عندما نفكر في تربية طفل قارئ، غالباً ما نتخيل طفلاً مسترخياً في سريره، يجلس في ضوء خافت، يستمع إلى أحد والديه وهو يقرأ قصة بصوت عالٍ.
هذا المشهد ساحر. ولكن بعد أكثر من 10 سنوات من دراسة كيف يصبح الأطفال قراءً، وإجراء مقابلات مع خبراء محو الأمية ونمو الطفل، تعلمت الكاتبة والمدافعة عن محو الأمية في مرحلة الطفولة المبكرة مايا باين سمارت، أن الخطوات الفعَّالة لتربية طفل قارئ لا تقتصر على وقت النوم.
وقالت سمارت لشبكة «سي إن بي سي»: «بدلاً من ذلك، يمكنكِ تنفيذها في أي وقت من اليوم، في لحظات صغيرة لا تُنسى، تُنسج عبر الحياة الأسرية، غالباً من دون كتاب بين يديك».
وأشارت إلى أن اغتنام فرص القراءة اليومية أمرٌ مهم؛ لأن القراءة الجيدة في المدرسة الابتدائية مؤشرٌ قوي على النجاح على المدى الطويل.
وأكدت أن الأطفال الذين يقرؤون جيداً في سن مبكرة هم أكثر عُرضة للبقاء في المدرسة فترة أطول، والحصول على وظائف أفضل، وكسب مزيد من المال.
5 عادات يمارسها آباء الأطفال المتميزين في القراءة منذ الصغر
1- يتعاملون مع ثرثرة الطفل على أنها محادثة
قبل أن يتمكن أطفالهم من الكلام، يردُّ هؤلاء الآباء على حديثهم.
وعندما يُصدر طفلهم الصغير صوتاً أو همهمة، فإنهم يستجيبون بكلمات حقيقية، وبالتواصل البصري، والابتسام، وعيش اللحظة. يُجرون «محادثات»، مُنصتين لأصوات الطفل ونظراته، ثم يُجيبون بالكلمات والتشجيع، ويتوقفون لانتظار رده.
هذا التفاعل المُحبُّ المتبادل، المعروف باسم «الخدمة والرد»، يُرسِّخ أساس نمو اللغة وبنية الدماغ السليمة، وفقاً لمركز هارفارد لنمو الطف، ويُعزِّز التعلُّم إلى جانب التواصل.
وتُظهر البحوث أن المحادثات الديناميكية والمتجاوبة في أول عامين من عمر الطفل، تُمهِّد الطريق لمهارات القراءة والكتابة في مرحلة ما قبل المدرسة، مثل المفردات التعبيرية، ومعرفة الحروف والأسماء والأصوات.
2- يطرحون كثيراً من الأسئلة وينتظرون الإجابات
يطرح هؤلاء الآباء أسئلة على أطفالهم في المنزل، وفي السيارة، وفي أثناء قضاء المهمات:
- «ما هذا؟».
- «هل ترى الكلب؟».
- «هل أنت مستعد لقلب الصفحة؟».
بسيط؟ نعم، ولكنه مؤثر. ومع نمو الأطفال، قد تصبح الأسئلة أكثر تعقيداً.
وتشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يطرح آباؤهم أسئلة أكثر، ويتركون مساحة للإجابات، يبنون مفردات أقوى ومعرفة أعمق في مرحلة الطفولة المبكرة. يفهمون ويستخدمون كلمات أكثر، مما يُبشر بفهم أفضل للقراءة لاحقاً.
القوة لا تكمن فقط في السؤال؛ بل في منح الأطفال فرصة للإجابة. هذا ما يدفعهم للتفكير ويحفزهم على التعلم.
3- يتحدثون عن أصوات الحروف وليس فقط عن الأسماء والأشكال
يحرص الآباء الأذكياء على التحدث عن الحروف. يكتشفونها بسهولة -على لافتات الشوارع، وفي وصفات الطعام، وعلى القمصان- ويدعون الأطفال لملاحظتها أيضاً.
يروون القصص في أثناء كتابة القوائم والملاحظات أمام أطفالهم، مشيرين إلى كيفية تشكيلهم للأحرف. ويحتفظون بمكعبات الحروف الممغنطة للعب اليومي.
إليكم الفرق الحقيقي: يتحدثون مع الأطفال عن أصوات الحروف، وليس فقط عن أشكالها وأسمائها. إذا رأوا كرتونة بيض في محل بقالة أو في المنزل، فقد يتتبعون حرف «ب» بطرف إصبعهم، ويقولون: «هذا هو الحرف (ب). حرف (ب) يُنطق (به) كما في كلمة (بيضة)».
وجدت إحدى الدراسات أن الآباء أفادوا باستخدامهم ما معدله 14 نوعاً مختلفاً من المواد لتعريف أطفالهم بالأحرف. غير أن الدراسات القائمة على الملاحظة تُبيِّن أن حتى أكثر الآباء حُسنًا في النية لا يربطون بين الحروف والأصوات في أحاديثهم اليومية بالقدر الذي يتصورونه.
ويُعد تعلم كيفية نطق الكلمات أمراً ضرورياً للقراءة. الآباء الذين يُشيرون إلى أصوات الحروف في حديثهم يُسهِمون في مساعدة أطفالهم على فهم أن الحروف ليست سوى تمثيلٍ مكتوبٍ لأصواتٍ منطوقة.
4- يلعبون بالكلمات
القوافي والأغاني وألغاز الكلمات والألعاب اللغوية ليست ممتعة فحسب؛ بل إنها تساعد الأطفال على تمييز الأصوات داخل الكلمات واللعب بها. وهذا أمر لا غنى عنه للقراءة. قبل أن يتمكن الأطفال من مطابقة الأصوات مع الحروف، عليهم سماعها بوضوح.
هذا النوع من الاستماع لا يحدث صدفة؛ بل ينمو عندما يحصل الأطفال على كثير من الفرص السهلة واليومية لملاحظة الأصوات ومقارنتها وتقسيمها ودمجها وتبادلها.
5- يستثمرون لحظات القراءة طوال اليوم
تُظهر البحوث وجود صلة واضحة بين كثرة قراءة الآباء للكتب في سن مبكرة مع أطفالهم، وبين مهاراتهم اللاحقة في المفردات والفهم.
لكن آباء وأمهات أكثر الأطفال شغفاً ونجاحاً في القراءة لا يقتصرون على وقت النوم؛ بل يشاركون الكتب والنصوص الأخرى في أثناء أوقات الوجبات، وأوقات الاستحمام، وأوقات الانتظار؛ في أي وقت.
هذا يتيح مزيداً من الساعات والفرص لتنمية مهارات اللغة والقراءة والكتابة أينما كنت. يمكن أن تكون لافتات الشوارع وقوائم الطعام وملصقات المنتجات مواد قيِّمة.
والقراءة في وقت باكر من اليوم، عندما يكون الأطفال أكثر نشاطاً، غالباً ما تُثير مزيداً من الحوار والأسئلة والتعلم.
وكلما زاد عدد مرات سماع الأطفال للكلمات ورؤيتها وتحدثهم عنها، زاد استعدادهم لقراءتها.