هل تدفع «السوشيال ميديا» المستخدمين لمشاركة «الأخبار الزائفة»؟

هل تدفع «السوشيال ميديا» المستخدمين لمشاركة «الأخبار الزائفة»؟
TT

هل تدفع «السوشيال ميديا» المستخدمين لمشاركة «الأخبار الزائفة»؟

هل تدفع «السوشيال ميديا» المستخدمين لمشاركة «الأخبار الزائفة»؟

جدَّد بحث نشره أخيراً موقع معهد «نيمان لاب» الأميركي المتخصص في دراسات الإعلام، الحديث عن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على انتشار الأخبار الزائفة. وأشار البحث إلى أن مواقع التواصل تكافئ من يتصرف بشكل سيئ عليها عبر زيادة المشاركات وعلامات الإعجاب والتفاعل، ومن ثم تعمل الخوارزميات على زيادة انتشار المعلومات المضللة على نطاق أوسع.

وفي حين أكد خبراء دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الأخبار الزائفة وزيادة التفاعل عليها، أشاروا إلى «قصور الخوارزميات في كبح جماح الترند والحد من انتشار المعلومات المضللة».

البحث أعده خبراء في التسويق وعلم النفس، ونشره معهد «نيمان لاب» في 8 أغسطس (آب) الجاري، ومما أشار إليه أن «لدى مواقع التواصل الاجتماعي القدرة على خلق عادة لمشاركة المحتوى عالي الجودة». وأوضح أنه «عقب أسابيع من تطبيق التجربة التي تتضمن مكافأة المستخدمين على مشاركة محتوى جيد، بدأ المستخدمون محل التجربة يشاركون محتوى مبنياً على حقائق ومعلومات دقيقة».

غير أن معهد «نيمان لاب» ذكر أن «مشاركة المعلومات الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي مشكلة ملحوظة، وهو ما أظهرته أبحاث داخلية أجراها (فيسبوك)، وبيّنت إعادة مشاركة والتفاعل مع المعلومات الزائفة بشكل كبير».

وفي تعليق على هذا الموضوع، قالت الدكتورة علياء عنتر، الأستاذ المساعد بكلية الإعلام، جامعه عجمان، لـ«الشرق الأوسط» إن «نظام العمل على منصات التواصل الاجتماعي يقوم على نظام المكافآت من خلال خوارزميات، تحسب التفاعل مع المحتوى المنشور بالإعجاب والمشاركة والتعليق والمشاهدة وغيرها من الأمور. وبناءً على ذلك يتم تحديد مدى انتشار وظهور المحتوى، بغضّ النظر عن مدى دقته».

وأضافت عنتر: «نظام الحوافز المتَّبَع على المنصات الاجتماعية يحفز دوافع المستخدمين وصناع المحتوى لتلبية رغبات هذه الخوارزميات للحصول على أكبر قدر من الانتشار والمكافآت المادية، وهنا تلعب هذه الخوارزميات دور حارس البوابة لمستخدمي السوشيال ميديا». وللعلم، وفقاً للبحث الذي نشره معهد «نيمان لاب» فإن نظام العمل التجاري على المنصات ونظام الحوافز المتَّبَع يشجِّع على نشر المعلومات المضللة ولا يهتم بمصداقيتها.

وهنا علّقت عنتر قائلة إن «حجة الدراسة تتشابه مع فكرة الوكز الرقمي (Digital Nudging) القائم على نظريات الاقتصاد السلوكي التي تفترض كسل الإنسان في اتخاذ قراراته، وبالتالي يحتاج إلى مَن يحفّزه برفق وبشكل غير مباشر على سلوك معين». وأضافت أن «البحث افترض أن تغيير نظام الحوافز على منصّات التواصل الاجتماعي لدعم المصداقية والدقة سيقلّل من المعلومات المضللة على منصات التواصل الاجتماعي».

إلا أنها أشارت إلى أن «تطبيق هذا المقترح معقد جداً، فإضافة زر للثقة أو الدقة سيكون أيضاً بناءً على آراء وانطباعات المستخدمين ولن يكون تقييمهم دقيقاً». وتابعت أن «نظام خوارزميات الذكاء الاصطناعي نفسه لا يستطيع أن يحكم على صدق المعلومة وكذبها، كما أن بعض المعلومات والأخبار تكون طارئة وصعب التحقق منها وقت النشر، إضافةً إلى أن الخوارزميات لا تجيد التعامل مع كل اللغات بنفس الكفاءة».

وشددت الأكاديمية بجامعة بنغازي على «أهمية نشر الوعي الإعلامي لدى المستخدمين وصناع المحتوى بوصفه الطريق الأمثل للتأكد من صدق المعلومات ودقتها»، داعيةً منصات التواصل الاجتماعي «إلى العمل على تطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي لكشف مصداقية المعلومات، والإعلان بشفافية عن الخوارزميات المتَّبَعَة في تقييم ما يُنشر».

معلومٌ أن المعلومات المضللة تنتشر على منصات التواصل الاجتماعي لا سيما في فترات الأزمات، فخلال شهر سبتمبر (أيلول) 2020 جرى تداول أكثر من مليون منشور على «تويتر» يتضمن معلومات غير دقيقة، ومضللة عن جائحة «كوفيد - 19»، وفق تقرير منظمة «اليونيسكو» حول الإعلام الصادر في مارس (آذار) 2022. وفي هذا الشأن، قال رامي الطراونة، رئيس وحدة المنصات الرقمية في صحيفة «الاتحاد» الإماراتية، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» إن «المعلومات الزائفة جزء لا يمكن إنكاره من واقع ما يتدفق في منصات التواصل... وانتشار أي معلومة مضللة مرتبط بقرب مضمون تلك المعلومة من المجتمع الذي تنتشر فيه، كقضايا الرأي العام مثلاً، وذلك بغرض التأثير على الرأي الجمعي إما بتدعيم فكرة وإما بالطعن في أخرى، وهو ما قد يترتب عليه تحقيق مكاسب لطرف أو إلحاق ضرر بطرف آخر».

وأردف أنه «دائماً ما تعزف المعلومات المضللة على وتر الفضول... ومع جمود وروتينية الأخبار التي تتضمن حقائق جليّة واضحة، تغدو الشائعة أو المعلومة الزائفة قابلة للاستساغة والانتشار بشكل أكبر، وبالأخص إنْ صيغت بطريقة دراماتيكية تمزج الحقيقة بالزيف أو بأسلوب عاطفي».

أيضاً يرى الطراونة أن «مواقع التواصل الاجتماعي أرضية خصبة لانتشار المعلومات عموماً والمضلِّلة على وجه الخصوص»، لافتاً إلى أن «التقرير يؤيد فكرة أن خوارزميات منصات التواصل تدعم انتشار المعلومات الخاطئة، ذلك أنها تتعامل مع الخبر وفقاً لمعطيات رقمية بحتة، وتمنح كل مادة وزناً وقيمة عددية يعتمد حسابها على مقدار البحث عن الموضوع ذاته، ونسب المشاهدات والتفاعل مع المنشور، من دون تمييز ما إذا كان مضمونه صحيحاً أم خاطئاً».

ثم شرح أن «شبكات التواصل الاجتماعي تحاول تطوير خوارزميات لتمييز الأخبار الزائفة، وبعضها جيّش الآلاف لمراجعة المعلومات يدوياً بسبب عانوه من القضايا والملاحقات القانونية، بسبب معلومة ما هنا أو هناك، لكن الأمر بلغ من الصعوبة مبلغاً جعل الكثير منها ينسحب من سباق الأخبار، كما حدث مع «ميتا»، مثلاً، وإغلاقها كثيراً من خدماتها الإخبارية في أميركا وكندا تزامناً مع أحداث عامة كالانتخابات وغيرها».

وأوضح الطراونة أن «قصور الخوارزميات في التعاطي مع الأخبار الزائفة، يجعل وعي الأفراد، ودرايتهم بطرق التحقق من صحة المعلومات، وكبح جماح الترند بقليل من التروي والعقلانية، هو السبيل الأقصر والأمثل لتحجيم أثر المعلومات الزائفة وحصرها».

وحقاً، أعلنت شركة «ميتا» حظر نشر الأخبار على «فيسبوك» و«إنستغرام» في كندا خلال يونيو (حزيران) الماضي احتجاجاً على قانون تداول الأخبار الجديد في كندا. وأكدت الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معها، أن «أهم أسباب انتشار الأخبار الزائفة هو تصميم مواقع التواصل الاجتماعي والخوارزميات التي تنظم ظهور المحتوى عليها»، موضحة أن «هذه الخوارزميات تعمل على تضخيم المشاركات والإعجابات والردود التي تجذب الانتباه وهو ما يخلق شعوراً بالأهمية لشخص أو لمحتوى بصرف النظر عن مدى دقته».

واستطردت: «ذلك يعد نوعاً من المكافأة المعنوية فضلاً عن زيادة عدد المتابعين للحساب الذي نشر المحتوى، وهو ما يترجَم بالتالي زيادة في ظهوره واستهداف الإعلانات له».

ولفتت عبد الغني أيضاً إلى أن «طبيعة النفس البشرية تميل إلى تصديق الأخبار المثيرة والسلبية والبحث عنها، وهو ما يزيد من انتشارها». وأضافت أن «انتشار الأخبار الزائفة يرجع إلى أن معظم متصفّحي مواقع التواصل ليسوا إعلاميين ولا يقعون تحت طائل المسؤولية عند مشاركتهم أو إبداء موقفهم من أخبار زائفة، إضافةً إلى عوامل أخرى ترتبط بالتحيّز المعرفي الذي ترتفع وتيرته في أثناء الحروب والأزمات».

هذا، ولمواجهة ذلك يقترح البحث منح المستخدمين حوافز لمشاركة محتوى دقيق معزز للثقة وهو ما سيحفز شركات التواصل الاجتماعي لإعطاء قيمة لمصدر إيراداتها بالأساس الإعلانات المستهدفة. غير أن الدكتورة عبد الغني ترى أنه «من المبكر الحكم بمدى جدوى تلك الآلية، لأنه رغم خضوعها للتجريب من معدّي البحث، فإن التجربة أُجريت في نطاق محدود، وبالتالي، فهي تحتاج إلى دراسات معمقة في أكثر من بلد على مستخدمي تلك الشبكات ومالكيها حتى يمكن الأخذ والعمل بها على نطاق واسع».



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».