الرئيس المصري إلى موسكو غدًا بزيارة تحمل صبغة «شاملة»

خبراء لـ {الشرق الأوسط}: سوريا والإرهاب أهم ملفات القمة.. واتفاقات مشتركة في عدة مجالات

الرئيس المصري إلى موسكو غدًا بزيارة تحمل صبغة «شاملة»
TT

الرئيس المصري إلى موسكو غدًا بزيارة تحمل صبغة «شاملة»

الرئيس المصري إلى موسكو غدًا بزيارة تحمل صبغة «شاملة»

يتجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي غدا إلى العاصمة الروسية موسكو في مطلع زيارة آسيوية تشمل كلا من سنغافورة والصين وإندونيسيا. وتعد زيارة موسكو هي الثالثة للسيسي منذ توليه رئاسة مصر، مما يعكس حجم العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين قام بزيارة مهمة إلى مصر في شهر فبراير (شباط) الماضي.
وأشارت مصادر مصرية مطلعة، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الزيارة التي ستشهد «لقاء قمة» يوم الأربعاء تحمل طابعا متعددا يمكن حصره في أربعة محاور رئيسية، هي الجانب الاقتصادي، وملف التعاون العسكري، والملف الاستراتيجي الإقليمي، إضافة إلى ملف مكافحة الإرهاب.
وعن الجانب الاقتصادي، فمن المتوقع أن يجري توقيع عدد من الاتفاقيات المهمة، وعلى رأسها مشروع لإقامة منطقة صناعية روسية كبرى سواء في نطاق قناة السويس أو شمال الفيوم (جنوب غربي القاهرة)، إضافة إلى مناقشة ملف الطاقة النووية السلمية في منطقة الضبعة (غرب مصر)، وتنمية السياحة الروسية إلى مصر، إلى جانب احتمالية البحث عن صيغة لإشراك مصر في تحالف «بريكس» (BRICS) الاقتصادي القوي، الذي يضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
أما عن ملف التعاون العسكري، فتقول المصادر إن مصر ربما تنجح في إبرام عقود عسكرية تتصل بمقاتلات متقدمة من طرازي «سوخوي» و«ميغ»، ومروحيات عسكرية من طراز «MI17»، وصواريخ متطورة، وكذلك منظومة متقدمة للدفاع الجوي. وقد تشمل الاتفاق على مناورات عسكرية مشتركة.
كما ستشهد المباحثات نقاشات معمقة حول أبرز قضايا المنطقة، مثل الملف السوري والليبي واليمني، إضافة إلى ملف مكافحة الإرهاب الذي يحظى باهتمام دولي واسع.
وفعلت الدولتان صيغة «الحوار الاستراتجي 2+2» الرفيعة المستوى عقب ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013. ويرى السفير الدكتور السيد أمين شلبي، المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية، أن «زيارة السيسي إلى موسكو هي امتداد وترسيخ للعلاقات المصرية الروسية التي تطورت بشكل كبير بعد 30 يونيو 2013، ومنذ هذا التاريخ نستطيع أن نرصد تصاعد وتطور هذه العلاقات، والتي ظهرت في مستويات عليا وزارية ورئاسية متبادلة؛ ولم تكن زيارات مراسمية، ولكن نتج عنها عدد كبير من اتفاقيات التعاون في مجالات حيوية»، موضحا لـ«الشرق الأوسط» أنه يعتقد أن الأزمة السورية ومكافحة الإرهاب ستحظيان باهتمام بالغ في نقاشات الرئيسين خلال القمة المصرية الروسية.
بينما يرى اللواء محمود خلف، الخبير الاستراتيجي، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية في مصر، أن المحور الاستراتيجي للزيارة هو المركزي الذي تتفرع منه باقي المحاور. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر ترى اليوم أنها مستعدة للتعاون لأنها منفتحة على كل قوى العالم، بقدر الانفتاح من الطرف الآخر. وبينما كانت العلاقات مع أميركا باردة إلى حد ما؛ انفتحت مصر على من انفتح عليها مثل روسيا والصين، خاصة أن السياسات الدولية هي فرص استراتيجية، والعلاقات السلمية الدولية مرحب بها».
ويشير اللواء خلف إلى أن «الشعب المصري شعر بأن الإدارة الأميركية تتحداه، وتتحدث بلهجة وكأنها تملك الكون، وتستخدم ورقة تعطيل صفقات المساعدات وتتلكأ فيها.. ولذلك كان لا بد أن تعرف واشنطن أن هذه الرسالة خاطئة للغاية، وغير مقبولة من الشعب والقيادة المصرية، وأن نسبة التسليح التي توفرها أو تعرقلها لن تعطل الجيش المصري».
وعلى صعيد التعاون العسكري بين القاهرة وموسكو، يوضح اللواء خلف أن «مصر أعلنت منذ عصر الرئيس الأسبق أنور السادات فكرة الانفتاح على العالم في التسلح، لأنه لا يمكن تكتيكيا أن نرهن الأمن القومي المصري ككل في سلة واحدة بالتسلح من جهة واحدة. وتوسعت القاهرة في هذا الانفتاح منذ ذلك الحين على نحو وصل إلى 12 أو 13 دولة، بينها أميركا وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين، وغيرها»، لافتا إلى أن النقطة الأخرى الأهم هي أن «الجيش المصري الضخم، المصنف في مراكز متقدمة عالميا، تصل نسبة تسليحه الروسي إلى نحو 40 إلى 50 في المائة.. ومصر ليست دولة غنية للاستغناء عن هذا السلاح وإعادة إقامة الجيش من جديد، فبالتالي كان هناك تعاون لم ينقطع. ونحن نطور الأسلحة الموجودة لدينا والتي تدربنا عليها، وازداد هذا التعاون مع الوقت».
وعن نقاط التفوق التي تميز السلاح الروسي تحديدا بالنسبة للجيش المصري، أكد الخبير العسكري البارز أن «هذا موضوع كبير جدا، والمسألة تعتمد دائما على مسرح العمليات.. فلكل عملية طبيعتها واحتياجاتها من حيث الأدوات ومنشأها حسب المهام وطبقا لمتطلبات العدائيات، وعلميات المقارنة معقدة بالنسبة لغير المختصين؛ ولهذا فإن تسليح الجيش المصري متنوع بما يوازي طبيعة عملياته».
وبالنسبة للملفات الإقليمية التي يتوقع أن تتطرق إليها قمة السيسي وبوتين بشكل معمق، يتوقع اللواء خلف أن تكون هناك «إيجابيات»، مشيرا إلى أن «هذه ملفات مفتوحة. ولا ننكر أن الصراع داخل سوريا هو صراع إقليمي دولي بالأساس، ونعلم جوانبه.. هناك الولايات المتحدة، وكذلك روسيا وإيران، والأخيرتان تعملان بشكل تكاملي، حيث تدافع الدولة الروسية عن النظام السوري، وتقوم إيران بالأعمال الهجومية».
ويؤكد خلف أن «مصر، كونها تفهم قواعد الصراع واللعبة الدولية، لا بد أن يكون لها دور في سوريا، هذا حق للسوريين وحق للمصريين. واللاعب المركزي على الأرض حاليا والذي يستطيع أن يصنع الأحداث هو روسيا وليس أميركا، وإذا تم الاتفاق على شيء فيمكن أن يتحقق على الأرض في اليوم التالي. وبالتالي، ربما تنتج الزيارة تفاهمات إيجابية. والحديث مع الروس في هذا الاتجاه قد يصل بشكل أو بآخر إلى حزمة ما تؤدي إلى حلحلة الموقف، خاصة أن تمزق سوريا هو أمر مرفوض وخطر، باعتبار أن بلاد الشام هي الحديقة الخلفية للأمن القومي المصري، تاريخيا وحاليا».
من جانبه، يقول السفير أمين شلبي، لـ«الشرق الأوسط»: «كما نعلم، فإنه منذ أن تولى بوتين الرئاسة (للمرة الأولى) عام 2000، وهو يهدف إلى استعادة دور روسيا الدولي ومكانتها كقوة عظمى، وأن يكون لها صوت مسموع في القضايا الدولية. ومن الطبيعي أن يكون من اهتماماته في هذا الإطار منطقة استراتيجية مجاورة لروسيا هي الشرق الأوسط. ولذلك سنجد أنه بالإضافة إلى مصر، اتجه بوتين إلى دعم علاقات روسيا مع الشرق الأوسط والخليج، ولعل آخر تعبير عن ذلك كان زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو، والتي تلتها زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أيضًا».
ويشير السفير شلبي إلى أن «القضايا المطروحة خلال زيارة الرئيس السيسي بطبيعة الحال هي قضايا المنطقة، لكن هناك قضيتين رئيسيتين، وهما الأزمة السورية وموضوع مكافحة الإرهاب، وهما موضع تركيز مشترك لموسكو والقاهرة. وأتصور أنهما ستكونان القضيتين الأكثر بروزا في الزيارة على المستوى الإقليمي، بالإضافة إلى ملفات التعاون المشترك بمجالاتها».
وعن توقعاته لخروج إطار يسهم في حل الأزمة السورية، قال «لعلنا نلاحظ أن روسيا في الشهور الأخيرة - بالتوازي بالطبع مع دعمها للنظام السوري - تعمل على جمع قوى المعارضة السورية مع قوى النظام للتوصل إلى صيغة لتوافق وطني ومرحلة انتقالية، أو الإعداد لـ(جنيف 3). ومنذ أيام كان هناك مؤتمر في موسكو، وأعتقد أن هناك مؤتمرا لاحقا قادما في هذا الاتجاه. وعلى الجانب الآخر، أتصور أن مصر تؤيد كل الجهود الإقليمية والدولية التي تسير في اتجاه تحقيق تسوية وتوافق وطني داخلي في سوريا ينهي الأزمة والمأساة التي يعيشها الشعب السوري».
كما يشير السفير شلبي إلى أن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب «هو قضية مهمة وملحة أيضا بالنسبة للطرفين، لأن موسكو تخشى أن يتمدد الإرهاب والقوى الراديكالية إلى المناطق الإسلامية في روسيا، وهو هاجس روسي خاصة أنها وريثة الاتحاد السوفياتي وتجربته الأليمة في أفغانستان. بينما نعلم جميعا ما تعانيه مصر في هذا الإطار».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».