توتر وانتشار قوات في الخرطوم عشية توقيع «الاتفاق السياسي»

خلافات البرهان وحميدتي تهدد بتأجيل للمرة الثانية

توتر وانتشار قوات في الخرطوم عشية توقيع «الاتفاق السياسي»
TT

توتر وانتشار قوات في الخرطوم عشية توقيع «الاتفاق السياسي»

توتر وانتشار قوات في الخرطوم عشية توقيع «الاتفاق السياسي»

سادت حالة من التوتر في العاصمة السودانية الخرطوم، وانتشار كبير لقوات وآليات عسكرية، ووضع الأجهزة الأمنية كافة في حالة استعداد، بما في ذلك استنفار الشرطة لإعداد ونصب نقاط «ارتكاز وتفتيش» عديدة، وذلك عشية الموعد الجديد المحدد لتوقيع «الاتفاق السياسي النهائي» الذي تنتقل بموجبه السلطة من العسكريين إلى المدنيين، بعد غدٍ (الخميس).
وذكرت مصادر، أن الجيش وضع قواته على أهبة الاستعداد القصوى وأوقف «إجازات أفراده»، ويشاهد المارة نشر عربات مسلحة ومدرعات وعليها جنود بكامل عتادهم العسكري في عدد من المناطق، في حين أعادت قوات «الدعم السريع» هي الأخرى نشر نحو 60 ألف جندي من قواتها في الخرطوم.
وأبلغت مصادر متطابقة «الشرق الأوسط»، أن اللجنة الفنية المشتركة المسؤولة عن مشاورات دمج «الدعم السريع» في الجيش، اقترحت تشكيل هيئة قيادة مشتركة من 6 قادة، 4 من الجيش و2 من «الدعم السريع». غير أن الطرفين لم يتفقا على رئاسة هذه الهيئة؛ إذ يرى الجيش أن القائد العام ينبغي أن يرأسها، بينما يطالب «الدعم السريع» بأن يرأسها رئيس الدولة المدني. ويهدد هذا الخلاف بتأجيل جديد لتوقيع «الاتفاق النهائي»، الذي تأجل أصلا من 1 إلى 6 أبريل (نيسان) الحالي.
وينص «الاتفاق الإطاري»، الذي وقّعه العسكريون والمدنيون في 5 ديسمبر (كانون الأول) الماضي بغرض نقل السلطة إلى المدنيين، على أن «رأس الدولة» المدني هو «القائد الأعلى» للقوات المسلحة. كما كان الطرفان العسكريان قد وقّعا في منتصف مارس (آذار) الماضي، على إعلان مبادئ تضمن دمج جميع القوات الحاملة للسلاح في الجيش، وتكوين جيش موحد بعقيدة وطنية يحمي الدستور ويدافع عن البلاد. واعتبر إعلان مارس - المعروف باتفاق «أسس ومبادئ إصلاح القطاع العسكري والأمني» - دمج قوات «الدعم السريع» قضية فنية وأمنية ذات أبعاد سياسية تحتاج إلى المزيد من النقاش، ونص الاتفاق على وضع آليات متدرجة لتحديد «القيادة والسيطرة» وأيضاً تحديد توقيتات وضوابط دمج القوات وإصلاح الأجهزة العسكرية والنظامية في مراحل تستغرق سنوات.
وتبدأ خطوات الدمج بالاتفاق على الإصلاحات وعلى جداول التنفيذ، وبدء عمليات الدمج المتدرج بتوحيد هيئات القيادة، ثم هيئات الأركان فقيادات المناطق، لتنتهي بتوحيد قيادات الفرق، إلى جانب تنفيذ الترتيبات الأمنية الواردة في اتفاق «سلام جوبا» بدمج وتسريح قوات الحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق.
وكشفت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، عن أن هناك نقطتين إضافيتين في الخلاف بين القوتين العسكريتين هما، أن الجيش يطالب بدمج «الدعم السريع» في القوات المسلحة خلال عامين فقط، بينما يطالب الأخير بفترة أطول تمتد من 5 إلى 10 سنوات. والأهم من ذلك اشتراط حميدتي «تطهير الجيش من الضباط الإسلاميين الذين كدّسهم الرئيس المعزول عمر البشير طوال فترة حكمه لـ30 عاماً».
وفي سياق ذي صلة، قال الناطق الرسمي باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف، في تصريحات أمس، إن اجتماعات عديدة تنعقد اليوم لتسريع معالجة القضايا العالقة، والتهيئة لمواجهة مآلات تأخير توقيع الاتفاق النهائي والخيارات البديلة، تستهل باجتماع لتحالف «الحرية والتغيير» منفردا لوضع خطط مواجهة الاحتمالات كافة.
وأبلغ يوسف الصحافيين، أن القصر الجمهوري سيشهد هو الآخر اجتماع لجنة صياغة الاتفاق النهائي، لإدراج الملاحظات التي تلقتها حول المسودة الأولية من القوى الموقعة على «الاتفاق الإطاري» ومن الخبراء والمهتمين بالشأن العام خلال الفترة التي تلت الفراغ من المسودة الأولى، لتختتم سلسلة الاجتماعات باجتماع قادة القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري لإجازة موقفها النهائي من قضايا الاتفاق السياسي.
وكان الدعم السريع قد اقترح 22 عاماً لاكتمال الدعم، في حين طالب الجيش بدمج سريع في حدود ستة أشهر، وحدد إعلان المبادئ فترة لا تزيد على 10 سنوات، ورأت جهات خبرة دولية أن أقل فترة تمكن من دمج ناجح للقوات يجب ألا تقل عن 54 شهراً.
ووفقاً لتطورات الأيام الماضية، لم تعد قضية سنوات دمج قوات الدعم السريع هي القضية الرئيسية في الخلافات اللافتة بين القوتين، بل من يقود الجيش الموحد هي «العقدة» التي قد تنسف كل شيء.
وكانت ورشة الإصلاح الأمني والعسكري قد عقدت في الشهر الماضي، وهو الملف الأخير في المرحلة النهائية من العملية السياسية الجارية في البلاد منذ توقيه «الاتفاق الإطاري» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. غير أن ممثلو الجيش انسحبوا من الجلسة الأخيرة للورشة بعد تفاقم خلافاتهم مع الدعم السريع.
وناقشت الورشة دمج «قوات الدعم السريع» في الجيش وفق مراحل وجداول زمنية يتفق عليها، بالإضافة إلى دمج مقاتلي الفصائل المسلحة وفقاً لبند الترتيبات الأمنية المنصوص عليه في اتفاق «جوبا للسلام». وتشدد القوى المدنية على ضرورة تطهير وإبعاد عناصر الإسلاميين التابعين لنظام الرئيس المعزول عمر البشير، من جميع الأجهزة العسكرية والأمنية كافة.
واتفقت الأطراف السودانية الموقعة على الاتفاق السياسي الإطاري على تكوين لجنة فنية بين «الجيش» وقوات «الدعم السريع» لمناقشة المسائل الفنية والتصورات المقترحة بشأن وحدة عملية دمج القوات من أعلى القيادة وعلى مستوى الأركان والمناطق والفرق.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.