ويليام روتو... الرئيس الكيني الحالم بقيادة «القارة السمراء»

انتعل أول حذاء في الـ 15 من عمره... وخطابه أغرى ملايين الشباب

ويليام روتو... الرئيس الكيني الحالم بقيادة 
«القارة السمراء»
TT

ويليام روتو... الرئيس الكيني الحالم بقيادة «القارة السمراء»

ويليام روتو... الرئيس الكيني الحالم بقيادة 
«القارة السمراء»

تمثل كينيا واحدة من الدول الأفريقية القليلة التي تُصنف من جانب العديد من القوى الدولية «نموذجاً جيداً للتطبيق التدريجي للديمقراطية»، وهذا رغم ما تواجهه من تهديدات عرقية وقبلية.

ولكن بالنظر إلى تجاوز كينيا العديد من موجات الاضطراب التي تجتاح منطقة القرن الأفريقي، وشرق أفريقيا عموماً، تبدو كينيا بالفعل صاحبة تجربة لافتة، ولقد مر مسار التجربة السياسية في كينيا بالعديد من المحطات، من أبرزها:

- ظلت كينيا تحت الاحتلال البريطاني لثمانية عقود، من عام 1895 قبل أن تنال استقلالها عام 1963 بعد ثورة شعبية، وقيادة من حركة التحرير التي عُرفت باسم حركة «الماو ماو» في خمسينات القرن الماضي.

أوهورو كينياتا

- في 12 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1963، أصبح جومو كينياتا أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال. وكان أبرز مساعديه وأركان حكمه أوغينغا أودينغا.

- في عام 1964 أصبحت كينيا دولة جمهورية.

- في عام 2007، شهدت كينيا مصادمات واسعة عقب اتهام مرشح الحركة الديمقراطية البرتقالية (يسار معتدل) رايلا أودينغا (ابن أوغينغا أودينغا)، المرشح الفائز بمنصب الرئيس مواي كيباكي بالتزوير، الأمر الذي تسبب في اندلاع مواجهات بين الطرفين استمرت لمدة شهرين، راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص.

- في أواخر فبراير (شباط) 2008، رعت الأمم المتحدة مفاوضات سلام بين الطرفين، بقيادة الأمين العام السابق كوفي عنان، نتج عنها اتفاق لتقاسم السلطة، شغل بموجبه أودينغا منصب رئيس الوزراء، الذي استحدث بغرض تسوية النزاع، كما تضمن اتفاق تقاسم السلطة أجندة إصلاحات واسعة، كان جوهرها الإصلاح الدستوري.

- في أغسطس (آب) 2010، نظّم استفتاء وطني على الدستور الجديد، ووافق عليه غالبية الكينيين، وقد أقر إقامة نظام رئاسي للحكم، لتحقيق مبدأ الفصل والتوازن في توزيع السلطات، وقُسّمت كينيا بموجبه إلى 47 محافظة، يتمتع كل منها بسلطة وموارد كبيرة، ويحكم كل إقليم حاكم منتخب.

- بموجب الدستور الجديد أيضاً، أُلغي منصب رئيس الوزراء، وبات رئيس الجمهورية يشغل منصبي رئيس الدولة ورئيس الحكومة، ويجري انتخابه بالاقتراع الشعبي لفترة رئاسية مدتها خمس سنوات، يحق للرئيس الترشح لفترة ثانية.

- طبقت التعديلات الجديدة اعتباراً من الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 4 مارس 2013، وفاز بها أوهورو كينياتا، نجل الرئيس المؤسس جومو كينياتا، في الجولة الأولى وبفارق قليل، وأعيد انتخابه في 2017.

- في عام 2018، تصالح كينياتا بشكل مفاجئ وغير متوقع مع خصمه السابق أودينغا، وسعيا طوال سنة كاملة لتغيير الدستور من أجل تمرير ترشح كينياتا لفترة رئاسية ثالثة، وهو ما رفضه ويليام روتو نائب الرئيس، وعقب الحكم بلا أحقية الرئيس في تعديل الدستور، ارتفعت أسهم روتو في الانتخابات التالية.

- في 5 سبتمبر (أيلول)، وبعد نحو شهر من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 9 أغسطس، أيّدت المحكمة العليا بالإجماع فوز روتو على رايلا أودينغا (77 سنة) ليصبح الرئيس الخامس في تاريخ كينيا بعد الاستقلال.

عندما استقبل الرئيس الكيني ويليام روتو عدداً من القادة الأفارقة المشاركين في قمة منتصف العام للاتحاد الأفريقي، التي استضافتها كينيا، لم يتردد في شن هجوم قوي على المؤسسات المالية الدولية. وفيه حمّل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مسؤولية أزمة الديون في القارة الأفريقية، وطالب بـ«نظام مالي عادل» للقارة التي تتكبد أعباء الفوائد أكثر من غيرها.

روتو الذي كان يتكلم بحماسة شديدة مستخدماً قدراته الخطابية التي ضمنت له فوزاً صعباً في انتخابات رئاسية احتشدت فيها ضده عائلات سياسية عتيدة، لم يكن يمثل في تلك اللحظات فقط ذلك المرشح الرئاسي الذي اجتذب بخطابه عن «الإصلاح من القاعدة إلى القمة» أصوات الشباب... بل ربما بدا أقرب ما يكون إلى ذلك الشاب الذي كان يبيع الدجاج على طرقات كينيا الفقيرة، حالماً بتغيير واقعه.

أكثر من هذا، لعل الرئيس رأى أن الوقت قد حان ليمدّ حلمه إلى نطاق أوسع في قارة سمراء، تعج بعشرات الملايين من الشباب الذين يحملون الحلم ذاته الذي سكن قلب الشاب ويليام روتو قبل أربعة عقود.

النشأة وبداية المسيرة

من رحم الطفولة الصعبة، بدأت أحلام الشاب الكيني الفقير ويليام روتو، المولود في عام 1966 لأسرة كينية بسيطة من شعب الكالينجين، أكبر الشعوب النيلية في منطقة «الانهدام الكبير» بغرب كينيا.

في تلك الأيام ما كانت الأسرة قادرة على تأمين قوت أطفالها بسهولة، فكان الصغير ويليام يذهب إلى مدرسته حافي القدمين؛ إذ إنه لم يعرف انتعال الحذاء إلا عندما بلغ سن الـ15.

أيضاً اضطر ويليام، في صغره، إلى البحث عن أي وسيلة لتوفير بضعة «شلنات» كينية؛ كي يعين أسرته على تحمّل تكلفة الحياة، فباع الدجاج والفول السوداني على الطرقات المقفرة في المناطق الريفية. وعانى ويليام روتو مبكراً من قسوة الحياة، وأدرك أن تحقيق أحلامه الكبيرة يتطلب كفاحاً أكبر، ومن ثم، كان العمل السياسي هو السبيل الذي اختاره ليحقق أحلام طفولته في السلطة والثروة. كذلك، أتيح له الاهتمام بالدراسة، فتخرّج في جامعة نيروبي، وتابع فيها دراساته العليا.

من ناحية ثانية، في عام 1992، بينما كان روتو في منتصف عقده الثالث، وجد فرصة لاقتحام المعترك السياسي، فانضم إلى الجناح الشبابي لحزب «كانو» الذي يتزعمه رئيس البلاد (آنذاك) دانيال أراب موي، الذي يتشارك مع روتو الانتماء إلى شعب الكالينجين، الذي يشكل ثالث أكبر مجموعة عرقية - قبلية في كينيا.

وبسرعة اكتشف رجال «كانو» القدرات الخطابية الواعدة لذلك الشاب الآتي من الريف، وقدرته على حشد الجماهير، وبخاصة الفقراء الذين جاء من صفوفهم، وهو العالِم بأحلامهم البسيطة، والقادر على دغدغة مشاعرهم بما يريدون سماعه، وتحريكهم في الاتجاه الذي يريد.

«تلميذ» آراب موي

ولم يطل الوقت حتى وقع على روتو الاختيار ليكون أحد الذين عُهدت إليهم مهمة تعبئة الناخبين للمشاركة في أول انتخابات متعددة الأحزاب تشهدها كينيا، ولقد أجريت بالفعل في العام ذاته. ويبدو أن صيته وصل إلى الرئيس آراب موي شخصياً، فقرّبه منه، ليغدو - كما وصفه روتو - «أول أساتذة السياسة» الذين تعلّم منهم كيف يسير بثبات ويشق طريقه في دهاليز السياسة الكينية المعقدة.

في مواجهة «السلالات الحاكمة»، لم يتنكر روتو يوماً لأصوله الفقيرة، بل كثيراً ما تباهى بها، وبما حققه من نجاح في عالمي السياسة والمال، ليصبح واحداً من أكثر الكينيين ثراء. ولاحقاً، يصل في أغسطس (آب) من العام الماضي إلى قيادة البلاد بعد فوزه بمنصب الرئاسة. مع هذا، فإن روتو يدرك أكثر من غيره كم كانت تلك الرحلة صعبة ومليئة بأشواك في طريق غير معبدة، على الأقل بالنسبة لرجل لا تقف وراءه عائلة سياسية قوية، كتلك التي جاء منها حلفاؤه وخصومه على حد سواء.

مع أودينغا... ثم كينياتا

في انتخابات عام 2007، برز اسم روتو بوصفه واحداً من أبرز مناصري مرشح المعارضة (في ذلك الوقت) رايلا أودينغا، في حين كان أوهورو كينياتا يدعم رئيس الجمهورية مواي كيباكي، الذي كان يسعى إلى الحصول على فترة رئاسية ثانية.

بعدها، ستمضي الأيام وتتبدّل أشكال العلاقة بين أضلاع ذلك «المثلث» (روتو - أودينغا - كينياتا) ما بين منافسة وتحالف وعداء. لكن نجم روتو ظل في صعود وتولي عدة مناصب وزارية، بما فيها وزارتا التعليم والزراعة.

وفي عام 2013، انتخب روتو نائباً للرئيس عندما خاض المنافسة إلى جانب الرئيس أوهورو كينياتا، الأمر الذي أذهل كثرة من الكينيين؛ لأن الرجلين كانا على طرفي نقيض سياسياً إبّان الانتخابات السابقة، وبدت العلاقة بين الرجلين تطبيقاً للمقولة الشهيرة: «في السياسة لا صداقات أو عداوات دائمة، بل مصالح دائمة».

ما حصل، وفق كثيرين «تحالف منفعة»؛ إذ كانت المحكمة الجنائية الدولية قد وجّهت إلى كينياتا وروتو تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية تتعلّق بمزاعم تأجيجهما أعمال العنف السياسية - القبلية (بالذات بين شعبي الكيكويو، الذي ينتمي إليهم كينياتا، واللوو الذين ينتمي إليهم أودينغا والرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما). هذا، واندلعت أعمال العنف عام 2007 إثر المعركة الانتخابية الشرسة، وأسفرت يومذاك عن مقتل نحو 1500 شخص. وبالنتيجة، أفلح التحالف في توصيل الرجلين إلى السلطة، بعد الإفلات من اتهامات «الجنائية الدولية»، حين أسقطت المحكمة الاتهامات عن الرئيس كينياتا ونائبه روتو عام 2014.

في سدة الرئاسة

الأمر اختلف في انتخابات العام الماضي، التي اختار روتو الترشح فيها للمرة الأولى إلى مقعد الرئيس، بعد 10 سنوات أمضاها نائباً لكينياتا. غير أن الأخير، نتيجة للخلافات التي عصفت بعلاقته مع نائبه روتو، ولا سيما في سنوات حكمه الأخيرة - بسبب رغبته في تعديل الدستور لتمديد حكمه لفترة ثالثة ورفض روتو ذلك - اختار أن يقف مع «غريمه القديم» أودينغا.

وبالفعل، شكّك كينياتا، الذي هو ابن جومو كينياتا أول رئيس استقلالي لكينيا، علناً في قدرة نائبه وجدارته في تولي الرئاسة، ولم يتردد في مهاجمة روتو شخصياً ووصفه بأنه «لا يستحق» قيادة البلاد.

في هذه التجربة «الدرامية»، لم يكن الفوز سهلاً وسط تبدل مواقع الحلفاء والخصوم. وهنا استعان روتو بقدراته الخطابية القديمة وقدرته على حشد الفقراء والشباب، ولم يتردد في أن يبني حملته الانتخابية على كونه مرشحاً من خارج «المؤسسة الحاكمة»، رغم شغله منصب نائب الرئيس 10 سنوات. ولم يتردّد كذلك في مبادلة كينياتا الهجوم بأقوى منه، قائلاً إن الأخير يريد أن يخلفه أودينغا لأنه يرغب في «رئيس دمية».

ومن ثم، صاغ روتو شعارات حملته لتبدو الانتخابات في إطار صراع بين «الكادحين»، في إشارة إلى الكينيين الفقراء، و«السلالات الحاكمة»، في إشارة إلى العائلات «المتنفذة» مثل عائلتي كينياتا (التي جاء منها رئيسا جمهورية) وأودينغا (التي جاء منها رئيسا وزراء)، اللتين كانتا أبرز اللاعبين المؤثرين في سياسة كينيا منذ الاستقلال.

الشباب... والتغيير

لعب روتو على أوتار التغيير، مداعباً أحلام الشباب والفقراء من أجل مستقبل مغاير لما عاشوه عبر عقود تحت مظلة العائلات التي تتبادل الحكم فيما بينها. ورغم ثروته الشخصية الطائلة، وجّه خطاباته القوية إلى «أمة المكافحين»، متعهداً بأن تركز سياساته الاقتصادية على تحسين أوضاع الفئات الأكثر فقراً أولاً، «لأنها كانت الأكثر تحملاً للأعباء»، إبان أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة التي ضربت العالم بأسره في أعقاب جائحة «كوفيد - 19» والحرب في أوكرانيا.

واستخدم روتو سيرته الشخصية مصدرَ إلهام لملايين الشباب، معرباً عن رغبته بتوفير الفرص للجميع ليكونوا مثله، عندما استطاع التحوّل من شاب فقير إلى أحد أكبر ملاك الأراضي في كينيا، بعدما استثمر في زراعة الذرة وإنتاج الألبان وتربية الدواجن. وللعلم، يملك روتو اليوم مساحات شاسعة من الأراضي في مناطق الغرب ومناطق الساحل الكيني، وكذلك لديه استثمارات في قطاع الضيافة.

لقد وضع روتو تلك الانتخابات في إطار تغيير الأجيال الذي «حان وقته»، مروّجاً لرسالته من خلال استخدامه لغته البليغة وشعاراته الرنانة، وهو ما منحه المصداقية والقبول في أوساط العديد من المواطنين الكينيين.

بل حتى اختلافه الديني استخدمه كنقطة قوة له. فويليام روتو هو أول رئيس مسيحي إينفانجيلي (المسيحيون المولودون من جديد) لكينيا، التي تحظى بتنوّع ديني إضافة إلى تنوّعها العرقي. والجدير بالذكر، أنه رغم كون نحو 85 في المائة من الكينيين مسيحيين وفقاً لآخر تعداد سكاني أجري عام 2019، فإنهم يتوزعون بين الطوائف (33 في المائة بروتستانت، و21 في المائة كاثوليك، و20 في المائة إيفانجيليون و7 في المائة يتبعون الكنائس الأفريقية)، بينما نحو 11 في المائة من السكان. وتضاف إلى هذا الخليط أعداد من الوثنيين والملحدين. وكان «التسامح الديني» من الشعارات التي ركز عليها روتو لكسب المتعاطفين من طوائف وديانات مختلفة، جاعلاً نداء حملته «كينيا كوانزا»، الذي يعني «كينيا أولاً» باللغة السواحلية.

في أي حال، كسب روتو الانتخابات بنسبة 50.5 في المائة من أصوات الناخبين. ورغم الارتباك الذي سعى خصومه إلى إثارته نتيجة هامش الفوز الضئيل للتشكيك في نزاهة الانتخابات، فإن اعتماد المحكمة العليا النتيجة حسم الأمر لصالح «صبي من القرية أصبح رئيساً لكينيا»، على حد تعبير روتو خلال احتفاله بالفوز وسط أنصاره.

تحديات ما بعد الوعود

التحديات الآن صعبة، وإذا كانت القدرات والوعود قد أمنت لروتو الفوز بالرئاسة، فإنها لم تستطع أن تضمن له الهدوء طويلاً على الجبهة الداخلية؛ إذ سرعان ما حاول غريماه أودينغا وكينياتا الرد على الهزيمة القاسية التي مُنيا بها حتى في معاقلهما الانتخابية التاريخية، مستغلَّيْن استمرار الأزمات الاقتصادية الداخلية، ومتهمَين «الرئيس» بالتنكر لتعهداته.

وبعد بضعة أشهر من تولي روتو السلطة، اندلعت صراعات سياسية ومظاهرات دموية في الساحات والشوارع ضد سياساته. ولقد تفجرت الاحتجاجات منذ العشرين من مارس (آذار) الماضي، عندما دعت قيادات معارضة (يتصدرها أودينغا وكينياتا)، إلى التظاهر للتنديد بتردي الأوضاع الاقتصادية. ومن ثم، أخذت تتصاعد على مدار الأسابيع الماضية، ليرتفع سقف المطالب من خفض الضرائب وتكاليف المعيشة وإعادة الدعم، إلى المطالبة باستقالة الرئيس وفتح تحقيق في انتخابات الرئاسة التي جاءت به رئيساً، وتأجيل إعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات.

التدهور السريع للأوضاع الأمنية بسبب الاشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين، وسقوط عشرات القتلى والجرحى سواء من المتظاهرين أو من رجال الأمن، إضافة إلى طلاب وصحافيين، أعاد المخاوف من أن تنتقل حالة الاحتقان من مستوياتها السياسية بين الحكومة والمعارضة لتصل إلى حالة من الاقتتال الأهلي، في دولة لم تزل جراح الحروب العرقية والأهلية فيها لم تندمل بعد.

روتو يدرك أكثر من غيره أن أمامه جملة من التحديات الصعبة، وأن التحدي الاقتصادي يبدو الأكثر ضغطاً في ظل الأوضاع الراهنة. وبالتالي، فإن فشله الاقتصادي يعني مزيداً من الطعنات السياسية من جانب خصومه المتحفزين، لكن حل معضلات التضخم خاصة في أسعار الوقود والمواد الغذائية والأسمدة والبذور، لا تبدو ميسورة في ظل أزمة تجتاح العالم. كما سيكون تحقيق الرئيس الكيني وعوده للشباب مهمة صعبة، فالمعدل الرسمي للبطالة بين أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 سنة يقارب الـ40 في المائة، والاقتصاد المحلي لا يخلق وظائف كافية لاستيعاب 800 ألف شاب ينضمون إلى القوى العاملة كل سنة.

كذلك، تواجهه مشاكل تمويل خططه لنقل العاصمة نيروبي بشكل كامل إلى الاعتماد على الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية بحلول عام 2030، وخاصة، في ظل انخفاض قيمة العملة الوطنية لمستويات قياسية في مواجهة الدولار الأميركي.

وإذا ما أضيفت مشاكل مثل المخاطر الأمنية كالإرهاب، الذي ينخرط الجيش الكيني في محاربته في الصومال المجاور، والتهديدات البيئية، كالجفاف والتصحر، التي تجتاح العديد من المناطق الأفريقية، ومنها كينيا، علاوة على تفاقم أعباء الديون، التي تصل إلى سبعين في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، فإن الخيارات لا تبدو سهلة، وهو ما يدفع روتو إلى البحث عن حلول إقليمية لمواجهة الضغوط المحلية المتصاعدة.

من هنا يمكن فهم رغبة الرئيس الكيني في لعب دور إقليمي أكبر، سواء من خلال الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا «الإيغاد»، والدخول كلاعب رئيس في الأزمة السودانية، رغم ما يعترض ذلك من توتر مع مجلس السيادة الحاكم في السودان.

لعب روتو على أوتار التغيير، مداعباً أحلام الشباب والفقراء

من أجل مستقبل مغاير لما عاشوه عبر عقود تحت مظلة العائلات التي تتبادل الحكم فيما بينها


مقالات ذات صلة

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

حصاد الأسبوع الدمار في غزة (أ ب)

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

استقبل الجيش الإسرائيلي أخيراً وفداً من قادة جيوش دول عدة، «لكي يدرسوا تجربة الحرب الأخيرة، في سبع جبهات (غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن

نظير مجلي (القدس)
حصاد الأسبوع في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»

إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

شكّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعيين إميل جرجس مايكل في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة، ثم تكليفه لاحقاً بإدارة «وحدة الابتكار الدفاعي»، في

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع كاثلين هيكس (آب)

كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

يمثّل صعود إميل مايكل إلى منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة تحولاً واضحاً في طبيعة القيادة التكنولوجية داخل «البنتاغون»، مقارنةً بكل من مايكل غريفين وهايدي

«الشرق الأوسط» (اشنطن)
حصاد الأسبوع العلم السويدي يخفق وسط الشرطة والمدنيين (د ب آ)

السويد... عقد من الترحيب ينتهي بقيود صارمة على الهجرة

في مشهد سياسي أوروبي متحول، تقف السويد اليوم شاهدة على أحد أكثر التحولات الجذرية في سياسات الهجرة واللجوء. فالبلد الذي فتح أبواب الهجرة لأكثر من 160 ألف طالب

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع علم "المجلس النوردي" (المجلس النوردي)

تحذيرات في أوساط الاقتصاديين والحقوقيين

> يحتفي الائتلاف الحاكم في السويد بما يعتبره «إنجازاً» في تراجع أعداد طالبي اللجوء، بعدما سجل عام 2024 أدنى مستوى له منذ عام 1985، بواقع 6250 طلباً فقط.


كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)
TT

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)

استقبل الجيش الإسرائيلي أخيراً وفداً من قادة جيوش دول عدة، «لكي يدرسوا تجربة الحرب الأخيرة، في سبع جبهات (غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن)»، كما قال الناطق بلسان الجيش. وخلال الشرح المتحمس عن هذه الزيارة، سمح الناطق لنفسه بأن يقول إنهم جاؤوا لكي يتعلموا منه العديد من العمليات الحربية. وقال إن بين هذه الجيوش حضر مندوبون من كل من الجيوش؛ الأميركي والألماني والهندي والكندي والتشيكي والبولندي، وغيرها. وعرض عدة مجالات، قال إن جيشه أبدع فيها واستحدث طرقاً حربية سيصار إلى تدريسها في الكليات الحربية في العالم، خصوصاً المعركة ضد الأنفاق والتدمير ومسح الأبنية في قطاع غزة وتخريب الحقول الزراعية والسيطرة التامة على سماء إيران والاغتيال الجماعي لقادة «حماس» و«حزب الله» وقيادة سلاح الجو الإيرانية وعملية تفجير أجهزة النداء واللاسلكي في لبنان لقادة «حزب الله» (البيجر والوكي توكي) وغيرها.

لأول وهلة، يُحسب أن الرسالة - أعلاه - موجهة إلى العالم، لكن من يتابع الأوضاع في إسرائيل خلال العقدين الأخيرين، يدرك أن هذا النشر هو جزء من الحرب التي يخوضها الجيش الإسرائيلي على «الجبهة الثامنة».

إنها الحرب التي تعدّ الأكثر إيلاماً للجيش، لأن «العدو» فيها للجيش الإسرائيلي هو الحكومة واليمين العقائدي الذي يقودها.

يخوض اليمين هذه الحرب منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم عام 2009، وفي حينه حاول فرض حرب على إيران، لكن قادة الجيش وسائر الأجهزة الأمنية اعترضوا. فغضب، وراح يحاربهم، في البداية بهدوء وسريّة، لكن الحرب غدت علنية شيئاً فشيئاً. وكان فيها مسؤولون في الحكومة وباحثون وخبراء يهاجمون الجيش ويتهمونه بالتبذير، والجنرالات ينشرون المقالات التي تظهر الحكومة فاشلة وفاسدة.

أيضاً لعبت الشرطة والنيابة والمحكمة دوراً نشيطاً في كشف تورّط نتنياهو في قضايا فساد... وقدمته إلى المحاكمة. فاستعرت المعركة لتتحوّل إلى «حرب شاملة» بين الطرفين، ما جعل اللواء المتقاعد إسحاق بريك، عضو رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، يقول، في مقال نشرته صحيفة «معاريف» يوم 8 يونيو (حزيران) 2025: «لدينا قيادة فقدت البوصلة، في الحكومة وفي الجيش». ويضيف: «السياسة الحمقاء المتغطرسة التي يتبعانها، ستشجع أعداءنا على الاستعداد لحرب أخرى ضدنا، وكل هذا بسبب جماعة فقدت طريقها وعقلنتها وحكمتها».

نتنياهو وسموترتش (رويترز)

سموتريتش... والميزانية

أحد أبرز السياسيين في هذه الحرب هو بتسلئيل سموتريتش، الذي مع تشكيل الحكومة أصر على تولي حقيبة وزارة المالية وحقيبة أخرى هي وزير ثانٍ في وزارة الدفاع. وسموتريتش هو الممثل المباشر لليمين العقائدي. لديه أجندة واضحة لمنع قيام دولة فلسطينية وتهجير الفلسطينيين. ومنذ تسلمه مهامه، يخوض حرباً علنية على الجيش بلغت حد رفض العديد من طلبات زيادة الميزانية العسكرية. ثم إنه يتهم قادة الجيش بالتبذير وصرف رواتب عالية، وقام بنشر قائمة الرواتب لنحو 50 قائداً أساسياً، فاتضح أنهم يقبضون رواتب أعلى من رئيس الحكومة ورئيس الدولة.

وفي الأسابيع الأخيرة، عندما قرر الجيش رفع عدد جنود الاحتياط الدائم من 6 إلى 60 ألف جندي، سنة 2026، وطلب تمويلاً من المالية (كل جندي يكلف الجيش 300 دولار في اليوم ومعدل الخدمة لكل جندي يصل إلى شهرين في السنة المقبلة، وهذا البند وحده يكلف مليار دولار)، رفض سموتريتش، قائلاً إن على الجيش إيجاد التمويل من تقليص مصاريفه الأخرى. ووفق صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن قادة الجيش «يشعرون بالمهانة وهم يستجدون وزير المالية»، علماً بأنه على صعيد شخصي يبدو صبيانياً، ومن الناحية الجماهيرية يفقد الجمهور الذي انتخبه، إذ تشير الاستطلاعات إلى أنه سيسقط إذا أجريت الانتخابات اليوم.

للعلم، سموتريتش هذا حاقد على الجيش. فعام 2005، عندما كان في الخامسة والعشرين من العمر، بينما عمل الجيش على إخلاء مستوطنات قطاع غزة، جاء سموتريتش مع ألوف المستوطنين لمحاربة الإخلاء. ويومذاك، بطش به الجنود وجرّوه على الأرض عندما اعتقلوه. وهو جزء من الحركة التي قامت في حينه لمنع تشكيل حكومة في إسرائيل تقرّر إخلاء مستوطنات في الضفة الغربية مثلما حصل في غزة. وهو يستذكر هذه الحادثة تقريباً في كل خطاب سياسي له، منذ ذلك الحين. ويعدّ رأس حربة في معركة اليمين لتحجيم مكانة الجيش ونفوذه في البلاد.

انتقاد المهنية العسكرية

في إطار هذه المعركة، تشهد وسائل الإعلام الإسرائيلية موجة نشر ضخمة تنتقد الجيش وتظهره فاشلاً مهنياً. ويجنّد اليمين لهذا الغرض مجموعة كبيرة من الجنرالات السابقين، قسم منهم يكتب في معاهد الأبحاث التابعة لليمين، وقسم آخر ينشر مقالاته في وسائل الإعلام المستقلة، فضلاً عن الإذاعة والتلفزيون والشبكات الاجتماعية.

وأدناه نماذج من هذه المعركة:

العميد أورن سولومون، الذي عيّن رئيساً للجان التحقيق الداخلي في الجيش حول إخفاقات 7 أكتوبر (تشرين الأول) كشف في تقرير للقناة «14» عن أن قيادة الجيش «تتستر على الحقائق وليس صحيحاً الانطباع بأنها أول من تحمل المسؤولية». بل «أخفت الفشل الحقيقي لكونها اتبعت تكتيكاً حربياً خاطئاً منذ البداية... وبدلاً من أن تأمر سلاح الجو بقصف عناصر حماس في أثناء مهاجمتهم البلدات الإسرائيلية يوم 7 أكتوبر 2023، فتشلّ حركتهم وتوقف تقدّمهم، قرّرت شنّ عملية انتقامية لاغتيال قادتها وتدمير مقراتها في شتى أنحاء غزة. وبذا فشلت في حماية مئات من الإسرائيليين الذين قتلتهم حماس ومئات المخطوفين».

وذكر سولومون أيضاً في التقرير، أنه طلب لقاء رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي والحالي إيال زامير لعرض استنتاجاته، لكنهما تهرّبا من لقائه. ومن ثم راحا يحرّضان عليه، لدرجة أنه قرّر إخفاء تقاريره والوثائق التي اعتمدها بهدف الحفاظ عليها في حال جرى له أي سوء. ورداً على سؤال طرحه عليه صحافي معروف بقربه من نتنياهو: «هل تخشى على حياتك؟ هل تعتقد أن هناك مَن قد يقتلك بسبب هذا التحقيق؟». فأجاب «نعم».

من جهة ثانية، تطرّ ق الصحافي والمؤرخ اليميني عكيفا بيغمان، صاحب كتاب «كيف حوّل نتنياهو إسرائيل إلى إمبراطورية»، كشف في موقع «ميدا» (9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025)، عن نتائج تحقيق أجري في لجنة فرعية سريّة للجنة الخارجية البرلمانية، خلال الشهرين الماضيين، تفيد بأن هناك «خللاً بنيوياً» في عملية تأهيل الضباط في الجيش الإسرائيلي. وممّا جاء في تقريره أن الضباط لا يتلقّون تدريبات عسكرية لأكثر من يومين في الأسبوع، بينما يتمتعون بـ«امتيازات دلال لا تلائم جيشاً مقاتلاً»، وأنه في كثير من دورات التعليم التي يمرّون بها ثمة ازدواجية وتناقضات لأن هذه الدورات لا تدار بشكل مهني.

زامير (الجيش الإسرائيلي)

مرحلة بنيامين نتنياهو...استخفاف بالجنرالات وطعن بهم علناً وفي الخفاء

عدوانية متزايدة في عدة اتجاهات

الصحافة الإسرائيلية، أيضاً، تنشر باستمرار تصريحات لوزراء يهاجمون بها قادة الجيش ويهينونهم في جلسات «الكابنيت» (مجلس الوزراء المصغّر)، الذي يقود الحرب، بينما كان نتنياهو صامتاً. ولكن، في يناير (كانون الثاني) 2025 تجرأ وأوقف الجلسة التي هاجم فيها الوزيران إيتمار بن غفير وميري ريجف رئيس الأركان هاليفي، على قراره تشكيل لجان تحقيق داخلية حول أداء الجيش.

وفي شهر مايو (أيار) تعرّض زامير لـ«بهدلة» مماثلة، لكنه ردّ على الهجوم بكلمات قاسية ونابية، ما جعل نتنياهو يلفت نظره ويوقفه عن الكلام في جلسة الحكومة. وحقاً، زامير نفسه لم يسلم من الانتقادات. وعندما اقترح صرف النظر عن إعادة احتلال غزة في نهاية الصيف، اتهمه غلاة اليمين بالتراجع عن وعوده في «تغيير نهج الجيش القتالي وجعله جيشاً هجومياً أكثر». وقالوا إن «الدولة العميقة الليبرالية تمكنت من السيطرة عليه وتدجينه».

في هذه الأثناء، هناك ما تشهده الضفة الغربية من اعتداءات. وهنا لا نقصد الاعتداءات الإرهابية على الفلسطينيين، بل الاعتداءات اليهودية على اليهود، التي تتصاعد باستمرار وفيها يهتف «شبيبة التلال» الاستيطانية لجنود وضباط الجيش الإسرائيلي «يهود نازيون».

أيضاً، أحد كبار الجنرالات، وكان مسؤولاً عسكرياً يعمل في وظيفة رفيعة في الضفة الغربية، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» (7 نوفمبر 2025)، يقول: «يبدو لي الوصف (فتيان التلال) أو (شبيبة التلال)، رومانسياً بعض الشيء، كما لو كانوا رعاة غنم يعملون في الزراعة، لكن هذا ليس ما نتكلّم عنه هنا. هؤلاء فتيان يحتاجون إلى رعاية مؤسّسات الرعاية الاجتماعية وسلطة الوالدين والتعليم. إنهم يتصرّفون كما لو كانوا في الغرب (الأميركي) المتوحش. ليس لديهم قانون ولا قاضٍ. يتجوّلون بقمصان كُتب عليها (شعب إسرائيل نعم ودولة إسرائيل لا)».

وتابع الجنرال: «إنهم لا يعترفون بالمؤسسات، وهم معادون تماماً للصهيونية، ويرسمون شعارات صهيونازية على الجدران، ويتلقون دعماً من بعض وسائل الإعلام القطاعية. لقد بنوا ماكينة عمل محكمة وحقيقية. يمكنك أن ترى فتىً في الثالثة عشرة من عمره يقود سيارة مشطوبة، وهو لا يملك حتى رخصة قيادة؛ بينما يُشعل فتيان آخرون النار في المركبات. ما عاد هؤلاء يكتفون بالاعتداءات على الفلسطينيين، بل أضحوا يعتدون بعنف وكراهية حاقدة على جنودنا وضباطنا، حتى ونحن نحميهم. وكذلك يعتدون على المواطنين اليهود، وليس فقط اليساريين منهم الذين يأتون إلى هنا للتضامن مع الفلسطينيين، بل يعتدون على مستوطنين ممّن كانوا ذات يوم شبيبة تلال لأنهم لا يوافقون اليوم على أساليبهم. وأنا لا أتكلم عن اعتداء واحد أو اثنين. لقد شكا عشرات المستوطنين الذين يتعرضون للاعتداءات منهم. ومن ثمّ، شعوري أن عدوهم الأول هو الجيش».

الرد لا يقل حدة

في المقابل، نجد أن الجيش أيضاً يملك جهاز دعاية يهاجم الحكومة بقوة شديدة ولديه مجموعة كبيرة من الكتّاب والناطقين باسمه، الذين يحذّرون من تبعات سياسة الحكومة وممارساتها، ويرون أنها «تُضعِف الجيش وتشجع العدو على تكرار الهجمات الشبيهة بهجمة حماس في 7 أكتوبر». كذلك ينتقد هؤلاء الحكومة بشكل لاذع على «فشلها المهني»، ويحمّلونها، رئيساً ووزراء، مسؤولية أساسية عن إخفاقات 7 أكتوبر، ويقولون إنها أدارت الحرب بشكل سيئ وفرضت على الجيش «إطالة الحرب لأغراض بعيدة عن الحسابات الأمنية والاستراتيجية، هدفها سياسي وحزبي للبقاء في الحكم». «وحقاً، الأمر الجوهري الذي يهاجمونها عليه هو: أنها لم تعرف كيف تستثمر المكاسب العسكرية التي وفّرها لها الجيش في مكاسب سياسية».

وهكذا يكتب الجنرال عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسة والاستراتيجية في تل أبيب، يوم 17 نوفمبر 2025: «لقد نجح الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن في توجيه ضربة قاصمة لتحالف الشر في جميع جبهات القتال السبع. في الوقت نفسه، ثمة حاجة إلى استراتيجية لإرساء أمن طويل الأمد. حتى الآن، فشلت الحكومة الإسرائيلية في صياغة سياسة لما بعد (اليوم التالي)، ما أدى إلى خلق فراغ، ملأته الإدارة الأميركية بكل قوتها».

وأردف جلعاد: «من جهة، لهذا الأمر نتائج إيجابية تتمثل في إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء وعملية إعادة الرهائن القتلى، ووقف الحرب في غزة، وتوطيد العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة، واحتمال تحقيق انفراج دبلوماسي مع الدول العربية. ولكن من جهة أخرى، قد يؤدي هذا التطور إلى أضرار جسيمة، مثل نشر قوة متعددة الجنسيات في غزة بمشاركة دول معادية بقيادة محور تركي - قطري داعم لجماعة الإخوان المسلمين، واستمرار وجود حماس بصيغة جديدة في غزة. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال الإضرار بالتفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، من خلال نقل قدرات عسكرية غير مسبوقة إلى الدول العربية. في الخلفية، تُبذل جهودٌ من إيران وحزب الله لاستعادة القدرات العسكرية المتضررة خلال الحرب. ولكن الأنكى هو أنه على الصعيد الداخلي، تشهد إسرائيل بقيادة الحكومة سلسلةً من العمليات الهدامة التي تُلحق الضرر بالمناعة الوطنية والاجتماعية، التي تشكل ركيزةً أساسيةً من ركائز الأمن القومي الإسرائيلي. ويشمل ذلك استمرار الانقلاب القضائي وإلحاق الضرر بالمؤسسات القضائية، والحرب على وسائل الإعلام في البلاد، والتدخل في أنشطة أجهزة الأمن وإنفاذ القانون، وغيرها».


إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
TT

إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»

شكّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعيين إميل جرجس مايكل في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة، ثم تكليفه لاحقاً بإدارة «وحدة الابتكار الدفاعي»، في أحد أبرز القرارات المفصلية ضمن إطار سياسة الابتكار العسكري للولايات المتحدة منذ إعادة هيكلة «البنتاغون» (وزارة الحرب الأميركية) عام في 2017. وذلك ليس فقط لأن المنصب يُعدّ رأس الهرم في الهندسة العسكرية والتطوير التكنولوجي، بل لأن مايكل يمثّل نموذجاً جديداً تماماً عن ذلك الذي اعتادت المؤسسة الدفاعية الأميركية تعيينه في هذا الموقع. إذ إن المسؤول الذي يُمسك عملياً بمفاتيح التفوق التكنولوجي الأميركي، من الذكاء الاصطناعي إلى الأنظمة غير المأهولة، ومن الحرب السيبرانية إلى الجيل الثاني من الدفاع الصاروخي، رجل أعمال مهاجر من جذور مصرية قبطية، بنى مسيرته في شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، بدءاً من شركة «تيل مي نيتوورك»، مروراً بـ«كلاوت»، ووصولاً إلى «أوبر»، إحدى أكثر شركات العقد الماضي إثارة للجدل والتأثير في آن واحد.

تعيين إميل مايكل وكيلاً لـ«البنتاغون» للبحث والهندسة لم يكن مجرد مفاجأة، بل كسرٌ لخطٍ طويل من الشخصيات المنتمية تقليدياً إلى عالم الصناعات الدفاعية أو البحث العلمي الأكاديمي. وفي حين يرى البعض أنّ الرئيس دونالد ترمب يكرّر رهانه المألوف على رجال الأعمال - كما فعل في الحكومة الأولى - يعدّ آخرون أنّ ما حدث هو إعادة توجيه جذرية لطبيعة القوة التكنولوجية الأميركية، بحيث تُسلَّم مفاتيح المستقبل لمن يملكون القدرة على «تسريع» الابتكار، وليس فقط تنظيره. وأدناه نبذة عن مسيرة مايكل نحو هذا المنصب، وتكوينه السياسي ومسارة المهني ومنطق تعيينه وتأثير خلفيته القبطية المصرية في شخصيته ودوافعه.

مهاجر في قلب سردية النجاح

ولد إميل مايكل في القاهرة عام 1972 لأسرة قبطية، وهاجر في سن مبكّرة مع عائلته إلى الولايات المتحدة.

وعام 2012 التقى جولي هيرين في لاس فيغاس (ولاية نيفادا)، وتزوجا عام 2018 في حفل أقيم بمدينة ميامي، بولاية فلوريدا.

الانتماء القبطي ليس تفصيلاً هامشياً، بل جزء أساسي في تكوينه السياسي وطريقة تفكيره. وفي شقّ من الهوية القبطية، عند البعض في مصر، ثمة بالهامشية السياسية والبحث عن الحماية عبر «المؤسسات القوية». وهذا انعكس لاحقاً على توجهات مايكل في السياسة الأميركية، وخاصة في علاقة الأقليات بالدولة الحديثة، وقيمة وجود دولة مركزية قادرة على فرض النظام.

وكان مايكل يشير دائماً في مقابلاته القليلة حول خلفيته، إلى أنّ تجربة الهجرة منحته ثقافتين من زاويتين: إيماناً أميركياً تقليدياً بالفرصة الفردية، وحسّاً «واقعياً» في فهم أخطار انهيار الدول وضعف مؤسساتها، وهو أمر لا يمرّ عادة في تكوين المسؤولين الأميركيين الذين يترعرعون داخل «الاستقرار المؤسساتي» الأميركي.

هذه الخلفية تفسّر أيضاً شغفه المبكر بالدفاع الوطني. فمع أنه رجل أعمال تقني، اختار عام 2009 الانضمام إلى برنامج الزمالة في «البيت الأبيض»، والعمل مباشرةً تحت وزير الدفاع روبرت غيتس (الجمهوري) في إدارة الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، إبان سنوات الحرب في العراق وأفغانستان. وما لبث رجل الأعمال الشاب الآتي من وادي السيليكون أن وجد نفسه فجأة في قلب العمليات العسكرية واللوجيستية، في مسار غير شائع إطلاقاً.

جمهوري من هارفارد... إلى ستانفورد

درس إميل مايكل في جامعة هارفارد العريقة، وفيها تولّى رئاسة نادي الجمهوريين. واللافت أنّه فور تسلمه المنصب بادر إلى تحويل اسم النادي إلى «نادي الجرف الأحمر لجمهوريي هارفارد»، في إشارة إلى رغبته في إدخال النساء إلى الهيكل السياسي الطلابي المحافظ. وهو موقف مبكر يعكس قدرة سياسية على قراءة البيئة الاجتماعية ومحاولة توسيع التحالفات، وهي مهارة ستظهر لاحقاً في إدارة الشركات.

بعد هارفارد، تابع دراسته في كلية الحقوق التابعة لجامعة متميزة أخرى هي جامعة ستانفورد، المختبر الفكري الذي أنجب نخبة من روّاد التكنولوجيا.

هناك ازداد تماهيه مع التيار البراغماتي داخل الحزب الجمهوري، الذي يركّز على الاقتصاديات الحديثة والابتكار، وليس فقط على خطاب «القيَم التقليدية». ولعل هذا المزيج، أي يميناً اقتصادياً وابتكاراً تكنولوجياً، كان أساسياً لاحقاً في فهم لماذا رأى ترمب فيه الشخص المناسب لقيادة سباق الحرب التكنولوجية.

المسيرة المهنية

على امتداد 25 سنة، بنى إميل مايكل سمعة استثنائية في عالم الشركات العالية النمو، حيث بدأ مسيرته المهنية مستشاراً استراتيجياً في شركة «كونفيرجينغ» التابعة لشركة «جيميني» للاستشارات. وبعد تخرجه في كلية الحقوق، عمل مايكل مساعداً في مجموعة الخدمات المصرفية الاستثمارية للاتصالات والإعلام والترفيه في «غولدمان ساكس» بنيويورك حتى عام 1999. ثم عمل في مشاريع استشارية للاندماج والاستحواذ العدائي، وفي تمويل الأسهم والديون المصرفية. ومن 1999 حتى 2008 شغل مايكل منصباً تنفيذياً في شركة «تيل مي نتوركس» الناشئة للاتصالات عبر الإنترنت لمدة تسع سنوات. وكانت تلك الشركة رائدة في تقنيات التعرف على الصوت، وبيعت لـ«مايكروسوفت» بـ800 مليون دولار عام 2007.

بعدها، عام 2012، أصبح رئيساً للعمليات وعضواً في مجلس إدارة شركة «كلاوت»، منصة تحليل النفوذ الرقمي (التي سبقت عصر البيانات الضخمة)، ليغادرها عام 2013، للانضمام إلى شركة «أوبر». وحقاً، بيعت «كلاوت» إلى شركة «ليثيوم» مقابل نحو 200 مليون دولار في أوائل عام 2014.

ثم انضم مايكل إلى «أوبر» نائب رئيس أول للأعمال، وكان بمثابة الذراع اليمنى لرئيسها التنفيذي، ترافيس كالانيك، وساعد الشركة على جمع ما يقرب من 20 مليار دولار. وللعلم، كان مايكل لاعباً رئيساً في تطوير جهود «أوبر» في الصين، حيث استثمر ملياري دولار لتصل قيمتها إلى 7 مليارات دولار عام 2016. كذلك عمل على بناء شراكات مع «بايدو» وشركات صينية أخرى. وعام 2016 قاد مايكل عملية دمج «أوبر الصين» مع منافستها المحلية «ديدي تشوكسينغ». وفي 2021، جمعت شركة «ديدي» 4.4 مليار دولار في طرحها العام الأولي.

تقدير قدراته التسويقية

عام 2014 اختير مايكل واحداً من «أكثر الأشخاص إبداعاً في مجال التسويق» وواحداً من «أكثر 100 شخص إبداعاً في مجال الأعمال» من قِبل شركة «فاست».

وفي عام 2017، ساعد مايكل في التفاوض على صفقة مع «ياندكس»، أكبر شركة تكنولوجيا وأشهر محرّك بحث على الإنترنت في روسيا – هي المعروفة باسم «غوغل روسيا» - حيث امتلكت «أوبر» 36.6 في المائة من كيان مشترك لمشاركة الرحلات في روسيا. واستثمرت «أوبر» 225 مليون دولار، واستثمرت «ياندكس» 100 مليون دولار.

رأس المال «المخاطر» يدخل «البنتاغون»

عام 2014، عُيّن إميل مايكل وثمانية آخرون في «مجلس أعمال الدفاع» التابع لـ«البنتاغون». انضمّ الثمانية إلى خمسة عشر عضواً من أعضاء المجلس، الذي أُسس عام 2002 لتقديم استشارات مستقلة بشأن القطاع الخاص. وكان مايكل الوحيد من بين المعيّنين الجدد الذي يتمتع بخبرة في مجال الشركات الناشئة.

وبالفعل، لعبت خلفيته في الاستثمار بشركات الذكاء الاصطناعي، و«البلوك تشين»، واللوجيستيات، والأنظمة الرقمية... وتحديداً، في المجالات التي تُعدّ اليوم قلب المنافسة الاستراتيجية مع الصين، دوراً كبيراً في جعله - في نظر فريق ترمب - «المختبر العملي» لقيادة سباق التكنولوجيا العسكرية، وهو ما أغرى ترمب بوضعه في رأس منظومة الابتكار العسكري.

خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، أعلن ترمب - وكان لا يزال رئيساً منتخباً - عن نيته ترشيح مايكل لمنصب وكيل وزارة الدفاع للأبحاث والهندسة، وأكد مجلس الشيوخ ترشيحه في مايو (أيار) 2025. وفي أغسطس (آب)، أصبح قائماً بأعمال «مدير وحدة الابتكار الدفاعي».

واليوم، يُعد منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة أخطر منصب تكنولوجي في الحكومة الأميركية. فهو الذي يحدّد اتجاهات الاستثمار التكنولوجي، وأولويات «وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة» (داربا)، وبرامج الأسلحة الاستراتيجية، وتوازن القدرة الأميركية مقابل الصين وروسيا.

ولفهم أسباب اختيار ترمب لمايكل، يرى البعض أنه يجب النظر إلى سمات الشخصية مقابل حاجات المرحلة. وفي ظل الحاجة إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»، ويُنظر إليه كمن يستطيع اختصار سنوات من الدورة البيروقراطية في وزارة الحرب.

وفي عهد فتح الأبواب للقطاع الخاص، اتجه ترمب أيضاً خلال ولايته الثانية إلى جعل الابتكار العسكري يعتمد على الصناعة الخاصة لا على مختبرات الدولة فقط، وهو بالضبط ما يجسده مايكل في هذا النهج. وطبعاً، يضاف إلى ما سبق أن خبرته العالمية، ولا سيما مع الصين وروسيا، منحته نظرة دقيقة على نماذج الابتكار لدى الخصوم.

مع هذا، يثير تعيين مايكل في منصبه جدلاً داخل واشنطن. فبعض الأصوات ترى في تعيين رجل أعمال بهذا الانغماس في رأس المال المخاطر، خطوة قد تعمّق نفوذ الشركات على حساب القرارات الدفاعية. ثم إن موقفه الحازم من الصين - بعدما حذر من أنها تهدف إلى «احتكار الذكاء الاصطناعي العسكري» خلال 10 سنوات - قد يدفعه إلى قرارات سريعة وغير تقليدية، بعضها يزعج التيارات التقليدية.

خلفيته ورؤيته لـ«البنتاغون»

من جهة ثانية، مع أن مايكل لا يقدّم نفسه بوصفه «سياسياً هوياتياً»، ورغم أنه شخصية محافظة سياسياً، فإنّ تأثير هويته واضح. ذلك أن خلفيته بصفته قبطياً مهاجراً جعلته، بحسب مقرّبين، أقرب لفهم أهمية «توازن القوة» في المجتمعات الهشّة، ما جعله يؤمن بأن التفوّق العسكري الأميركي هو أحد صمامات استقرار الأقليات حول العالم.

هذا البعد له تأثير ضمني لكن مفهوم في قراره بالدخول إلى قطاع الأمن القومي، وينعكس في دعمه لبرامج الدفاع غير التقليدية، ولتطوير تقنيات يمكن أن تمنع الحروب قبل وقوعها. وعلى عكس كثير من التكنولوجيين الأميركيين الذين يملكون حسّاً «ليبرالياً » تجاه الأمن القومي، ينظر مايكل إلى الجيش كـ«قوة استقرار»، وليس فقط كمجرد مؤسسة عسكرية.

ومن ثمّ، من الآن وحتى 2030، تشير كل المؤشّرات داخل وزارة الحرب إلى أنّ مايكل يخطط لثلاثة محاور حاسمة:

- تفعيل «نظام الابتكار السريع»، عبر تحويل «البنتاغون» إلى بنية مشابهة لشركات التكنولوجيا، في اتخاذ القرارات السريعة، وتجارب متكررة، ونسخ أولية، ثم تصنيع.

- إعادة توجيه وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة (داربا) نحو الذكاء الاصطناعي العسكري الكامل، ليس فقط كأداة دعم، بل كمكوّن قتالي مستقل.

- عسكرة البيانات، عبر تطوير أنظمة ميدانية تعتمد على بيانات اللحظة، بما يشبه نموذج «أوبر» في مراقبة الحركة البشرية، لكن في ساحات الحرب.

ولهذا بالضبط، نجده اليوم في رأس الهرم التكنولوجي للولايات المتحدة، في لحظة تتقرر فيها ملامح القرن الأميركي أو نهايته.


كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

كاثلين هيكس (آب)
كاثلين هيكس (آب)
TT

كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

كاثلين هيكس (آب)
كاثلين هيكس (آب)

يمثّل صعود إميل مايكل إلى منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة تحولاً واضحاً في طبيعة القيادة التكنولوجية داخل «البنتاغون»، مقارنةً بكل من مايكل غريفين وهايدي شو وديفيد هوني وكاثلين هيكس، الذين شكّلوا المسار المؤسسي التقليدي خلال العقد والنصف الماضيين.

مايكل غريفين (2018 - 2020) العالم الصاروخي، هو نموذج «العالم الكلاسيكي» داخل المؤسسة الدفاعية الأميركية. فيزيائي صواريخ، ومدير سابق لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، ورجل قائم على المدرسة البحثية الثقيلة.

كان تركيزه على الفضاء، والصواريخ، والأنظمة الفرط صوتية، وتطوير أنظمة الردع الاستراتيجي. والفارق الجوهري بينه وبين مايكل يكمن في الخلفية: غريفين ابن المؤسسات الأكاديمية والعسكرية التقليدية، بينما مايكل آت من شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، ما يجعله أكثر ميلاً للسرعة والمخاطرة وتبني الابتكار التجاري.

هايدي شو (2020 - 2023) سيدة المنظومات الدفاعية، جاءت من خلفية إدارية - تكنولوجية تمتد لعقود داخل «البنتاغون»، مركّزة على الدفاع الصاروخي والسيبراني، ومثّلت «الاستمرارية» أكثر من التغيير، بينما يجسد مايكل «القطيعة» مع الإرث المؤسسي. إذ إنه لا ينتمي لتقاليد «البنتاغون»، بل لثقافة استثمارية عالمية، ما يجعله أقرب إلى مقاربة «الابتكار المفتوح» مع الشركات الناشئة.

ديفيد هوني (2023 - 2025) المهندس البيروقراطي، يُعدّ خبيراً في البيروقراطية الدفاعية، عارفاً بتعقيدات الهياكل الداخلية ودوائر الاستحواذ. وظيفته كانت تحسين الانسيابية لا تغيير الفلسفة. أما مايكل فيقدّم رؤية انقلابية: تسريع القرارات، ونقل تقنيات القطاع الخاص مباشرة إلى ساحة القتال، وتخفيف دور البيروقراطية لصالح دينامية الشركات.

كاثلين هيكس (2021 - 2025) نائبة وزير الدفاع، تعد العقل الاستراتيجي المدني، ومع أنها لم تشغل الموقع نفسه، لكنها قادت بحكم موقعها، الإشراف على ملفات التكنولوجيا والتحوّل الدفاعي.

أيضاً مثلت هيكس المدرسة الاستراتيجية الليبرالية - التقليدية في الأمن القومي، ويمثل مايكل المدرسة المحافظة - التجارية، المتمحورة حول المنافسة مع الصين والتفوق الصناعي.

أخيراً، في حين يمثل الأربعة المذكورون خط الاستمرارية المؤسسية، يأتي إميل مايكل من خط الاختراق التكنولوجي التجاري. فهو أول من جمع بين خبرة وادي السيليكون والعمل المباشر في ساحات الدفاع، ما يجعل تعيينه انتقالاً من «عقود البحوث البطيئة» إلى «سباق الزمن التكنولوجي» في مواجهة الخصوم الدوليين للولايات المتحدة.