شريف إسماعيل على {الكرسي الساخن}

المصريون يتساءلون: هل ينجح حامل «الحقيبة القابلة للاشتعال» في إنقاذ الحكومة؟

شريف إسماعيل على {الكرسي الساخن}
TT

شريف إسماعيل على {الكرسي الساخن}

شريف إسماعيل على {الكرسي الساخن}

فوجئ البعض بإسناد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئاسة الحكومة إلى المهندس شريف إسماعيل، وزير البترول في حكومة إبراهيم محلب المستقيلة. غير أن راصدي الأوضاع في مصر، والعارفين بالمنجزات التي حقّقها إسماعيل إبان توليه منصبه الوزاري يرون أنه الرجل الإداري والتكنوقراطي المؤهل للاضطلاع بمسؤوليات هذا المنصب الحساس، كونه رجل أفعال أكثر منه رجل أقوال. ولقد اكتشف الرئيس السيسي فيه هذه المزايا منذ كانا معًا وزيرين في حكومة الدكتور حازم الببلاوي بين 9 يوليو (تموز) 2013 و24 فبراير (شباط) 2014.
«كثيرون لا يعلمون من هو شريف إسماعيل.. لكنه رجل دؤوب وقليل الكلام، يركز جدًا في عمله، وحلوله سريعة ولا ينتظر إلى أن تتفاقم المشكلات داخل الدولة».. هكذا لخص الدكتور عبد الله المغازي، معاون رئيس الوزراء المصري السابق إبراهيم محلب، في جملة واحدة معضلة مصر كلها في اختيار رئيس الحكومة الجديد؛ سواءً من حيث الدهشة التي قابل بها الشارع طرح اسم إسماعيل، أو ما بدا من إصرار إدارة الدولة على اختياره للمنصب التنفيذي الأول في مصر.
جملة المغازي جاءت في إطار تعليقه على اختيار المهندس شريف إسماعيل ليخلف محلب رئيسا جديدا للحكومة الأسبوع الماضي. ورغم أن إسماعيل أحد أقدم أعضاء الحكومات الثلاث التي جاءت بعد ثورة 30 يونيو (حزيران)، محافظًا على منصبه الوزاري في ظل وزارة الدكتور حازم الببلاوي، ثم وزارتي المهندس محلب، فإنه يظل في رأي عامة الشعب «الرجل الغامض»، نظرا لندرة ظهوره الإعلامي أو إدلائه بتصريحات، أو حتى وجود سيرة ذاتية موسعة عنه.

* الحقيبة الوزارية «القابلة للاشتعال»
في الوقت ذاته، يسجل لإسماعيل أنه حافظ على حقيبته البترولية «القابلة للاشتعال»، بحسب خبراء اقتصاد ومراقبين سياسيين، ببراعة فائقة ومن دون خسائر.. وذلك في ظل ما عانته مصر منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 من أزمات خانقة في الوقود، ونجاحه في عقد اتفاقيات عدة لضخ مزيد من الوقود إلى السوق، إضافة إلى خطة محكمة لتوزيع ما أسهمت به حكومات الخليج العربي من مساعدات بترولية، جعلت من الأزمة السابقة شيئا من الماضي. كذلك ظهر أيضا نجاح إسماعيل في الإسهام بقوة في حل أزمة «انقطاع الكهرباء» التي شهدتها الدولة في العام قبل الماضي، عن طريق توفير المواد البترولية اللازمة لتشغيل محطات توليد الطاقة بصورة منتظمة، مما أدى إلى انتهاء الأزمة تمامًا على مدار العام الماضي.
كل ذلك فعله إسماعيل في الظل من دون «ضجيج»، وربما لم يظهر إعلاميا سوى من خلال إطلالة أو اثنتين خلال العامين الماضيين، حتى إنه نادرًا ما يرد على هاتفه الشخصي؛ لأنه «رجل لا يحب الأضواء، ولا يسعى لها»، بحسب مقربين منه. لكن نجم إسماعيل سطع بقوة خلال الشهر الماضي مع إعلان شركة «إيني» الإيطالية عن الكشف الأكبر من نوعه للغاز الطبيعي، ليس في مصر وحدها ولكن في إقليم البحر المتوسط قاطبة، الذي توقع خبراء الاقتصاد أن من شأنه أن يغير وجه مصر خلال الأعوام المقبلة.

* نجاحات بلا ضجيج
مصدر حكومي قال لـ«الشرق الأوسط» أمس: «لم ينجح شريف إسماعيل فقط في الإسهام بشكل كبير في إنقاذ الدولة من أزمتي الوقود والكهرباء، والكشف العملاق، بل نجح على المستوى الاستراتيجي في ما هو أبعد من ذلك، أي بإسهامه في توفير الثقة في رسوخ الدولة لدى المستثمر الأجنبي.. فأي مستثمر يفكر في العمل في مصر سينظر إلى كل هذه الأشياء جيدا، وتشجعه بقوة على القدوم لأن غيابها يعني غياب أي مناخ جاذب».
وتابع المصدر الحكومي: «لكل هذه الأسباب وقع اختيار الرئيس على إسماعيل لتشكيل الحكومة.. فهو رجل منضبط ومحنك في عمله، يؤدي دوره بصمت، ولديه رؤية واضحة»، ثم أردف: «لا ننسى أن الرئيس السيسي كان عضوًا في حكومة الدكتور الببلاوي وزيرا للدفاع ونائبا أول لرئيس الوزراء.. أي إنه يعرف تمامًا مؤهلات المهندس شريف إسماعيل وزامله طويلاً، مما يتيح له أن يحكم عليه بوصفه شخصية ناجحة وذات كفاءة عالية بصورة كبيرة».

* الدراسة والمناصب
وعن مسيرته الوظيفية، فقد تخرج إسماعيل في كلية الهندسة بجامعة عين شمس عام 1978، ليعمل بعدها في مجال البحث والاستكشاف البترولي. وتدرّج في عدة مناصب أهمها مدير عام الشؤون الفنية بشركة «إنبي»، إحدى أهم الشركات في مجال الطاقة بمصر. ثم عمل وكيلاً لوزارة البترول لشؤون عمليات البترول والغاز بين عامي 2000 و2005، قبل أن يتولى رئاسة مجلس إدارة الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيغاس) لمدة قاربت العامين، ثم رئاسة مجلس إدارة شركة جنوب الوادي القابضة للبترول حتى عام 2013. وبعدها عين وزيرًا للبترول في منصف شهر يوليو 2013، واستمر في موقعه حتى اختياره رئيسا للوزراء في منتصف شهر سبتمبر (أيلول) الحالي.
يأتي قبول إسماعيل المهمة التي وصفها سياسيون مصريون بـ«الشاقة»، في وقت ربما كان كثيرون يفضلون التنصل منها والبعد عنها، لأنها حكومة حُكم عليها أن تكون «مؤقتة» بحكم الدستور الذي ينصّ على حق كتلة الأغلبية البرلمانية في تشكيل الحكومة فور عقد جلسات البرلمان المقبل، التي من المتوقع أن تبدأ مطلع العام المقبل.
إلا أن إسماعيل قبل المهمة، رغم ذلك، من دون النظر إلى «محدوديتها الزمنية». ويؤكد المقربون منه لـ«الشرق الأوسط» أنه «رجل وطني ولا يمكن أن يتخلّى عن تكليف، بل غالبا قد ينجح في حيازة ثقة البرلمان المقبل للاستمرار في موقعه حال نجاحه في مهمته».
أيضًا قبل إسماعيل ترؤس الوزارة في وقت حرج؛ إذ إن مصر مقبلة على الانتهاء من خارطة الطريق في خطوتها الأخيرة المتمثلة في الانتخابات البرلمانية، وهي الانتخابات التي كثيرًا ما شهدت مصر خلالها في العقود الماضية صراعات واشتباكات بين المرشحين وداعميهم، خاصة في المناطق القبلية؛ إلى جانب اتهامات الخاسرين للدولة بالتلاعب في النتائج. ويضاف إلى ذلك، بالطبع، مسؤولية الحكومة المصرية عن تحقيق خطط النمو الاقتصادي الذي تعثر طويلاً، وعملها في مجال مكافحة العنف والإرهاب الذي تتبناه جماعات عدة على رأسها الإخوان عقب الإطاحة بهم من حكم مصر.

* تحدي الأداء الخدماتي
ويرى المراقبون أن مشكلة حكومة رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب كان يكمن أغلبها في ضعف أداء الوزارات الخدمية، مثل الصحة والتعليم والتعليم العالي والنقل والاتصالات والثقافة، التي واجهت انتقادات حادة ومستمرة خلال أكثر من عام، ولذلك كانت هذه الحقائب ضمن أبرز التغييرات التي شهدتها الحكومة الجديدة. ويشير هؤلاء إلى أن نجاح إسماعيل في حلحلة ملفات هذه الوزارات وتحقيق نجاحات ملموسة للشارع المصري فيها، سيسفر حتما عن إنجاز جديد يضاف إلى رصيد رئيس الوزراء الجديد.
الاختيارات الوزارية لإسماعيل قد تكون شهدت بدورها بعض الجدل المبكر، وربما قبل أن يدخل الوزراء إلى مكاتبهم لمباشرة أعمالهم. ومن انتقادات جادة لأخطاء وزير التعليم اللغوية، وأخرى مثيرة للسخرية حول فستان قصير الأكمام لإحدى الوزيرات الجديدات، طال النقد اختيار وزيرين سابقين هما أحمد زكي بدر للتنمية المحلية (آخر وزراء التعليم في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك) وهشام زعزوع للسياحة (تولّى الحقيبة في حكومة هشام قنديل إبان حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان).. لكن بعض المراقبين رأوا في ذلك «دلالة سياسية إيجابية للغاية، حتى وإن كانت غير مقصودة بصورة مباشرة.. مفادها أن الدولة المصرية لا تنظر إلى الوزراء السابقين على أنهم متورّطون في نظم فتحكم عليهم بالإعدام السياسي مدى الحياة، بقدر ما تنظر إلى الكفاءة والأداء والسيرة الوظيفية ما لم يكونوا متورطين جنائيًا أو إداريا في فساد.
وجاءت التكليفات الأولى من الرئيس السيسي لإسماعيل متماشية مع رؤية الخبراء لمتطلبات وأولويات المرحلة المقبلة. فقد أكد الرئيس، بحسب بيان رسمي عقب الاجتماع الأول مع رئيس الحكومة، أن «الدولة تولي أهمية كبيرة لضبط الأسعار، والوفاء باحتياجات المواطن المصري، لا سيما الفئات الأولى بالرعاية»، مشددًا على أهمية «توافر الأدوية والوقود، والسلع الغذائية ومستلزمات عيد الأضحى بأسعار مناسبة للمواطنين». كذلك اهتم الرئيس السيسي بالإشارة إلى أهمية الخروج عن الأنماط التقليدية في العمل والإدارة والبحث عن الأفكار الخلاقة والمبتكرة، التي تسهم في زيادة حصيلة إيرادات الدولة، حتى تتمكن من الوفاء باحتياجات المواطنين على الوجه الأكمل، من دون المساس بمحدودي الدخل والفئات الأكثر احتياجًا، الذين يتعين توفير الرعاية الكاملة لهم والارتقاء بأوضاعهم.

* محوران لعمل الحكومة
أما إسماعيل فأوضح من جانبه، في أحد تصريحاته القليلة عقب اجتماعه الأول مع وزرائه، أن الحكومة سوف تعمل على محورين: الأول قصير الأجل لإيجاد حلول عاجلة للمشكلات القائمة، والثاني محور طويل الأجل لتنفيذ المشاريع القومية التي يجري تنفيذها، والعمل على استقرار أركان الدولة. وأشار إلى أن هناك برنامجًا للحكومة سيصار إلى تجهيزه لعرضه على مجلس النواب المقبل، كما شدد على أنه «لا مكان للفساد، حيث نقف بشدة أمام هذه الظاهرة، وسنعمل بحزم على حل المشكلات القائمة».
وعلى المستوى التنفيذي، طالب إسماعيل وزير الاستثمار بإعداد تقرير شامل عن جميع مذكرات التفاهم التي تواجه معوّقات في تحويلها إلى اتفاقيات وعقود نهائية، والإجراءات المطلوبة للتغلب على هذه المعوّقات، إلى جانب سرعة تنفيذ المشاريع المقترحة، وهو أيضا ما يؤكد ما ذهب إليه المراقبون من أن رئيس الوزراء الجديد «رجل عملي لأقصى درجة».
وبحسب تأكيد سياسي مصري محنّك لـ«الشرق الأوسط» - طلب عدم ذكر اسمه لأسباب خاصة - فإن «خطوات وتصريحات رئيس الوزراء الجديد الأولى، على الرغم من قلّتها، فإنها أدت إلى تحوّله من الرجل الغامض في عين الشارع المصري، إلى رجل يحمل بارقة أمل كبيرة في تحسين أوضاع المصريين بشكل عام.. قد تكون المهمة شاقة والنافذة الزمنية ضيقة؛ لكن شريف إسماعيل رجل بقدر التحدي».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».