رحلة 4 دول لاستعادة كنوزها المنهوبة وحجم التحدّيات

ماكرون أطلق الشرارة الأولى لعملية قد تستغرق عقوداً

تحدّيات كثيرة تواجه العملية التي من المتوقَّع أن تستغرق عقوداً (أ.ف.ب)
تحدّيات كثيرة تواجه العملية التي من المتوقَّع أن تستغرق عقوداً (أ.ف.ب)
TT

رحلة 4 دول لاستعادة كنوزها المنهوبة وحجم التحدّيات

تحدّيات كثيرة تواجه العملية التي من المتوقَّع أن تستغرق عقوداً (أ.ف.ب)
تحدّيات كثيرة تواجه العملية التي من المتوقَّع أن تستغرق عقوداً (أ.ف.ب)

كانت المناقشة الدائرة حول إعادة التراث المكتسب بصورة غير مشروعة إلى بلدان في جنوب العالم، تركز حتى الآن، إلى حد كبير، على خطوات اتخذتها المتاحف والحكومات الغربية. لكن بعيداً عن الأضواء، في بلدان مثل الكاميرون وإندونيسيا، يرسي عمال التراث والمسؤولون الحكوميون والناشطون، الأسس لاستعادة كنوزهم المفقودة منذ زمن طويل؛ تلك العملية التي يتوقّع كثيرون أن تستغرق عقوداً.

ويعدُّ تحديد الأشياء وتأمين استردادها جزءاً واحداً فقط من المهمة، إذ تشمل التحدّيات تحديد من سيمتلك القطع الأثرية ويعتني بها، إلى تطوير البنية التحتية للمتاحف، وإشراك المجتمعات المحلية، وتوعية الرأي العام.

في هذا السياق، يقول الأستاذ في جامعة كينشاسا التي تقدّم المشورة لحكومة الكونغو، بلاسيد مومبيميلي سانجر: «لدينا مهمّة هائلة. هذا أمر لا يمكننا إنجازه في 5 سنوات. ستكون عملية طويلة».

وشكّل تعهّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2017، في خطاب ألقاه في بوركينا فاسو، بإعادة التراث الأفريقي بشكل دائم من المتاحف الفرنسية؛ الشرارة التي أدت إلى التحرّك العالمي نحو استعادة التراث المنهوب. ومنذ ذلك الحين، أرست ألمانيا وهولندا وفرنسا وبلجيكا، مبادئ توجيهية وطنية لمعالجة المطالبات وإعادة القطع الأثرية. وكان أحد المعالم البارزة في هذه العملية، العام الماضي، عندما نقلت ألمانيا ملكية 1100 قطعة من برونزيات بنين إلى نيجيريا.

عرض «بنين البرونزي» في المتحف البريطاني في لندن (نيويورك تايمز)

إلا أنّ بعض العثرات طرأت. فقد أثار قرار الرئيس النيجيري المنتهية ولايته بتسليم القطع الأثرية العائدة إلى سليل مباشر من الحاكم الذي سُرقت منه، قدراً من الارتباك. وأعرب بعض أمناء المتحف الألمان عن قلقهم من أنّ هذه القطع قد لا تلقى الاهتمام بها أو عرضها، لكن الحكومة الألمانية قالت إنّ عودة البرونزيات كانت غير مشروطة، ولم يكن لألمانيا أن تُملي ما تفعله نيجيريا بتراثها المُستردّ.

يشترك في هذا الموقف عمال التراث في الكاميرون، والكونغو، وإندونيسيا، ونيبال؛ الذين قالوا إنهم يراقبون التطوّرات في نيجيريا من كثب. وفي نيبال، تعود تماثيل إلى أماكن العبادة التي سُرقت منها؛ وفي إندونيسيا، تُجري الحكومة محادثات مع أمناء المتاحف الإقليمية لجعل المتاحف أيسر وصولاً، حتى يمكن استخدام القطع الشعائرية في الاحتفالات الدينية؛ وسط تأكيد العاملين في مجال التراث في جنوب العالم على ضرورة التعاون في البحث بالسياق التاريخي للخسائر والقصص الكامنة وراء كل قطعة على حدة.

مروحة دائرية من مجموعة آثار بنين المنهوبة التي ستعيدها بريطانيا لنيجيريا (رويترز)

في الآتي نظرة فاحصة على التطوّرات في 4 بلدان.

إندونيسيا

تُعدّ ألماسة «لومبوك» المذهلة، الموضوعة في تصميم سداسي مصنوع من الزهور والأوراق الذهبية؛ واحدة من نحو 500 كنز ثقافي إندونيسي جرى الاستيلاء عليها بصورة غير مشروعة خلال الحكم الاستعماري الهولندي؛ ومن المقرّر عودتها إلى الوطن الشهر المقبل. ومن المرجّح أن تكون عمليات إعادة الممتلكات، التي أعلنت عنها الحكومة الهولندية في 6 يوليو (تموز)، الأولى من بين العديد من القطع الأثرية، إذ لا تزال عشرات الآلاف من القطع الأثرية الإندونيسية بمتاحف في أوروبا، وفي هولندا بالمقام الأول.

تطورت استعدادات إندونيسيا لاستقبال تراثها جنباً إلى جنب مع الهياكل التي أنشأتها هولندا. في فبراير (شباط) 2021، أنشأ وزير الثقافة الإندونيسي فريقاً لإعادة الممتلكات إلى أصحابها نظيراً للجنة الحكومة الهولندية، بقيادة سفير سابق لدى هولندا. في عام 2022، أرسلت الحكومة الإندونيسية طلباً رسمياً إلى هولندا لإعادة 8 مجموعات من القطع: ضمّت عملية الإعادة في يوليو 4 من هذه المجموعات. ولم تصدر اللجنة الهولندية بعد قرارها بشأن الـ4 الباقية.

الكونغو

عندما تلقّى رئيس وزراء الكونغو جان ميشيل ساما لوكوندي، قائمة جرْد تضمّ 84 ألف قطعة من التراث الكونغولي، وعيّنات طبيعية من نظيره البلجيكي العام الماضي، كانت هذه بداية رمزية لما وصفه لوكوندي بأنه «إعادة استملاك ذاكرتنا الوطنية».

بعد ذلك، اعتمدت الحكومة الكونغولية مرسوماً لإنشاء نظام للتعامل مع التراث الثقافي المُستردّ من المتاحف في أوروبا، داعية الخبراء في تاريخ الفن والقانون والفلسفة والعلاقات الخارجية لتقديم المشورة لها.

حتى عام 1960، كانت بلجيكا تسيطر على منطقة شاسعة في وسط أفريقيا - نحو 80 ضعف حجم الدولة الأوروبية نفسها - بما في ذلك ما يعرف الآن بالكونغو. أخذ المستكشفون البلجيكيون والجنود وممثلو الحكومة والتجار والمبشّرون، الأغراض التي سرقوها أو اشتروها أو حصلوا عليها بطريقة أخرى؛ إلى أن وافق البرلمان البلجيكي، في العام الماضي، على قانون يمهّد الطريق لإعادة الممتلكات الثقافية إلى الكونغو ورواندا وبوروندي. وشُكلت أيضاً لجنة للتعامل مع نظيرتها الكونغولية.

القانون واسع النطاق. وأي شيء جرى الحصول عليه أثناء الحكم الاستعماري يكون مؤهلاً للاسترداد، وليس من الضروري أن يكون منهوباً.

أحد التماثيل البرونزية التي أُعيدت إلى نيجيريا (متحف هورنيمان)

الكاميرون

في العام الماضي، حقّقت الناشطة في مجال التراث من دولة الكاميرون الواقعة في غرب أفريقيا، انتصاراً كبيراً في حملتها لإعادة الأشياء المنهوبة من ألمانيا إلى الوطن.

وباستخدام وسم «BringBackNgonnso» عبر منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، ضغطت نجوباتي على المتاحف الألمانية، وواصلت جهودها على وسائل التواصل الاجتماعي مع جماعات أخرى تدعو إلى إعادة منهوبات الحقبة الاستعمارية.

وفي هذا السياق، تظهر في منتدى هومبولت في برلين صورة خشبية مزينة بقشور خشبية تدعى نغونسو. وبالنسبة إلى قبيلة «نسو» في الكاميرون، التي تنتمي إليها نجوباتي، فإنّ نغونسو أكثر بكثير من مجرّد قطعة أثرية ضائعة: فالشخصية المنحوتة هي تجسيد لأم مجتمعهم المحلّي، وخسارتها قبل أكثر من قرن محسوسة بشدّة حتى يومنا هذا.

كذلك وافقت مؤسسة التراث الثقافي البروسي، المنظّمة المشرفة على المتاحف الرئيسية في برلين، في يونيو (حزيران) 2022، على إعادة نغونسو. ولتسهيل عمليات العودة، شكلت حكومة الكاميرون لجنة لإعادة الممتلكات، وفقاً لمستشارة الثقافة في سفارة الكاميرون بألمانيا ماريسي نسانغو نجيكام. وقالت نجوباتي إنّ أعضاء المجموعة يعتزمون زيارة ألمانيا في وقت لاحق من العام الحالي لبحث كيفية المضي قدماً.

لكن لا يزال هناك ما يقدر بنحو 40 ألف قطعة أثرية كاميرونية في المتاحف الألمانية، أكثر من القطع الوطنية في ياوندي عاصمة الكاميرون، وفق تقرير أعدّه باحثون كاميرونيون وألمان.

من العناصر المُستعادة بعض الرؤوس الاحتفالية من مملكة بنين (أ.ف.ب)

نيبال

يختلف موقف نيبال عن البلدان الـ3 المذكورة أعلاه، إذ لم يُنهب تراثها في سياق استعماري. فبعد ثورة 1951 التي أسقطت أسرة «رانا» الاستبدادية الحاكمة لأكثر من قرن، فتحت نيبال حدودها للعالم. فقد اشترى الأكاديميون والسياح الغربيون التماثيل والنقوش التي نهبها السكان المحليون، غالباً من المعابد في وادي كاتمندو، ثم أخذوا مشترياتهم من البلاد. بلغ الاتجار ذروته في السبعينات والثمانينات.

منذ ذلك الحين، دخلت العديد من القطع الأثرية المنهوبة إلى مجموعات المتاحف الغربية عن طريق الوصايا والهبات، فعلّقت مديرة حملة استعادة التراث النيبالي أليشا سيجاباتي: «نحن بلد فقير، وقد رأى الناس كم كان بيع تماثيلهم التي قدّموا الولاء لها، مربحاً».

أضافت: «كاتمندو كانت تعامل مثل ملعب عجيب. لقد فقدت المجتمعات شيئاً ما. نحن نعتمد على هذه التماثيل، فلديها قوى تساعدنا في حياتنا».

تمثال نحاسي لديك نهبه جنود بريطانيون من نيجيريا عام 1897 (رويترز)

تأسست حملة استعادة التراث النيبالي عام 2021، ونجحت في استرجاع أكثر من 25 تمثالاً دينياً مسروقاً، وفق سيجاباتي. ومن بين هذه الأعمال، تمثال عمره 1000 عام، يصور اثنين من التماثيل الهندوسية التي قدّم لها أتباعها الولاء من «متحف دالاس» للفنون. وقال سيجاباتي إنّ باحثي الحملة تتبّعوا الكثير ويعملون على عودتهم.

وأيضاً، تتتبّع المجموعة التماثيل المنهوبة في جميع أنحاء العالم، وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على نصائح، ونشر صور للمنحوتات والتماثيل المفقودة، ونشر حملاتها الدعائية. وتُنقل نتائج الدراسة إلى إدارة الآثار في نيبال، التي تعمل بدورها مع وزارة الخارجية لإصدار مطالبات إلى المتاحف أو المؤسّسات.

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

مصر: اكتشاف 63 مقبرة ودفنة أثرية بدمياط

يوميات الشرق مقتنيات تم اكتشافها في دمياط (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر: اكتشاف 63 مقبرة ودفنة أثرية بدمياط

نجحت البعثة الأثرية المصرية التابعة للمجلس الأعلى للآثار، في الكشف عن 63 مقبرة من الطوب اللبن وبعض الدفنات البسيطة بداخلها مجموعة من الرقائق الذهبية من الأسرة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الآثار المصرية تصدرت متحف شنغهاي في معرض «قمة الهرم»  (وزارة السياحة والآثار المصرية)

«قمة الهرم»... معرض يحكي قصة الحضارة المصرية

حظي المعرض الأثري «قمة الهرم: حضارة مصر القديمة» الذي أقيم في متحف مدينة شنغهاي بالصين، الجمعة، بإقبال جماهيري كبير.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق نقوش أثرية تم اكتشافها خلال المسح الأثري الفوتوغرافي تحت مياه النيل بأسوان (وزارة السياحة والآثار المصرية)

اكتشاف نقوش أثرية فريدة تحت مياه النيل بأسوان

أعلنت البعثة الأثرية المصرية - الفرنسية المشتركة اكتشاف عدد من اللوحات والنقوش المصغرة للملوك أمنحتب الثالث وتحتمس الرابع وبسماتيك بسماتيك الثاني وإبريس بأسوان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «رمسيس وذهب الفراعنة» جذب الزوار في ألمانيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

«رمسيس وذهب الفراعنة» يجذب آلاف الزوار في ألمانيا

حلّ معرض «رمسيس وذهب الفراعنة» ضيفاً على مدينة كولون الألمانية، في محطته الخامسة حول العالم، متضمناً 180 قطعة أثرية منتقاة بعناية من المتاحف والبعثات الأثرية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق صورة أرشيفية لاكتشاف سابق عن عظام هيكل عظمي بشري اكتشفت بمقبرة أنجلوسكسونية لم تكن معروفة من قبل في نورفولك... الصورة في مكاتب متحف لندن للآثار بنورثامبتون وسط إنجلترا يوم 16 نوفمبر 2016 (رويترز)

باحثون يرجّحون مشاركة شعب الأنجلوسكسون في حروب بشمال سوريا

اقترح باحثون أن رجالاً من شعوب الأنجلوسكسون في القرن السادس الميلادي ربما سافروا من بريطانيا إلى شرق البحر المتوسط ​​وشمال سوريا للقتال في الحروب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

مارسيل خليفة يضيء مسرح الساحة الرئيسية في جرش

مارسيل خليفة في جرش (المهرجان)
مارسيل خليفة في جرش (المهرجان)
TT

مارسيل خليفة يضيء مسرح الساحة الرئيسية في جرش

مارسيل خليفة في جرش (المهرجان)
مارسيل خليفة في جرش (المهرجان)

استعاد مهرجان جرش روح درويش في أمسية فنية تألق بها الموسيقار اللبناني مارسيل خليفة، وسط حضور جماهيريّ كبير، ليكون حفلاً لكل محب للفن الأصيل بصوت خليفة، وللشعر الجميل بقصائد الشاعر الفلسطيني محمود درويش.

وفي ثالث ليالي مهرجان جرش في نسخته الـ38، عاش الجمهور على خشبة مسرح الساحة الرئيسية ليلةً مع الفن الملتزم والكلمة المعبِّرة، التي قدمها الموسيقار مارسيل خليفة واسترجع بها ذكرياته مع كلمات الشاعر محمود درويش والشاعر سميح القاسم والشاعر علي فودة، وغيرهم من شعراء المقاومة والشعراء الذين كتبوا للوطن.

حضرت الحفل رئيسة اللجنة العليا لمهرجان جرش وزيرة الثقافة هيفاء النجار، والمدير التنفيذي لمهرجان جرش أيمن سماوي والشاعر اللبناني زاهي وهبي.

ووسط تفاعل كبير قدَّم خليفة نخبة من أجمل ما غنى، منها: «أيها المارون» وردَّد الأبيات الأولى من القصيدة قبل أن ينشدها بصوته العذب، و«منتصب القامة أمشي» للشاعر الفلسطيني سميح القاسم التي تعالت معها أصوات الجمهور ليشاركه الغناء.

واستكمل خليفة أمسيته الفنية بغناء «إني اخترتك يا وطني» للشاعر الفلسطيني علي فودة، و«تانغو لعيون حبيبتي»، وختم أمسيته الفنية بتوجيه رسالة صمود لشعب غزة بأغنية «شدو الهمة الهمة قوية».