تعاني دولة النيجر من التحديات المتعلقة بتمدد النفوذ الإرهابي من دول الجوار، علاوة على النزاعات المسلحة بين الجماعات الإرهابية، ما يتسبب في معضلات أمنية وإنسانية كبيرة. والأربعاء، أعلن جيش النيجر توقيف 1397 - منذ مارس (آذار) الماضي - عضواً مفترضاً في جماعة «بوكو حرام» الإرهابية، وأفراد عائلاتهم الفارّين من معارك مع تنظيم «داعش» في نيجيريا المجاورة. وأورد تقرير عن العمليات العسكرية في منطقة ديفا (جنوب شرقي النيجر)، اطّلعت عليه «وكالة الصحافة الفرنسية»، أن «المعارك الدامية أرغمت الفارين على مغادرة غابة سامبيسا في نيجيريا، للوصول إلى النيجر».
بالتزامن مع ذلك، أفادت وسائل إعلام محلية، الأربعاء، بأن أكثر من 13000 امرأة وطفل فروا من الجزر الواقعة على نهر النيجر، في غرب النيجر، في أعقاب سلسلة من الهجمات المميتة التي شنها الإرهابيون. وأشارت الإذاعة إلى أن النساء والأطفال الفارين من الجزر النائية التمسوا الأمان في أيورو، وهي بلدة تبعد 200 كيلومتر (125 ميلاً) عن العاصمة النيجرية (نيامي).
وتكافح النيجر، أفقر دول العالم، وفقاً لمؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، أعمال تمرُّد إرهابية على حدودها الغربية مع مالي وبوركينا فاسو، وحدودها الجنوبية الشرقية مع نيجيريا. وتؤوي العشرات من آلاف النازحين، واللاجئين من تلك الدول.
وفي مارس الماضي، أطلق جيش النيجر عملية عسكرية ضد قواعد يتمركز فيها تنظيم «داعش في غرب أفريقيا» (إيسواب)، على الحدود مع نيجيريا المجاورة، ما أسفر عن مقتل نحو 20 من مقاتلي التنظيم، واعتقال 83 آخرين. وكان جيش النيجر قد أعلن أن العملية استهدفت «مواصلة الضغط على (إيسواب)» و«قطع خطوط إمداداته».
ويعد تنظيم «داعش في غرب أفريقيا» (إيسواب)، فرعاً من تنظيم «داعش»، بعد أن انشق منذ سنوات عن جماعة «بوكو حرام»، وتدور بشكل دائم معارك طاحنة بين الطرفين، وذلك ما يدفعُ أتباع «بوكو حرام» إلى الفرار نحو النيجر؛ هرباً من القتال مع خصومهم من تنظيم «داعش في غرب أفريقيا» (إيسواب)، الأكثر قوة وتسليحاً ودموية.
وأصبح التنظيم المنشق ينشط في مناطق واسعة من شمال شرقي نيجيريا، لكنه في الوقت ذاته يشن هجمات متكررة ضد مدن ومواقع عسكرية مهمة، في منطقة ديفا، جنوب شرقي النيجر. وقال أحمد سلطان، الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، إن «الاقتتال محتدم بشدة بين (بوكو حرام) و(إيسواب) منذ أشهر رغم إعلان (داعش) القضاء على (بوكو حرام)، ويؤدي ذلك إلى استنزاف في كلا التنظيمين، لكنه يمثل تحدياً أمنياً وإنسانياً لدول الساحل الأفريقي ومنها النيجر، حيث يتسبب القتال في نزوح عائلات المقاتلين من الجبهتين طبقاً لمعطيات المعارك، علاوة على موجات نزوح كبيرة للمدنيين الذين يدفعون أثماناً كبرى لهذا الاقتتال».
وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «يضع فرار عناصر إرهابية الحكومة في نيامي في حالة استنفار أمني مكلفة مادية ولوجستياً، لأنهم في النهاية إرهابيون، ووجودهم في البلاد يشكل خطراً».
وزاد عدد الهجمات الإرهابية المنفَّذة في غرب أفريقيا بمعدل 55 في المائة خلال العام الماضي، وفقاً لتقديرات مؤشر الإرهاب لعام 2022، الصادر عن «معهد الاقتصاد والسلام الدولي».
وارتفعت حصة منطقة الساحل وغرب أفريقيا من مجمل الوفيات في العالم الناجمة عن عمليات إرهابية من 1 في المائة في 2007 إلى 35 في المائة عام 2022. وتصدرت بوركينا فاسو ومالي والنيجر قائمة بلدان المنطقة من حيث عدد ضحايا الإرهاب، إذ سقط في البلدان الثلاثة مجتمعة نحو ألفي شخص خلال 2022.
ويرى عبد الأحد أمبينغ، المحلل السنغالي المختص في الشؤون الأفريقية، أن «(داعش) بازدياد نفوذه في نيجيريا ودول الساحل وبما يملكه من إمكانات بشرية ومادية كبيرة يمثل تهديداً لدول غرب أفريقيا أكبر من (بوكو حرام)»، مشيراً إلى أن «الحكومات في غانا والسنغال والكاميرون تجري بالفعل استعدادات لمواجهة خطر هذا التمدد الداعشي».
وأضاف أمبينغ لـ«الشرق الأوسط» أنه «نظراً للتداخل القبلي بين دول بحيرة تشاد، تنتقل الصراعات العرقية التاريخية بين القبائل مع موجات النزوح، ما يثير صراعات إضافية على الموارد الشحيحة، وتوفر تلك الصراعات بيئة ناضجة للجماعات الإرهابية لتجنيد مزيد من العناصر».