يقف توتنهام عند مفترق طرق في الوقت الحالي، لكن الحقيقة أن ذلك الأمر ليس جديداً على الإطلاق، فدائماً ما يضع هذا النادي نفسه في هذه المواقف الصعبة، ويمكن القول إن توتنهام يقف عند مفترق طرق منذ 50 عاماً على أقل تقدير! قد تؤدي هذه الطرق إلى الوصول إلى آفاق مفعمة بالأمل، وقد تؤدي إلى إحباطات شديدة، لكن يمكن تلخيص التاريخ الحقيقي لتوتنهام في أنه عبارة عن سلسلة من مفترقات الطرق، التي تؤدي دائماً إلى مفترق طرق جديد في كل مرة!
غالباً ما يبدو الأمر وكأن توتنهام يسلك الطريق الصحيح. ففي الأسبوع الأخير من موسم 2009 - 2010. على سبيل المثال، ذهب توتنهام لمواجهة مانشستر سيتي وهو في حاجة إلى تحقيق الفوز لاقتناص المركز الرابع من مانشستر سيتي الصاعد آنذاك بقوة تحت قيادة مالك النادي الشيخ منصور من أجل التأهل إلى دوري أبطال أوروبا. كان هذا أمراً بالغ الأهمية، وفرصة لتوتنهام لاتخاذ خطوة حاسمة للأمام والحصول على العائدات المالية الكبيرة نتيجة المشاركة في دوري أبطال أوروبا واستخدامها لتعزيز تفوقه. وأحرز بيتر كراوتش هدف الفوز لتوتنهام برأسية قوية قبل نهاية المباراة بثماني دقائق.
كين وسون والهزيمة المذلة أمام نيوكاسل (رويترز)
وقدم توتنهام مستويات رائعة في دوري أبطال أوروبا - غاريث بيل تفوق بشكل ساحق على مايكون، وأحرز بيتر كراوتش هدف الفوز على ميلان، وتفوق جو جوردان على غينارو غاتوزو - لكن مانشستر سيتي فاز منذ ذلك الحين بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز ست مرات! لقد اكتسب توتنهام سمعة كبيرة بأنه دائماً ما يتعثر في اللحظات الحاسمة، لكنه يفوز أيضاً في الكثير من المواجهات الحاسمة، وقد فعل ذلك بالفعل الموسم الماضي أمام آرسنال، لكن آرسنال ينافس على لقب الدوري هذا الموسم!
وكانت مباراة توتنهام أمام نيوكاسل يوم الأحد على ملعب «سانت جيمس بارك» عبارة عن مفترق طرق آخر، خاصة بعدما انتهت تلك المباراة بخسارة توتنهام الثقيلة بستة أهداف مقابل هدف وحيد واستقباله خمسة أهداف في غضون 21 دقيقة. وجاءت الأهداف الخمسة الأولى من أول ست تسديدات على مرمى السبيرز! لقد دخل توتنهام هذه المباراة وهو يدرك تماماً أنه بحاجة إلى تحقيق الفوز لكي يتساوى مع نيوكاسل في عدد النقاط، رغم أن نيوكاسل تتبقى له مباراة مؤجلة. في الحقيقة، لم يكن أحد يتوقع أن يفوز توتنهام في تلك المباراة ويقترب من التأهل لدوري أبطال أوروبا بكل المزايا التي ينطوي عليها هذا الأمر، من حيث الإيرادات والقدرة على التعاقد مع لاعبين جيدين يريدون اللعب في البطولات الأوروبية.
وحتى لو كان توتنهام قد حقق الفوز على نيوكاسل فإن هذا الفوز كان سيصبح بلا معنى، تماماً مثل الفوز الذي حققه توتنهام على مانشستر سيتي على ملعب الاتحاد قبل 13 عاماً، وذلك لأن نيوكاسل يحظى الآن بدعم هائل من مالكه الجديد صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وسيصبح قريباً أقوى بكثير من توتنهام، تماما كما فعل مانشستر سيتي خلال السنوات الماضية. وهذه هي النقطة التي يستحق فيها دانيال ليفي التعاطف. من الواضح للجميع أن مانشستر سيتي ونيوكاسل ينفقان الأموال بذكاء وبشكل مدروس. لكن الميزة الكبرى للثروات اللامحدودة هي أن الأندية تستطيع تحمل ارتكاب الأخطاء، وبالتالي فإن عدم التأهل لدوري أبطال أوروبا في أي موسم من المواسم لا يكون له تأثير مدمر على الإنفاق.
لقد فعل ليفي أفضل شيء يمكن أن يفعله أي نادٍ غير مدعوم من مالك غني، وهو بناء ملعب ربما يكون أفضل ملعب في البلاد، وهو الأمر الذي يمثل مصدر دخل قوي للنادي (ما لم يكن هناك وباء مثل وباء كورونا، وهو الأمر الذي كان توقيته سيئاً للغاية بالنسبة لتوتنهام). وهناك مؤشر قوي على التغيير الهائل الذي حدث في ميزان القوى والثروة في إنجلترا وهو أن الأندية الإنجليزية الخمسة التي ستكون ملاعبها متاحة للعرض الذي قدمته إنجلترا لاستضافة نهائيات كأس الأمم الأوروبية في عام 2028 هي مانشستر سيتي، وتوتنهام، ونيوكاسل، وأستون فيلا، وإيفرتون، وهو الأمر الذي لم يكن من السهل تخيله على الإطلاق منذ 20 عاماً - وفي حالة إيفرتون، قد يكون من الصعب حتى حدوث ذلك في عام 2028! لكن تمويل بناء الاستاد كان يعني تقليص الميزانيات في مكان آخر، وكان هذا الأمر هو ما أوقف صعود وتطور توتنهام تحت قيادة المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو، لأنه أصبح من المستحيل تدعيم صفوف الفريق بالشكل الذي يريده.
ومن ناحية أخرى، كان ليفي مخطئاً في بعض الأمور، كما حدث مؤخراً فيما يتعلق بالفوضى المتعلقة بفابيو باراتيشي. يحتاج توتنهام للفوز في ست من آخر ست مباريات ليعادل نفس النقاط التي حصل عليها الموسم الماضي. ربما يزعم ليفي أن الأمور ليست بالسوء الذي يتخيله البعض، لأنه إذا حقق الفريق ثلاثة انتصارات فإنه سيعادل ما حققه في موسم 2020 - 2021؛ وإذا حقق الفوز في مباراتين فإنه سيعادل ما حققه في الموسم السابق لذلك. ربما تتمثل المشكلة في أنه عندما تلعب في أفضل ملعب في البلاد، وتتعاقد مع مدير فني بحجم وقيمة أنطونيو كونتي، ثم تنفق 157 مليون جنيه إسترليني على تدعيم صفوف الفريق في الصيف الماضي، فإن تقديم ثاني أفضل نتائج منذ عام 2019 لا يبدو كافياً.
لقد فقد توتنهام إحساسه بهويته كنادٍ، كما لو أن عظمة الملعب جعلت ليفي يشعر بأنه بحاجة للتعاقد مع مدير فني من النخبة! وهذا هو السبب أيضا في أن جوليان ناغيلسمان ولويس إنريكي من بين المرشحين المفضلين لتولي القيادة الفنية للسبيرز. ربما يمكن لأي منهما أن يحقق النجاح مع توتنهام، فكل منهما لا يزال قادرا على العطاء، حيث أقيل ناغيلسمان من الوظيفة التي كان يحلم بها كمدير فني لبايرن ميونيخ وهو في الخامسة والثلاثين من عمره، في حين أن لويس إنريكي، ورغم فوزه بدوري أبطال أوروبا مع برشلونة، لم يقدم مستويات مقنعة على الإطلاق على مستوى الأندية. وحتى مع منتخب إسبانيا، قدم إنريكي كرة قدم ممتعة لكن بلا أنياب حقيقية!
لكن تجربة توتنهام مع الأسماء الكبيرة خلال السنوات الأخيرة ليست جيدة على الإطلاق. لقد أعطى جوزيه مورينيو وكونتي انطباعا بأنهما يقدمان معروفاً لتوتنهام من خلال مجرد الوجود هناك! لذلك عندما ساءت الأمور، توجهت أصابع الاتهام نحو النادي الذي خذلهم، وليس العكس (وهو الأمر الذي قد يكون منطقيا: توتنهام هو النادي الوحيد الذي فشل فيه مورينيو في الفوز بأي بطولة منذ رحيله عن نادي أونياو ليريا البرتغالي في عام 2002؛ ونفس الأمر بالنسبة لكونتي منذ أن رحل عن سيينا في عام 2011). ما يحتاجه توتنهام هو مدير فني يشبه ما كان عليه بوكيتينو في عام 2014: مدير فني طموح تتسم مسيرته التدريبية بالصعود والتطور ويمتلك الكاريزما التي تمكنه من إخراج الفريق من كبوته.
لكن تحديد هذا المدير الفني الطموح والشاب هو أمر صعب للغاية - وبالنظر إلى اختيارات النادي في الآونة الأخيرة، فمن غير الواضح أن هناك أي شخص في توتنهام لديه الرؤية المطلوبة! من الأسهل دائماً أن تتعاقد مع مدير فني أثبت جودته في مكان آخر، بافتراض أن النجاح في ناد سابق سيتكرر بالضرورة في توتنهام، لكن تجربتي مورينيو وكونتي تظهران أن هذا غير صحيح وغير مضمون! إن عدم وجود رؤية ثاقبة وخطة مدروسة أضر كثيراً بتوتنهام في هذا الصدد. لقد اعتاد توتنهام على تعديل وتغيير أسلوبه وفقاً للمدير الفني الجديد، بدلاً من اختيار مدير فني يناسب الهوية التي تكمن وراء كل شيء في النادي، بدءاً من أكاديمية الناشئين وصولاً إلى التعاقدات.
من المؤكد أن الأسلوب سيتغير مرة أخرى مع قدوم المدير الفني الجديد، لكن الأهم من ذلك كله أن تكون هناك رؤية طويلة المدى، ومن هذا المنطلق قد يكون التعاقد مع مدير رياضي جديد في أعقاب استقالة باراتيشي هو الأمر الأكثر أهمية. يتعين على توتنهام أن يضع المبادئ اللازمة ويختار المدير الفني الجديد بعناية، بدلاً من التخمين والارتباك عند كل مفترق طرق. لكن عندما تتنافس مع الأندية المدعومة مالياً، فإن كل طريق سيكون شديد الانحدار، كما حدث أمام نيوكاسل!