أثارت زعيمة حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، أليس فايدل، عاصفة من الانتقادات بعد أن وصفت استسلام النازيين في نهاية الحرب العالمية الثانية بأنه «هزيمة لبلادها»، خلافاً للتوصيف المستخدم في ألمانيا منذ نهاية الحرب واعتماد تعبير «تحرير» البلاد من النازيين وليس هزيمتها.
ووصف مؤرخ ألماني استخدام فايدل لتعبير «الهزيمة» بأنه «مقلق للغاية» ويشير إلى «انهيار في ثقافة التذكر التي بنتها ألمانيا بالكثير من الجهد».
وتُرفع في ألمانيا كل عام في ذكرى نهاية الحرب شعارات مثل «نتذكر كي لا تُكرر مرة جديدة»، في إشارة إلى الجرائم التي ارتكبها النازيون خلال الحرب.
واتهم المؤرخ ينس-كريستيان فاغنر، فايدل بـ«تحريف التاريخ»، مضيفاً أنها مقاربة «كلاسيكية لليمين المتطرف منذ الخمسينات، ويظهر أنه ليست هناك رغبة في الابتعاد» عن ألمانيا النازية.
وأشار فاغنر إلى أنه «في تاريخ ألمانيا، فإن التعامل مع جرائم النازيين كان دائماً هو المبدأ التوجيهي الأخلاقي والسياسي لعمليتنا الديمقراطية والتوجه الإنساني الأساسي لمجتمعنا».
وكانت فايدل تتحدث خلال مقابلة مع القناة الألمانية الأولى يوم الأحد الماضي، وسئلت عن سبب عدم مشاركتها في الاحتفال الذي نظمته السفارة الروسية في برلين في يوليو (تموز) الماضي، في ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء. وبررت فايدل عدم حضورها الحفل رغم مشاركة الزعيم المشترك لحزبها تينو شروبال به، قائلة: «لقد اتخذت قراراً شخصياً بعدم المشاركة لأسباب سياسية. الاحتفال بهزيمة بلدنا مع قوة محتلة سابقة هو أمر لا يمكنني شخصياً أن أشارك به».
اتهامات بـ«تحريف التاريخ»
ووجّه سياسيون من أحزاب مختلفة انتقادات لاذعة لفايدل. وكتبت وزيرة العائلة ليزا باوس التي تنتمي لحزب «الخضر» تغريدة على منصة «إكس»، تعليقاً على كلام فايدل: «اقتباس لبريشت (شاعر ومسرحي ألماني) يأتي إلى الأذهان: الرحم التي خرج منها ذاك ما زالت خصبة». وأضافت: «لا عودة أبداً للفاشية». وانتقدت زميلتها في الحزب كذلك النائبة بريتا هاسلمان كلام فايدل، وكتبت على المنصة نفسها: «يمكنك دائماً أن تفرق بين الألمان بحسب من يسمي 8 مايو (أيار) يوم الهزيمة أو يوم التحرير».
ويحتفل الحلفاء سنوياً بيوم 8 مايو يوماً لاستسلام ألمانيا النازية رسمياً وما تبعه من نهاية للحرب العالمية الثانية.
وانتقد عمدة بلدة هنيف، في ولاية شمال الراين فستفاليا غرب ألمانيا، ماريو دام، المنتمي للحزب «الاشتراكي» الحاكم، زعيمة «البديل لألمانيا» كذلك، وكتب على منصة «إكس»: «من يصوت لهذا الحزب يصوت للفاشيين».
وصدرت انتقادات كذلك من حزب «دي لينكا» اليساري المتطرف، وكتبت النائبة سوزانا فيرشل تتهم فايدل بـ«تحريف التاريخ عبر تحويل تحرير ألمانيا من النازيين إلى هزيمة».
وليست المرة الأولى التي تتحدث فيها فايدل بلغة شبيهة. ففي عام 2017 تسببت بموجة غضب كذلك عندما انتقدت «ثقافة الذنب» التي يكبر عليها الألمان. وقالت آنذاك إن «الجرائم التي ارتُكبت ضد الشعب الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، تم محوها من الذاكرة الجماعية».
أفكار شائعة
وتبدو هذه الأفكار شائعة داخل الحزب اليميني المتطرف؛ إذ صدرت تصريحات مماثلة أخيراً عن مرشح الحزب الأول للانتخابات الأوروبية العام المقبل، ماكسيميليان كراه، الذي قال في فيديو بثه على موقع «تيك توك» إن «أجدادنا ليسوا مجرمين»، ودعا متابعيه من الذين هم في عمر الشباب أن يسألوا «أجدادهم عما قاتلوا وقاسوا» من دون أن يأتي على ذكر الجرائم التي ارتكبها النازيون.
ويخضع حزب «البديل لألمانيا» لمراقبة من قبل المخابرات الداخلية منذ عامين، ما يسمح للمخابرات بالتنصت على أعضائه ومراقبتهم بسبب تزايد المخاوف من محاولات الحزب لتقويض الدستور. ويمكن لهذه الخطوة أن تؤدي لحظر الحزب في حال ثبات اتهامات ضد الحزب تتعلق بتقويض أسس الدستور والقانون.
تصاعد شعبية «البديل لألمانيا»
وتأتي تصريحات فايدل في وقت تتصاعد فيه شعبية الحزب إلى مستويات قياسية؛ إذ أظهر آخر استطلاع للرأي نشرته الأحد الماضي صحيفة «بيلد أم زونتاغ» حصول الحزب المتطرف على 22 في المائة من نسبة الأصوات في حال حصلت انتخابات عامة في البلاد اليوم، علماً أن لدى الحزب نفسه قرابة 10 في المائة اليوم من مقاعد «البوندستاغ» (البرلمان الفيدرالي).
وبحسب الاستطلاع أيضاً، فإن الحزب «المسيحي الديمقراطي» الذي تنتمي إليه المستشارة السابقة أنجيلا ميركل حل في الطليعة بنسبة 27 في المائة، مقابل 18 في المائة للحزب «الاشتراكي» الحاكم، و13 في المائة لحزب «الخضر»، و8 في المائة للحزب «الليبرالي» (المشارك في الحكومة إلى جانب «الخضر» والاشتراكيين).