لودريان في مهمة استطلاعية في بيروت وطرح أفكار جديدة مستبعد

باريس أمام عقدة تسويق فرنجية

لودريان والرئيس ماكرون (أ.ف.ب)
لودريان والرئيس ماكرون (أ.ف.ب)
TT

لودريان في مهمة استطلاعية في بيروت وطرح أفكار جديدة مستبعد

لودريان والرئيس ماكرون (أ.ف.ب)
لودريان والرئيس ماكرون (أ.ف.ب)

يترقب الوسط السياسي في لبنان وصول الموفد الخاص للرئيس الفرنسي وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، إلى بيروت، في أواسط الأسبوع المقبل، في مهمة استطلاعية بحثاً عن مخارج لإنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية، الذي أُدرج على جدول أعمال القمة السعودية - الفرنسية التي عُقدت بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس إيمانويل ماكرون، فيما يستبعد مصدر دبلوماسي عربي أن يحمل لودريان معه مجموعة من الأفكار لوقف التمادي في تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية.

ويلفت المصدر الدبلوماسي العربي، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أن لودريان سيطرح في لقاءاته مع القيادات السياسية وبعض المرجعيات الروحية مجموعة من الأسئلة لاستكشاف الأسباب الكامنة وراء استمرار تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية والخطوات المطلوب اتخاذها لإعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية.

ويكشف المصدر نفسه أن جولة السفيرة الفرنسية لدى لبنان آن غريو، على عدد من القيادات السياسية، بقيت تحت سقف إعلامهم بموعد وصول لودريان من دون دخولها في تفاصيل ما سيحمله معه من أفكار، مع أن هناك من يستبعد مبادرته إلى طرح أفكار جديدة لإنقاذ المبادرة الفرنسية، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إنه سيطرح مجموعة من الأسئلة، ويفضل الاستماع للذين سيلتقيهم، على أن يرفع تقريره إلى الرئيس الفرنسي ماكرون لاتخاذ ما يراه مناسباً.

ويؤكد أن لودريان يسعى لرأب التصدع الذي أصاب علاقة باريس التاريخية بالمسيحيين، تحديداً بغالبية الكتل المسيحية التي رفضت السير بالمبادرة التي أطلقتها بتبنيها ترشيح زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، بذريعة أنه المرشح الأسهل لإنهاء الشغور الرئاسي، في مقابل تكليف السفير السابق نواف سلام بتشكيل الحكومة.

ويرى المصدر نفسه أن انحياز باريس لفرنجية، ومن وجهة نظر الأكثرية النيابية المسيحية، أدى إلى إصابة علاقتها التاريخية بالمسيحيين بندوب غير مسبوقة، وهذا ما يرتب عليها أن تعيد النظر في مبادرتها كونها تعطي الأرجحية لمرشح محور الممانعة، بذريعة صعوبة تسويقها ما لم تأخذ بعين الاعتبار عدم الدخول في تحدٍّ مع الثنائي الشيعي.

وفي هذا السياق، يسأل ما الذي أملى على باريس عدم مراعاتها لرفض أكثرية القوى في الشارع المسيحي ترشيحها لفرنجية، بدلاً من أن تتقدم بمبادرة وازنة بترشيح شخصية تقف في منتصف الطريق بين محور الممانعة وقوى المعارضة التي تقاطعت مع «التيار الوطني الحر» على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور.

ويضيف المصدر الدبلوماسي العربي: «إذا كانت باريس تتطلع من وراء تسويقها لمبادرتها إلى تحريك المياه الراكدة بالمفهوم السياسي للكلمة، ومن باب اختبارها للنيات لعلها تدفع باتجاه الضغط على المعارضة للتوافق على خوض المعركة الرئاسية بمرشح منافس لفرنجية، فإن جلسة الانتخاب الأخيرة أتاحت لها تسجيل تفوّق سلبي بعدد الأصوات على مرشح محور الممانعة».

لذلك فهي تقف حالياً أمام معادلة لا تسمح لها التمسك بترشيح فرنجية، ما يدعوها لإعادة النظر في مبادرتها بابتداع خلطة رئاسية تفتح الباب أمام البحث عن مرشح توافقي لا يشكل تحدّياً لأي فريق.

ويؤكد المصدر نفسه أن باريس باتت على قناعة بأن جلسة الانتخاب الأخيرة أفضت إلى نتيجة لا يمكنها تخطيها، ومفادها أنها تقف أمام عقدة تسويق فرنجية، لكنها في المقابل ستدخل في اشتباك سياسي مع الثنائي الشيعي الذي يتمسك بدعمه ويرفض البحث عن مرشح توافقي ما لم تؤمن له باريس الثمن السياسي المطلوب لقاء تخليه عن تأييده.

ويسأل هل الثمن المطلوب تقديمه للثنائي الشيعي يبقى تحت سقف توفير الضمانات لـ«حزب الله» بأن رئيس الجمهورية العتيد لا يطعنه في الظهر ولا يتآمر على المقاومة؟ أم أن الثمن يتجاوز الحدود إلى الإقليم بما يؤدي إلى مقايضة انتخابه برفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على إيران؟ وفي هذا السياق، يقول المصدر الدبلوماسي إن «حزب الله» يتمايز في مقاربته للاستحقاق الرئاسي عن الآخرين كونه يتعامل معه من زاوية إقليمية، بما يتيح لإيران تحسين شروطها في تفاوضها مع الولايات المتحدة.

من جهة ثانية، يقول مصدر دبلوماسي عربي مواكب للأجواء السائدة داخل اللجنة الخماسية من أجل لبنان، إن الأبواب الداخلية ما زالت موصدة أمام انتخاب الرئيس، محملاً المسؤولية لـ«حزب الله» بإصراره على المكابرة بدلاً من أن يبادر إلى تقويم ما أسفرت عنه جلسة الانتخاب الأخيرة، وهذا ما يدعو غالبية اللبنانيين للرهان على أن يأتيها الترياق من الخارج، طالما ألا تبدّل في الخيارات الرئاسية، ما يفتح الباب أمام السؤال عن دور المجتمع الدولي بإسقاط اسم رئيس من خارج جدول أعمال الكتل النيابية، شرط ألا يشكل تحدياً لأي فريق، وإلا فإن اللبنانيين سيمضون صيفاً بلا رئيس، وربما إلى أمد طويل.



هل تلجم «مصلحة الجميع» نيّات توسعة الحرب في لبنان؟

المبعوث الأميركي آموس هوكستين في بيروت 18 يونيو الحالي (أ.ب)
المبعوث الأميركي آموس هوكستين في بيروت 18 يونيو الحالي (أ.ب)
TT

هل تلجم «مصلحة الجميع» نيّات توسعة الحرب في لبنان؟

المبعوث الأميركي آموس هوكستين في بيروت 18 يونيو الحالي (أ.ب)
المبعوث الأميركي آموس هوكستين في بيروت 18 يونيو الحالي (أ.ب)

يراود المتابعين لمستجدات الحدود والمعارك بين «حزب الله»، الذراع العسكرية لإيران في لبنان، وإسرائيل في جنوب لبنان، سؤالٌ، مستمدٌ من كلام الموفد الأميركي آموس هوكستين، ومفاده: هل تلجم «مصلحة الجميع» نيّات توسعة الحرب في لبنان؟

فقبل أيام زار هوكستين، عراب الاتفاق اللبناني - الإسرائيلي، تل أبيب وبيروت في مسعى لمنع تحول المواجهة من جبهة محدودة في جنوب لبنان إلى مواجهة مفتوحة. وظنّ المتابعون أن «خطورة» الوضع ستبقيه في المنطقة أياماً، لكنه أقفل عائداً إلى واشنطن، بعدما قال في بيروت: «لمصلحة الجميع حل الصراع بسرعة وسياسياً، وهذا ممكن وضروري وبمتناول اليد».

الحرب التي بدأها بها «حزب الله» في منطقة محددة جغرافياً، هي مزارع شبعا، تطوّرت على مدى 9 أشهر، لتشمل معظم مناطق الشريط الحدودي بين البلدين، مع عدم تردد الإسرائيلي عن اصطياد مسؤولين من «حزب الله» و«حماس» والتنظيمات الدائرة في فلكهما، في مناطق مختلفة من الأراضي اللبنانية. لكن لو كانت هذه الحرب ذاهبة إلى ما هو أوسع في لبنان، هل كان للموفد الأميركي أن يغادر بهذه السرعة؟ أغلب الظن أنه تأكد أن الطرفين لا يريدان الإضرار بالصفقة الكبرى التي أنجزاها، بعد أكثر من 20 عاماً من المفاوضات، ألا وهي ترسيم حدود الغاز في البحر المتوسط.

وهنا تماماً مكمن إشارة هوكستين إلى «مصلحة الجميع». والجميع هم كل المستفيدين، دولاً وشركات وجماعات، من اتفاق الحدود الغازية الذي أبرمه بالبلدان في عام 2022، وبرعاية أميركية ممثلة بهوكستين نفسه.

وهوكستين يعرف تماماً أن إسرائيل تعد الرابح الأكبر من غاز المتوسط منذ اكتشف أول حقل للغاز في بحر غزة وسُمي «غزة مارين» في عام 2000، حينها تغيّرت معطيات إسرائيل وأهدافها، فانسحبت من جنوب لبنان بلا اتفاق، وتوجّهت إلى السلطة الفلسطينية فدّمرت «اتفاق أوسلو» وكل ما بُني بموجبه، وراحت تغرف من غاز البحر حتى اكتفت ذاتياً، ثم راودتها أطماع التصدير. وكانت اكتشافات متتالية بمليارات الدولارات واتفاقات وشراكات مع دول الجوار، وبقي عائقان أمامها: بحر لبنان المسيطر عليه «حزب الله»، وبحر غزة المسيطرة عليه «حماس».

وبعد مفاوضات طويلة استغرقت قريباً من 20 عاماً، برعاية الأميركي وتدخله، تم الاتفاق مع لبنان. وبقيت المشكلة الأخيرة المتعلقة ببحر غزة. وقبل هجوم 7 أكتوبر، تردد بأن اتفاقاً مماثلاً للاتفاق اللبناني سيوّقع مع السلطة الفلسطينية في رام الله، ما يعني أن «حماس» لن يبقى لها سوى «خفي حنين»، وهي المسيطرة على القطاع منذ 2005، ويكاد يذهب هباءً كل ما فعلته تجاه الإسرائيلي، بما في ذلك عدم مشاركتها في المعركة التي خاضتها «الجهاد الإسلامي» ضد إسرائيل في 2022، وتحت عنوان «وحدة الساحات»، ولا ساحات ولا من يحزنون.

وفي 7 أكتوبر بدأ مخاض لأوضاع جديدة، سياسياً وأمنياً وغازياً، لكنه لم ينته بعد. تحضير «حماس» لعملية لم يكن مفاجئاً لإسرائيل، بل كانت تنتظر تنفيذها لتشن حربها الكبرى لتشطب كل من يقف في وجه مصالحها داخل غزة. لكن ما حصل فجر ذاك اليوم كان كبيراً جداً ومفاجئاً للطرفين: «حماس» التي لم تتوقع أن اختراق الجدار الفاصل سيمهد الطريق لعملية بهذا الحجم، وإسرائيل التي استيقظت على احتلال مساحات من أراضيها ووقوع نحو 240 من الأسرى من جيشها وشعبها في يد المهاجمين.

وجاء الرد بقرارين كبيرين: تفعيل إسرائيل قانون هنيبعل القاضي بقتل الخاطف والمخطوف لاستعادة الأرض، والقانون لا يزال معمولاً به حتى اللحظة. وإرسال الولايات المتحدة بعضاً من بوارجها وحاملات طائراتها لتقول لمن يتحمّس إن زوال إسرائيل ممنوع.

وظن الناس أن في مقدمة هؤلاء المتحمّسين «حزب الله»، خصوصاً أن بوتقته الإعلامية كانت تنشر ما مفاده أن لدى الحزب كتيبة اسمها «كتيبة الرضوان»، ومهمتها، في المعركة المقبلة مع إسرائيل، احتلال الجليل (شمال إسرائيل) وخوض الاشتباكات على أرضها. لكن ما فعله الحزب على الأرض وبعد 24 ساعة، ربما انتظر خلالها أمر العمليات من مرشده الإيراني، أن أطلق رشقات باتجاه مزارع شبعا، وفهم المعنيون الرسالة بأنه لن يفعل أكثر من ذلك.

وجاءت الأيام والأسابيع والأشهر ولم يبق حجرٌ على حجر في قطاع غزة وأكثر من 40 ألف ضحية وضعف هذا الرقم من الجرحى والمصابين، ولم يفعل الحزب مع إسرائيل أكثر من المناوشات وصراع الأدمغة الأمنية، ولم يقدّم، ولن، إلى إسرائيل السبب الوجيه لتوسعة الحرب لتشمل لبنان كله، فلا هو احتل متراً واحداً من أرضها، ولا أسر جندياً واحداً من جنودها، ولا استهدف مرفقاً واحداً من مرافقها الاقتصادية والسكنية. كل ما يفعله ضمن المسموح به، وهو استهداف مواقع عسكرية، ونشر فيديوهات من مسيرة نجحت في اختراق الحدود.

وما كاد هوكستين يقفل عائداً إلى واشنطن، حتى كان أول مستقبلي وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي أبلغه أن الانتقال إلى «المرحلة ج» (صراع منخفض الكثافة) في حرب غزة سيؤثر على جميع الجبهات.

وعلى الرغم من أن البيان مقتضب، فإنه يوحي بأن ثمة انتقالاً للمرحلة الثالثة في غزة، وبالتالي فإن هذا التأثير سيكون «إيجابياً» لتهدئة جبهة الجنوب اللبناني، وتبقى المصلحة الكبرى التي أبرمت في اتفاق الغاز قائمة في انتظار نهاية «مخاض غزة»... فعن أي توسعة للحرب تتحدثون؟