العقوبات الغربية على روسيا وتحوّلات المشهد العالمي

حقل للنفط في فانكورسكوي بسيبيريا (رويترز)
حقل للنفط في فانكورسكوي بسيبيريا (رويترز)
TT

العقوبات الغربية على روسيا وتحوّلات المشهد العالمي

حقل للنفط في فانكورسكوي بسيبيريا (رويترز)
حقل للنفط في فانكورسكوي بسيبيريا (رويترز)

«الألماس أبديّ»... هكذا تقول الأغنية التي غنّتها شيرلي باسّي للفيلم الذي يحمل الاسم نفسه (Diamonds are forever)، ويتصدّى فيه جيمس بوند باسم صاحبة الجلالة لأشرار العالم...

شددت الدول الصناعية الكبرى السبع (الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا وكندا) خلال قمة زعمائها في هيروشيما اليابانية عقوباتها على روسيا، معلنة تدابير جديدة ترمي إلى «حرمان روسيا من التكنولوجيا والمعدّات الصناعيّة وخدمات (مجموعة السبع) التي تساند حملتها الحربيّة» في أوكرانيا.

وكان الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة قد أعلنا فرض قيود صارمة على واردات الألماس الروسي، وهو قطاع يدرّ مليارات الدولارات سنوياً على موسكو. وعن ذلك قال رئيس المجلس الأوروبي، رئيس الوزراء البلجيكي سابقاً، شارل ميشال، ساخراً، إن «الألماس الروسي ليس أبدياً»...

وكانت الولايات المتحدة قد سبقت الاثنين العام الماضي سعياً إلى تخفيف لمعان الألماس الروسي الذي درّت صادراته على خزينة البلاد أربعة مليارات دولار عام 2021، وفق أرقام رسمية أميركية.

العقوبات هي أداة زجرية تستخدمها الدول بعضها ضد بعض، لكن في غالب الأحوال تكون موجّهة من القوي إلى الضعيف الذي لا يستطيع بطبيعة الحال الردّ بالمثل، لكن هل تنفع العقوبات ضد روسيا التي يُفترض أنها ترزح تحت عبئها منذ عام 2014 حين ضمّت شبه جزيرة القرم؟

خلال قمة «مجموعة السبع» في هيروشيما (رويترز)

يقول تقرير لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي)، إن معظم الألماس الروسي يخرج إلى دول أهمها الهند ليجري صقله، قبل إعادة تصديره، وهذا ما يجعل معرفة أن روسيا هي بلاد المنشأ أمراً صعباً للغاية. ويضيف التقرير أن الذهب الروسي الذي يخضع بدوره لعقوبات أميركية وبريطانية ولقيود تصديرية من دول أخرى، وفّر لخزينة موسكو 15.4 مليار دولار عام 2021 اعتماداً على آلية التصدير نفسها.

*تحوّلات في الاقتصاد العالمي

في الواقع، لا تنحصر تداعيات فرض العقوبات على موسكو في الاقتصاد الروسي الذي يحتل المرتبة الحادية عشرة في السلّم العالمي للناتج المحلي الإجمالي بـ1.77 تريليون دولار (رقم عام 2021 وفق موقع «وورلد داتا»). فروسيا دولة كبيرة تملك جغرافيا شاسعة ومتنوعة. وليس خافياً على أحد مدى أهمية موقعها في أوراسيا وتأثيره على الكتلتين الأوروبية والآسيوية وما بعدهما.

كما أن لروسيا علاقات دولية متشعبة وحيوية، خصوصاً أنها مصدر مهم جداً للطاقة (نفط وغاز) يغذّي دولاً متعطشة لها، مثل الصين والهند...

زلزال حدث في 24 فبراير (شباط) 2022 حين دخل أول جندي روسي الأرض الأوكرانية. ومع التطور العسكري بدأ التحوّل في الاقتصاد العالمي عندما قطع الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، العلاقات التجارية والمالية مع روسيا. وبما أن المعاقَب ليس كوبا أو فنزويلا، فقد تأثر الاقتصاد العالمي كله. وبالتالي ليس من المستغرب أن تنخفض توقعات النمو العالمي لعام 2023.

في أبريل (نيسان) الماضي أفاد صندوق النقد الدولي بأن نمو الاقتصاد العالمي نسبته 3.4 في المائة عام 2022، وسيتراجع إلى 2.8 في المائة عام 2023، قبل أن ينتعش قليلاً إلى 3 في المائة عام 2024. غير أنه حذر من أنه في حالة ازدياد الضغوط في القطاع المالي بسبب رفع أسعار الفائدة حول العالم، وبالتالي تراجع الاستثمارات والنشاط الاقتصادي عموماً، فإن النمو العالمي سينخفض إلى نحو 2.5 في المائة عام 2023، مع نمو الاقتصادات المتقدمة بنسبة 1 في المائة أو أقل.

في المقابل، توقع صندوق النقد أن ينمو الاقتصاد الروسي بنسبة 0.7 في المائة أسرع من اقتصاد كل من ألمانيا والمملكة المتحدة، علماً أن البلدين يُتوقع أن يدخلا في حالة ركود. كما أن الاقتصاد الروسي سيسير جنباً إلى جنب مع النمو في فرنسا وإيطاليا عام 2023. وبالتالي سيتفوق النمو الاقتصادي الروسي على اقتصاد أربع من دول «مجموعة السبع» التي تقود حملة العقوبات.

تجدر الإشارة هنا إلى أن صندوق النقد كان قد توقع بعد نحو شهرين من بداية الهجوم الروسي في أوكرانيا أن ينكمش الاقتصاد الروسي 8.5 في المائة عام 2022، و2.3 في المائة عام 2023، إلا أن المؤسسة الدولية عدّلت أرقامها بنسبة 9.4 في المائة صعوداً منذ ذلك الحين؛ لأن الاقتصاد الروسي قاوم العقوبات بنجاح...

كما ينجو الألماس الروسي من العقوبات، كذلك يفعل النفط. وها هو مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل يقول إن المنتجات النفطية المكررة الآتية من الهند «المعتمدة على الأرجح على النفط الروسي الرخيص»، تدخل دول الاتحاد الأوروبي. ويضيف أن «الحقائق واضحة: صادرات المنتجات المكررة مثل وقود الطائرات أو الديزل من الهند إلى الاتحاد الأوروبي، ارتفعت من 1.1 مليون برميل في يناير (كانون الثاني) الماضي إلى 7.4 مليون برميل في أبريل 2023». وأضاف أن «واردات النفط الهندية من روسيا ارتفعت من 1.7 مليون برميل في الشهر في يناير 2022 إلى 63.3 مليون برميل شهرياً في أبريل 2023». وأقرّ بأنه لا يمكن لوم الشركات أو الحكومة الهندية؛ لأن العقوبات الأوروبية لا تشمل الهند.

منشآت تابعة لخط أنابيب الغاز «باور أوف سيبيريا» (رويترز)

*روسيا كانت مستعدة

نظرياً كان فلاديمير بوتين والقيادة الروسية على علم بأنه بمجرد إطلاق «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا، ستنهمر العقوبات الاقتصادية الغربية على البلاد. وعملياً «تدربت» روسيا على العقوبات منذ ضمها القرم، وبالتالي لم تفاجَأ بشيء بعد 24 فبراير 2022.

يضاف إلى ذلك أن دولاً عديدة تحتاج إلى النفط الروسي، منها الصين والهند وماليزيا وبعض دول الاتحاد السوفياتي السابق. وثمة وسطاء وسماسرة كثر وسفن من كل الأنواع لتأمين تسويق النفط الروسي من دون التأثر بالقيود الغربية.

وفي حين كان تعطيل خط أنابيب «نورد ستريم 2» لنقل الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا مضراً، فإن روسيا زادت صادراتها من هذه المادة الحيوية إلى الصين. وتفصيلاً، تمدّ شركة «غازبروم» الروسية الصين بالغاز عبر خط أنابيب بطول 3 آلاف كيلومتر يسمى «Power of Siberia» بموجب صفقة مدتها 30 عاماً بقيمة 400 مليار دولار أُبرمت في نهاية عام 2019. وفي 2022، بلغت صادرات روسيا من الغاز إلى العملاق الأصفر نحو 15.5 مليار متر مكعب. ويُتوقع أن ترتفع الكمية إلى 22 مليار متر مكعب عام 2023 والوصول إلى 38 مليار متر مكعب بحلول عام 2027. وفي فبراير 2022، وافقت الصين على شراء 10 مليارات متر مكعب إضافية من الغاز سنوياً بحلول عام 2026 عبر خط أنابيب من جزيرة سخالين في أقصى شرق روسيا.

والأهم من ذلك، أن هناك اتفاقاً على إنجاز مشروع خط أنابيب باسم «Power of Siberia 2» سيكون قادراً على نقل 50 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً من روسيا إلى الصين عبر منغوليا، بحلول عام 2030. وهكذا تسعى موسكو إلى أن تكون شريكتها صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم أكبر مشترٍ لغازها بعدما تقلصت صادراتها من المادة إلى أوروبا بشكل دراماتيكي منذ بداية الحرب.

غاز تسرّب من خط «نورد ستريم 2» بعد تفجيره في بحر البلطيق (رويترز)

*أخطار

من السذاجة القول إن روسيا في أمان اقتصادي. فكلفة الحرب عالية وتضغط حتماً على الموازنة العامة. والصادرات الروسية هي أساساً من المواد الطبيعية التي ستنضب يوماً ما (نفط وغاز وفحم وألماس وذهب ومعادن...)، بالإضافة إلى ماكينات صناعية (7.4 في المائة من الصادرات) ومنتجات كيميائية (7 في المائة) ومنتجات زراعية (5 في المائة). وتجدر الإشارة هنا إلى أن صادرات الأسلحة الروسية تراجعت 70 في المائة منذ عام 2011، ولم تعد تشمل إلا 11 دولة في طليعتها الهند، وفق «فورين بوليسي».

وثمة صعاب حتماً تحول دون أن تنوع روسيا إنتاجها بما يجذب المستوردين إلى ابتياع أجهزة كمبيوتر أو سيارات أو طائرات مدنية أو ملبوسات أو عطور «صُنعت في روسيا»... يضاف إلى ذلك تراجع السياحة، وهو أمر طبيعي في بلاد تخوض حرباً كبيرة وتخضع لعقوبات واسعة. ونشرت صحيفة «كوميرسانت» الاقتصادية الروسية أخيراً، أن عدد الأجانب الذين يزورون البلاد ضمن جولات سياحية منظمة انخفض بنسبة تتخطى 90 في المائة عام 2022.

لذا يمكن القول إن ثمة ضغوطاً على المالية العامة الروسية تجعل الهم الأول للقيادة البحث عن شركاء تجاريين جدد بعيداً بالطبع عن الأسواق الغربية المغلقة في وجه روسيا حتى إشعار آخر يرجَّح أن يكون بعيداً.

بناء على ذلك، يظهر دور تكتلات اقتصادية مثل «بريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، ومنظمة «شنغهاي للتعاون» التي تضم الصين والهند وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان، بالإضافة إلى دول تملك صفة «مراقب»، وأخرى «شريكة حوار»...

يقول محللون إن التكتلين سيقودان حملة إنهاء الهيمنة الجيو–اقتصادية، وبالتالي الجيو-سياسية، الأميركية على العالم... لكن مهلاً، ألا تحتاج الدول ذات الاقتصادات الناشئة وتلك الفقيرة إلى الدولار؟ ومن الواضح أن البديل غير متوافر حتى الآن.

المؤكد أن الصراع قائم ومرشح للتصاعد، وتَشَكّل المحورين جارٍ بثبات، لكن «اللعبة» تحتاج حتماً إلى سنوات سيشهد خلالها العالم اضطرابات اقتصادية كبيرة، وربّما حروباً «بالوكالة» من أحجام مختلفة، على أمل ألا تصدق توقعات من يتحدّثون عن حرب عالمية ثالثة لا تُبقي ولا تذر.


مقالات ذات صلة

النفط يرتفع بفضل نمو اقتصاد أميركا القوي ومخاطر الإمدادات

الاقتصاد حفارات تعمل في حقل نفط بتكساس الأميركية (رويترز)

النفط يرتفع بفضل نمو اقتصاد أميركا القوي ومخاطر الإمدادات

ارتفعت أسعار النفط، الأربعاء، لتواصل مكاسبها التي حققتها في الجلسة السابقة مدعومة بالنمو الاقتصادي القوي في الولايات المتحدة ومخاوف تعطل الإمدادات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد حفارات تعمل في حقل نفطي (رويترز)

النفط يتراجع مع تطورات «حصار فنزويلا» و«الحرب الروسية»

انخفضت أسعار النفط، يوم الثلاثاءـ إذ وازن المتعاملون بين المخاطر الجيوسياسية وبعض تطورات العوامل السلبية في السوق.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد طائرة هليكوبتر أميركية تحلق فوق ناقلة نفط اعترضها خفر السواحل الأميركي في البحر الكاريبي يوم 20 ديسمبر 2025 (رويترز)

النفط يرتفع في مستهل تعاملات الأسبوع بسبب «حصار فنزويلا»

ارتفعت أسعار النفط خلال جلسة الاثنين؛ بداية تعاملات الأسبوع، بعد اعتراض الولايات المتحدة ناقلة نفط في المياه الدولية قبالة سواحل فنزويلا ​مطلع الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أميركا اللاتينية وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت (رويترز)

وزارة الخزانة الأميركية تفرض عقوبات على 7 أشخاص من محيط مادورو

أعلنت ‌وزارة ⁠الخزانة الأميركية ​في ‌بيان، الجمعة، ⁠أن ‌الولايات ‍المتحدة ‍فرضت عقوبات جديدة ​متعلقة بفنزويلا على ⁠7 أشخاص.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ماركو روبيو خلال مؤتمره الصحافي السنوي في وزارة الخارجية بواشنطن العاصمة (رويترز) play-circle

روبيو: نأمل في وقف القتال في السودان وبين كمبوديا وتايلاند

أكّد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الجمعة، أنّه لا شيء «سيعوق» فرض العقوبات الأميركية في منطقة بحر الكاريبي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تنديد أوروبي بفرض واشنطن حظر تأشيرات على شخصيات أوروبية

المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون (أ.ف.ب)
المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون (أ.ف.ب)
TT

تنديد أوروبي بفرض واشنطن حظر تأشيرات على شخصيات أوروبية

المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون (أ.ف.ب)
المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون (أ.ف.ب)

أدانت المفوضية الأوروبية ومسؤولون في الاتحاد، الأربعاء، بشدة العقوبات الأميركية المفروضة على خمس شخصيات أوروبية ذات صلة بتنظيم قطاع التكنولوجيا، ومن بينها المفوض السابق تييري بروتون.

كانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت، الثلاثاء، حظر منح تأشيرات دخول لبروتون وأربعة نشطاء، متهمة إياهم بالسعي إلى «إجبار» منصات التواصل الاجتماعي الأميركية على فرض رقابة على وجهات النظر التي يعارضونها.

وصعّدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب هجماتها على قواعد الاتحاد الأوروبي بعدما فرضت بروكسل في وقت سابق من هذا الشهر غرامة على شركة «إكس» التابعة لإيلون ماسك، لانتهاكها بنود قانون الخدمات الرقمية (DSA) المتعلقة بالشفافية في الإعلانات وطرقها، لضمان التحقق من المستخدمين، ومن أنهم أشخاص حقيقيون.

«محاولة للطعن في سيادتنا»

وجاء في بيان صادر عن المفوضية: «لقد طلبنا توضيحات من السلطات الأميركية وما زلنا على تواصل معها. وإذا لزم الأمر، فسنرد بسرعة وحزم للدفاع عن استقلاليتنا التنظيمية ضد الإجراءات غير المبررة».

وأضافت: «تضمن قواعدنا الرقمية بيئة عمل آمنة وعادلة ومتكافئة لجميع الشركات، ويتم تطبيقها بشكل عادل ودون تمييز»، مشددة على أن «حرية التعبير حق أساسي في أوروبا، وقيمة جوهرية مشتركة مع الولايات المتحدة»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت المفوضية إن «الاتحاد الأوروبي سوق موحدة مفتوحة وقائمة على القواعد، وله الحق السيادي في تنظيم النشاط الاقتصادي، بما يتماشى مع قيمنا الديمقراطية والتزاماتنا الدولية».

بدورها، قالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، إن «قرار الولايات المتحدة فرض قيود على سفر مواطنين ومسؤولين أوروبيين غير مقبول»، وإن «فرض أميركا قيوداً على سفر مواطنين ومسؤولين أوروبيين محاولة للطعن في سيادتنا».

وأضافت أن أوروبا «ستواصل الدفاع عن قيمها والقواعد الرقمية العادلة والحق في تنظيم فضائنا الخاص».

«يرقى إلى مستوى الترهيب»

ونددت دول في الاتحاد الأوروبي بالإجراء الأميركي.

وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأربعاء، أن حظر التأشيرات «يرقى إلى مستوى الترهيب والإكراه ضد السيادة الرقمية الأوروبية».

وقال على «إكس»: «تدين فرنسا قرارات تقييد التأشيرات التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد تييري بروتون وأربع شخصيات أوروبية أخرى»، مؤكداً أن الأوروبيين سيواصلون الدفاع عن «سيادتهم الرقمية» و«استقلالهم التنظيمي».

بدوره، أعلن متحدث ​باسم الحكومة البريطانية، الأربعاء، أن بريطانيا ملتزمة بدعم الحق في حرية التعبير. وقال في بيان نقلته وكالة «رويترز»: «مع أن كل ⁠دولة تمتلك الحق في ‌وضع قواعد التأشيرات ‍الخاصة بها، إلا أننا ‍ندعم القوانين والمؤسسات التي تعمل على إبقاء (شبكة) الإنترنت خالية من ​المحتوى الأكثر ضرراً».

وأضاف: «يجب ألا تُستخدم ⁠منصات التواصل الاجتماعي لنشر مواد الاستغلال الجنسي للأطفال أو التحريض على الكراهية والعنف أو نشر معلومات زائفة ومقاطع فيديو لهذا الغرض».

وفي برلين، أكد وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول أن القرار «غير مقبول»، مضيفاً: «يضمن قانون الخدمات الرقمية أن أي نشاط غير قانوني خارج الإنترنت، يكون غير قانوني أيضاً عبر الإنترنت».

«إجراءات غير مقبولة بين الحلفاء»

كما دانت وزارة الخارجية الإسبانية حظر التأشيرات، منددة بـ«إجراءات غير مقبولة بين الشركاء والحلفاء».

وقالت في بيان: «تعرب الحكومة الإسبانية عن تضامنها مع المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون وقادة منظمات المجتمع المدني الذين يكافحون التضليل وخطاب الكراهية»، مشددة على أن ضمان «مساحة رقمية آمنة» أمر «أساسي للديمقراطية في أوروبا».

وشمل الحظر بروتون، المسؤول الأوروبي السابق عن تنظيم قطاع التكنولوجيا، الذي غالباً ما تصادم مع كبار النافذين فيه مثل ماسك بشأن التزاماتهم قواعد الاتحاد الأوروبي.

كما استهدف الإجراء عمران أحمد من مركز مكافحة الكراهية الرقمية (CCDH)، وهي منظمة تحارب الكراهية عبر الإنترنت والمعلومات المضللة والكاذبة، وآنا لينا فون هودنبرغ وجوزفين بالون من منظمة «هايت إيد» (HateAid) الألمانية، وكلير ميلفورد التي تقود مؤشر التضليل العالمي (GDI) ومقره المملكة المتحدة.

«إدارة تحتقر سيادة القانون»

وقال مفوض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية والخدمات ستيفان سيجورنيه، الأربعاء، إن العقوبات الأميركية على سلفه، لن تمنعه من القيام بعمله.

وكتب على منصة «إكس»: «لقد عمل سلفي تييري بروتون بما يخدم المصلحة العامة الأوروبية، ملتزماً بالتفويض الذي منحه الناخبون عام 2019».

وأضاف: «لن تسكت أي عقوبة سيادة الشعوب الأوروبية. تضامني الكامل معه ومع جميع الأوروبيين المتضررين».

ونددت منظمة «هايت إيد» بالعقوبات. ووصفت في بيان الخطوة الأميركية بأنها «عمل قمعي من قبل إدارة تحتقر سيادة القانون بشكل كبير، وتحاول بكل الوسائل إسكات منتقديها».

ويقود ترمب هجوماً كبيراً على قواعد التكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي التي تفرض لوائح على ضوابط مثل الإبلاغ عن المحتوى الإشكالي، وهو ما تعده الولايات المتحدة هجوماً على حرية التعبير.

وقد نددت واشنطن بالغرامة البالغة 140 مليون دولار التي فرضها الاتحاد الأوروبي في بداية ديسمبر (كانون الأول) على منصة «إكس» المملوكة لماسك، ووصفها وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بأنها «هجوم على جميع منصات التكنولوجيا الأميركية والشعب الأميركي من جانب حكومات أجنبية».


ولاية أسترالية تشدد قوانين حيازة الأسلحة ومكافحة الإرهاب بعد هجوم بونداي

نصب تذكاري بالقرب من شاطئ بونداي (نيويورك تايمز)
نصب تذكاري بالقرب من شاطئ بونداي (نيويورك تايمز)
TT

ولاية أسترالية تشدد قوانين حيازة الأسلحة ومكافحة الإرهاب بعد هجوم بونداي

نصب تذكاري بالقرب من شاطئ بونداي (نيويورك تايمز)
نصب تذكاري بالقرب من شاطئ بونداي (نيويورك تايمز)

أقرت ولاية نيو ساوث ويلز في أستراليا، الأربعاء، حزمة واسعة من القواعد الجديدة المتعلقة بحيازة الأسلحة ومكافحة الإرهاب، وذلك عقب واقعة إطلاق النار العشوائي التي حدثت على شاطئ بونداي، وأدت إلى فرض «قيود على حيازة الأسلحة النارية» وحظر عرض «الرموز المتعلقة بالإرهاب» في الأماكن العامة، و«تعزيز صلاحيات الشرطة للحد من الاحتجاجات».

وأقر برلمان ولاية نيو ساوث ويلز مشروع قانون لتعديل تشريع الإرهاب وتشريعات أخرى، في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، بعد أن وافقت الغرفة العليا في البرلمان عليه، بغالبية 18 صوتاً مقابل 8 أصوات، خلال جلسة طارئة.

كريس مينز رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز (رويترز)

وقال كريس مينز، رئيس وزراء نيو ساوث ويلز، إن بعض السكان في الولاية يرفضون حزمة التعديلات ‌الصارمة، لكنه أكد ‌أن الحكومة ستبذل قصارى جهدها للحفاظ على سلامة ‌المواطنين.

يأتي ​ذلك ‌في أعقاب إطلاق النار الذي وقع في 14 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، خلال احتفال بعيد «حانوكا» اليهودي، وأدى إلى مقتل 15 شخصاً وإصابة العشرات.

وأضاف مينز للصحافيين: «لقد تغيّرت سيدني وولاية نيو ساوث ويلز إلى الأبد نتيجة ذلك العمل الإرهابي».

وكانت الغرفة الأدنى في البرلمان أقرت مشروع القانون، الثلاثاء، بدعم من «حزب العمال» الحاكم المنتمي إلى تيار يسار الوسط، و«حزب الأحرار» المعارض، فيما عارض «الحزب الوطني» إجراء تعديلات على تشريعات الأسلحة، قائلاً إن «وضع حد لحيازة الأسلحة سيضر بالمزارعين».

وأدى هجوم بونداي المسلح، الأكثر ‌إزهاقاً للأرواح في أستراليا منذ نحو ‍3 عقود، إلى إطلاق دعوات لتشديد قوانين الأسلحة النارية، واتخاذ إجراءات أشد صرامة ضد معاداة السامية.

خبراء الأدلة الجنائية خلال معاينة جثة أحد الضحايا بموقع إطلاق النار بشاطئ بونداي في سيدني (أرشيفية - إ.ب.أ)

وتنص القوانين الجديدة على أن يكون الحد الأقصى لمعظم التراخيص الممنوحة للأفراد هو 4 قطع من الأسلحة النارية، مع السماح بما يصل إلى 10 للمزارعين.

وتعتقد الشرطة أن المسلحَين المشتبه في تنفيذهما الهجوم استلهما أفكارهما من تنظيم «داعش» الإرهابي. وقُتل أحد المنفذَين واسمه ساجد أكرم (50 عاماً) برصاص الشرطة، في حين اتُّهم ابنه نافيد (24 عاماً) بارتكاب 59 جريمة؛ منها القتل والإرهاب.

لكن جماعات ناشطة نددت بالقانون، وأشارت إلى عزمها الطعن فيه دستورياً. وقالت جماعات «فلسطين أكشن» و«يهود ضد الاحتلال» و«بلاك كوكاس»، إنها ستتقدم بطعن قانوني ضد ما وصفتها بأنها «قوانين قمعية مناهضة للاحتجاج» جرى تمريرها على عجل في برلمان الولاية.

وأضافت في بيان: «من الواضح أن حكومة (الولاية) تستغل هجوم بونداي المروع للدفع بأجندة سياسية تقمع المعارضة السياسية وانتقاد إسرائيل، وتحد من الحريات الديمقراطية».

لقطة من فيديو بصفحة رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز على «إكس» تُظهره وهو يلتقي بمستشفى في سيدني السوري أحمد الأحمد الذي انتزع سلاح أحد المهاجمَين خلال هجوم شاطئ بونداي (أ.ف.ب)

وتوعد رئيس الوزراء، أنتوني ألبانيزي، بتشديد الإجراءات ضد خطاب الكراهية، إذ تعتزم الحكومة الاتحادية تقديم تشريعات لتسهيل ملاحقة من يروجون للكراهية والعنف، وإلغاء أو رفض منح التأشيرة لأي شخص متورط في خطاب الكراهية.

ورداً على الانتقادات الموجهة للحكومة بأنها لا تبذل جهوداً كافية ‌للحد من معاداة السامية، قال ألبانيزي إنه تحدث إلى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ، الثلاثاء، ودعاه إلى إجراء زيارة رسمية لأستراليا في أقرب وقت ممكن.

اعتقال مؤيد

وفي السياق ذاته، قالت شرطة أستراليا الغربية إن رجلاً اعتقل في بيرث عقب تحقيق في كتابته «تعليقات معادية للسامية على مواقع التواصل الاجتماعي». وبعد ساعات من الهجوم المميت على احتفال يهودي بشاطئ بونداي تردد أن الرجل أبدى دعمه لمطلقَي النار عبر تطبيق «إنستغرام». ونقلت وسائل الإعلام المحلية المنشور الذي يقول: «أدعم مائة في المائة مطلقَي النار في نيو ساوث ويلز. الحق في الدفاع عن النفس ضد اليهود، وكل اليهود المستقبليين». واتُّهم الرجل، الذي يبلغ 39 عاماً، «بارتكاب سلوك يهدف إلى المضايقة العنصرية، وحمل أو حيازة سلاح ممنوع، وتخزين سلاح ناري ومواد ذات صلة في مخزن غير ملائم».

رواد شاطئ بونداي يفرون بعد إطلاق النار (أ.ف.ب)

وصادرت الشرطة كثيراً من الأسلحة المسجلة، وكذلك كمية من الذخيرة عند تنفيذ مذكرة تفتيش بمنزل الرجل، الثلاثاء، في إطار «عملية دالوود» التي أطلقتها شرطة أستراليا الغربية عقب الهجوم الإرهابي بشاطئ بونداي. وقالت نائبة رئيس وزراء أستراليا الغربية، ريتا سافيوتي، في مؤتمر صحافي الأربعاء، إن الشرطة عثرت «على أسلحة ممنوعة وأعلام على صلة (بميليشيا) حزب الله و(حماس)». وقالت شبكة «إيه بي سي» الأسترالية إن ممثلي الادعاء قالوا، أمام إحدى محاكم بيرث، إن قائمة تسوق لإعداد قنبلة، و6 بنادق مسجلة، ونحو 4 آلاف طلقة، عثر عليها في مقر سكن الرجل».


روسيا تتهم أميركا بممارسة «سلوك رعاة البقر» ضد فنزويلا

الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن الدولي الذي عقد في نيويورك (أ.ف.ب)
الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن الدولي الذي عقد في نيويورك (أ.ف.ب)
TT

روسيا تتهم أميركا بممارسة «سلوك رعاة البقر» ضد فنزويلا

الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن الدولي الذي عقد في نيويورك (أ.ف.ب)
الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن الدولي الذي عقد في نيويورك (أ.ف.ب)

اتهمت الصين وروسيا، الثلاثاء، الولايات المتحدة بممارسة «التنمر» وانتهاج «سلوك رعاة البقر» تجاه فنزويلا، خلال اجتماع طارئ محتدم لمجلس الأمن الدولي عُقد في نيويورك.

وخلال الاجتماع الذي دعت إليه كاراكاس، أعلن السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، أن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو ليس رئيساً شرعياً؛ بل هو «مجرم» يستثمر عائدات مبيعات النفط في صفقات مخدرات، حسبما نقلته «وكالة الأنباء الألمانية».

السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز خلال الاجتماع (أ.ف.ب)

من جانبه، اتهم السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، الولايات المتحدة باتباع «سلوك رعاة البقر» في حملتها للضغط على فنزويلا، بما في ذلك فرض حصار غير قانوني على سواحل الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية.

السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا خلال الاجتماع (إ.ب.أ)

وقال نيبينزيا إن هذا الحصار يشكل انتهاكاً للمعايير الأساسية للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة، ويمثل «أوضح وأخطر عمل عدواني حقيقي»، محذراً من عواقب كارثية على سكان فنزويلا.

أما الصين التي تستورد النفط من فنزويلا، فوصفت الإجراءات الأميركية الأحادية بأنها «تنمر»، وانتقدت التدخل في الشؤون الداخلية للدولة الكاريبية. وقال الممثل الصيني سون لي إن هذه السياسات تهدد السلام والاستقرار في أميركا اللاتينية، مؤكداً ضرورة ضمان حرية الملاحة.

سفير الصين لدى الأمم المتحدة سون لي خلال الاجتماع (إ.ب.أ)

بدوره، رفض السفير الفنزويلي لدى الأمم المتحدة، صامويل مونكادا، الاتهامات الأميركية، واتهم واشنطن بشن «حرب حصار غير قانونية».

وقال مونكادا: «يجب أن يعلم العالم أن التهديد ليس فنزويلا، التهديد هو حكومة الولايات المتحدة الحالية»، مضيفاً أن هدف واشنطن «ليس المخدرات، ولا الأمن، ولا الحرية؛ بل النفط والمناجم والأراضي».

السفير الفنزويلي لدى الأمم المتحدة صامويل مونكادا (إ.ب.أ)

ووصف الممثل الفنزويلي لدى الأمم المتحدة الادعاء باستخدام عائدات النفط لتمويل تجارة المخدرات بأنه «أمر عبثي».

وكانت كاراكاس قد طلبت عقد اجتماع مجلس الأمن بدعم من موسكو وبكين. ولم يصدر عن الاجتماع أي قرار رسمي.