في الوقت الذي أعطت استقالة العالم جيفري هينتون من «غوغل»، زخماً للحديث عن أخطار الذكاء الصناعي، بسبب إعلانه أنها «بسبب رغبته في الحديث عن أخطار الذكاء الصناعي بحرّية»، فإن هناك اتجاهاً آخر من العلماء يمثلهم يورغن شميدهوبر، مدير مبادرة الذكاء الصناعي بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا بالسعودية «كاوست»، والذي يرى أنه «ليس شراً محضاً»، وأن «إيجابيات الذكاء الصناعي تفوق سلبياته إلى حد بعيد».
وفي مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط»، قال خلالها شميدهوبر، والمعروف في الأوساط العلمية والأكاديمية بأنه «أحد آباء الذكاء الصناعي القدامى»، إن «حديث الأخطار والسلبيات دائماً ما يجذب الاهتمام الجماهيري، بشكل يفوق حديث الإيجابيات، وهذا هو السبب في أن أفلام (أرنولد شوارزنيغر) عن الروبوتات القاتلة، تحظى بشعبية أكبر من الأفلام الوثائقية حول فوائد التطبيقات الطبية للذكاء الصناعي».
ولفت شميدهوبر إلى أن «حديث السلبيات ليس جديداً، بل يعود إلى عام 1816 مع رواية (ساندمان) للكاتب الألماني (إرنست هوفمان)، والتي تدور أحداثها حول شاب يقع في حب سيدة جميلة، يتضح فيما بعد أنها آلة، وينتهي الأمر كله بالسوء».
وأضاف أنه «يتم استدعاء مثل هذه الروايات والأفلام عند الحديث عن الذكاء الصناعي، لأنه بشكل عام، تحظى سيناريوهات يوم القيامة باهتمام أكبر من التوقعات الإيجابية، وهذا هو السبب في استدعاء الجانب السلبي في تطبيق مثل (تشات جي بي تي)».
وأعرب شميدهوبر عن «سعادته بنجاح (تشات جي بي تي)، لأنه يعتمد على شبكة عصبية صناعية تسمى (المحولات القائمة على الانتباه)، وقبل أكثر من 30 عاماً، نشرت (تحت اسم مختلف) أول متغير للمحولات القائمة على الانتباه يسمى الآن (Transformer with)، والأهم من ذلك، ورقة بحثية تم نشرها في 2021».
وأشار إلى أن «تطبيقات الذكاء الصناعي، التي تم تطويرها طوال 3 عقود، جعلت حياة الإنسان أطول وأكثر صحة وأسهل»، وضرب مثلاً أنه «في عام 2012 عندما كانت تكلفة الحوسبة 100 مرة أكثر من اليوم، كان لدى فريقه أول شبكة عصبية صناعية تفوز بمسابقة التصوير الطبي، للكشف عن السرطان، واليوم، يستخدم الكثير من الشركات والمستشفيات هذه الشبكة لتحسين التشخيص والعلاجات الطبية».
استقالة هينتون
وعن تفسيره استقالة هينتون من «غوغل»، قال شميدهوبر إنه «يجيد الأمور النفسية، ويعرف كيفية تشغيل آلة الدعاية والعلاقات العامة، فهو يعلم أن سيناريوهات يوم القيامة تحظى باهتمام أكبر من التوقعات الإيجابية». وأعرب عن اعتقاده بأن حديث هينتون عن أنه نادم على (عمل حياته)، يريد به أن يشير ضمناً إلى أن (عمل حياته) كان مهماً للحالة الحالية للذكاء الصناعي، وهذا ليس حقيقياً، لأن الخوارزميات الأساسية للذكاء الصناعي، كما يكشف الاستبيان الذي أشرت إليه سابقاً، كانت من اختراع آخرين».
وقلل شميدهوبر إلى حد كبير من تأثير الذكاء الصناعي على الوظائف البشرية، مؤكداً تمسكه برؤيته التي أعلنها في الثمانينات، وقال إنه «من السهل وفق هذه الرؤية التنبؤ بالوظائف التي ستختفي، لكن من الصعب توقع الوظائف الجديدة التي سيتم إنشاؤها».
وأضاف أنه «قبل 200 عام، كان معظم الوظائف في العالم الغربي في الزراعة، لكن اليوم، فإن النسبة لا تتجاوز 2 في المائة، وبالمثل، قبل عدة عقود، توقع الناس أن الروبوتات الصناعية سوف تسبب الكثير من فقدان الوظائف، ومع ذلك، فإن معدلات البطالة اليوم منخفضة في البلدان التي بها عدد كبير من الروبوتات لكل فرد (على سبيل المثال، اليابان وألمانيا وكوريا وسويسرا)، وهذا سببه أنه تم اختراع الكثير من الوظائف الجديدة».
إنجازات «كاوست»
وعن الإنجازات التي تحققت في مجال الذكاء الصناعي بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا (كاوست)، قال شميدهوبر إن «هناك الكثير من الإنجازات العالمية، من بينها ما حققه اثنان من زملائه، وهما البروفسور برنارد غانم، والبروفسور بيتر ريشتاريك، فالأول أصبح صاحب الرقم القياسي للأبحاث المنشورة في المؤتمر العلمي الأكثر تأثيراً في العالم، والذي يسمى رؤية الكومبيوتر والتعرف على الأنماط (CVPR)، حيث كان لبرنارد وفريقه ما لا يقل عن 7 أوراق في مؤتمر 2022، وقبل أسابيع قليلة فقط، ظهرت نتائج الأوراق المقبولة في مؤتمر 2023، وحطم فريق برنارد رقمه القياسي، حيث تم قبول 8 أوراق بحثية».
وأضاف: «بالمثل بالنسبة لبيتر، فإن أهم مؤتمر للذكاء الصناعي يسمى (NeurIPS)، قَبِل 12 بحثاً لبيتر وفريقه عام 2022»، مشيراً إلى أن «واحداً فقط هو (رئيس معهد ماكس بلانك في ألمانيا) كان لديه عدد أبحاث أكبر في المؤتمر».