الإسكندرية... غوص في «أعماق السحر والتاريخ»

توفر لك مشاهدة مواقع أثرية غارقة وحطام سفن عالمية

الآثار الغارقة (موقع الإدارة المصرية للسياحة والمصايف)
الآثار الغارقة (موقع الإدارة المصرية للسياحة والمصايف)
TT

الإسكندرية... غوص في «أعماق السحر والتاريخ»

الآثار الغارقة (موقع الإدارة المصرية للسياحة والمصايف)
الآثار الغارقة (موقع الإدارة المصرية للسياحة والمصايف)

إذا زرت الإسكندرية، أشهر المدن الساحلية المصرية، أكثر من مرة، وتعتقد أنك تشبعت من معالمها السياحية، ولم يعد هناك جديد لتكتشفه في «عروس البحر المتوسط»، فإنك في واقع الأمر مخطئ، تحتاج لأن تعيد حساباتك؛ لأنه لا يزال هناك الكثير من المفاجآت بانتظارك، لكن هذه المرة ستكون في أعماق المياه.

التاريخ والطبيعة (مركز الإسكندرية للآثار البحرية والتراث الثقافي المغمور بالمياه)

فعلى الرغم من وجود الكثير من مواقع الغوص على امتداد ساحل الإسكندرية، فإنه حتى الآن لا يُعد قضاء العطلات في تلك الأماكن من الأمور واسعة الانتشار، مثل الغوص في البحر الأحمر؛ بسبب الطابع الموسمي لهذه الوجهة السياحية بمصر؛ فضلاً عن التغير الذي يحدث في التيارات المائية وسمات الرؤية بها.

لكن ذلك لا ينفي أنه سواء كنت تجيد الغوص أو لا تجيده، فإن الفرصة سانحة أمامك لتخوض مغامرات ممتعة وآمنة ذات طابع خاص يختلف عن الغوص في أي مكان آخر بما في ذلك منطقة البحر الأحمر... أنت هنا ستغوص وسط مواقع أثرية غارقة مبهرة وحطام سفن ذات شهرة تاريخية مُلهمة؛ لتشعر كما لو أنك في رحلة استثنائية عبر الزمن، وليست مجرد رحلة غوص ترفيهية تقليدية.

لذلك، فإن رحلة الغوص في مياه الإسكندرية فرصة لن تجدها في مدن كثيرة حول العالم، ولذلك تجذب السياح من مختلف الدول، لا سيما أنها تتميز بوجود مجموعة من أهم مراكز تعليم الغوص في المنطقة، وبأسعار زهيدة مقارنة بدول أخرى.

الآثار الغارقة (موقع الإدارة المصرية للسياحة والمصايف)

ويكمن جانب كبير من تفرد الغوص في الإسكندرية في خصوصية الطبيعة البحرية للبحر المتوسط، خاصة للمحترفين، وفق محمد عبد النبي، مدرب دولي للغوص ومدير أكاديمية «Shark Diving Academy»، حيث إن مستوى الرؤية في المتوسط محدود، فإذا كان الغواص يرى أمامه في البحر الأحمر مسافة 30 متراً، فإنه في البحر المتوسط لا يتعدى الأمر 6 أمتار فقط». يقول عبد النبي لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الرؤية المحدودة تضفي على الغوص مزيداً من أجواء التشويق والمغامرة بالنسبة لعشاق ومحترفي الغوص، أما بالنسبة للمبتدئ فإنها تمنحه أثناء التدريب مهارات لا يمنحها أي مكان آخر».

في عروس المتوسط تستطيع أن تمارس الغوص أو أن تتعلمه (الشرق الأوسط)

أعماق مياه الإسكندرية شاهدة على حضارتها، وتحوي الكثير من أسرارها، فالإسكندرية التي كانت واحدة من أبرز وأعظم مدن العالم القديم، تكشف لك تحت المياه عن جوانب أخرى، منها الغوص في منطقة الميناء الشرقي، وهو الميناء الملكي للعاصمة القديمة، والذي احتوى على قصور ومعابد وأعمدة فرعونية وإغريقية ورومانية، إضافةً إلى فنارة الإسكندرية الأسطورية، كما يمكنك الغوص في منطقة «خليج أبو قير» التي تحتوي على حطام سفن أسطول نابليون الغارقة ومواقع المدن القديمة.

وقبل الغوص ستستمتع بحكايات كثيرة شيقة يرويها لك المدربون، ومنها قصة أحد الغواصين الهواة ويدعى كامل أبو السعادات الذي اكتشف سنة 1961 تمثالاً ضخماً لإيزيس وقطعاً أثرية أخرى في الميناء الشرقي، وتمكن من رؤية أرصفة حجرية، وقام بعمل خريطة بتلك الشواهد الأثرية، وسلمها للدولة. وفي عام 1992 قامت بعثة المعهد الأوروبي للآثار الغارقة، بعمل مسح للميناء الشرقي والتي أعطت معلومات ذات دقة عالية عن مباني الموانئ الغارقة التي توجد في الميناء الكبير، وأسفر المسح عن اكتشاف العديد من الآثار منها جزيرة أنتيرودوس وبقايا القصر الملكي عليها، وبقايا مبان من المرجح أن تكون لمسرح ومعبد الإله بوسيديون.

الآثار الغارقة بالإسكندرية (موقع الإدارة المصرية للسياحة)

وبحسب عبد النبي، «يمكن للغواص أن يشاهد عدداً من السفن الغارقة التي تعود إلى الحرب العالمية الثانية، وطائرات منذ الحرب العالمية الأولى، كما سيلتقي بأنواع نادرة من الشعاب المرجانية وأسماك الزينة وتلك الصالحة للأكل وغير موجودة في أي بحر آخر، وربما لا يعرف الكثيرون أن بحر الإسكندرية يحتضن الدلافين أيضاً».

ولا يمنحك الغوص إمكانية خوض رحلة ترفيهية ممتعة فحسب، لكنه يوفر لك كذلك فرصة ذهبية لتعلم هذه الهواية وإشباع شغفك بها، بل إن المراكز المتخصصة تساعدك لتصبح مدرباً محترفاً، لذلك أنصحك إذا كان هذا أحد أحلامك بأن تزور المدينة هذا الصيف وتقضي بها عطلتك السنوية؛ لكي يصبح الحلم حقيقة.

ولك أن تختار من بين 3 مستويات، يقول عبد النبي: «يبدأ تعلم الغوص بنجمة واحدة، وفيها يتعلم المبتدئون المهارات الأساسية، بما يسمح له بالغوص حتى 18 متراً تحت الماء، وتكلفتها نحو 4000 جنيه مصري، بينما يوفر مستوى النجمة الثانية مهارات تسمح له بالغوص حتى 30 متراً، وتكلفتها نحو 4500 جنيه مصري، أما الثالثة فهو المستوى الذي يسمح له بأن يصبح محترفاً ويمنح رخصة مساعد مدرب، ويستطيع النزول حتى 40 متراً، وتكلفتها نحو 7 آلاف جنيه».

لا تحاول إذا قررت الغوص في الإسكندرية اختراق القانون؛ لأن هناك ضوابط صارمة لا تسمح لك بذلك، ومن أهم بنودها أنه سواء كنت غواصاً محترفاً أو مدرباً فينبغي أن يصحبك في الرحلة مدرب مصري محترف؛ لكي يكون على دراية بطبيعة المكان وخريطته وأنواع الأسماك والكائنات البحرية والمخاطر التي يمكن أن تواجهك. وعليك اتباع وسائل الإرشاد، ومنها أن يتوفر باليخت جهاز لاسلكي وعوامات وحبال وأعلام غوص دولية.

الآثار الغارقة بالإسكندرية (موقع الإدارة المصرية للسياحة)

وتتراوح رحلة اليوم الواحد للفرد الواحد نحو 1500 جنيه مصري، وتكون للمحترفين، وتمتد لعدة ساعات، أما للهواة فيطلق عليها «غطسة تجريبية»، ولا تتجاوز نصف ساعة، وتكون بالقرب من الشاطئ، وتكلفتها نحو 500 جنيه مصري. حتى لو زرت الإسكندرية في الشتاء فلا تتردد في الغوص رغم مياهها الباردة، لتوافر بذلة غوص سميكة في الطقس البارد.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».