الفول والتميس... علاقة ثنائية عريقة لم تغيرها الحداثة

الفول وجبة أساسية تعتمدها الأسر في رمضان (تصوير: علي خمج)
الفول وجبة أساسية تعتمدها الأسر في رمضان (تصوير: علي خمج)
TT

الفول والتميس... علاقة ثنائية عريقة لم تغيرها الحداثة

الفول وجبة أساسية تعتمدها الأسر في رمضان (تصوير: علي خمج)
الفول وجبة أساسية تعتمدها الأسر في رمضان (تصوير: علي خمج)

لم تغيّر التحولات التي طرأت على الأذواق، وأصناف الطعام التي دخلت الأسواق، من قيمة ثنائية «الفول والتميس» على السفرة الرمضانية، فحافظت على حضورها في قائمة طعام الأغنياء والفقراء على حد سواء، إذ تقف طوابير الانتظار عندما يوشك الأذان، لينال كل حصته من الوجبة، فيما تتقد الأفران التي تحضر قطع خبز التميس، الذي هاجر من دول آسيا الوسطى إلى غرب السعودية.
ويعود ارتباط الوجبة التقليدية بالموائد العربية، خصوصاً في رمضان، إلى سعره الزهيد، الذي مكّن جميع الطبقات والفئات من شرائه، بالإضافة إلى القيمة الغذائية العالية التي يتمتع به في تركيبته ومكوناته باعتباره طعاماً صحياً ونافعاً، حافظ على ثبات بريق ثنائية «الفول والتميس» في قائمة الطعام، رغم ما طرأ عليه من تحولات في شكله ومكوناته، ولا سيما خبز التميس الذي أصبح أكثر تنوعاً وانتشاراً.

ويرتبط خبز «التميس» بقصة طويلة منذ بدء دخوله إلى منطقة الحجاز، ومن ثم انتشاره في بقية مدن المملكة، قادماً من دول آسيا الوسطى، ولا سيما منطقة «بخارى» التي اشتهر فيه هذا النوع من الخبز الذي يشبه إلى حد كبير خبز التنور الهولي أو الباكستاني، مع تفاوت في الحجم والسماكة وبعض المكونات عند تحضيره.

المطاعم الشعبية تتنافس في تقديم التميس (تصوير: علي خمج)

وترتبط مقولة «صبر جوعك بالفول والتميس ولا تنسى تسمي قبل التغميس» في أوساط المجتمع السعودي، اعترافاً بقدرة هذه الوجبة على السيطرة على الجوع، وتأكيداً على العلاقة التاريخية العريقة للتميس (الخبز الأفغاني) مع الفول، سواء على مائدة الإفطار الرمضانية، أو في صباح أي يوم من أيام السنة.
وتقول مستشارة ومدربة الطهي، بدور بدر، إن «وجود الفول والتميس في باكر اليوم، استوجب ربطهما لتقارب قيمتهما المادية، ولأن الفول يتطلب وجود الخبز لتناوله، حضر التميس ليفرض نفسه بمذاقه المتميز الذي أضاف طعماً رائعاً، وأصبحت المطاعم الشعبية تحرص على وجود هذين المكونين في مكان واحد، ومع تطور السوق وتعدد مصادر الخبز وأنواعه، تم تطويرهما سوياً والحفاظ على عمق هذا الارتباط».
وللفول قيمة غذائية عالية، باعتباره مصدراً مهماً للمغنسيوم والنحاس والحديد ومضادات الأكسدة، غير أنه يحتوي على نسبة عالية من الفيتامينات والبروتينات التي يحتاجها الجسم، لذا هو بمثابة ثروة، إلا أن تناوله يمكن أن يتسبب في حالة من الخمول. أما التميس فيحتوي على كمية كبيرة من الكربوهيدرات التي تنشط الجسم وتمده بالطاقة لتكتمل قيمة الفول الغذائية من جميع النواحي.
وعن فرصة اختيار أي نوع آخر من الخبز، ترى مدربة الطبخ بدور أن وصف التميس بشكله الدائري والخفيف يساعد على الاحتفاظ بنكهة الفول، وعدم امتصاصه أثناء تناوله، وأصبح التميس نتيجة ذلك الأنسب من بين كل الأنواع وارتبط به ارتباطاً قوياً.

تحضير التميس يسبق بيعه بدقائق (تصوير: علي خمج)

وعن تعدد وصفات الفول وأنواع التميس، تقول بدور: «لتحضير الفول عدة طرق تفرقت واجتمعت تحت سقف بلادنا الحبيبة، ومهما اختلفت طرق تناوله، فإننا نحرص على تناوله بكل الطرق في المملكة، ففي الحجاز اشتهر الفول المبخر والفول بالدُقة المدينية والدقس والفول (القِلابة) والفول المكشن، واشتهر التميس كذلك بعدة أنواع، من أهمها تميس بالسمن وتميس بالبسكوت، وأخيراً أصبح يوجد تميس بعدة حشوات، منها الجبن الأصفر، والبصل والزيتون والزعتر».
وعما إذا لحق تغيير بالفول، بيّنت بدور أن للفول طعماً قوياً جداً لا يمكن أن يتأثر بأي مكون إضافي، لذا فإن وجود أي مكون دخيل في إعداد ذلك الطبق الساحر يعتبر إضافة وتعزيزاً له ولا يغير من طعمه الجميل، مشيرة إلى أن منكهات الفول تعتمد على البهارات وقليل من الخضراوات زهيدة الثمن.
الأمر الذي حافظ على طعمه وجعل سعره في متناول الجميع، مع حرص الطهاة دائماً على تطوير طرق تقديمه. أما التميس فبقي على هويته الأصلية وطبيعته التقليدية، مع تطوير طفيف لم يؤثر في ثباته على السفرة الرمضانية.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

مرشح ترمب لوزارة الدفاع يواجه استجوابا شرسا من الديمقراطيين

ترمب يدلي بتصريح عام 2017 لمقدم البرامج في «فوكس نيوز» بيت هيغسيث الذي رشحه لمنصب وزير الدفاع (رويترز)
ترمب يدلي بتصريح عام 2017 لمقدم البرامج في «فوكس نيوز» بيت هيغسيث الذي رشحه لمنصب وزير الدفاع (رويترز)
TT

مرشح ترمب لوزارة الدفاع يواجه استجوابا شرسا من الديمقراطيين

ترمب يدلي بتصريح عام 2017 لمقدم البرامج في «فوكس نيوز» بيت هيغسيث الذي رشحه لمنصب وزير الدفاع (رويترز)
ترمب يدلي بتصريح عام 2017 لمقدم البرامج في «فوكس نيوز» بيت هيغسيث الذي رشحه لمنصب وزير الدفاع (رويترز)

تحمل بيت هيغسيث مرشح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لقيادة وزارة الدفاع (البنتاغون) استجوابا شرسا من الديمقراطيين بشأن كل شيء بداية من قلة خبرته ومزاعم بإفراطه في شرب الكحوليات إلى معارضته السابقة لمشاركة النساء في القتال ليخرج سالما بدعم من الجمهوريين في جلسة لتأكيد تعيينه أمس الثلاثاء.

وهيغسيث، المذيع السابق في فوكس نيوز والعسكري المخضرم الحائز على الأوسمة، أحد أكثر الشخصيات المثيرة للجدل التي ترشحت لمنصب وزير الدفاع. لكنه تمكن من اجتياز الجلسة التي استمرت أربع ساعات دون ارتكاب أي خطأ كبير من شأنه أن يثير نفور الجمهوريين منه، بل ونال دعما حاسما من السناتور الجمهورية جوني إيرنست، التي تتمتع بنفوذ كبير في حزبها.

وأشاد عدد من أعضاء اللجنة الجمهوريين الآخرين بالرجل البالغ من العمر 44 عاما، والذي انتقد مبادرات التنوع والمساواة والاندماج في الجيش. وفي أحدث كتبه تساءل عما إذا كان أعلى جنرال أميركي حصل على الوظيفة لأنه أسود.

وحين سئل عما إذا كان سيقيل رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال سي.كيو براون إذا تولى الوزارة، وهو احتمال كانت رويترز أول من أورد تقارير بشأنه، رفض هيغسيث استبعاد ذلك قائلا إنه سيجري مراجعة واسعة النطاق. وقال هيغسيث «سيخضع كل ضابط كبير لإعادة التقييم على أساس الجدارة والمعايير والقدرة على القتال والالتزام بالأوامر القانونية المنوط بها».

وقبل ترشيحه، عارض هيغسيث بشدة تولي النساء الأدوار القتالية، لكنه تراجع عن هذا الموقف في الجلسة. وقال السناتور جاك ريد العضو البارز في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ «سيد هيغسيث، لا أعتقد أنك مؤهل لتلبية المتطلبات الهائلة لهذه الوظيفة».

وأثارت عدة وقائع قلق المشرعين تضمنت مزاعم اعتداء جنسي ضد هيغسيث في عام 2017 لكنها لم تفض إلى توجيه اتهامات نفاها بالفعل. كما اتُهم بالإفراط في شرب الكحوليات وسوء الإدارة المالية في منظمات قدامى المحاربين. وتعهد هيغسيث بالامتناع عن شرب الكحول إذا تأكيد تعيينه وقال إنه ارتكب بعض الأخطاء المالية لكنه نفى ارتكاب أي مخالفات. وانتقدت السناتور الديمقراطية كيرستن غيليبراند تصريحات هيغسيث السابقة حول النساء، قائلة إنه سيضطر إلى تغيير نظرته جذريا إلى النساء اللاتي يشكلن 18 بالمئة من الجيش الأميركي.

وعلى الرغم من الدعم القوي له من الجمهوريين المؤيدين لترمب، فإن تأكيد تعيين هيغسيث من المرجح أن يكون بهامش ضئيل مقارنة مع تأييد 93 صوتا مقابل معارضة صوتين للويد أوستن وزير الدفاع في إدارة الرئيس جو بايدن و98 صوتا مؤيدا نالها جيم ماتيس أول مرشحي ترمب لهذا المنصب.

وبعد الجلسة، قالت إيرنست التي توقع خبراء أن تصوت ضد هيغسيث وربما تقنع آخرين بالتصويت ضده، إنها تدعمه لنيل المنصب. وقالت إيرنست في بيان «لقد اختار قائدنا الأعلى القادم بيت هيغسيث لتولي هذا المنصب، وبعد محادثاتنا والاستماع إلى سكان ولاية أيوا وقيامي بمهمتي كعضو في مجلس الشيوخ، سأدعم اختيار الرئيس ترمب لمنصب وزير الدفاع».

وعندما سئل عن التصريحات المعارضة لمشاركة النساء في القتال، أشار هيغسيث إلى ضرورة إلغاء الحصص المخصصة للأدوار في الخطوط الأمامية. وردت غيليبراند بأن مثل هذه الحصص غير موجودة. كما هاجمت السناتور الديمقراطية تامي داكوورث، وهي عسكرية سابقة فقدت ساقيها في القتال في العراق، هيغسيث بسبب نقص معرفته بالسياسة الخارجية وافتقاره إلى الخبرة الإدارية. وقالت «تقول إنك مهتم بالحفاظ على قوة قواتنا المسلحة... فلا يجوز أن نخفض المعايير من أجلك. أنت يا سيدي غير مؤهل لتولي هذا المنصب».

وإذا تم تأكيد ترشيحه، فقد يتمكن هيغسيث من تنفيذ وعود ترمب بالتخلص من الجنرالات الذين يتهمهم بالسعي إلى تطبيق سياسات التنوع في الجيش.