بعض الشعراء ينطفئون مباشرة بعد رحيلهم الجسدي، بعد أن ملأوا الدنيا ضجيجاً، وبعضهم يولدون بعد موتهم، كالسياب الذي لم ينل اعترافاً في حياته يعادل ما حصل عليه بعد رحيله المفجع. محمود درويش جمع بين الحالتين: في حياته، اعتراف واسع، ربما لم ينله شاعر معاصر، إذا استثنيا نزار قباني لأسباب مختلفة. في زمن انحسار الشعر، وهيمنة الرواية، كان الشاعر الذي وصلت مبيعات شعره إلى مليون نسخة، الرقم الذي يصله أحد قبله ولا بعده، لحد الآن على الأقل، فالسعيد من الشعراء هو من يوزع ألف نسخة في أفضل الأحوال. وهو الشاعر الذي كانت القاعات، على سعتها، تضيق بجمهوره، ليس في مكان واحد، أو بلد عربي واحد، وإنما في كل الأمكنة والبلدان: في لبنان ومصر، والعراق وسوريا، والأردن والمغرب العربي، كما في أماكن المغتربين العرب، خصوصاً في باريس، حيث قضى فترة من حياته، وفي لندن.
لقد رحل درويش منذ خمسة عشر عاماً، في مثل هذا اليوم من عام 2008، ومع ذلك، فإن تأثيره لم يخفت، إن لم نقل إنه ازداد قوة، وما زالت أعماله الشعرية يعاد طبعها في أكثر من بلد، كما لا يزال يترجم إلى أكثر من لغة، خص وصاً الإنجليزية والفرنسية.
هنا كتاب وشعراء ونقاد من مختلف أنحاء الوطن العربي، وبعضهم عرفه عن كثب، يتناولون ظاهرة درويش، ويحللون أسباب حضوره الشعري الطاغي حتى على كثير من الشعراء الأحياء: