فرنسا: هل فتحت المعركة الرئاسية قبل 4 سنوات من حصولها؟

المتنافسون كُثر وأولهم دارمانان وفيليب وأتال... وماكرون يراقب

الرئيس إيمانويل ماكرون يتابع من كثب معركة الراغبين في خلافته عام 2027 (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون يتابع من كثب معركة الراغبين في خلافته عام 2027 (أ.ف.ب)
TT

فرنسا: هل فتحت المعركة الرئاسية قبل 4 سنوات من حصولها؟

الرئيس إيمانويل ماكرون يتابع من كثب معركة الراغبين في خلافته عام 2027 (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون يتابع من كثب معركة الراغبين في خلافته عام 2027 (أ.ف.ب)

في شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، انتُخب إيمانويل ماكرون رئيساً لولاية ثانية. وحتى اليوم، لم ينقضِ من هذه الولاية سوى عام ونصف العام. والحال أن المعركة الرئاسية لعام 2027 فُتحت؛ إذ يبدو من الواضح أن الطامحين كُثر وأنهم لن ينتظروا طويلاً للكشف عن طموحاتهم الرئاسية، خصوصاً أن الدستور الفرنسي لا يتيح للمرشح سوى ولايتين متعاقبتين.

ومؤخراً، أعرب ماكرون عن «أسفه» لوجود هذه القاعدة التي تحرمه من التنافس من أجل ولاية ثالثة، علماً أن أمراً كهذا يحتاج إلى تعديل الدستور الذي إن حصل سيجعل فرنسا تشبه دولاً أفزيفية، حيث الدستور مسخّر لخدمة الرئيس ودوام عزه. لكن القراءة السياسية تفيد بأن لا أحد في فرنسا يمكن أن يجرؤ على الإقدام على خطوة من هذا النوع.

جيرالد دارمانان المستعجل

ثمة جبهات عدة بعضها فُتح فعلاً وبعضها سيفتح في الأشهر القليلة المقبلة. وتعدّ جبهة وراثة ماكرون سياسياً هي الأهم وهي التي تعرف وستعرف أكثر فأكثر الحماوة الأكبر خصوصاً.

ماكرون الذي وصل إلى قصر الإليزيه متخطياً الأحزاب التقليدية ليس له حتى اليوم وريث معين ولا مصلحة سياسية له، في أي حال، في طرق هذا الباب الذي إن فتح سيحوله «بطة عرجاء»، وفق التعبير الأميركي الشهير، بمعنى أنه سيحوله رئيساً عديم التأثير وغير متمكن من الإمساك بناصية الأمور في بلاده.

والحال، أن طبع ماكرون، كما عُرف عنه في أكثر من ستة أعوام من الحكم، مختلف تماماً، بل هو من أنصار «الحكم العمودي» بمعنى أن الكلمة الأخيرة في شؤون البلاد يجب أن تعود له.

ولأن الوضع على هذا الشكل؛ فإن ثلاثة أسماء متنافسين تبرز من ضمن الأكثرية النسبية الراهنة. وكان وزير الداخلية جيرالد دارمانان أول من كشف علناً عن رغبته في أن يخلف ماكرون في قصر الإليزيه، وذلك من خلال الاجتماع العام الذي دعا إليه في مدينة توركوان {شمال فرنسا} نهاية شهر أغسطس (آب) وفيه جمع عشرات النواب وأعضاء كُثراً في الحكومة الحالية.

جيرالد دارمانان وزير الداخلية أول من فتح معركة الرئاسة (أ.ف.ب)

وكان دارمانان يحلم بأن يخلف إليزابيت بورن في رئاسة الحكومة، إلا أن ماكرون أبقاها في منصبها وعبّر لها عن ثقته بها مجدداً ما قضى على أحلام وزير الداخلية المستعجل.

ويراهن دارمانان القادم إلى الحزب الرئاسي من اليمين الكلاسيكي وحزب «الجمهوريون» على صورته ممثلاً للجناح المتشدد في حزب ماكرون المسمى «النهضة» ويعدّ أن المعركة الرئاسية القادمة ستكون بمواجهة مارين لوبان، زعيمة حزب «التجمع الوطني»، التي واجهت ماكرون في الدورتين الأخيرتين والتي أعلنت أول من أمس أنها ستكون «المرشحة الطبيعية» لحزبها. وكوزير للداخلية، يحرص دارمانان على الوقوف دوماً إلى جانب رجال الأمن حتى عندما يتبين بشكل قاطع لجوؤهم إلى العنف في التعاطي مع المتظاهرين؛ الأمر الذي يعرّضه إلى انتقادات لاذعة من اليسار وأحياناً من حلفائه.

يحظى دارمانان برعاية ودعم رئيس الجمهورية الأسبق نيكولا ساركوزي الذي كال له المديح في كتابه الأخير «زمن المعارك» وعدّه مؤهلاً لأن يصل إلى أعلى المنصب في فرنسا. ويشكل ملف الهجرات والإسلام «حصان طروادة» لوزير الداخلية الراهن الذي يرى أن خطه المتشدد كفيل بسحب البساط من تحت قدمي مارين لوبان التي دأبت على استخدامه وسيلة لتعبئة جمهورها بالتوازي مع التنديد بالاتحاد الأوروبي الذي «سرق» من فرنسا سيادتها في أكثر من مجال.

إداور فيليب رئيس الحكومة الأسبق السياسي المفضل لدى الفرنسيين (أ.ف.ب)

إدوار فيليب الأكثر شعبية

بمواجهة دارمانان، يقف إدوار فيليب، رئيس الحكومة السابق، الذي تفيد استطلاعات الرأي بأنه الرجل السياسي الأكثر شعبية في فرنسا.

وخلال السنوات الثلاث التي شغل فيها رئاسة الحكومة، تميز فيليب، عمدة مدينة «لو هافر» الواقعة شمال البلاد وتعدّ المرفأ الرئيسي على المحيط الأطلسي، بالرصانة والابتعاد عن الديماغوجية. وقد نجح في إدارة أزمة «كوفيد - 19» والإمساك بمالية فرنسا بيد من حديد. وكان كثيرون يتخوفون من أن يقدم على منافسة ماكرون في رئاسيات 2022. إلا أنه قطع حبل المراهنات مؤكداً تأييده له. بيد أنه ترك الباب مفتوحاً للمعركة القادمة وعمد إلى تأسيس حزب سماه «هوريزون» (آفاق) ونجح في إيصال 31 نائباً إلى البرلمان. ويعد هؤلاء جزءاً رئيسياً من الأكثرية النسبية التي يتمتع بها ماكرون وحكومته في الندوة النيابية، وبالتالي فإن فيليب يعد ركناً أساسياً من أركان العهد الحالي.

وكما أن ساركوزي يراهن على دارمانان، فإن رئيس الحكومة الأسبق وعضو المجلس الدستوري الحالي ألان جوبيه يراهن على فيليب الذي عمل سابقاً مديراً لمكتب جوبيه. وفي كتابه الأخير، يشيد جوبيه في «مذكراته» بفيليب فيراه مؤهلاً للوصول إلى قصر الإليزيه.

ولا يخفي فيليب طموحاته الرئاسية وهو يعمل منذ اليوم على تشكيل فريق عمل تحضيراً للاستحقاق الرئيسي القادم بعد أقل من أربع سنوات بقليل.

غابرييل أتال: فلتة الشوط

يعدّ غابرييل أتال، وزير التربية الحالي، أصغر وزراء الحكومة سناً؛ إذ إنه لم بتجاوز الـ34 عاماً. دخل السياسة باكراً منتمياً إلى الحزب الاشتراكي ليخرج منه في عام 2016 ويلتحق بماكرون الذي بادر إلى إطلاق حركته «فرنسا إلى الأمام». وفي عام 2017، انتخب في سن الـ28 عاماً نائباً لينضم لاحقاً إلى الحكومة بصفته وزير دولة في وزارة التربية.

ولأن أتال صلب المعدن سياسياً ومتحدث بارع قوي الحجة، فقد عيّنه ماكرون ناطقاً باسم الحكومة ثم نصّبه في عام 2022 وزيراً مفوضاً للميزانية، قبل أن يسلمه صيف هذا العام إحدى أصعب الحقائب وهي وزارة التربية. وسريعاً جداً، سعى أتال إلى ترك بصماته على هذه الوزارة، حيث يسعى كل وزير إلى إطلاق إصلاحاته.

وزير التربية الشاب غابرييل أتال طموح غير محدود (أ.ف.ب)

وفي الأسابيع الأخيرة، استقبلت أتال الأضواء بتركيز بمنع الفتيات من ارتداء «العباءة في المدارس عادّاً أنها تعد انتهاكاً للعلمانية ولحياد المدرسة، وأصدر تعاميم بهذا السياق تعرّضت لانتقادات من أكثر من جهة.

الجديد بالنسبة لوزير التربية الشاب، أن استطلاعات الرأي أخذت تضعه من بين المسترئسين المحتملين في الاستحقاق القادم على الرغم من أنه شخصياً لم يلمح أبداً إلى شيء كهذا.

ويبيّن آخر استطلاع أن شعبيته تتخطى شعبية رئيسة الحكومة إليزابيت بورن وتجاور شعبة دارمانان. وفي حين يراهن الثاني على استعادة الشرائح الشعبية التي أهّلتها «النخب الباريسية»، وذلك من خلال التركيز على المسائل المعيشية اليومية، فإن أتال، خريج إحدى أرقى المدارس الخاصة في العاصمة وهي «المدرسة الألزاسية»، يراهن من جانبه على استمالة الطبقة المتوسطة، عادّاً أن الطبقة الشعبية منقسمة بين اليسار المتشدد، الذي يمثله المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون واليمين المتطرف ممثلاً بمارين لوبان.

قطعاً، من السابق لأوانه التنبؤ بما ستكون عليه المعركة الرئاسية في فرنسا بعد نحو أربع سنوات. لكن الثابت أن الراغبين في المنصب الأعلى يتحضرون لها منذ اليوم، وكل واحد من الثلاثة يراهن على قدرته على فرض نفسه «مرشحاً طبيعياً» ومثاله الأعلى ما قام به ماكرون شخصياً الذي وصل إلى قصر الإليزيه من غير أن يُنتخب من قبل نائباً أو يعين وزيراً. والخلاصة، أن الطموحات السياسية مشروعة وأول شروطها الجرأة والأهلية.


مقالات ذات صلة

أوروبا إيمانويل ماكرون (إلى اليمين) يحيي عن بعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري بمناسبة مؤتمر اقتصادي في الرياض الثلاثاء (أ.ف.ب)

فرنسا تواجه أزمة سياسية حادة وأصوات تطالب برحيل الرئيس ماكرون عن الإليزيه والبلاد تدخل في نفق مجهول.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا (إ.ب.أ)

رومانيا: المحكمة الدستورية تصادق على نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية

صادقت المحكمة الدستورية في رومانيا مساء اليوم الاثنين على نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها مرشح اليمين المتطرف كالين جورجيسكو.

«الشرق الأوسط» (بوخارست)
الولايات المتحدة​ غيرالد فورد وريتشارد نيكسون (أ.ب)

كلينتون منحه لأخيه... أبرز حالات العفو الرئاسي في تاريخ الولايات المتحدة

سبق للرؤساء الأميركيين أن أصدروا قرارات عفو لمساعدة أفراد عائلاتهم وحلفائهم السياسيين.

ماري وجدي (القاهرة)
الاقتصاد المرشح الرئاسي عن الحزب الوطني الجديد الحاكم محامودو باوميا يلقي كلمة خلال حفل إطلاق حملته في أكرا (رويترز)

غانا على مفترق طرق اقتصادي... انتخابات حاسمة تحدد مصير الديون والنمو

سيذهب الغانيون إلى صناديق الاقتراع في السابع من ديسمبر لاختيار رئيس جديد وبرلمان، في انتخابات تراقبها الأوساط الاستثمارية من كثب.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
أفريقيا الرئيس المؤقت نانجولو مبومبا يدلي بصوته (رويترز)

بعد وفاة حاكمها منذ الاستقلال... ناميبيا تصوّت لاختيار رئيس جديد

يتوجه قرابة مليون ونصف المليون ناخب في دولة ناميبيا إلى صناديق الاقتراع للتصويت على رئيس جديد للبلد الواقع في أقصى جنوب القارة الأفريقية.

الشيخ محمد (نواكشوط)

الشرطة الفرنسية تبحث عن 8 سجناء من شمال أفريقيا فروا من مركز اعتقال

عناصر من الشرطة الفرنسية في حالة استنفار بالعاصمة باريس (متداولة)
عناصر من الشرطة الفرنسية في حالة استنفار بالعاصمة باريس (متداولة)
TT

الشرطة الفرنسية تبحث عن 8 سجناء من شمال أفريقيا فروا من مركز اعتقال

عناصر من الشرطة الفرنسية في حالة استنفار بالعاصمة باريس (متداولة)
عناصر من الشرطة الفرنسية في حالة استنفار بالعاصمة باريس (متداولة)

بدأت الشرطة الفرنسية حملة تفتيش عن 8 سجناء من دول شمال أفريقيا فروا من مركز اعتقال في مدينة نيس جنوب فرنسا، ليل الاثنين.

وعلى خطى أفلام الحركة نجح في البداية 9 سجناء في الفرار من مركز الاعتقال الإداري بعد أن تمكنوا من إحداث ثقب في سقف غرفة الاحتجاز وتسربوا منها إلى السطح ومن ثم إلى خارج المؤسسة باستخدام أغطية.

عناصر من الشرطة الفرنسية في العاصمة باريس (متداولة)

ونجحت الشرطة في إيقاف عنصر واحد فقط، فيما لاذ الآخرون بالفرار. وأفادت «فرانس إنفو» بأن أعمارهم تتراوح بين 23 و31 عاماً وهم ينحدرون من دول تونس وليبيا والجزائر.

وسبق أن أخلت السلطات سبيل 5 من بين الفارين كانوا ملاحقين في جرائم تتعلق بالقانون العام، فيما تم الإفراج عن الـ3 الآخرين من مركز احتفاظ لدى الشرطة.

وقال المدعي العام في نيس إن أياً من الفارين لم يخضع إلى الملاحقة بسبب التطرف.

وكان المركز الموجود داخل ثكنة أمنية شمال شرقي المدينة، شهد في عام 2018 عملية فرار مشابهة لـ5 مهاجرين غير نظاميين موقوفين وبالطريقة نفسها.

وسبق أن أعلن المراقب العام للمؤسسات السالبة للحرية أن مبنى المركز الذي يتسع لـ40 موقوفاً متهالك ويفتقد إلى معايير النظافة.