تباين في الإدانات حول «أزمة المصارف»

«ستاندرد تشارترد» يستبعد ركوداً أميركياً «عميقاً»

أحد أفرع "فيرست ريبابليك بنك" في مدينة نيويورك الأميركية... وهو من بين المصارف التي تعرضت للأزمة (رويترز)
أحد أفرع "فيرست ريبابليك بنك" في مدينة نيويورك الأميركية... وهو من بين المصارف التي تعرضت للأزمة (رويترز)
TT

تباين في الإدانات حول «أزمة المصارف»

أحد أفرع "فيرست ريبابليك بنك" في مدينة نيويورك الأميركية... وهو من بين المصارف التي تعرضت للأزمة (رويترز)
أحد أفرع "فيرست ريبابليك بنك" في مدينة نيويورك الأميركية... وهو من بين المصارف التي تعرضت للأزمة (رويترز)

تباينت الآراء حول الإدانات فيما يخص المتسببين في أزمة المصارف الأميركية الأخيرة، وقال بيل وينترز الرئيس التنفيذي لبنك «ستاندرد تشارترد» يوم الاثنين، إن البنوك المركزية بحاجة إلى «التأكد من أن البنوك الموسرة، البنوك التي تتمتع بموقف سليم، لديها إمكانية الوصول إلى السيولة»، مضيفاً أنه يعتقد أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي) لم يقم بما يكفي (في أوج الأزمة)».

وأوضح أن «رد الفعل في الولايات المتحدة كان مثالياً»، واحتوى الأزمة بفاعلية، لكنه أضاف أن التصرف النموذجي كان توفير السيولة «للبنوك التي تواجه تحديات» قبل حدوث الأزمة. وتابع: «لست قلقاً من المشكلات في القطاع المصرفي بالولايات المتحدة أو سويسرا، حيث انحصرت المشكلات حتى الآن، ولست قلقاً حقاً من انتشار أثر ذلك ليطال الأنشطة الاقتصادية العالمية»، مضيفاً أنه «متفائل جداً إزاء الخليج».

وقال وينترز إن لجنة الائتمان في ستاندرد تشارترد «لم تشدد إجراءاتها على الإطلاق»، بعد انهيار 3 بنوك أميركية. وأضاف: «تلقينا ودائع صافية خلال تلك الفترة التي اتسمت بالقلق العالمي ونتمتع بموقف رأسمالي بالغ القوة وموقف سيولة قوي جداً أيضاً»، لكنه أشار إلى أن البنك بحاجة إلى متابعة التغييرات التي تطرأ على القواعد التنظيمية للقطاع المصرفي عن كثب.

ومن جهة أخرى، أوضح وينترز في مؤتمر بدبي، أنه من غير المرجح أن يتعرض اقتصاد الولايات المتحدة لركود عميق، لكنه قد يشهد انكماشاً لفترة.

وقال: «أعتقد أن الأمر لا يتعلق بمسألة حدوث تراجع ضخم في الولايات المتحدة. أعتقد أن ذلك ليس مرجحاً أبداً»، مضيفاً أن الاقتصاد الأميركي «قوي للغاية». وأضاف: «لكنه يعاني أيضاً من مشكلة التضخم المرتفع وأسعار الفائدة التي إما ستبقى مرتفعة، أو ربما ترتفع أكثر في مرحلة ما... لحين تباطؤ الاقتصاد. والآن هل يقودنا ذلك إلى ركود عميق؟ أعتقد أن ذلك ليس مرجحاً. هل يمكننا أن نشهد فترة من الانكماش؟ نعم».

وعن أسعار الفائدة قال وينترز لدى سؤاله عن أسوأ السيناريوهات المحتملة: «لا أعرف»، لكنه أضاف أن بنكه يركز على معدل فائدة يبلغ 5.25 بالمائة «بالنسبة للوقت الراهن ولفترة من الوقت».

وعلى خلاف رأي وينترز، اعتبر الملياردير الأميركي وارن بافيت أن طريقة تعامل الحكومة الأميركية مع أزمة المصارف الإقليمية كان «ضعيفاً»، مشيراً إلى أن عدم عودة الثقة بين المودعين يعود إلى هذا الأمر.

وعصفت الأزمة منذ بداية شهر مارس (آذار) الماضي، بـ4 بنوك إقليمية في الولايات المتحدة جرى الاستحواذ على 3 منها لاحقاً من قبل مؤسسات أخرى بمساعدة السلطات. وبالنسبة لمصرفين هما «سيليكون فالي» و«سيغنيتشر»، فقد اتخذت المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع قراراً مثيراً للجدل بدعم الودائع غير المؤمنة فيهما درءاً لعدوى يمكن أن تصيب مصارف أخرى. وبموجب القانون، تؤمن المؤسسة ما يصل إلى 250 ألف دولار فقط من الوديعة في البنوك المؤهلة.

وعلى الرغم من هذه الخطوة غير العادية، بقي القلق مخيماً على أصحاب الودائع، كما قال بافيت خلال الاجتماع السنوي للمساهمين بمجموعته «بيركشاير هاثاواي».

وقال الملياردير الذي يواصل إدارة مجموعته رغم أنه بلغ 92 عاماً: «هذا لا ينبغي أن يحدث. التعامل كان ضعيفاً جداً». وأضاف: «لقد كان ضعيفاً من قبل السياسيين الذين لديهم مصلحة أحياناً في أن يكون كذلك، وضعيفاً من قبل الوكالات الحكومية. وأقول إنه كان ضعيفاً من قبل الصحافة». وأوضح أن ما حدث مع «سيليكون فالي» أظهر استحواذاً حكومياً تم استتباعه بضمان موسع للودائع، لكن الناس ما زالوا «مربكين».

ورغم أن الاستحواذ الطارئ على بنك «فيرست ريبابليك» من قبل «جي بي مورغان تشايس» بدا الاثنين الماضي، كأنه قد خفف القلق بشأن الأزمة، فإن الأسبوع كان مضطرباً. فقد تعرض كثير من البنوك متوسطة الحجم في «وول ستريت» إلى هزات، خصوصاً «باك وست» الذي انخفض سهمه بنسبة 68 في المائة قبل أن يتعافى بنسبة 82 في المائة في تداولات الجمعة.

وأعلنت شركة مجموعة «بيركشاير هاذاواي» عن أرباح ضخمة بلغت 35.5 مليار دولار خلال الربع الأول فقط، ويعود ذلك إلى قوة أداء الأسواق المالية. وحوّل بافيت «بيركشاير هاذاواي» من شركة نسيج صغيرة اشتراها في منتصف الستينات إلى تكتل عملاق تقدر قيمته الآن بأكثر من 700 مليار دولار.

وبالتزامن، حذرت نائبة رئيس البنك المركزي الألماني كلاوديا بوخ من الاستخفاف بالمخاطر التي تهدد القطاع المصرفي، وذلك في ضوء الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها السوق المصرفية.

وخلال مؤتمر مصرفي نظمته صحيفة «بورزن - تسايتونغ» (صحيفة البورصة) الألمانية، قالت بوخ في فرنكفورت يوم الاثنين: «ليس هذا الوقت المناسب حالياً لإثارة نقاش كبير حول التحرر من القيود»، مشيرة إلى أن القيود الأكثر صرامة وزيادة الاحتياطات المالية منذ الأزمة المالية عام 2009 - 2008 جعلتا القطاع المصرفي أكثر قدرة على الصمود. وأضافت أنه «من المهم الآن بالتحديد إدارة المخاطر التقليدية المتعلقة بالائتمان وتغيير سعر الفائدة بشكل جيد».


مقالات ذات صلة

كوريا الجنوبية تتعهد بالحفاظ على استقرار الأسواق بعد عزل يون

الاقتصاد مشاركون في مظاهرة يحملون لافتات تطالب المحكمة الدستورية بإقالة الرئيس يون سوك-يول في سيول (رويترز)

كوريا الجنوبية تتعهد بالحفاظ على استقرار الأسواق بعد عزل يون

تعهدت وزارة المالية في كوريا الجنوبية، يوم الأحد، بمواصلة اتخاذ تدابير استقرار السوق بسرعة وفعالية لدعم الاقتصاد، في أعقاب عزل الرئيس يون سوك-يول.

«الشرق الأوسط» (سيول)
الاقتصاد أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

في ظل الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاس.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد الليرة السورية (رويترز)

الليرة السورية ترتفع بشكل ملحوظ بعد تراجع حاد

قال عاملون بالصرافة في دمشق، اليوم (السبت)، إن الليرة السورية ارتفعت إلى ما بين 11500 و12500 مقابل الدولار، بحسب «رويترز».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الاقتصاد رئيس الوزراء الفرنسي المعين فرنسيس بايرو وسلفه المنتهية ولايته ميشال بارنييه خلال حفل التسليم (د.ب.أ)

بعد ساعات على تعيين بايرو... «موديز» تخفّض تصنيف فرنسا بشكل مفاجئ

خفّضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف فرنسا بشكل غير متوقع يوم الجمعة، ما أضاف ضغوطاً على رئيس الوزراء الجديد للبلاد.

«الشرق الأوسط» (باريس)

التضخم في السعودية يسجل 2 % خلال نوفمبر الماضي على أساس سنوي

إحدى أسواق المنتجات الغذائية في السعودية (الشرق الأوسط)
إحدى أسواق المنتجات الغذائية في السعودية (الشرق الأوسط)
TT

التضخم في السعودية يسجل 2 % خلال نوفمبر الماضي على أساس سنوي

إحدى أسواق المنتجات الغذائية في السعودية (الشرق الأوسط)
إحدى أسواق المنتجات الغذائية في السعودية (الشرق الأوسط)

ارتفع معدل التضخم في السعودية إلى 2 في المائة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على أساس سنوي، مسجلاً أعلى مستوى منذ 15 شهراً، وذلك عطفاً على ارتفاع أسعار قسم السكن والمياه والكهرباء، والغاز وأنواع الوقود الأخرى بنسبة 9.1 في المائة وأسعار أقسام السلع والخدمات الشخصية المتنوعة بنسبة 2.7 في المائة، مقابل انخفاض أسعار قسم النقل بنسبة 2.5 في المائة.

وعلى الرغم من ذلك الارتفاع فإن هذا المستوى جعل السعودية البلد الأقل ضمن مجموعة العشرين، في الوقت الذي عدَّه اقتصاديون معتدلاً نسبياً.

ووفق مؤشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك، الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء، الأحد، ارتفع قسم السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى بنسبة 9.1 في المائة، وقد تأثر بارتفاع مجموعة الإيجارات المدفوعة للسكن 10.8 في المائة خلال نوفمبر الماضي، بسبب زيادة في أسعار إيجارات الشقق 12.5 في المائة.

المطاعم والفنادق

وكان لارتفاع هذا القسم أثر كبير في استمرار وتيرة التضخم السنوي لنوفمبر 2024، نظراً للوزن الذي يشكله هذا القسم، الذي يبلغ 25.5 في المائة، وفي السياق ذاته، ارتفعت أسعار قسم السلع والخدمات الشخصية المتنوعة بنسبة 2.7 في المائة خلال نوفمبر السابق، متأثرة بارتفاع أسعار المجوهرات والساعات بأنواعها والتحف الثمينة 23.7 في المائة.

وسجلت أسعار قسم المطاعم والفنادق ارتفاعاً بنسبة 1.5 في المائة، مدفوعةً بارتفاع أسعار الخدمات الفندقية والشقق المفروشة بنسبة 5.9 في المائة، أما قسم التعليم فقد شهد ارتفاعاً بنسبة 1.1 في المائة، متأثراً بزيادة أسعار الرسوم لمرحلتي المتوسط والثانوي 1.8 في المائة.

الأغذية والمشروبات

في حين سجلت أسعار الأغذية والمشروبات ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 0.3 في المائة، مدفوعةً بارتفاع أسعار اللحوم والدواجن، 1.9 في المائة. من جهة أخرى، انخفضت أسعار قسم تأثيث وتجهيز المنزل بنسبة 2.9 في المائة، متأثرةً بانخفاض أسعار الأثاث والسجاد وأغطية الأرضيات بنسبة 4.4 في المائة.

وتراجعت أسعار قسم الملابس والأحذية بنسبة 2.3 في المائة، متأثرةً بانخفاض أسعار الملابس الجاهزة 4.6 في المائة، وكذلك سجلت أسعار قسم النقل تراجعاً بنسبة 2.5 في المائة، متأثرةً بانخفاض أسعار شراء المركبات بنسبة 3.9 في المائة.

تنويع الاقتصاد

وقال كبير الاقتصاديين في بنك الرياض، الدكتور نايف الغيث، لـ«الشرق الأوسط»، إن ارتفاع معدل التضخم في المملكة إلى 2 في المائة خلال نوفمبر الماضي، مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، يعكس التغيرات الاقتصادية التي تمر بها المملكة في إطار «رؤية 2030»، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.

وبيَّن الغيث أن العامل الرئيسي وراء هذا الارتفاع كان قطاع السكن والمرافق، حيث شهد زيادة كبيرة بنسبة 9.1 في المائة. وكان لارتفاع أسعار إيجارات المساكن، وخصوصاً الشقق التي ارتفعت بنسبة 12.5 في المائة، الدور الأكبر في هذه الزيادة، موضحاً أن هذا القطاع يشكل 25.5 في المائة من سلة المستهلك، وبالتالي فإن تأثيره على معدل التضخم العام كان ملحوظاً.

ووفق الغيث، أسهم ارتفاع أسعار السلع والخدمات الشخصية المتنوعة بنسبة 2.7 في المائة في زيادة معدل التضخم، وأن هذا الارتفاع يعكس تغيرات في أنماط الاستهلاك وزيادة الطلب على بعض السلع والخدمات في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة.

تحسين البنية التحتية

على الجانب الآخر، يرى كبير الاقتصاديين في بنك الرياض، أن قطاع النقل شهد انخفاضاً بنسبة 2.5 في المائة، ما أسهم في تخفيف الضغط التضخمي إلى حد ما، وأن هذا الانخفاض قد يكون نتيجة لتحسن البنية التحتية للنقل وزيادة كفاءة الخدمات اللوجيستية، وهو ما يتماشى مع أهداف «رؤية 2030» في تطوير قطاع النقل والخدمات اللوجيستية.

وفي سياق «رؤية 2030»، يؤكد الغيث أنه من الممكن النظر إلى هذه التغيرات في معدلات التضخم كجزء من عملية التحول الاقتصادي الشاملة، مضيفاً أن الارتفاع في أسعار السكن، «على سبيل المثال»، قد يكون مؤشراً على زيادة الاستثمارات في القطاع العقاري وتحسن مستويات المعيشة.

وأبان أن الزيادة في أسعار السلع والخدمات الشخصية قد تعكس تنوعاً متزايداً في الاقتصاد وظهور قطاعات جديدة.

ولفت الغيث النظر إلى أن معدل التضخم الحالي البالغ 2 في المائة يعتبر معتدلاً نسبياً، ما يشير إلى نجاح السياسات النقدية والمالية في الحفاظ على استقرار الأسعار.