ثلاثة وجوه برونزية كلاسيكية من الجزيرة العربية

تحمل الطابع الهلنستي وتحاكي الواقع الحسي

وجه من قرية الفاو ووجه من غيمان ووجه من نجران
وجه من قرية الفاو ووجه من غيمان ووجه من نجران
TT

ثلاثة وجوه برونزية كلاسيكية من الجزيرة العربية

وجه من قرية الفاو ووجه من غيمان ووجه من نجران
وجه من قرية الفاو ووجه من غيمان ووجه من نجران

يحتفظ متحف الآثار التابع لجامعة الملك سعود بمجموعة من المنحوتات البرونزية تتميز بأسلوبها اليوناني الكلاسيكي، مصدرها موقع قرية الفاو، جنوب شرقي محافظة وادي الدواسر. تضمّ هذه المجموعة وجهاً كبيراً يماثل بسماته إلى حدّ كبير وجهاً خرج من مدينة غيمان، جنوب شرقي محافظة صنعاء، كما أنه يشابه بشكل عام وجهاً آخر خرج من منطقة نجران، جنوب غربي المملكة العربية السعودية، على الحدود مع دولة اليمن.

يبلغ طول وجه قرية الفاو نحو 40 سنتمتراً، وهو مصنوع من البرونز المصقول، ويوحي عنقه المبتور بأنه يعود في الأصل إلى تمثال كبير يقارب من حيث الطول الحجم الطبيعي للإنسان. تعرّض هذا الوجه كما يبدو إلى ضربة هرست الجزء الأيمن منه وهشّمته، غير أن هذا التشويه لم يقضِ على سماته. الجبين قصير، الوجنتان ممتلئتان، والذقن مقوّسة ملساء، وتخلو من أي شعيرات. الأنف مجسّم بشكل بارز، وهو في موقعه الطبيعي في وسط الوجه، بين الوجنتين وفوق الحنك.

العينان مفتوحتان، وهما على شكل لوزتين من الحجم الطبيعي، يحدّ كلّا منهما جفن علوي وجفن سفلي حُدّدا بشكل جليّ. في وسط كل عين، تبرز القزحية، وفي وسط هذه القزحية يحضر البؤبؤ على شكل دائرة مجوّفة. الحاجبان محدّدان بشكل طفيف، وهما أشبه بقوسين مجسّمين غاب عنهما أي تحديد لشعيراتهما. الفم صغير مطبق، ويتكون من شفتين صغيرتين مكتنزتين ترسمان ابتسامة خفرة تذكّر بتلك «الابتسامة الرقيقة المحمّلة السر»، التي ذكرها بودلير في وصف ملائكة ليوناردو دافنشي. يمثّل هذا الوجه، كما تشهد سماته، شاباً أمرد يعلو رأسه شعر طويل صَفِّف كله على شكل ضفائر مستديرة متجاورة ومتجانسة، منحوتة بدقّة بالغة. يحيط هذا الشعر الكثيف بهذا الوجه الدائري مشكّلاً إطاراً له، وينسدل عند طرفي الرقبة كما يبدو، مما يعطي التسريحة طابعاً أنثوياً.

يماثل هذا الوجه بشكل لافت وجهاً شهيراً من اليمن محفوظاً في المتحف البريطاني من لندن، يرجع إلى القرن الثاني للميلاد حسب أهل الاختصاص، ومصدره على الأرجح مدينة غيمان، جنوب شرقي محافظة صنعاء، وهي المدينة التي تضمّ حسب الروايات مقبرة ملوك حمير، ومنهم أبو كرب أسعد الذي سُمّي بأسعد الكامل لأن حكمه شمل اليمن بالكامل، كما تشهد أبيات شهيرة منسوبة إليه: «وغيمان محفوفة بالكروم- لها بهجة ولها منظر- بها كان يُقبر من قد مضى- من آبائنا وبها نُقبر- إذا ما مقابرنا بُعثرت- فحشو مقابرنا الجوهر».

خرج وجه غيمان من الظلمة إلى النور يوم نُشرت صورته للمرة الأولى في المجلة الفصلية الخاصة بالمتحف البريطاني في 1936، مع دراسة تحمل توقيع العالم البريطاني سيدني سميث، وقيل يومها إن «سلطان اليمن» الإمام يحيى حميد الدين أهداه إلى جورج السادس لمناسبة تتويجه على بريطانيا العظمى وآيرلندا في تلك السنة، وبات هذا الوجه منذ ذلك التاريخ من محفوظات المتحف في لندن. يبلغ طوله 22 سنتيمتراً، وهو ذو شكل دائري، ويمثّل كذلك شاباً أمرد، يعلو هامته شعر كثيف ينسدل حتى أسفل الوجنتين، تتفرّق خصلاته اللولبية المتساوية في الحجم من وسط الرأس. تمتاز سمات هذا الشاب بالرقة والرهافة في التنفيذ. تظهر الجبهة الصغيرة تحت خط غرّة الشعر المنسدلة، ويحدّها صدغان ضئيلان. الحاجبان مدموجان بمسطّح الجبهة، مع تجسيم طفيف لقوسيهما. الأجفان محدّدة بدقة، وتشكّل إطاراً للعينين المفتوحتين. الحدقتان واسعتان، ويتوسّط كل منهما بؤبؤ دائري مجوّف وغائر. الأنف ناتئ، وهو أكثر أعضاء الوجه بروزاً، وفقاً للتشريح الحسّي الواقعي، ومنخاراه محدّدان بدقّة. الثغر صغير، وشفتاه مفتوحتان بشكل طفيف. والذقن ممتلئة ومكتنزة بشكل بارز.

نقع على وجه ثالث ينتمي إلى هذا النسق الفني، ومصدره غير المؤكّد نجران، جنوب غربي المملكة العربية السعودية، وأوّل من عَرَّف به الباحثة الإيطالية المختصة بميراث جنوب الجزيرة العربية لوسيا غويريني التي وصفته ودرسته في مقالة علمية نُشرت عام 1974 في مجلة جامعية تصدر عن المعهد الشرقي في مدينة نابولي. حسبما جاء في هذا البحث، كان هذا الوجه من مجموعة خاصة تعود إلى وجيه من نجران يُدعى عبد العزيز السديري، أما اليوم، فهو من محفوظات هيئة التراث السعودية كما يبدو. يبلغ طوله نحو 13 سنتمتراً، وهو مكسوّ بغشاء من الصدأ، غير أن ملامحه جلية بشكل كامل، وقسماته تخلو من تلك الرقّة التي تميّز وجه قرية الفاو، ويغلب عليها تعبير حاد يتجلّى في نظرة العينين التي تتجه بشكل طفيف نحو اليمين.

يتكرّر وجه الشاب الأمرد، غير أن ملامحه تبدو ذكورية بشكل خالص، وتتّسم بشيء من الخشونة. الحاجبان مقطّبان، الأنف معقوف، والفم مشدود، وشفتاه مزمومتان. تعكس هذه التعابير حالة من الاكفهرار، كما أنها تسكب على هذا الوجه طابعاً فردياً خاصاً يخرج عن المثال الأصلي المعروف. تسريحة الشعر تتبع النسق نفسه، وهي هنا على شكل خصل دائرية متوازية، تتراصف في ثلاثة صفوف متلاصقة، تشكلّ ثلاثة عقود تحيط بالرأس وتكوّن هالة من حوله.

دخل هذا النسق إلى جنوب الجزيرة التي لم تخضع للسلطة الهلينية، واصطبغ بسمات وخصائص محلية سواء من حيث الشكل أو أسلوب النحت

تحمل هذه الوجوه الثلاثة الطابع الهلنستي الذي يقوم على محاكاة الشبه الحسي الواقعي بشكل أساسي. ظهر هذا النسق في الشرق المتوسطي وطبع نتاجاً فنياً واسعاً تعدّدت أشكاله. ومن هذا الشرق، دخل هذا النسق إلى جنوب الجزيرة التي لم تخضع للسلطة الهلينية، واصطبغ بسمات وخصائص محلية سواء من حيث الشكل أو أسلوب النحت، كما تشهد مجموعة كبيرة من القطع الأثرية، منها على سبيل المثل لا الحصر، تمثال برونزي بديع محفوظ في متحف صنعاء الوطني، يُمثّل ذمار علي يهبر، ملك سبأ، وذو ريدان في القرن الثاني للميلاد.

في الجانب الآخر من جزيرة العرب، ظهر هذا النسق بشكل محدود، وأبرز شواهده تعود إلى قرية الفاو، كما توحي المكتشفات الأثرية المتعاقبة حتى يومنا هذا. في المقابل، يبرز وجه نجران شاهداً آخر من هذه الشواهد، ولا ندري إن كان من نتاج هذه البقعة من الجزيرة أو من خارجها.


مقالات ذات صلة

باحثون يرجّحون مشاركة شعب الأنجلوسكسون في حروب بشمال سوريا

يوميات الشرق صورة أرشيفية لاكتشاف سابق عن عظام هيكل عظمي بشري اكتشفت بمقبرة أنجلوسكسونية لم تكن معروفة من قبل في نورفولك... الصورة في مكاتب متحف لندن للآثار بنورثامبتون وسط إنجلترا يوم 16 نوفمبر 2016 (رويترز)

باحثون يرجّحون مشاركة شعب الأنجلوسكسون في حروب بشمال سوريا

اقترح باحثون أن رجالاً من شعوب الأنجلوسكسون في القرن السادس الميلادي ربما سافروا من بريطانيا إلى شرق البحر المتوسط ​​وشمال سوريا للقتال في الحروب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق الكهف خزّان الآثار (أ.ف.ب)

أي طقوس مارسها السكان الأصليون في أستراليا قبل 12 ألف عام؟

من النادر جداً أن تتبَّع أدلّة أثرية تعود إلى آلاف السنوات رمزية تصرّفات أفراد مجتمعات لم تكن تمارس الكتابة بعد.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
يوميات الشرق ساحة مسجد محمد علي بالقلعة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: وصلة رقص في ساحة مسجد «محمد علي» الأثري تفجر انتقادات

فجرت وصلة رقص بساحة مسجد «محمد علي» الأثري بقلعة صلاح الدين (شرق القاهرة)، على هامش عقد قران ابنة مذيعة شهيرة، انتقادات عبر «السوشيال ميديا».

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من الآثار المكتشفة بجوار ضريح أغاخان بأسوان (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر: اكتشاف 33 مقبرة أثرية تضم مومياوات يونانية ورومانية بأسوان

اكتشفت إحدى البعثات الأثرية العاملة في مدينة أسوان (جنوب مصر) مجموعة مقابر عائلية تعود إلى العصور المتأخرة والعصرين اليوناني والروماني.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق العلامة الصورية في الكتابات المسمارية الرافدية لرمز المدفن النجمي أو العجلة (الباحثان)

اكتشاف مدفن لعجلة وآله موسيقية في السعودية تعيد كتابة تاريخ الجزيرة العربية

تُقدم المدافن الأثرية التي يتم اكتشافها بين وقت وآخر في مختلف المناطق السعودية فرصة ثمينة لبناء سردية جديدة عن التاريخ الحضاري لأراضي الجزيرة العربية.

عمر البدوي (الرياض)

الفنانة الوحيدة في مهرجان الدمام المسرحي حصلت على جائزة «أفضل ممثلة»

الفائزون والمنظمون والمحّكمون في ختام ملتقى الدمام المسرحي لـ«المونودراما» و«الديودراما» (الشرق الأوسط)
الفائزون والمنظمون والمحّكمون في ختام ملتقى الدمام المسرحي لـ«المونودراما» و«الديودراما» (الشرق الأوسط)
TT

الفنانة الوحيدة في مهرجان الدمام المسرحي حصلت على جائزة «أفضل ممثلة»

الفائزون والمنظمون والمحّكمون في ختام ملتقى الدمام المسرحي لـ«المونودراما» و«الديودراما» (الشرق الأوسط)
الفائزون والمنظمون والمحّكمون في ختام ملتقى الدمام المسرحي لـ«المونودراما» و«الديودراما» (الشرق الأوسط)

حصلت الممثلة غيداء سلام، على جائزة أفضل ممثلة في ملتقى الدمام المسرحي لـ«المونودراما» و«الديودراما» في نسخته الخامسة، التي اختُتمت مساء أمس السبت، وذلك عن دورها في مسرحية «إصبع روج» لفرقة جمعية الثقافة والفنون بالرياض؛ وكانت غيداء سلام هي الممثلة الوحيدة في كل العروض المشاركة في الملتقى، وقدّمت عرضاً متميزاً، ولذلك حصلت على جائزة تقديرية من لجنة التحكيم.

ولاحظت لجنة التحكيم غياب العنصر النسائي، عدا الممثلة غيداء سلام، التي شاركت في عرض واحد هو في مسرحية «إصبع روج»، وأوصت اللجنة بتعزيز العنصر النسائي في العروض المسرحية في المواسم المقبلة لهذا الملتقى، في ظل وجود أسماء نسائية بارزة في قطاع المسرح على المستويات الإدارية والفنية.

في حين حصل الممثل معتز العبد الله على جائزة أفضل ممثل عن مسرحية «تذكرة مغترب»، لفرقة محترفي الشرقية. كما نال المخرج أحمد الأحمري، على جائزة أفضل مخرج، وذلك عن مسرحية «ضوء» لفرقة مسرح الطائف. وذهبت جائزة أفضل نص للكاتب إبراهيم الحارثي عن مسرحية «تذكرة مغترب» لفرقة محترفي الشرقية.

وأما جائزة أفضل عرض فحصلت عليها مسرحية «تذكرة مغترب» لفرقة محترفي الشرقية.

الممثلة السعودية غيداء سلام تحصل على جائزة أفضل ممثلة في ملتقى الدمام المسرحي لـ«المونودراما» و«الديودراما» (الشرق الأوسط)

وأعلنت لجنة التحكيم عن جوائز ملتقى الدمام المسرحي لـ«المونودراما» و«الديودراما»، إذ منحت جائزة أفضل ديكور إلى مسرحية «وأنا أيضاً في هذه العتمة» لفرقة فنون الدمام. وجائزة أفضل مكياج إلى مسرحية «إصبع روج»، وجائزة أفضل أزياء إلى مسرحية «هذيان» لجمعية الثقافة والفنون بجدة، وجائزة أفضل إضاءة إلى مسرحية «ضوء» لفرقة مسرح الطائف، بجمعية الثقافة والفنون، وجائزة أفضل مؤثرات إلى مسرحية «تذكرة مغترب» لفرقة محترفي الشرقية.

وأعلنت لجنة تحكيم النصوص المكونة من: عباس الحايك، ويحيى العلكمي، وأحمد بن حمضة، عن جوائز النصوص؛ إذ حصل على المركز الأول «المشاهد الأول» لمحمد عبد القوي، والمركز الثاني «أغوار»، لفاطمة الحضري، والمركز الثالث «جان قسطنطين» للكاتبة ليلى حسين آل ناصر.

ومنحت لجنة التحكيم شهادات التميز إلى «بالونة آدم» لأحمد عبد الرحيم، و«الدرجة صفر في التفكير» لعبد الله العرفج، و«نص فاسد» لحسناء الموسى.

وأسدل، مساء أمس السبت، الستار على ملتقى الدمام المسرحي الخامس لـ«المونودراما» و«الديودراما»، بإعلان الفائزين وإعلان التوصيات.

وأوصت لجنة التحكيم المكونة من: سمعان العاني، ورجاء العتيبي، وعبد الله الجفال؛ بأن تزود إدارة الملتقى الفرق المسرحية المشاركة بمخططات هندسية احترافية للمسرح، على مستوى معمار القاعة، والخشبة، والكواليس، وأنظمة الإضاءة والصوت، قبل بداية العروض بفترة كافية، حتى تتمكن الفرق المسرحية من تصميم رؤاها الفنية وفقاً لمعلومات واضحة.

كما أوصت اللجنة بتنظيم زيارة للمخرجين لمشاهدة خشبة المسرح، والمساحات التي حولها، ومناقشة متطلباتهم الفنية، واختيار مواقع العرض، قبل تقديم عروضهم المسرحية بفترة كافية، وتستمر توصيات اللجنة من خلال إعادة تصميم المسرح على مستوى المعمار، والكواليس، والخشبة، وأنظمة الإضاءة والصوت، حتى يفي بالشروط المعيارية للمهرجانات في حال ما رغب الملتقى في إقامة عروضه في هذا المكان في المواسم المقبلة.

الفرقة الموسيقية بقيادة الفنان هلال حسين وسامي العويس التي صاحبت ملتقى الدمام المسرحي لـ«المونودراما» و«الديودراما» الخامس (الشرق الأوسط)

وتنافست الفرق المسرحية (وعددها 5 فرق) على جوائز الملتقى: أفضل ديكور، أفضل مكياج، أفضل أزياء، أفضل إضاءة، أفضل مؤثرات، أفضل ممثلة (التي حصلت على جائزة تقديرية من قبل لجنة التحكيم، لكونها الممثلة الوحيدة في هذا المهرجان)، أفضل مخرج، أفضل نص، أفضل ممثل، وأفضل عرض.

واختتمت الندوات التطبيقية، يوم أمس، بقراءة نقدية لعرض «إصبع روج» لفرقة جمعية الثقافة والفنون بالرياض، من تأليف عباس الحايك، وإخراج بندر الحازمي، وقدّم القراءة المخرج والممثل سامي الزهراني.