شعراء ونقاد عرب ينتصرون للشعر رغم الاعتراف بأزمته الخانقة

على هامش فعاليات «منتدى أصيلة» الـ37

جانب من المشاركين في ندوة حالة الشعر والشعراء
جانب من المشاركين في ندوة حالة الشعر والشعراء
TT

شعراء ونقاد عرب ينتصرون للشعر رغم الاعتراف بأزمته الخانقة

جانب من المشاركين في ندوة حالة الشعر والشعراء
جانب من المشاركين في ندوة حالة الشعر والشعراء

رصد شعراء ونقاد عرب في ندوة بعنوان «حالة الشعر والشعراء» ضمن فعاليات «منتدى أصيلة» الـ37، الوضعيات المختلفة التي أصبح عليها الشعر اليوم مقارنة مع الماضي وأجناس أدبية أخرى، مشيرين إلى أنه كان يعتلي الأجناس الأدبية، وأكد المشاركون خلال الندوة التي نظمت أخيرا بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية في أصيلة، على أن الشعر يعيش أزمة خانقة تتعدد مظاهرها وتمثلاتها على المنتج الإبداعي، وكذا حالة الشعراء والنقاد والقراء، متشبثين بانتصارهم للشعر والدعوة إلى التدخل للإعلاء من صوته وأدواره.
واعتبر ياسين عدنان، شاعر وإعلامي مغربي، أنه من الطريف انتقال عدوى نهاية الشعر إلى الثقافة العربية بالتعديلات اللازمة، موضحا أن الموت الذي فكر فيه الغرب وُظف مجازا للحديث عن القطيعة والتجاوز، لكن عند العرب أخذ بعدا كارثيا يحيل على العدم والفناء، وخان مجازيته ليصبح موتا حقيقيا بجنازة وقبر ووفود معزين. وقال عدنان، إن الحديث عن الشعر بلغة الجنازة والموت لا يمكن أن يكون طبيعيا، ومن المحتمل أن تكون «بارانويا» الموت هذه مجرد إحساس ذاتي مأزوم أسقطه بعض الرواد على الشعر لاعتبارات قد تكون نفسية أو ثقافية أكثر منها شعرية، مضيفا أنها مجرد احتمالات لا تعلن وفاة أحد كما لا تبشر بالنهايات، وأن كل ما يعنينا هو الدفاع عن حق التجارب الجديدة في الحياة، في الهدم أحيانا لأجل البناء، في التجريب والبحث لأجل العثور على الذات وعلى الصوت الخالص.
ونفى عدنان أن تكون قصيدة النثر كافية لتأطير ما يصطخب في الساحة اليوم، معتقدا أن الانشغال الأهم لشعراء التجربة الجديدة هو توسل الكتابة أسلوبا للوجود عبر لغة أضحت لغة كينونة يتمرأى فيها العالم والوجدان إذ هي جسر الشاعر نحو ذاته وشرفته الأثيرة على العالم. ورأى أنه ربما انحرف الشعر، لكن بالمقابل أكد أن شعرا جديدا فعلا ومختلفا حقا صار يكتب في المغرب وفي كل العالم العربي اليوم، شعر يستفيد من مناخ حرية غير مسبوق في ظل التهميش الجديد الذي صار يعيشه الشاعر.
وذكر عدنان أن الشعر العربي يعيش فترة ازدهار حقيقي في الفترة الأخيرة ببساطة لأن الحكام والسياسيين والمناضلين الحزبيين بدأوا يفقدون الثقة في الشعر، واكتشفوا أن المراهنة عليه لم تعد ذات جدوى كما في السابق، مشيرا إلى أنه بدأ بالتدريج ضياع تلك السمعة الخانقة التي كان يمنحها لقب الشاعر، وهي السمعة التي كانت لها قيمة استثنائية إلى حدود السبعينات من القرن الماضي.
وتحدث محمد منصف الوهايبي، شاعر تونسي، عن تجربة شعراء تونس اللاحقين من الجيل الجديد الذي يفتتح عن جدارة هذه الألفية الثالثة، موضحا أن الشعر عند هؤلاء كأنه ليس تسمية الأشياء بما هي عليه، وإنما طمس وجه التقابل فيها بين الصورة والعمق، في سياق يجعل الشعرية تكمن داخل التعبير وليس داخل المعبر عنه، وليس ثمة ما يصل شعر هؤلاء بـ«النص الشعري المشرقي»، إلا أن «الأب» يمكن أن يخفي آخر، والشعر العربي الحديث محكوم في كثير من نماذجه برغبة حافزة، في مضاهاة النص الشعري الغربي ولا يقدر أحد أن يدعي السلامة منه ومن أثره. وقال الوهايبي، إن الشعر على ما يبدو من تاريخه أميل إلى الأخذ بالاحتمالات اللغوية الخطية الأفقية (النحو) أو أن القصيدة تضع البعد الصرفي والاستعاري في اللغة في مرتبة أعلى من البعد النحوي.
ومن جهته، يرى عز الدين شنتوف، ناقد شعري وباحث جامعي مغربي، أنه بالنظر إلى أوضاع الشعر في جغرافيات أخرى، فإن السياقات المنتجة للتداول هي نفسها تلك المنظومات الكبرى باعتبارها محددا. وأن الدول التي تهتم بالشعر في السنوات الخمس الأخيرة هي تلك التي أعادت النظر في النظام التعليمي: تركيا، سلوفينيا، المكسيك، جنوب أفريقيا. وجعلت الشعر ضمن مقاربتين، الأدب الوطني والأدب القومي في برامجها ومقرراتها التعليمية.
وتبنى شنتوف الدفاع عن «شعر يُفكر» من خلال بعض العناصر التي يتبادل فيها قوة أسئلته ويبدلها مع النسقي وغير النسقي في الفكر، ومن بينها، أنه يفكر في الكتابة من حيث هي أفقه المتجدد، ويفكر بالكتابة باعتبارها آلية للممارسة، وإن فكر الشعر هو الكتابة بما هي حركة في اتجاه اقتراح المعنى، وإن الشاعر يكتب مع لغته في الزاوية المائلة في وجوده، وعدم استقامة هذه الزاوية هو تفكير شعري بمثابة اقتراح «لكوجيطو» مختلف من داخل الكتابة. للشعر القدرة على خلق عوالم للتفكير بالنسبة للأجناس الأخرى.
وفي ورقة حملت عنوان «مُقام الشعر مَقام الشعراء»، قال أحمد هاشم الريسوني، شاعر وباحث مغربي، إن الوضع الراهن للشعر والشعراء يرتبط بالسياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية والفكرية في تحولاتها المتوالية، مبرزا أنه يرى أن الصورة الحالية تظل صورة طبيعية في أبعادها، وكذلك في انعكاساتها، وأن مهمة الشاعر الآن تأثرث بكل هذه التحولات وتلك السياقات، إلا أن جوهر الشعر لم يتغير بقدر ما أن التغيير مس وظيفة الشعر، مؤكدا أنه رغم الحضور اللافت للسرد في الآونة الأخيرة، وهناك من يحله محل الشعر، إلا أن الحقيقة ليست كذلك، بحيث نجد هيمنة الشعر في كل مناحي الإبداع.
وتصور الريسوني أن وضعية الشعر والشعراء تظل وضعية كينونة، تنفلت دوما من مقامات الكائن، منسابة في مرايا الممكن، وهو انسياب المكان عبر الحلم صوب الذات، بمعنى أن الشعر ليس عبارة عن صور فنية تعكس المكان الخارجي وجزئياته بدقة وبراعة، بل هو تشكيل نبوئي حالم يضفي على الصورة الخارجية إيقاع الروح فتنتقل من حالتها الجزئية المنتهية إلى الحالة التشكيلية.
وتحدث بنعيسى بوحمالة، ناقد وباحث أدبي مغربي، عن مأزق الشعر في علاقته مع ما يُسمى النخبة وإمكانية اعتبار أن الشعر جنس نخبوي، وأن الشكل دائمًا كان مشكل دلالات ومفردات لا تحضر في الفترة المناسبة التي يحتاج إليها الشاعر، معتقدًا أنه ربما في بعض الحالات كتابة قصيدة النثر أشق وأصعب من قصيدة التفعيلة، إلا أنه للأسف هناك شريحة كبيرة من الفاعلين يصنفون قصيدة النثر بأنها تحرر من عبء الأوزان والتفعيلة.
وقال بوحمالة إن الممارسة العربية الشعرية تنضوي تحت المناخ الذي يفرض نفسه انطلاقا من قوة القرار السياسي والاقتصادي، مضيفا أن الشعر العربي في أزمة ولكن مع ذلك وللنزاهة هناك استثناءات وتجارب تشتغل على نصوص عربية.
واعتبرت وفاء العمراني، شاعرة مغربية، أن الشعر قصيدة استمرار تنكتب في زمن من الصفقات والمتاجرة بكل شيء حتى بالعقل، وقالت: «ما أحوجنا إلى شعر صفاء وقيمة روحية نبيلة». وشددت العمراني على مواجهة العالم بالكتابة بالسؤال والبحث والتجدد، وأنه رغم كل الأوصاف التي تكتسيها حالة الشعر والشعراء اليوم ورغم اليأس «فإننا سنظل ننتصر للشعر ونأمل ذلك بامتياز».



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم مساء السبت، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

وبعد اختتام مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي أُقيم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر «بيت الفلسفة» بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة؛ اجتمع أعضاء «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» في مقرّها بـ«بيت الفلسفة»، وأصدروا بياناً دعوا إلى تأسيس نواة «اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية»، ومقرّه الفجيرة، وتشجيع الجمعيات على الانضمام إلى «الفيدرالية الدولية للفلسفة».

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وأكد البيان أهمية مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج العربي، مثل مشكلة الهوية وتعزيز الدراسات حولها.

ودعا للسعي إلى «الإضاءة على الفلسفة في العالم العربي وتمييزها من الفلسفة الغربية؛ لأنّ هدف بيت الفلسفة المركزي تعزيز الاعتراف بالآخر وقبوله».

كما دعا البيان إلى تعزيز دائرة عمل «حلقة الفجيرة الفلسفيّة»، بما يضمن تنوّع نشاطها وتوسّع تأثيرها؛ بدءاً بعقد جلسات وندوات شهريّة ودوريّة من بُعد وحضورياً، ومروراً بتعزيز المنشورات من موسوعات ومجلّات وكتب وغيرها، وانتهاء باختيار عاصمة عربيّة في كلّ سنة تكون مركزاً لعقد اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» بإشراف «بيت الفلسفة».

وأكد توسيع دائرة المشاركين خصوصاً من العالم الغربي؛ بحيث يُفعّل «بيت الفلسفة» دوره بوصفه جسراً للتواصل الحضاري بين العالمين العربي والغربي.

كما بيّن أهمية إصدار كتاب يجمع أعمال المؤتمرات السابقة. وبدءاً من العام المقبل سيعمد «بيت الفلسفة» إلى تعزيز الأبحاث المطوّلة في المؤتمر ونشرها في كتاب خاصّ.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة هو الأول من نوعه في العالم العربي، وتشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان: «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام التي بدأت يوم الخميس الماضي واختُتمت السبت، إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً بتعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة؛ مثل: الفلسفة، والأدب، والعلوم.

وتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطوّر الفكر المعاصر.

وخلال مؤتمر هذا العام سعى المتحدثون إلى تقديم رؤى نقدية بنّاءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث، ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي، ومفاهيم مثل «نقد النقد»، وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وعملت دورة المؤتمر لهذا العام على أن تصبح منصة غنيّة للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

وشملت دورة هذا العام من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتُتح اليوم الأول بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، وكلمة للأمين العام للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتضمّنت أجندة اليوم الأول أربع جلسات: ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أما الجلسة الثالثة فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما ضمت الجلسة الرابعة محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، وترأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما ضمّت أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش، وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

وتكوّن برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) من ثلاث جلسات، ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، وترأست الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وضمت الجلسة الثالثة محاضرة للدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم أي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

وتكوّن برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تناولت الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي في طلاب الصف الخامس»، شارك فيها الدكتور عماد الزهراني، وشيخة الشرقي، وداليا التونسي.

وشهدت الجلسة الثانية اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفية» ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.