقرأ علامات الفرح والشعور بالعيد في وجوه غالبية من العراقيين، فعندما هنأت سائق سيارة الأجرة بمناسبة حلول عيد الفطر قبيل ليلة واحدة من حلول العيد، اعتذر السائق مبدر العبيدي (53 عام) الذي ينحدر من محافظة الأنبار عن الرد وقال: «أعتذر لأنني لا أحتفل بالعيد منذ أكثر من عام»، استطرد قائلا: «كيف لي أن احتفل وأنا مهجر داخل بلدي؟ أنا في مكان وبقية عائلتي بمكان آخر»، مضيفا: «أنا من مدينة الفلوجة، نزحنا من بيوتنا إثر احتلال (داعش) لمدينتنا وذهبنا إلى الرمادي، حيث لاحقتنا (داعش) وسقطت الرمادي بأيديهم ومررنا بظروف أكثر من صعبة حتى استقرينا في هيكل بناية بمنطقة الدورة (جنوب بغداد) وهذه السيارة لأحد أقاربي أعمل بها كسائق لتدر علينا ما نعيش من خلاله». مشيرا إلى «إنني أملك بيتا كبيرا في الفلوجة ومتعودون على حياة كريمة وطيبة، ونتذكر في الأعياد أننا نفتح بيوتنا لأقاربنا وأصدقائنا لنحتفل بهذا اليوم المبارك لكن أهالي الفلوجة والرمادي يعيشون اليوم أحزانا كبيرة إذ ليس هناك أقسى من أن تترك بيتك وتتعرض للذل وهذا ما نعيشه نحن والآلاف من العوائل العراقية».
وأشار العبيدي وهو يقود سيارة الأجرة إلى الجدار الذي تحول إلى بانوراما لصور «الشهداء»، وقال: «ما ذنب هؤلاء الشباب بعمر الورود ليقتلوا على أيدي الدواعش المجرمين.. أعرف أنهم يدافعون عن وطنهم وأهلهم لكن من المؤسف أن نخسر أبناءنا على أيدي شتات الأرض»، وأردف قائلا: «لك أن تتخيل حالة عوائلهم اليوم وفي العيد.. فأي عيد تريدوننا أن نحتفل به.. ليس لي سوى أن أقول (بأي حال عدت يا عيد)».
من المظاهر المؤسفة التي لم تستطع الحكومات العراقية منذ عهد صدام حسين وحتى اليوم معالجتها انتشار المتسولين ومن مختلف الأعمار ومن كلا الجنسين في الشوارع وعند إشارات المرور. وعبرت الناشطة المدنية سهى جاسم خليل عن أسفها لاتساع هذه الظاهرة، وعندما أخبرتها بأن ظاهرة المتسولين تنتشر في أغلب مدن العالم ومنها لندن، قالت: «أنا متطوعة في منظمة لمساعدة الأرامل وغالبية المتسولات هن من الأرامل أما الأطفال فهم أبناء الأرامل وهؤلاء يجب أن تتكفل بهم شبكة الرعاية الاجتماعية لتصرف لهم الرواتب وتساعدهم على إيجاد ملجأ أو سكن يليق بهم ويحفظهم من الضياع في الشوارع».
التشديدات الأمنية حرمت الكثير من العوائل من ترك بيوتها خلال أيام عيد الأضحى، غالبية شوارع العاصمة العراقية أغلقت بوجه حركة السيارات خشية من حدوث أعمال إرهابية بواسطة السيارات المفخخة، وتركت الممرات مفتوحة أمام المشاة للوصول إلى مراكز الترفيه مثل مدن الألعاب ومتنزه الزوراء، أكبر المتنزهات العامة ببغداد بجانب الكرخ.
مصدر أمني مسؤول في وزارة الداخلية قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مثل هذه الإجراءات مهمة وضرورية لحماية المواطنين المحتفلين بالعيد ولا نريد أن تتحول فرحة العيد إلى مآس لا سمح الله بسبب جرائم الإرهابيين». وأضاف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه «إن خططنا الأمنية التي وضعت من قبل عمليات بغداد قضت بقطع عدة شوارع وطرقات ووضع نقاط تفتيش ومراقبة، ونحن نفضل أن يتحمل المواطن مشاق السير قليلا من أجل سلامته».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.