الحصبة تغزو مناطق سيطرة الحوثيين

تحذيرات دولية من اتساع رقعة الجوع وتدهور الصحة والتعليم في اليمن

حملة خيرية لمساعدة مرضى العيون في مركز صحي في صنعاء (إ.ب.أ)
حملة خيرية لمساعدة مرضى العيون في مركز صحي في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحصبة تغزو مناطق سيطرة الحوثيين

حملة خيرية لمساعدة مرضى العيون في مركز صحي في صنعاء (إ.ب.أ)
حملة خيرية لمساعدة مرضى العيون في مركز صحي في صنعاء (إ.ب.أ)

أظهرت تقارير أممية ارتفاع نسبة الإصابة بالحصبة في اليمن إلى 260 في المائة، حيث سُجّل معظمها في مناطق سيطرة الحوثيين، بالتوازي مع اتساع رقعة الجوع، وتدهور الصحة والتعليم.

ففي حين تواصل الحكومة اليمنية الشرعية، التي تتخذ من عدن عاصمة مؤقتة، حملة تحصين شاملة ضد مرض الحصبة في مناطق سيطرتها، أظهرت بيانات دولية أن غالبية الحالات المسجلة بالمرض تتركز في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين الذين يواصلون منع حملات التحصين الشاملة، ويقصرون الحصول على اللقاحات على بعض المراكز الصحية الثابتة.

جاء ذلك في وقت يعاني فيه أكثر من ثُلث السكان اليمنيين من الجوع الشديد، وسط تدهور قطاعَي الصحة والتعليم، إضافة إلى حاجة أكثر من 8 ملايين طفل إلى المساعدة الإنسانية، وفق ما أوردته منظمة «أوكسفام» الدولية.

تسجيل أكثر من 40 ألف إصابة بالحصبة في اليمن منذ بداية العام (الأمم المتحدة)

«الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» ذكرت في أحدث تقاريرها أن اليمن يشهد ارتفاعاً كبيراً في حالات الإصابة بالحصبة والحصبة الألمانية، وأوضحت أن 60 في المائة من الحالات المشتبه بها سُجّلت في المحافظات الخاضعة للحوثيين.

وأكدت الوكالة أن الحملة المناهضة للقاحات التي يقودها الحوثيون «أسهمت بشكل كبير في انتشار الحصبة وغيره من الأمراض التي كان من الممكن الوقاية منها باللقاحات»، مشيرة إلى أن أخذ اللقاحات يقتصر حالياً على بعض المراكز الصحية الثابتة، حيث يمنع الحوثيون تنفيذ حملة تطعيم شاملة من منزل إلى منزل في مناطق سيطرتهم.

40 ألف إصابة

وفق بيانات منظمة الصحة العالمية، فقد تم الإبلاغ عن نحو 40130 حالة اشتباه بالحصبة والحصبة الألمانية في جميع أنحاء اليمن خلال الفترة من 1 يناير (كانون الثاني) وحتى 26 سبتمبر (أيلول) الماضيَين، مع تسجيل 362 حالة وفاة مرتبطة بالمرض.

وذكرت المنظمة أن حالات الإصابة بمرض الحصبة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، تشكّل أكثر من ضعف عدد الحالات المسجلة خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

وبحسب تلك البيانات، فإن عدد الإصابات ارتفع هذا العام بنسبة 260 في المائة فوق المستويات المسجلة خلال العام الذي سبقه، بينما أظهرت بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن أكثر من 80 في المائة من الأطفال الذين يعانون من حالات الحصبة المشتبه بهم، لم يتلقوا خلال هذا العام جرعة من اللقاح، وهو ما يظهر الارتفاع الكبير للإصابة بالمرض، خصوصاً بين الأطفال وفقاً لـ«يونيسف».

8.5 مليون طفل في اليمن يحتاجون للمساعدات الإنسانية (الأمم المتحدة)

وأعاد التقرير سبب ارتفاع حالات الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، إلى «الضعف الشديد في نظام الرعاية الصحية جراء 9 سنوات من الصراع، واستمرار التدهور الاقتصادي، والقيود المفروضة من قبل أطراف النزاع».

وذكر التقرير أن هذه العوامل كلها عملت على الحد من وصول السكان المستضعفين إلى المساعدات الإنسانية، بما في ذلك خدمات الرعاية الصحية، مما دفع الأسر إلى اعتماد آليات مواجهة سلبية، وزيادة التعرض للأمراض التي يمكن الوقاية منها.

اتساع رقعة الجوع

ذكرت منظمة «أوكسفام» العالمية أن الجوع الشديد في اليمن في ازدياد بعد مرور عام على انتهاء الهدنة الإنسانية، حيث يعاني أكثر من ثُلث سكان البلاد من الجوع الشديد، حيث تعد معدلات سوء التغذية بين الأطفال من بين أعلى المعدلات في العالم، ودعت جميع أطراف النزاع إلى السعي لتحقيق سلام مستدام وشامل.

وطالبت المنظمة الجهات المانحة بالوفاء بتعهداتها المتعلقة بالمساعدات الإنسانية. وقالت إنه ومنذ اندلاع الحرب، شكّل اليمن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يحتاج أكثر من 21 مليون شخص، أي ثلثي السكان، إلى المساعدة الإنسانية، كما أدى الصراع إلى سقوط آلاف الضحايا، ودفع أكثر من 4 ملايين إلى النزوح من منازلهم، وتسبّب في انهيار اقتصادي.

وأشادت «أوكسفام» بالهدنة المؤقتة، وقالت إنها شكّلت بصيص أمل لملايين اليمنيين، حيث انخفض عدد الضحايا بسبب القتال بنسبة 60 في المائة، مما سهل الوصول إلى الخدمات الأساسية. لكنها ذكرت أن عدم اليقين السياسي أعاق تعافي البلاد.

وأكدت أن الاقتصاد اليمني يعاني من تدهور كبير، حيث ازدادت معدلات انخفاض قيمة العملة؛ وذلك بسبب التضخم، وتضاعفت أسعار المواد الغذائية، ولم يعد عديد من اليمنيين قادرين على شراء احتياجاتهم الأساسية من الطعام.

منعَ الحوثيون حملات التحصين من منزل إلى منزل ما تسبب في تفشي الأمراض الوبائية (الأمم المتحدة)

ووفق ما أوردته المنظمة، فإن نحو 8.5 مليون طفل يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية ويواجهون تهديداً يومياً؛ بسبب نقص الغذاء، وتفاقم الأمراض، والنزوح، وصعوبة الوصول إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية بشكل حاد.

البيانات التي وزعتها «أوكسفام» تشير إلى أن تمويل الاستجابة الصحية حالياً لم يتجاوز نسبة 7 في المائة فقط، بينما تم تمويل القطاع التعليمي بنسبة 2 في المائة فقط.

ورأت أن الوضع الحالي «يصور الأسوأ»، وتوقعت أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات الجوع في الأزمات أو حالات الطوارئ بنسبة 20 في المائة، مع إشارتها إلى وجود 78 ألف شخص «يعيشون بالفعل في مرحلة الجوع الشديد الطارئة بحسب التصنيف الدولي»، إلى جانب وجود 2.2 مليون طفل دون سن الخامسة يحتاجون إلى العلاج العاجل من سوء التغذية الحاد، وهو أحد أعلى المعدلات في العالم.

حملة توعية في أوساط طلبة المدارس الحكومية بأهمية اللقاحات (إعلام يمني حكومي)

وأظهرت هذه البيانات أن ما يقرب من ثُلث الأسر تعاني من فجوات في وجباتها الغذائية، ونادراً ما تستهلك الأطعمة مثل البقوليات أو الخضار أو الفاكهة أو منتجات الألبان أو اللحوم.

وأوضحت بيانات المنظمة أن الأطفال الصغار فقط هم الذين يتناولون 3 وجبات في اليوم، كما أن الأسر في اليمن تعاني من آثار تغير المناخ، حيث دمرت فترات الجفاف والأمطار الغزيرة المحاصيل والمنازل وسبل العيش. ورجحت حدوث مزيد من الصدمات المناخية مع استمرار موسم الأمطار، في ظل تدهور البنية التحتية غير المجهزة للتعامل مع الفيضانات.

وشددت المنظمة على أن اليمنيين يحتاجون إلى سلام مستدام وشامل أكثر من أي وقت مضى. وقالت إنه يجب على أطراف النزاع كافة، بما في ذلك المجتمع الدولي، تجديد الجهود لتحقيق السلام وإعادة بناء البلاد. ورأت أن دفع الرواتب، وإعادة فتح الطرق الحيوية، ووضع خطة لإعادة بناء الاقتصاد، يجب أن تكون أموراً محورية في أي اتفاق سلام مقبل.


مقالات ذات صلة

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

العالم العربي معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد لمصلحة مشروعها.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تُقوّض وحدة القرار السيادي، وتخدم مشروع إيران.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية اليوم الجمعة أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي الحوثيون أعادوا إظهار لبوزة وتغطية تحركاته بعد عام ونصف العام من التجاهل (إعلام محلي)

جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

بدأ الحوثيون في الأيام الأخيرة الترويج لقيادي في جناح حزب «المؤتمر الشعبي العام» لترؤس حكومتهم المقبلة في وقت أبدت فيه قيادة الجناح رضوخاً جزئياً لشروط الجماعة

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي وزير الخارجية اليمني مجتمعاً في عدن مع مسؤول أممي (إعلام حكومي)

اليمن يعزز التنسيق مع المنظمات الدولية ويحذر من تجاوز أنظمة الاستيراد

اليمن يعزز تنسيقه مع المنظمات الأممية في مجالات الإغاثة والزراعة والحكومة تحذر من التفاف بعض التجار على أنظمة الاستيراد وتشدد على الالتزام بالآليات

«الشرق الأوسط» (عدن)

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.