أوكرانيا تحدث شرخا جديدا في العلاقات الروسية الأميركية

أوباما يتحادث مع بوتين.. وغموض بشأن إمكانية عقد قمة جديدة بينهما

أوكرانيا تحدث شرخا جديدا في العلاقات الروسية الأميركية
TT

أوكرانيا تحدث شرخا جديدا في العلاقات الروسية الأميركية

أوكرانيا تحدث شرخا جديدا في العلاقات الروسية الأميركية

عقب التوتر الذي شاب العلاقات الروسية - الأميركية العام الماضي، حاول الرئيس الأميركي باراك أوباما وفريقه إعادة العلاقات إلى مسارها بالتخطيط لعقد اجتماع محتمل هذا الصيف مع الرئيس فلاديمير بوتين، حتى إن الجانبين بدآ في مناقشة تفاصيل اتفاق تجاري سيوقعه الجانبان.
لكن الأزمة السياسية الدامية التي عصفت بأوكرانيا وقوضت من إمكانية عقد اللقاء كانت مؤشرا على صعوبة استعادة العلاقات البناءة بين واشنطن وموسكو. ورغم المواجهة بين الجانبين هذا الأسبوع بشأن مستقبل جمهورية الاتحاد السوفياتي السابقة الاستراتيجية، تبدو احتمالية تجدد مؤتمرات القمة محفوفة بالمشكلات. ويرى المسؤولون الأميركيون أن الاتفاق الهش الذي وقع في كييف ربما يكون سببا في عدم انعقاد الاجتماع.
وكان الرئيس أوباما، الذي أصبح الصيف الماضي أول رئيس أميركي منذ أكثر من نصف قرن يلغي اجتماعا مع نظيره الروسي أو السوفياتي، قد اتصل بنظيره الروسي يوم الجمعة، وتحدثا لمدة ساعة عن أوكرانيا وعدد من القضايا مثل سوريا وإيران. ووصف المسؤولون الأميركيون الاتصال بأنه مثمر، واعتبروه مؤشرا إيجابيا، على الرغم من التوترات الأخيرة، على إمكانية تحقيق تقدم.
وأكد مسؤول في الإدارة طلب عدم الكشف عن هويته أن الزعيمين اتفقا على التركيز على ضرورة التوصل إلى تسوية في كييف وعدم الخوض في أسباب النزاع السياسي، وقال المسؤول إن أوباما «كان واضحا للغاية في ضرورة تنحية هذه الخلافات جانبا»، مضيفا أن هذا الاتصال «كان إيجابيا للغاية»، فيما وصف مسؤول آخر الاتصال بأنه «بناء تماما ومتقن وإشارة مهمة للغاية».
بيد أن مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا نادرا ما كان أكثر غموضا أو تقلبا عما هو عليه الآن. وتأتي أوكرانيا الحلقة الأحدث في سلسلة من القضايا التي توتر العلاقات بين البلدين، التي كان من بينها لجوء متعاقد وكالة الأمن القومي السابق إدوارد سنودن إلى روسيا، والحرب الأهلية في سوريا، والخلافات بشأن الحد من التسلح، وعمليات القمع الروسية ضد المعارضة.
وبنهاية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي وانقضاء الأضواء التي صاحبتها في جميع أنحاء العالم يبدي البعض في واشنطن قلقا من أن يشعر بوتين بمزيد من الحرية في تشديد قبضته على منتقديه في الداخل. وإذا تداعى الاتفاق الأوكراني مرة أخرى، كما يخشى الكثيرون، فقد يجد أوباما وبوتين نفسيهما مرة أخرى على طرفي نقيض.
وقال دامون ويلسون، مساعد مستشار الأمن القومي السابق للرئيس جورج بوش والذي يشغل الآن منصب نائب الرئيس التنفيذي للمجلس الأطلسي «التحدي الذي نواجهه الآن هو أنه على الرغم من اعتقاد الأميركيين والأوروبيين أننا لسنا في معادلة صفرية مع روسيا، فإن روسيا لسوء الحظ تلعب معنا لعبة صفرية».
أصر أوباما هذا الأسبوع على أنه لا يرى خلافاته مع بوتين «كرقعة شطرنج الحرب الباردة التي كنا فيها في منافسة»، لكن التدخل القوي للحكومة الأميركية في الأزمة الأوكرانية جعل بوتين مقتنعا بالعكس. فقد تحدث نائب الأميركي جو بايدن إلى الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش تسع مرات خلال الأشهر السبعة الماضية، بما في ذلك المحادثة التي استمرت ساعة كاملة يوم الخميس أثناء المفاوضات بين الحكومة والمعارضة حول الاتفاق. ويصر المسؤولون الأميركيون على رغبتهم في اتخاذ الشعب الأوكراني خياراته بنفسه.
لكن اتهامات الكرملين بالتورط تحوم حول البيت الأبيض رغم محاولته اختيار خليفة للسفير مايكل ماكفول، الذي يغادر موقعه كسفير لواشنطن لدى روسيا. وأحد الأسماء التي يجري تداولها في الوقت الراهن هو جون تافت، الذي تقاعد مؤخرا من عمله الدبلوماسي. لكن عمله كسفير في ليتوانيا وجورجيا وأوكرانيا، ثلاث جمهوريات سوفياتية سابقة رفضت هيمنة موسكو الإقليمية، جعلت الكرملين ينظر إلى تافت بنوع من القلق، وسيدفع ذلك أوباما إلى إعادة التفكير في ما إذا كان خياره خيارا بناء أم استفزازيا.
وتقول إنجيلا ستنت، رئيسة مركز الدراسات الروسية في جامعة جورجتاون ومؤلفة كتاب «حدود الشراكة»، الذي يتناول العلاقات الروسية الأميركية منذ نهاية الحرب الباردة «أعتقد أن الولايات المتحدة تبحث عن فرصة للحيلولة دون مزيد من تدهور العلاقات مع روسيا. باءت محاولة أوباما لإصلاح العلاقات بالفشل، والسؤال المطروح هو: هل يستحق الأمر محاولة جديدة خلال فترة العامين ونصف العام القادمة».
كان البيت الأبيض يحاول الإجابة عن هذا التساؤل خلال الشهرين الماضيين. فسوف تستضيف روسيا قمة مجموعة الثماني في يونيو (حزيران) في سوتشي، المكان الذي يعتبره بوتين انتصاره الأولمبي. ونظرا لأن أوباما يشعر بأنه مجبر على الحضور، فقد بدأ هو ومساعدوه التفكير في إمكانية عقد لقاء منفصل مع الرئيس بوتين كما هي العادة في كل هذه اللقاءات، لاستعادة العلاقات بعد إلغاء زيارته إلى موسكو في سبتمبر (أيلول) الماضي.
ويقول مساعدو الرئيس إنه غير راغب في عقد اجتماع يجدد هذه الاختلافات، لذلك بدأ الجانبان محادثات في ديسمبر (كانون الأول) بشأن المناطق التي يمكن أن تشهد تقدما ملحوظا.
وتبدو السيطرة على السلاح أمرا مستبعدا إذا لم تبد موسكو اهتماما بمقترحات أوباما الأخيرة بخفض ترساناتهما النووية، وقد زادت التقارير الأخيرة عن الانتهاكات الروسية لمعاهدة حقبة الحرب الباردة الأمر صعوبة إن لم يكن استحالة في إقناع مجلس الشيوخ بالموافقة على معاهدة جديدة.
وبالمثل، لم يعد لدى الطرفين الكثير ليتحدثا عنه في ما يتعلق بأفغانستان - التي كانت إحدى نقاط الاتفاق في ما مضى - لأن أوباما يخطط لسحب معظم أو جميع القوات الأميركية من هناك بحلول نهاية هذا العام، مما يجعل خط الإمداد الذي وفرته روسيا من الأمور المثيرة للجدل.
ولذلك يناقش الأميركيون والروس مسألة واحدة ذات اهتمام مشترك، ألا وهي الاقتصاد. وحتى حينما يتفاوض أوباما لإبرام اتفاقيات تجارية مهمة مع أوروبا وآسيا، نجد المعاونين يتحدثون بشأن إبرام اتفاقية تجارية مستقلة مع روسيا. ومن جانبه طرح سيليست والاندر، مستشار الرئيس الروسي، بعض الأفكار في موسكو في شهر ديسمبر (كانون الأول)، كما أن ايغور شوفالوف، نائب رئيس الوزراء الروسي، قد زار واشنطن خلال الشهر نفسه لعقد مباحثات مع مايكل فرومان، الممثل التجاري للرئيس الأميركي.
وجرت الكثير من المباحثات على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في شهر يناير (كانون الثاني). وبالإضافة إلى ذلك، سيسافر ألكسي أوليوكايف، وزير التنمية الاقتصادية الروسي، إلى واشنطن الأسبوع المقبل لمقابلة وزيرة التجارة الأميركية بيني بريتزكر يوم الأربعاء. وقال أحد المسؤولين بالإدارة «إننا سنتطرق لمناقشة المواضيع التي ربما تكون لدينا مجموعة من الأولويات بشأنها».
وعلى الرغم من زيادة حجم التجارة بشكل متكرر منذ انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية ورفع الولايات المتحدة القيود التجارية الخاصة بفترة الحرب الباردة، ظل حجم التجارة بين البلدين ضئيلا بالمقارنة مع حجم تجارة أي منهما مع الصين أو أوروبا. ولكن يمكن أن يكون التوصل إلى أي اتفاق تجاري - يتطلب موافقة الكونغرس - من الأمور الصعبة من دون تحقيق طفرة في ما يتعلق بحقوق الإنسان في روسيا.
وقد أدى هذا الأمر إلى إثارة التساؤلات بين بعض الاختصاصين إذا ما كانت المباحثات التجارية تعتبر هي الطريقة الرئيسة لتعاون رئيسي البلدين أم لا. ويتساءل واين ميري، الدبلوماسي السابق الذي عمل في موسكو ويعتبر الآن زميلا بارزا بمجلس السياسة الخارجية الأميركي، قائلا «إلى أي مدى تشعر الحكومتان بوجود احتياج حقيقي وأساسي أو رغبة لتحقيق هذا الأمر.. وإلى أي مدى تفعل الحكومتان هذا الأمر لأنهما لا يمكنهما التفكير في ما يخص أي أمر آخر والحديث بشأنه؟».
وأضاف ميري «هناك اعتراف بأن إلغاء أحد الاجتماعات الثنائية - على مدار عامين متتاليين - يعتبر من الأشياء التي لم تحدث من قبل حتى في أصعب وأشد فترات الحرب الباردة».
* خدمة «نيويورك تايمز»



استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)
TT

استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)

لم يكن مفاجئاً مضمون استراتيجية إدارة الرئيس دونالد ترمب للأمن القومي الأميركي التي تُصوّر الحلفاء الأوروبيين بوصفهم ضعفاء، وتسعى إلى إعادة تأكيد هيمنة الولايات المتحدة في النصف الغربي من الكرة الأرضية.

ستثير الوثيقة التي صدرت الجمعة 5 ديسمبر (كانون الأول) 2025 عن البيت الأبيض استياء الحلفاء التقليديين لواشنطن في أوروبا، لما تتضمّنه من انتقادات لاذعة لسياسات قادة «القارة العجوز» في شأنَي الهجرة، وحرية التعبير، إذ تُشير إلى أنهم يواجهون «احتمال امّحاء حضاريّ»، وتشكّك في مدى موثوقيتهم بأنهم شركاء للولايات المتحدة على المدى الطويل.

وتُجدّد الوثيقة، بلغة لا تخلو من البرودة، والنبرة التصادمية، تأكيد فلسفة ترمب القائمة على مبدأ «أميركا أولاً» الذي يعني عملياً عدم التدخل في الخارج، وتُعيد تقييم عقود من الشراكات الاستراتيجية، وتضع المصالح الأميركية فوق كل اعتبار.

هذه أول استراتيجية للأمن القومي -وهي وثيقة يُلزم القانون الإدارة بإصدارها- منذ عودة الرئيس الجمهوري إلى السلطة في 20 يناير (كانون الثاني) 2025. وتمثل سطورها قطيعة واضحة مع النهج الذي اعتمدته إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، والتي سعت إلى إعادة تنشيط التحالفات بعد أن كانت قد تزعزعت خلال الولاية الأولى لترمب، وإلى كبح جماح روسيا الناهضة اقتصادياً بفضل صادراتها من النفط، والغاز.

*دور متراجع

سعى ترمب منذ عودته إلى البيت الأبيض إلى التوسّط لإنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية المستمرة منذ نحو أربع سنوات في أوكرانيا، وهو هدف تؤكد الاستراتيجية الجديدة أنه يدخل ضمن المصالح الحيوية لواشنطن الراغبة في تحسين علاقاتها مع موسكو بعد سنوات من التعامل مع روسيا بوصفها دولة منبوذة دولياً، وبالتالي يغدو إنهاء الحرب مصلحة أميركية أساسية من أجل «إعادة إرساء الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا».

إطفائي يتعامل مع نيران أشعلها هجوم جوي روسي على العاصمة الأوكرانية كييف (أ.ف.ب)

وتنتقد الوثيقة حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين الذين وجدوا أنفسهم هذا العام الذي يطوي أيامه الأخيرة أمام قساوة إصرار ترمب على التخلص من أعباء الحرب الروسية-الأوكرانية، بينما يواجهون تحديات اقتصادية داخلية، إضافة إلى أزمة وجودية، و«حضارية»، وفق واشنطن.

الواقع أنه ليس مستغرباً أن يضمر «حجم» أوروبا في التفكير الاستراتيجي للولايات المتحدة. فالتاريخ يُظهر أن الاستراتيجية الكبرى الأميركية التي كانت في الغالب تتمحور على أوروبا لا بد أن تعكس تراجع خطر هيمنة قوة واحدة على القارة القديمة منذ مطلع الألفية، وظهور مراكز أخرى للنفوذ الجيوسياسي، والرهانات الجيواقتصادية. وهذا ما دفع الولايات المتحدة إلى إعطاء مناطق أخرى من العالم أهمية متزايدة. فبينما ركّز الرئيس جورج بوش الابن على الشرق الأوسط، أعلن كل رئيس جاء بعده -حتى وإن لم يُنفَّذ الأمر بشكل كامل- سياسات تهدف إلى «التحوّل نحو آسيا». وفي عهد ترمب، أضيفت أميركا اللاتينية إلى آسيا، وما قاله الرجل عن بنما، وما يفعله حيال فنزويلا، وبدرجة أقل نحو كولومبيا خير دليل على ذلك.

*جيل أميركي مختلف

تُظهر التحوّلات الديموغرافية في الولايات المتحدة أنّ «جيل الحرب الباردة»، الذي كان يميل تلقائياً بشيء من الحنين إلى «الأطلسية»، والجسور الثقافية الممتدة إلى الجزر البريطانية، واليابسة الأوروبية، يقترب من «التقاعد»، ويحلّ محلّه جيلٌ أصغر سناً، وأكثر تنوّعاً من الناحية العرقية، ويعيد النظر في الدور الأميركي على مستوى العالم. ونظراً للحذر العميق الذي يعتمل في نفس ترمب حيال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والاتحاد الأوروبي، كان طبيعياً أن يعمد في ولايته الثانية إلى إنزال أوروبا درجات في سلّم الأولويات، ومعها «الناتو» الذي أُنشئ عام 1949 للوقوف في وجه الاتحاد السوفياتي، ومنعه من مدّ نفوذه إلى أوروبا الغربية. فالتفاهم مع موسكو بشأن أوروبا ومناطق أخرى من الكوكب أفضل من إنفاق الأموال على حماية أوروبا «الاتكالية».

مبنى بيرلايمونت حيث مقر المفوضية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل (أ.ف.ب)

خالف هذا التوجه تمسّك جميع الرؤساء الذين تولّوا الحكم في واشنطن بعد الحرب الباردة بالموقع الرئيس لأوروبا في الاستراتيجية الأميركية. فقد كانت أوروبا تُعدّ سوقاً رئيسة للبضائع، والخدمات الأميركية (خصوصاً الدفاعية)، وكان يمكن للحلفاء الأوروبيين أن يشكّلوا قوة مضاعِفة للنفوذ الأميركي في مناطق أخرى من العالم. وفي المقابل، كانت روسيا تهديداً لأمن أوروبا، وللنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، بما يشمل منطقة المحيط الهادئ، حيث تعمل موسكو على تعزيز مصالحها الخاصة، وتتماهى في مواقفها مع الصين.

*التحديات الثقيلة

جاء في وثيقة الاستراتيجية الأميركية أن «الركود الاقتصادي في أوروبا يقل أهمية عن الاحتمال الحقيقي والأكثر حدّة لحصول امّحاء حضاريّ».

وترى واشنطن أن أوروبا تضعف بسبب سياسات الهجرة التي تعتمدها، وتراجع معدلات الولادة، و«قمع حرية التعبير، وكبح المعارضة السياسية»، فضلاً عن «فقدان الهويات الوطنية، والثقة بالنفس».

تضيف الوثيقة: «إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإن القارّة ستكون مختلفة تماماً في غضون 20 عاماً أو أقل. بالتالي، ليس من الواضح إطلاقاً ما إذا كانت بعض الدول الأوروبية ستملك اقتصادات وجيوشاً قوية بما يكفي لتبقى من الحلفاء الموثوقين (...). نحن نريد لأوروبا أن تبقى أوروبية، وأن تستعيد ثقتها الحضارية بنفسها».

إذا سلمنا بصحة هذا التصوّر، فإننا نستنتج فوراً أن على أوروبا أن تصدّ أو تلطّف تداعيات الخروج الأميركي المرجَّح من معمعة الحرب الروسية–الأوكرانية. فالقارة لا تملك القوة الكافية لرفد كييف بما يمكّنها من مواصلة الحرب، ومجاراة القوة العسكرية الروسية. ولا فائدة من رفع الإنفاق العسكري في دول أوروبية عديدة لإقامة توازن مستحيل مع القوة الروسية، في موازاة استنزاف اقتصادات متعثرة تعاني عجزاً هائلاً بـ«قيادة» ألمانيا التي يبلغ دينها العام 2.55 تريليون يورو، وهو ما يعادل نحو 62.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفرنسا (3.416 تريليون يورو، أي ما يعادل 115.8في المائة من الناتج المحلي).

لا شك في أنه يحق للاتحاد الأوروبي أن يشغل مقعداً إلى طاولة المفاوضات الجارية على قدم وساق بين واشنطن وموسكو لإنهاء الحرب في أوكرانيا التي تكتفي –رغم محاولات التجميل– بدور المتلقي. فالحرب مسرحها أوروبي، و«أهل الدار» معنيون بما يجري على أرضهم.

*التواصل أجدى من القطيعة

لن يتحقق المطلب الأوروبي إلا بإقامة خطوط اتصال بين بروكسل وموسكو، فبغير ذلك لا انخراط لأوروبا في صَوغ القرارات التي ستُتّخذ لإنهاء حرب أوكرانيا مع ما لذلك من انعكاسات على الأمن الأوروبي. وإن لم يحصل هذا الأمر فسيجد الأوروبيون أنفسهم يكتفون بردّ الفعل على تطوّرات تقودها واشنطن وموسكو، وبدرجة أقل كييف.

جنود من المشاة خلال تدريب عسكري فرنسي - بلجيكي مشترك في منطقة مفتوحة قرب بلدة سيسون بشمال شرقي فرنسا (أ.ف.ب)

أوروبا كبيرة، وغنية رغم العثرات الحالية، ومتقدمة تكنولوجياً. وهي تحتاج بالفعل إلى برنامج إعادة تسليح قوي يقنع موسكو -التي لا تريد حرباً مع أوروبا كما قال فلاديمير بوتين لكنها مستعدة لها– بالتفاوض الجدّي.

أما الورقة الثانية للإقناع فتكون بكسر الجمود بشأن الأصول الروسية المجمدة والمحتجَزة بموجب العقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي على دفعات بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. فموسكو ستَنشد حلاً لتحرير أصولها الأوروبية التي تقدَّر قيمتها بـ210 مليارات دولار. أما الرأي الأوروبي القائل بضرورة استخدام هذه الأصول لدعم أوكرانيا، فمؤداه إطالة عمر الحرب، ووضع القارة في حالة مواجهة مع روسيا هي في غنى عنها.

ثمة من يقول إن الكرملين لا يفهم سوى لغة القوة، والبيت الأبيض لا يفهم سوى لغة الأعمال، وعلى أوروبا أن تتقن اللغتين. وثمة من يردّ على ذلك بالقول إن ما ورد عن البيت الأبيض صحيح، في حين أن ما ورد عن الكرملين مضلِّل.

ولعلّ الحقيقة أن كل هذه المعادلة لا ضرورة لها، وليس على أوروبا أن تتقن لغتين، بل عليها أن تُحسن إنجاب قادة حقيقيين يعرفون التاريخ ليضعوا رؤى لمستقبل يقيهم شرّ «الامّحاء الحضاري»، و«تلاشي الهويات»، فهل تتحقق «المعجزة»؟...


«الطاقة الذرية»: الدرع الواقية لمحطة تشرنوبل النووية تضررت

يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
TT

«الطاقة الذرية»: الدرع الواقية لمحطة تشرنوبل النووية تضررت

يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)

أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أمس (الجمعة)، أن الدرع الواقية في محطة تشرنوبل النووية بأوكرانيا، التي تم بناؤها لاحتواء المواد المشعة الناجمة عن كارثة 1986، لم تعد بإمكانها أداء وظيفتها الرئيسية للسلامة، بعد تعرضها لأضرار بسبب طائرة مسيرة، وهو ما اتهمت أوكرانيا روسيا بالمسؤولية عنه، بحسب «رويترز».

وقالت الوكالة إن عملية تفتيش الأسبوع الماضي لهيكل العزل الفولاذي الذي اكتمل في عام 2019، وجدت أن تأثير الطائرة المسيرة في فبراير (شباط)، أي بعد 3 سنوات من الصراع الروسي في أوكرانيا، أدى إلى تدهور الهيكل.

وقال رافائيل غروسي المدير العام للوكالة في بيان، إن «بعثة التفتيش أكدت أن (هيكل الحماية) فقد وظائف الأمان الأساسية، بما في ذلك القدرة على الاحتواء، ولكنها خلصت أيضاً إلى أنه لم يكن هناك أي ضرر دائم في هياكله الحاملة أو أنظمة المراقبة».

وأضاف غروسي أنه تم بالفعل إجراء إصلاحات «ولكن لا يزال الترميم الشامل ضرورياً لمنع مزيد من التدهور، وضمان السلامة النووية على المدى الطويل».

وذكرت الأمم المتحدة في 14 فبراير، أن السلطات الأوكرانية قالت إن طائرة مسيرة مزودة برأس حربي شديد الانفجار ضربت المحطة، وتسببت في نشوب حريق، وألحقت أضراراً بالكسوة الواقية حول المفاعل رقم 4 الذي دُمر في كارثة عام 1986.

وقالت السلطات الأوكرانية إن الطائرة المسيرة كانت روسية، ونفت موسكو أن تكون قد هاجمت المحطة.

وقالت الأمم المتحدة في فبراير، إن مستويات الإشعاع ظلت طبيعية ومستقرة، ولم ترد تقارير عن تسرب إشعاعي.

وتسبب انفجار تشرنوبل عام 1986 في انتشار الإشعاع بجميع أنحاء أوروبا، ودفع السلطات السوفياتية إلى حشد أعداد هائلة من الأفراد والمعدات للتعامل مع الحادث. وتم إغلاق آخر مفاعل يعمل بالمحطة في عام 2000.

واحتلت روسيا المحطة والمنطقة المحيطة بها لأكثر من شهر في الأسابيع الأولى من غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022، حيث حاولت قواتها في البداية التقدم نحو العاصمة الأوكرانية كييف.

وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أجرت التفتيش في الوقت نفسه الذي أجرت فيه مسحاً على مستوى البلاد للأضرار التي لحقت بمحطات الكهرباء الفرعية، بسبب الحرب التي دامت نحو 4 سنوات بين أوكرانيا وروسيا.


قلق أوروبي من «تسرع» أميركي لإنهاء الحرب في أوكرانيا

المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)
المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)
TT

قلق أوروبي من «تسرع» أميركي لإنهاء الحرب في أوكرانيا

المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)
المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)

كشفت تقارير مضمون مكالمة حسّاسة جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عن حجم القلق الأوروبي من النهج الأميركي الجديد في إدارة مفاوضات السلام مع موسكو.

التسارع الأميركي الملحوظ، خصوصاً بعد زيارة المبعوثَين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر إلى موسكو من دون تنسيق مسبق مع الحلفاء، عزَّز مخاوف من «اتفاق متعجِّل» قد يدفع أوكرانيا إلى تقديم تنازلات غير مضمونة، قبل تثبيت أي التزامات أمنية صلبة تمنع روسيا من استغلال ثغرات مستقبلية، حسب المحادثة التي نشرتها صحيفة «دير شبيغل» الألمانية ولم تكن بروتوكوليةً.

وحذَّر ميرتس مما وصفه بـ«ألعاب» واشنطن، ومن «احتمال خيانة واشنطن لكييف»، في حين أشار ماكرون إلى احتمال أن تتعرَّض كييف لضغط غير مباشر لقبول تسويات حدودية قبل الاتفاق على منظومة ردع حقيقية.