الحد من التجاوزات لبناء بيئة إعلامية سعودية صحية

متخصصون يثمّنون تطوير التشريعات لتواكب المتغيرات

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري (الشرق الأوسط)
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري (الشرق الأوسط)
TT

الحد من التجاوزات لبناء بيئة إعلامية سعودية صحية

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري (الشرق الأوسط)
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري (الشرق الأوسط)

يمثل الإعلام فضاءً حيوياً على تماس مع المجتمع في تفاصيل كثيرة. ولقد بات صناعة واسعة التأثير، يشارك في بنائها مؤسسات وأفراد، بعدما أصبح الفرد لاعباً محورياً في إنتاج المواد الإعلامية بفضل الأدوات التقنية الحديثة الممكنة له، الأمر الذي جعله شريكاً لا يمكن تغييبه ولا تجاوز تأثيره في الميدان.
أمام التحوّلات المستمرّة في طبيعة المحتوى والوسيلة في الصناعة الإعلامية، تنشأ على الهامش تعدّيات تؤثر في جودة المحتوى وفي سلامة المجتمع، وأيضاً في الوعي بخط الاتصال والانفصال بين حرية الطرح والتزام الموضوعية، بوصفهما جناحي الأداء الإعلامي السليم. هذا الواقع استدعى في كثير من الأحيان، تدخل الجهات الرسمية لتضطلع بدورها في تنظيم وتطوير المحتوى الإعلامي لقطاع الإعلام، وذلك، في إطار يضمن منهجية واضحة لجميع أصحاب المصلحة، من مستفيدين ومنشآت وعاملين في المجال، وفقاً للسياسة الإعلامية لكل بلد.
في المملكة العربية السعودية، أعلنت «الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع»، أخيراً، ضبط مخالفات إعلامية تجاوزت 4 آلاف مخالفة، خلال الربع الأول من عام 2023، تنوّعت في مضمونها، لكنها اتفقت في طبيعة تجاوزها لقواعد العمل السليم في الفضاء الإعلامي.

الدكتور سعود الغربي

تصريح وزير الإعلام

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري، ذكر أن عمليات ضبط المخالفات على اختلافها، «تأتي في صميم أدوار منظومة الإعلام، لضمان وجود بيئة إعلامية صحية»، مشدّداً على الاستمرار في تطبيق الضوابط، وداعياً الجميع إلى التعاون في الحد من المخالفات. ولقد تنوّعت البلاغات ما بين مخالفات النشر الإلكتروني للمحتوى الإعلامي، والتعصّب الرياضي، وممارسة العمل الإعلامي من دون ترخيص، بالإضافة إلى عدم التقيد بضوابط استيراد وتوزيع المحتوى الإعلامي، وأجهزة الاستقبال غير المفسوحة.
«الهيئة السعودية للإعلام المرئي والمسموع»، وهي هيئة تنظيمية حكومية للإعلام في السعودية، تعنى بتنظيم نشاط البث الإعلامي المرئي والمسموع وتطويره ومراقبة محتواه، أصدرت أكثر من 1700 طلب استدعاء للمخالفين للتحقق من المخالفة، كما أحالت أكثر من 950 مخالفة لإصدار القرارات فيها من الهيئة، أو إحالتها لعرضها أمام لجان النظر في مخالفات أحكام نظام المطبوعات والنشر ونظام الإعلام المرئي والمسموع.

الدكتور عبد الله الرفاعي

وتعدّدت القرارات الصادرة بين توجيه إنذارات، ومخالفات مالية، وتعليق وإلغاء تراخيص إعلامية، ونشر اعتذارات على وسيلة النشر، والإيقاف المؤقت للمخالفين من الظهور الإعلامي، ومصادرة مواد إعلامية مخالفة، مع ضمان حق المخالف في الاعتراض على القرارات الصادرة خلال المدد النظامية المحددة.
وقال متخصّصون إن منظومة التشريعات الرقابية لحالة الإعلام على أهميتها، «لم تمنع تنامي المخالفات والتجاوزات الإعلامية»، داعين إلى «ضرورة فهم طبيعة التغيّرات في الإعلام وقواعده وبيئته وجمهوره التي اختلفت نتيجة التغيرات التي طرأت على المتلقّي والأدوات والمحتوى، وأن جودة المحتوى تعدّ صناعة متقنة وتقوم على الالتزام والموضوعية». وأكد، من جهة أخرى، أن «ضبط الإعلام وتوجيهه أضحيا أمراً أكثر تعقيداً الآن، وهو ما يتطلب التعامل برؤية جديدة أكثر ابتكاراً وجرأة».

التشريعات لم تمنع التجاوزات

من جهة ثانية، قال الدكتور عبد الله الرفاعي، عميد كلية الإعلام بجامعة الإمام سابقاً، إن «الإجراءات المتبعة حالياً في الدول العربية تساعد مرحلياً، لكن إذا تم النظر تاريخياً، فإن منظومة التشريعات الرقابية لم تمنع تنامي المخالفات والتجاوزات الإعلامية، لأن الإجراءات تعد حلولاً جزئية». وأردف أن «الحل الأساسي هو إنشاء محاكم خاصة للنشر، تكون من خلالها المخالفات الإعلامية واضحة قانونياً وفي إطار تشريعي محدد، والانتهاء من إنشاء لجان خاصة للتعامل مع نوع المخالفات التي تتعرّض لذات الأشخاص الاعتبارية أو المعنوية، مثل القذف وانتهاك حقوق الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة».
وأشار الرفاعي إلى أن «غالبية المخالفات التي جرى رصدها واتخاذ إجراءات بشأنها، تتعلق بالمخالفات الإدارية المتعلقة بتجاوزات على القواعد المنظمة للإعلام». ودعا إلى «وضع الأمور في نصابها من أجل الحد من المخالفات، لا سيما المتعلقة بالتجاوز على الأشخاص».
وأوضح أن «البقاء على المنظومة نفسها والآلية القديمة في التعامل مع أنواع المخالفات سيزيد من المشاكل، لأن الإعلام وقواعده وبيئته وجمهوره؛ كل ذلك اختلف نتيجة التغيرات في المتلقي والأدوات والمحتوى، فيما بقيت اللوائح المنظمة لقطاع الإعلام والمصممة لأشكال الإعلام التقليدي على حالها. وما جرى من تكييف لها لتوائم عصر الإعلام الجديد ليس كافياً لحل المعضلة ولا الحد من التجاوزات... بل إن المتتبع للحالة الإعلامية يلاحظ بوضوح ازدياد المخالفات»، وعزا ذلك إلى «عدم قدرة المنظومة التشريعية على مواكبة هذا الحراك الإعلامي المتغيّر والواسع».
الرفاعي قال أيضاً إن «أفضل تعزيز لمنظومة الإعلام وخلق بيئة صحية للوسط الإعلامي، يتحقق من خلال التمييز بين المخالفات التنظيمية، والمخالفات الأخرى التي تمس الأشخاص والمؤسسات، التي لا ينبغي أن تتدخل فيها وزارة الإعلام، وتتفرغ لوظيفتها الرئيسية، بينما يصار إلى التعامل مع التجاوزات باستثناء المخالفات الإدارية لمنظومة الإعلام، عبر الإطار القضائي الواضح والمقنن، الذي تكون فيه سلطة القضاء أقوى وأجدر». وتابع أن «ضبط الإعلام وتوجيهه يصعبان أكثر مع الوقت، الأمر الذي يتطلب التعاطي برؤية جديدة أكثر ابتكاراً وجرأة».

العقوبات ضرورية

الدكتور سعود الغربي، رئيس مجلس إدارة جمعية «إعلاميون» السعودية، من جهته قال إن «العقوبات التي تفرضها هيئة الإعلام المرئي والمسموع على مخالفي أنظمة النشر الإلكتروني، وتعلنها بشكل ربع سنوي، ضرورية جداً لضبط بيئة الإعلام والإعلام الرقمي تحديداً»، مؤكداً «أهمية مراقبة هذا الفضاء بطرق منظمة وإمكانات تقنية متقدمة وكون العمل ممنهجاً ومستمراً للمتابعة والتصحيح».
وأضاف: «المتابع لهذه الفضاءات يجدها تعجّ بكثير من الممارسات والمحتوى الذي يتفق العقلاء على أنه مخالف بشكل أو آخر، سواء كان دينياً أو مجتمعياً أو للذوق العام، ولكن قد لا يصنف مخالفة أو يكون فيه أكثر من قول... وبالتالي، على الجهات الحكومية تطوير لوائحها وأنظمتها وتعزيز كوادرها البشرية والفنية لتكون مواكبة لهذا الكم ولهذه السرعة التي يشهدها الفضاء الإلكتروني».
وأشار الغربي إلى «قلق يساور بعض المتخصصين، في كون آليات الرصد وما يترتّب عليها من عقوبات، ترتبط بردّات فعل المجتمع، بحيث تجد المخالفة التي تأخذ انتشاراً لدى المجتمع وتثير جدلاً لدى الرأي العام، متابعة واهتماماً من جهات الاختصاص وإيقاع العقوبة المقررة على مستحقها، في حين لا تجد بعض التجاوزات - التي قد تكون في بعض الحالات أكثر فداحة - ردة الفعل نفسها من الجهات المختصة، لأنها لم تحظَ بتسليط الضوء والانتشار في الأوساط الاجتماعية، وتمر دون عقاب أو تصحيح».
الغربي اعتبر ذلك «خللاً في منظومة الرصد والمتابعة التي تضمن سلامة المنظومة الإعلامية وتحد من الآثار السلبية للمخالفات الضارّة بالمجتمع وبطبيعة الصناعة الإعلامية ووظيفتها التنموية». ولفت إلى مسألة التوعية والتثقيف، واعتبرها «واجباً وطنياً، حيث ينخرط يومياً مئات المستخدمين الجدد، ممن لا يلمّون بشكل كافٍ باللوائح المنظمة للأداء الإعلامي، الأمر الذي يسهل من الوقوع في المخالفة جهلاً وليس عمداً». ودعا إلى «تنظيم حملات مستمرة لنشر اللوائح المنظمة، ومنها ما يتعلق بالعقوبات المقررة إزاء التجاوزات، وأن تكون الدعاية واضحة ومباشرة ومضمنة لتفاصيل المخالفات والعقوبات المقررة، ما يؤسس لمرحلة وعي اجتماعي متحضر وصناعة إعلامية بكفاءة عالية».


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.