«مجتمع مهذب» هو عمل يتناول الجريمة مليء بمعارك فنون الدفاع عن النفس والمخابئ السرية. الفيلم يتناول قصة حب بين شخصين ذكيين وجذابين بشكل لافت. هي كوميديا زواج قريبة الشبه بروايات جين أوستن، حيث تتدخل فيها فتاة مراهقة في الحياة العاطفية لشقيقتها الكبرى، فيما ينظر والداهما إلى ما يجري في فزع.
يتميز الفيلم بفخامة موسيقاه وأغانيه العديدة التي تخللت أحداثه؛ فهذا الفيلم البريطاني الجديد لا ينقصه تناسق الأسلوب، نظراً لأن صياغته تتناسب مع سياق أحداثه.
أوضحت الكاتبة والمخرجة نداء منظور في محادثة فيديو من بريستول بإنجلترا قائلة إن «الأمر يتعلق بالنساء اللائي يتعاملن مع الأعراف والآمال والقواعد، ويرغبن في دفعها للأمام. عندما يكسرونها، يجب علي أيضاً كسرها. هذا ليس لأنني مجنونة. ربما فقط بعض منى مجنون»، قالتها ضاحكة.
مشهد من فيلم «مجتمع مهذب» (أي إم دي بي)
وصفت إيمي نيكلسون تقييمها لفيلم «مجتمع مهذب» في مقالها عن الفيلم الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» بأنها فرحة بوصول نداء منظور باعتبارها شيئاً جديداً مبشراً: «مخرجة لأول مرة تواقة لتنمية التمثيل الثقافي وتحويله خلال السنوات القليلة الماضية من فيتامينات توعوية إلى حلوى تسعد الجماهير».
بحسب أحداث الفيلم، تواظب ريا، الفتاة الأصغر لعائلة بريطانية ذات أصول باكستانية، على حضور المدرسة، فيما تتدرب جدياً لتصبح امرأة مغامرة.
وهكذا كان على الممثلة التي تلعب دورها، بريا كانسارا، أن تتعامل مع البرنامج بسرعة. ففي محادثة فيديو، قالت كانسارا: «ليست لدي خبرة سابقة في فنون الدفاع عن النفس أو أي شيء من هذا القبيل. لقد تلقيت تدريباً لمدة 6 أو 7 أسابيع قبل أن نبدأ التصوير، لذلك كان هذا هو الوقت الذي اضطررت فيه إلى تعلم أكبر عدد ممكن من الحركات المثيرة وتصميم الرقصات القتالية. كان الأمر يبعث على التوتر، نظراً لأنه كان هناك كثير من الأشياء التي يجب تجاوزها. وريا مجرد طفلة مجنونة. هي لا تهدأ حقاً».
تتحرك الحبكة الدرامية في مقطع سريع غني بالحركة والكوميديا الصارخة. عندما تضطر ريا، التي لا تجد الوقت للاهتمام بشؤونها كفتاة، إلى الخضوع لجلسة تجميل «لكن برفقة هذا النوع من شخصية العمة الشريرة»، بحسب منظور.
غالباً ما كان الفيلم في سرده شافياً في الطريقة التي يتيح بها للفتيات والنساء القيام بأشياء كثيراً ما رأينا الرجال يقومون بها على الشاشة منذ عقود، والمقصود هنا طريقة التعبير عن الفرحة الجماعية. على سبيل المثال، عندما تخرج ريا وشقيقتها، لينا (ريتو آريا) المتسربة من مدرسة الفنون، لتناول البرغر، تراهن جميعاً يذهبن بحماسة ظاهرة.
مشهد من فيلم «مجتمع مهذب» (أي إم دي بي)
قالت كانسارا: «نداء جاءت إلينا، ولسان حالها يقول: كل كما لو أنك لم تأكل منذ ساعات طويلة ولا تقوى على الانتظار. تلقينا أنا وريتو التعليمات حرفياً، والتهمنا الشطائر بنهم. بعد ذلك، عادت نداء إلينا، وكان لسان حالها يقول: حسنا، ربما ليس إلى هذا الحد».
بالنسبة لأريا (المعروفة باسم ليلا بيتس في الحلقات المذاعة على «نتفليكس»)، كان تشجيعها على القضم بصوت عالٍ تغييراً منعشاً عما تراه عادة في الأفلام أو على التلفزيون. وفي محادثة مشتركة مع كانسارا، قالت: «أحب مشاهدة الناس يأكلون، لكنهم غالباً ما يتظاهرون بتناول الطعام على الشاشة بسبب كمية الطعام التي يتعين عليهم تناولها. وهذا هو السبب في أن الأمر يبدو مقنعاً عندما ترى الناس يأكلون بالفعل. أنا أحب هذا المشهد لهذا السبب».
كانت آريا على دراية بحساسية منظور، لأنهما عملا معاً من قبل، وعلى الأخص في العمل الكوميدي الذي استغرق 14 دقيقة، بعنوان «ليدي بارتس»، الذي أنتجته منظور لصالح «قناة 4» عام 2018، والذي لعبت فيه آريا دور المغنية الرئيسية لـ«فرقة بانك»، وهي فرقة رباعية صاخبة من النساء المسلمات.
بدأت منظور في كتابة «مجتمع مهذب» منذ نحو 10 سنوات، لكنها استمرت في مواجهة العقبات أثناء محاولتها إطلاق المشروع. في مرحلة مبكرة جداً، قبل أن تصبح مثل هذه الاقتراحات أقل قبولاً، كان الممولون المحتملون يسألون عما إذا كان بإمكانها جعل الأسرة الرئيسية في الفيلم بيضاء. كان الآخرون يفضلون شيئاً أقل قليلاً من الحركة والمزيد من الفن.
في وقت لاحق، بات التركيز على الكوميديا يمثل مشكلة: ألم يكن هناك بعض القضايا المهمة مثل الزواج المرتَّب؟
منظور لم تتزحزح. قالت: «كان الأمر أشبه بفيلم بهيج عن النساء المسلمات في جنوب آسيا. يعود السبب في أنني مخرجة إلى أنني لا أريد أن تتناول قصصنا الصدمة فقط».
إن إعطاء فيلم «المجتمع المهذب» ثقلاً عاطفياً هو ما جمع بين ريا ولينا، وهو مستوحى من العلاقة بين منظور وأختها سانيا، التي تكبرها بعام واحد. بعد التعاون مع آريا في «ليدي بارتس»، شعرت منظور بأنها كانت مناسبة بشكل طبيعي لدور لينا. قالت منظور: «تتمتع بصفات أختي الكبرى، هذا النوع الطبيعي المتأصل لفتاة سمراء، وهو أمر نادر جداً بين الممثلين، أقصد هذا النوع الزئبقي والمتوحش والضعيف في نفس الوقت».
حتى المشاجرة العنيفة بين ريا ولينا، في موقف متدنٍّ من علاقتهما، كانت مستوحاة من الحياة الواقعية. قالت منظور عن سانيا: «كنت أقاتل معها. اعتدنا ممارسة فنون الدفاع عن النفس معاً؛ فأنا ما زلت أتذكر عندما كنا في فصل فنون الدفاع عن النفس، وكان مدربنا يريد منا دائماً القتال عندما كنا نتنافس». ضحكت: «كنت مرتعبة».
عندما سُئِلت عن سبب حرصها الشديد على وضع امرأة نشيطة وقوية في قلب أحداث فيلمها، عادت منظور إلى ماضيها مرة أخرى قائلة: «كنت أحب الرياضة وممارسة فنون الدفاع عن النفس والرقص. ثم في سن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة يتغير جسمك وتصبح موضوعياً. شعرت بالاغتراب عن جسدي، وخجلتُ منه. أدركت أنني منجذبة إلى ذلك النوع الذي تفضل أن تمتلك المرأة جسدها، مثلاً بأن تعزف على آلة موسيقية، أو توجد على خشبة المسرح. كان هذا شيئاً فقدته عندما كنت مراهقة، أقصد السمات الجسدية». استطردت قائلة: «في فني، أحاول دائماً إظهار أن النساء يمتلكن ذلك أو استعدنه أو وجدنه».
* خدمة «نيويورك تايمز»