في الأسبوع الماضي قدم «تلفزيون صحيفة واشنطن بوست» برامج فيديو صغيرة وخفيفة مثل: «ماذا تلبس في حفل زواج» (قدم عارضات وعارضون مختلف الموضات الجديدة). «مع لاجئين من تركيا إلى المجر» (صحبت الكاميرا عددا منهم يعبرون الحدود من بلد إلى بلد). «طيارون بريطانيون يكررون مواجهة غزو هتلر» (من احتفالات ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية). «طائرة درون داخل سجن» (لتهريب مخدرات). هكذا، يبدو أن «تلفزيون صحيفة واشنطن بوست» (يسمى: «بوست تي في») ليس مثل تلفزيون «سي إن إن» (ولا يريد أن يكون قناة تلفزيونية رئيسية). وليس مثل «يوتيوب» (ولا يريد أن يجمع ملايين الفيديوهات).. إنه محاولة لنقل محتويات صحيفة ورقية إلى فيديوهات، ومحاولة للاستفادة من مئات من مراسلي الصحيفة، ليس فقط ليكتبوا أخبارا تنشر، ولكن، أيضا، ليصوروا، ويتكلموا، في فيديوهات تشاهد وتسمع.
* جيف بيزوس.. نحو عمل صحافي من نوع جديد
قبل عامين، اشترى جيف بيزوس، ملياردير شركات «أمازون»، صحيفة «واشنطن بوست»، وأعلن أنه سيقدم عملا صحافيا من نوع جديد، يربط بين الصحيفة الورقية والتقدم التكنولوجي في مجال جمع وتوزيع المعلومات. في ذلك الوقت، كان «بوست تي في» صغير الحجم.. كان بدأ في قاعة التحرير الرئيسية في الصحيفة.. كانت الكاميرا تتجول وسط المكاتب، وتسأل الصحافيين عن أهم الأخبار، وتنقلها في موقع الصحيفة على الإنترنت. في وقت لاحق، اختير عدد من الصحافيين (أصحاب مؤهلات تلفزيونية) ليتركوا الكتابة الصحافية، ويتفرغوا لتقديم برامج فيديو إخبارية. وقبيل أن يشترى بيزوس الصحيفة، كان «بوست تي في» صار قسما مستقلا عن الجهاز التحريري.
غير أن واحدا من أوائل الأسئلة التي ظهرت بعد أن اشترى بيزوس «واشنطن بوست» كان: ماذا سيفعل مع «بوست تي في»؟ خاصة أنه يملك شركات تعمل في هذا المجال، منها:
أولا: شركة «أمازون فايار تي في»: تنتج أجهزة تنقل الفيديوهات إلى التلفزيونات.
ثانيا: شركة «أمازون تي في»: مثل «بوست تي في»، تقدم نشرات أخبار تلفزيونية في فيديوهات قصيرة.
ثالثا: شركة «أمازون إنستانت فيديو»: تنتج فيديوهات تشترى وتباع، في مختلف المجالات.
رابعا: شركة «استوديوهات أمازون»: تنتج أفلاما سينمائية وتلفزيونية مثل التي في هوليوود.
خلال مفاوضات بيزوس مع دونالد غراهام، حفيد مؤسس صحيفة «واشنطن بوست»، ورئيس مجلس إدارة مجموعة شركات «واشنطن بوست»، كان بيزوس يريد شراء شركة «تلفزيونات واشنطن بوست» التي تملك محطات تلفزيونية في عدد من المدن الأميركية (لا صلة لها مع «بوست تي في»)، لكن، قرر غراهام الاحتفاظ بشركة التلفزيونات، خاصة لأنه، بعد بيع شركة «واشنطن بوست»، لم تبق له شركات كثيرة مهمة.. (يملك شركة تقدم مقررات مدرسية جامعية).
* مائة صحافي في «بوست تي في»
في الوقت الحاضر، صارت «بوست تي في» قناة تلفزيونية في الإنترنت يعمل فيها قرابة مائة صحافي وصحافية.
لكن، صارت تنافس قنوات إنترنت أخرى أكبر منها حجما، مثل: «تلفزيون غوغل» و«تلفزيون ياهو» (بالإضافة إلى مجموعة تلفزيونات وفيديوهات «أمازون»).
مؤخرا، نشرت مجلة «ناشيونال ريفيو» (المحافظة) تقريرا انتقد «بوست تي في»، وجاء فيه أنها «مثل النعامة: طائر لا يقدر أن يطير». لم يكن النقد جديدا، خاصة لأن «ناشيونال ريفيو» تخصصت في نقد صحيفة «واشنطن بوست» (الورقية) منذ عشرات السنين.
قالت إن «بوست تى في» من أهم الاستثمارات الجديدة على خطى الصحيفة الورقية، لكن «يحيط بمستقبلها غموض مثل الذي يحيط بمستقبل الصحيفة الورقية». واستشهدت المجلة بمقابلة في «بوست تي في» مع غراهام، في اليوم نفسه الذي باع فيه صحيفة «واشنطن بوست» إلى بيزوس.. وسألت المجلة: «هل هذا سبق صحافي، أم هزيمة صحافية؟» وقالت: «ها هو صحافي مفلس يبيع صحيفته إلى تاجر كتب. وها هي قناته التلفزيونية تنقل مقابلة معه عن إفلاسه. هل يدعو هذا إلى التشاؤم، أم إلى التفاؤل؟».
* متفائلون
لكن، في الجانب الآخر، يتفاءل المسؤولون عن «بوست تي في»؛ ومنهم ستيفن هيل، الذي قال: «نريد أن تكون (بوست تي في) في السياسة مثل «إي إس بي إن» في الرياضة». هذه إشارة إلى كبرى القنوات الرياضية التلفزيونية الأميركية.
وأضاف: «نقدر على أن نستفيد من عشرات المحررين والصحافيين الذين هم ربما أقدر مجموعة صحافيين في العالم. ونقدر على أن نستفيد من اسم (واشنطن بوست(».
تندرت مجلة «ناشيونال ريفيو» بأن الصحافيين «الذين ليسوا جميلي الأوجه، وليست لهم شخصيات جذابة، سيتركون في قاعات التحرير الورقية».
وأشار هيل إلى قسم في القناة اسمه «واشنطن إنتراكتف» (واشنطن التفاعلية)، حيث يشترك في تقديم الأخبار مواطنون من داخل (وخارج) واشنطن.. يرسلون فيديوهات فيها أخبار أو تقارير، وكأنهم مراسلون رسميون. وهناك برامج تسمى: «أفضل مطعم في واشنطن» و«أحسن فندق في واشنطن» و«أحسن مخدم في واشنطن»، اعتمادا على تقارير في الصحيفة الورقية.
لكن، أثارت بعض الفيديوهات انتقادات؛ مثل واحد عن: «رقص الهيب هوب في البيت الأبيض: السيدة الأولى ميشيل أوباما تستخدم الغناء في إنجاح زراعة الخضراوات (في حديقة خاصة قرب البيت الأبيض)».